باحثة روسية: بوتين لا يخادع وإطلاق صاروخ فرط صوتي متوسط المدى يُعدّ «تحذيراً»

آنا ماتفيفا: أظهر الهجوم قوة موسكو دون مجازفة... كما أثبت نظام الـ30 دقيقة التحذيري مع واشنطن نجاحه

بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

باحثة روسية: بوتين لا يخادع وإطلاق صاروخ فرط صوتي متوسط المدى يُعدّ «تحذيراً»

بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)
بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)

في خطوة مثيرة للجدل خلال فترته الانتقالية، كثَّف الرئيس الأميركي جو بايدن دعم بلاده لأوكرانيا من خلال الموافقة على نشر مقاولين عسكريين ونقل ألغامٍ مضادة للأفراد والسماح باستخدام صواريخ «أتاكمز» أميركية الصنع لشن ضربات داخل روسيا. وتستهدف هذه الإجراءات تعزيز دفاعات أوكرانيا قبل تولي خليفة بايدن الرئيس المنتخب دونالد ترمب السلطة، إلا أنها تخاطر بالتعرض لانتقادات دولية، خصوصاً إذا فشلت الصواريخ الغربية. فقد ردت روسيا باختبار صاروخ «أوريشنيك» الذي تفوق سرعته سرعة الصوت؛ ليؤكد بذلك قوته مع تجنب تصعيد أوسع نطاقاً.

«أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، قالت الدكتورة آنا ماتفيفا، الباحثة الزائرة بمعهد روسيا، التابع لكلية كينغز كوليدج لندن، ومؤلفة كتاب «خلال أوقات المتاعب»، إن الرئيس جو بايدن لم يلتزم الحذر وقرر استغلال الفترة الانتقالية لزيادة مخاطر الحرب في أوكرانيا. فقد سمح بانتشار المقاولين العسكريين الأميركيين داخل أوكرانيا ونقل ألغامٍ مضادة للأفراد إلى أوكرانيا. ولا تعدّ هذه الخطوة الأخيرة عملاً غير قانوني؛ نظراً لأن الولايات المتحدة لم توقّع مطلقاً على اتفاقية أوتاوا، إلا أنها تظل موضع شك من الناحية الأخلاقية. وبشكل عام، فإن الرغبة في تعظيم دعم أميركا لحليفتها واضحة لكي تتمكن أوكرانيا من الصمود لفترة بعد انتهاء ولاية بايدن في البيت الأبيض. ومن المتوقع أن يتم تقديم المزيد من الدعم.

فلاديمير بوتين يصافح دونالد ترمب خلال لقاء في اليابان (أ.ب)

ومن الناحية العسكرية، من غير المرجح أن تغير صواريخ «أتاكمز» وصواريخ «ستورم شادو» البريطانية الصنع الأوضاع في أوكرانيا، حيث إن الجيش الروسي على دراية بها من المعارك التي خاضها من قبل، ومن المتوقع أن تكون روسيا قد أبعدت أصولها القيّمة من المدى الذي تصل إليه هذه الصواريخ. ولا تمتلك أوكرانيا مخزونات كبيرة من الصواريخ، وتكمن أولويتها في الدفاع عن أراضيها بدلاً من الاحتفاظ بموطئ قدم في منطقة كورسك الروسية إلى أجل غير مسمى.

وترى الدكتورة ماتفيفا، التي عملت لدى الأمم المتحدة وعاشت في آسيا الوسطى بصفتها المستشارة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعني بالسلام والتنمية، أنه إذا حدث خطأ في الملاحة وتسبب في سقوط صاروخ غربي على روضة أطفال روسية، فسيضيف هذا إلى تضرر سمعة الغرب على الصعيد الدولي.

وأشارت ماتفيفا إلى أن الأمر الواضح هو أن بايدن عازم على ترك إرث معقد في السياسة الخارجية لخليفته قدر الإمكان وعرقلة طموحات ترمب لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا.

