الأوروبيون حائرون في التعاطي مع مرحلة ما بعد بايدن

يناقشون في بودابست تبعات انتخاب ترمب على أمنهم الجماعي

دونالد ترمب الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية يقلق الأوروبيين الخائفين من تخليه عن أوروبا
(رويترز)
دونالد ترمب الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية يقلق الأوروبيين الخائفين من تخليه عن أوروبا (رويترز)
TT

الأوروبيون حائرون في التعاطي مع مرحلة ما بعد بايدن

دونالد ترمب الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية يقلق الأوروبيين الخائفين من تخليه عن أوروبا
(رويترز)
دونالد ترمب الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية يقلق الأوروبيين الخائفين من تخليه عن أوروبا (رويترز)

لم تتأخر في الظهور مفاعيل عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير (كانون الثاني) المقبل على القادة الأوروبيين المجتمعين طيلة يوم الخميس في إطار «المجموعة السياسية الأوروبية» التي تضم كافة الدول الأوروبية باستثناء روسيا في بودابست فيما ستقتصر قمة الجمعة على رؤساء ودول الاتحاد الأوروبي الـ27. ذلك أنه بعد أقل من 48 ساعة على إعلان فوز ترمب بولاية جديدة، عادت «نغمة» بناء «الاستقلالية الاستراتيجية» إلى الظهور وعاد «بطلها» الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لطرحها بقوة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

ففي الكلمة المطولة التي ألقاها استعان ماكرون بكافة الحجج والبراهين لإقناع مستمعيه بحاجة أوروبا لإمساك مصيرها بيديها مع قناعته بأن كافة الأوروبيين لا يدفعون في الاتجاه نفسه وأن من بينهم من يفضل، إلى حد بعيد، ترتيب أوراقه مع ترمب على المخاطرة بالتخلي عن «المظلة المزدوجة» الأطلسية والأميركية.

كلمة ماكرون نقلت، لأهميتها، مباشرة على موقع قصر الإليزيه على منصة «إكس». وجاءت بعد اتصال هاتفي بينه وبين ترمب مساء الأربعاء «بتوقيت باريس». ووصفت مصادر الإليزيه المكالمة بأنها كانت «جيدة جداً» وأن الطرفين «اتفقا على العمل معاً من أجل عودة السلام والاستقرار» إضافة إلى مواجهة «الأزمات الدولية الكبرى».

ولم تغفل المصادر الرئاسية الإشارة إلى أن ماكرون «شدد على أهمية دور أوروبا» في التعاطي مع الملف الأوكراني وملفات الشرق الأوسط ما يدلل على القلق الفرنسي من نزوع ترمب إلى الحلول المنفردة التي تخدم المصالح الأميركية ومن غير مشاورة حلفاء واشنطن الأوروبيين. ولأن أوروبا تتخوف، بعد انتخاب ترمب، من الإهمال لا بل أخذت تشعر، وفق تعبير مصدر فرنسي، بأنها ستكون «عارية» في حال تراجعت الولايات المتحدة الأميركية، خلال ولاية ترمب الجديدة، عن التزاماتها في إطار الحلف الأطلسي، فإن أولوية الأولويات أن تسعى إلى بناء دفاع أوروبي الذي يترجمه مفهوم «الاستقلالية الاستراتيجية» التي يدعو إليها ماكرون منذ سنوات، لكنها، حتى اليوم، لم تخط سوى خطوات خجولة.

قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا برفقة الرئيس الأميركي جو بايدن في مقر المستشارية الألمانية ببرلين يوم 18 أكتوبر (أ.ب)

وفي كلمته أمام نظرائه الأوروبيين، رسم ماكرون المخاطر التي تحيط بأوروبا: الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ بداية العام 2022، الإرهاب، الهجرات غير الشرعية، التوترات القائمة بين دول القارة والمثال على ذلك الوضع بين أذربيجان وأرمينيا... إضافة إلى التحديات الجيوسياسية وعنوانها التنافس بين الولايات المتحدة والصين «حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه الشخصية وضرب القواعد الدولية بعرض الحائط».

وبعد أن أكد أن أوروبا تجتاز «لحظة تاريخية حاسمة» تساءل ماكرون قائلاً: «السؤال المطروح علينا في الأساس هو: هل سيقوم الآخرون بكتابة التاريخ عنا أم نريد أن نكتبه بأيادينا؟ وجوابه: أعتقد شخصياً أن لدينا القدرة على كتابته. أما الطريق إلى تحقيق هذا الهدف، فإنه يمر عبر التحرك وأن نؤمن بقدراتنا على (تحقيق) الاستقلالية الاستراتيجية والدفاع عن مصالحنا». وأردف قائلاً: «نريد السلام والازدهار الاقتصادي والدفاع عن نموذجنا الديمقراطي» والطريق إلى ذلك يمر عبر بناء القوة العسكرية الأوروبية التي لم يعد يحصرها بالاتحاد بل أخذت تشمل في نظره كافة بلدان القارة القديمة.

اغتنم ماكرون الفرصة لتوجيه مجموعة رسائل إلى ترمب تعكس خوف الأوروبيين من انتهاج الأخير سياسة تصالحية مع الرئيس الروسي وتخليه عن دعم أوكرانيا. لذا شدد ماكرون على اعتبار أن انتصار أوكرانيا سيصب في مصلحة أوروبا ولذا «لا يتعين أن تربح روسيا الحرب» لأن فوزها يعني أن «هناك قوة إمبريالية على حدود أوروبا نقول لها إن بإمكانها أن تتوسع» وهو بذلك يلمح لما يزعم عن مخططات توسعية روسية لما بعد أوكرانيا التي كان رئيسها حاضراً قمة بودابست. والحال أن المطلوب «تحويل أوروبا إلى فضاء آمن». وفي السياق عينه، قال وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي بنجامين حداد قبل يومين، في حديث لصحيفة «لو فيغارو» إنه «إذا لم يتول الأوروبيون شؤون أمنهم بأنفسهم، فإن آخرين سيقررون عنا ما هو مصيرنا». وقال النائب الفرنسي الأوروبي رافاييل غلوكسمان إن ما جرى في الولايات المتحدة «يدفع الأوروبيين لأن يكونوا بالغين».

الرئيس إيمانويل ماكرون مجتمعاً الخميس في بودابست مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة المجموعة السياسية الأوروبية (أ.ف.ب)

بيد أن البارز في كلمته تأكيده على ضرورة تأقلم أوروبا مع الوضع الجديد المترتب على فوز ترمب ولكن من غير تسميته بشكل مباشر وجملته البارزة قوله بقوة: «نحن الأوروبيين، لا يمكننا أن نوكل إلى الأميركيين وإلى الأبد الدفاع عن أمننا». وبرأي الرئيس الفرنسي، فإن الدفاع عن أوروبا والمصالح الأوروبية يجب أن يكون «أولوية الأوروبيين». بيد أن تحقيقه لا يمكن أن يتم من خلال «أطلسية ساذجة ولا من خلال التشكيك بتحالفاتنا أو عبر قومية ضيقة لا تسمح لنا بالارتقاء إلى مستوى هذا التحدي في مواجهة الصين والولايات المتحدة الأميركية». بالمقابل، فإن السبيل الصحيح هو «اليقظة الاستراتيجية وتسريع قيام أوروبا الدفاعية التي تكون متلائمة مع إطار الحلف الأطلسي ولكن تتمتع (في الوقت عينه) بالاستقلالية عنه».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس عجَّلا التشاور للتباحث في مرحلة ما بعد انتخاب ترمب (د.ب.أ)

ليس سراً أن ماكرون، من خلال هذا الطرح القديم-الجديد، يريد أن يكون المحاور الأول للرئيس ترمب والمسؤول الذي يرسم حدود التماهي مع واشنطن والانفصال عنها. ولكن هل ستكون لدعوة ماكرون تأثيرها على التعاطي الأوروبي مع الرئيس الأميركي المنتخب؟ يشكك الكثيرون بما ستقدم عليه أوروبا جماعياً بل إن الرأي السائد أن أطرافاً أوروبية بما في ذلك داخل الاتحاد ستسعى لترتيب أوضاعها مع الرئيس ترمب بمعزل عن الدعوات للاستقلالية الاستراتيجية وما شابه لأنها تعتقد أن قيام «أوروبا الدفاعية» سيتطلب العديد من السنوات للتحول إلى واقع بينما المطلوب التعاطي اليوم مع التهديدات المباشرة التي قد تأتي من روسيا وأن أنجع الوسائل تكمن في الاستكانة إلى الحماية الأميركية شرط أن يبقى ترمب ملتزماً بشرعة الحلف الأطلسي وببنده الخامس تحديداً.