وظهر الانطباع بأنه يحاول استفزاز روسيا للقيام برد فعل متهور، يجعل مفاوضات السلام مع بوتين صعبة للغاية، حتى بالنسبة لترمب. ولا يستند نهج الرئيس القادم إزاء الصراع إلى هزيمة روسيا، لكنه قد لا يكون قادراً على تحمُّل تصعيد خطير. وهذا ما تردد أن ترمب حذر بوتين من القيام به.

وهكذا، فإن الضربات التي وافقت عليها الولايات المتحدة على منطقتي كورسك وبريانسك الروسيتين يومي 19 و21 نوفمبر (تشرين الثاني) وضعت موسكو أمام معضلة: إما الرد بقوة والتخلي عن آمال السلام أو ابتلاع كبريائها والانتظار لمدة شهرين حتى تنصيب ترمب. ونظراً لأن بوتين يحقق النجاح لأنه يفعل ما يقول، فإنه لا يمكن أن يترك ضربة تمر دون أن يرد عليها ـ وإلا فإن صورة القوة الروسية ستتضرر وستفقد تهديداتها للغرب مصداقيتها. وكان يتعين على بوتين أن يتحرك، على الأقل بدافع احترام الذات.

خبراء أوكرانيون يعاينون بقايا صاروخ روسي الاثنين في خاركيف (إ.ب.أ)

وقالت ماتفيفا إن موسكو اختارت الرد في ساحة المعركة الحالية بدلاً من مهاجمة مصالح غربية في مختلف أنحاء العالم. وقد حققت روسيا هذا الغرض من خلال إطلاق الصاروخ «أوريشنيك» الباليستي متوسط المدى الذي تفوق سرعته سرعة الصوت ومن دون رأس حربية نووية على أوكرانيا المدمرة بالكامل. فقد أظهر هذا الهجوم قوة روسيا دون أن يتسبب في ضرر جسيم. وأظهرت روسيا أن لديها سلاحاً، كشفت عنه في السابق، وأنها مستعدة لاستخدامه.

وقد كانت عملية إطلاق الصاروخ تجربة مذهلة وناجحة وإن كانت محفوفة بالمخاطر. فقد نجح الصاروخ في اختبار ظروف القتال ووصل إلى هدفه وهو منشأة «يوجماش» الأوكرانية للإنتاج العسكري في دنيبرو دون أن يتم اعتراضه.

وأشارت ماتفيفا إلى أن الأمر المشجع هو أن نظام التحذير الروسي - الأميركي أثبت نجاحه، فقد أصدر المركز الروسي للحد من الخطر النووي إشارة إخطار مسبق إلى نظيره الأميركي قبل ثلاثين دقيقة من الإطلاق لكي يعرف نظام تتبع الصواريخ الأميركي أن هذا الإطلاق لم يكن نووياً.

وحذَّر بوتين الذي اكتسب جرأة من أنه يمكن أن يكون هناك المزيد من تجارب إطلاق الصواريخ؛ وذلك بناءً على الطريقة التي سيتصرف بها الغرب، في إشارة واضحة إلى دعوات بعض السياسيين الأوروبيين لإرسال قواتهم إلى أوكرانيا.

واختتمت ماتفيفا تحليلها بالقول إن هذه الأحداث أظهرت أن انتقال السلطة في الولايات المتحدة يمثل فترة غير مستقرة للغاية قد تشهد تصعيداً كبيراً. ويبدو أن الضمانة الرئيسة ضد اندلاع حرب كبرى هي وجود العقل في موسكو وليس الحكمة الصادرة من واشنطن. فهل مات فن الدبلوماسية الدفاعية في الغرب؟ لقد زاد الطلب عليه الآن.


مقالات ذات صلة

واشنطن تحث أوكرانيا على خفض سن الخدمة العسكرية

أوروبا أرشيفية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال زيارته لأحد مراكز الجيش الأوكراني (رويترز)

واشنطن تحث أوكرانيا على خفض سن الخدمة العسكرية

قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، إن على أوكرانيا أن تفكر في خفض سن الخدمة العسكرية لجنودها من 25 إلى 18 عاماً، مما يشكل ضغوطا على كييف لتعزيز قواتها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب وكيلوغ خلال لقاء سابق عام 2017 (أ.ف.ب)

ترمب يعين جنرالاً سابقاً مقرباً منه موفداً إلى أوكرانيا وروسيا

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، اليوم (الأربعاء)، أنه عيّن الجنرال السابق كيث كيلوغ المقرب منه للغاية، موفداً إلى أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جانب من الدمار جراء الغارات الروسية على أوكرانيا (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة قلقة بشأن «تصعيد جديد» للحرب في أوكرانيا

أعرب مسؤول كبير في الأمم المتحدة، اليوم (الأربعاء)، عن قلقه بشأن «تصعيد جديد» للحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا دبابة تابعة لقوات من المتطوعين موالية لأوكرانيا توغلت في الأراضي الروسية (إ.ب.أ)

15 ألف «مرتزق أجنبي» من 100 بلد يقاتلون الروس إلى جانب أوكرانيا

شكل انخراط آلاف من «المرتزقة الأجانب» من زهاء 100 بلد في العمليات العسكرية إضافة نوعية إلى الدعم العسكري والاستخباراتي الواسع الذي تحصل عليه أوكرانيا

رائد جبر (موسكو)
أرشيفية لتجربة أجرتها كوريا الشمالية لصاروخ باليستي (أ.ب)

موسكو ستبقي القنوات مفتوحة مع واشنطن... لكن تحذرها من «دوامة التصعيد»

حثت موسكو الأربعاء الولايات المتحدة على ضرورة وقف ما سمته «دوامة تصعيد» بشأن أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (سيول)

روسيا تشن هجمات غير مسبوقة... وتتوعد بالمزيد

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)
TT

روسيا تشن هجمات غير مسبوقة... وتتوعد بالمزيد

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)

أفادت السلطات الأوكرانية بأن القوات الروسية شنت ليل الاثنين - الثلاثاء هجمات غير مسبوقة بطائرات مسيّرة على مدن أوكرانية، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربي عن جزء كبير في غرب البلاد وإلحاق أضرار بمبان سكنية في منطقة كييف. وقال سلاح الجو الأوكراني إن روسيا شنت «عدداً من الهجمات بواسطة طائرات من دون طيار من طراز شاهد (إيرانية الصنع) ومسيّرات أخرى غير معروفة الطراز»، مستهدفة منشآت حيوية. وأضاف المصدر نفسه أن عدد الطائرات المستخدمة بلغ 188 مسيّرة.

وتوعدت وزارة الدفاع الروسية بتحضير مزيد من العمليات رداً على الهجمات الأخيرة التي نفّذتها أوكرانيا على أراضيها باستخدام صواريخ أتاكمز التي زودتها بها الولايات المتحدة. وقالت الوزارة على تطبيق «تلغرام»: «يجري الإعداد لإجراءات انتقامية».

وعقد «مجلس حلف شمال الأطلسي (الناتو) - أوكرانيا» اجتماعاً على مستوى السفراء في بروكسل، أمس، لبحث التصعيد على الجبهة وإطلاق صاروخ روسي باليستي فرط صوتي على أوكرانيا، الأمر الذي تسبب في توتر متزايد بين أعضاء الحلف وموسكو. كما عقد وزراء خارجية «مجموعة السبع» اجتماعاً بحثوا فيه التصعيد، وقالوا في بيان مشترك أمس إن إطلاق روسيا الأسبوع الماضي صاروخاً فرط صوتي على أوكرانيا، دليل على «سلوكها المتهور والتصعيدي». وهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرب الدول التي تزود الأوكرانيين بصواريخ قادرة على ضرب العمق الروسي، عادّاً أن الحرب في أوكرانيا اتخذت «طابعاً عالمياً».