مقالات ذات صلة

فترة مادورو الثالثة في فنزويلا مهدّدة برياح واشنطن

حصاد الأسبوع من حفل تنصيب مادورو (أ.ب)

فترة مادورو الثالثة في فنزويلا مهدّدة برياح واشنطن

كل ما كان متوقعاً حصل صباح العاشر من يناير (كانون الثاني) الحالي في العاصمة الفنزويلية كاراكاس عندما نصّب الرئيس نيكولاس مادورو نفسه رئيساً لفنزويلا من غير أن يقدّم أي دليل يثبت فوزه المزعوم في الانتخابات الرئاسية التي أجريت أواخر يوليو (تموز) الفائت. مادورو، وهو وريث الزعيم اليساري الراحل هوغو تشافيز، كان قد أعلن فوزه في نهاية اليوم الانتخابي بعد عملية فرز غامضة قدّمت فيها المعارضة وثائق تثبت فوز مرشحها إدموندو غونزاليس أورّوتيا بفارق كبير لم يتمكن النظام من دحضها. إلا أن سيطرة مادورو المطلقة على جميع مؤسسات الدولة، بما فيها جميع المحاكم العليا والقوات المسلحة، مهّدت الطريق لتنصيبه رئيساً لولاية ثالثة.

شوقي الريّس (مدريد)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة يوقع أمراً تنفيذياً (أ.ب)

معارضة تعاني الإرهاق والخيبة في مواجهة ترمب

منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، خصوصاً منذ تنصيبه الاثنين، يكافح معارضوه لإسماع صوتهم في خضم خيبة أمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح زوجته ميلانيا خلال حفل تنصيبه بواشنطن (أ.ب)

بعد طرح تعديل دستوري... ما السيناريوهات المحتملة لتولي ترمب ولاية رئاسية ثالثة؟

قدّم عضو جمهوري في مجلس النواب الأميركي، أمس، اقتراحاً لتعديل دستور الولايات المتحدة للسماح للرئيس دونالد ترمب (وأي رئيس مستقبلي آخر) بالانتخاب لفترة ثالثة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مبنى انتخابات مقاطعة مولتوماه (أ.ب)

الشرطة الأميركية: هجوم على مكتب انتخابات بورتلاند يحطم عشرات النوافذ

حطمت مجموعة من الملثمين عشرات النوافذ ورشوا رسوم غرافيتي مناهضة للحكومة على مبنى انتخابات مقاطعة مولتوماه الأميركية.

«الشرق الأوسط» (بورتلاند (أميركا))
رياضة عالمية إنفانتينو خلال حضوره حفل تنصيب ترمب أمس (أ.ف.ب)

إنفانتينو رئيس «فيفا» حضر حفل تنصيب ترمب

حضر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جياني إنفانتينو، حفل تنصيب دونالد ترمب في العاصمة الأميركية واشنطن، أمس (الاثنين) وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».

The Athletic (واشنطن)

رئيس اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي يدعو لنشر قوات في غرينلاند

لقطة تُظهر قاعدة فضائية في غرينلاند (رويترز)
لقطة تُظهر قاعدة فضائية في غرينلاند (رويترز)
TT

رئيس اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي يدعو لنشر قوات في غرينلاند

لقطة تُظهر قاعدة فضائية في غرينلاند (رويترز)
لقطة تُظهر قاعدة فضائية في غرينلاند (رويترز)

كشف رئيس اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي روبرت بريجير أنه من المنطقي نشر قوات من دول الاتحاد الأوروبي في جزيرة غرينلاند، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن اهتمامه بشراء الجزيرة التابعة للدنمارك، وفقاً لوكالة «رويترز».

وأضاف بريجير في مقابلة أجرتها معه صحيفة «فيلت إم زونتاج» الألمانية نشرت اليوم (السبت) «من وجهة نظري سيكون من المنطقي تماماً التفكير في نشر جنود من الاتحاد الأوروبي في غرينلاند بالمستقبل، وليس الاكتفاء فقط بوجود قوات أميركية هناك كما هو الحال حتى الآن».

وذكر الجنرال النمساوي أن مثل هذه الخطوة تتطلب في نهاية الأمر قراراً سياسياً. واللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي هي أعلى هيئة عسكرية به، إلا أنها تضطلع بدور استشاري فقط لأن الاتحاد الأوروبي ليس له جيش خاص به.

ويعد حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة القوة العسكرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي.

وقال بريجير إنه رغم أن غرينلاند ليست جزءاً من الاتحاد الأوروبي بل إقليم تابع للدنمارك في الخارج، فإن الأوروبيين والولايات المتحدة لديهم مصالح هناك، مشيراً إلى موادها الخام وموقعها الاستراتيجي.

وأوضح أنه يأمل أن تحترم الولايات المتحدة، بصفتها عضواً في الأمم المتحدة، حرمة الحدود كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.

وفي وقت سابق، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه يريد أن يجعل غرينلاند جزءاً من الولايات المتحدة وإنه لا يستبعد استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية لإجبار الدنمارك على منحها لواشنطن. وتعد السيطرة على الجزيرة أولوية بالنسبة لترمب، نظراً لموقعها الاستراتيجي على أقصر طريق من أوروبا إلى أميركا الشمالية، وهو أمر حيوي لنظام الإنذار الصاروخي الباليستي الأميركي.