في خطابه قبل مغادرته كييف، بعد زيارته الخاطفة التي قد تكون الأخيرة له، حاول وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أن يقدم تطمينات لكل من أوكرانيا وحلفاء واشنطن، بأن الولايات المتحدة ستحافظ على دعمها، في مواجهة الحرب الروسية المستمرة على هذا البلد. بيد أن خطابه كان مصمماً أيضاً للرد على انتقادات الجمهوريين المتشككين في تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا.
ورغم أن زيارته تضمنت الإعلان عن 400 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأميركية الجديدة، غير أن الضغوط الهائلة التي تتعرض لها حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بسبب استمرار بلاده في خسارة الأراضي أمام روسيا، وخصوصاً في الجبهة الشرقية، وفشلها في الحصول على تأييد الأوروبيين لخطة «تحقيق النصر»، طرحت الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل هذه الحرب.
كما أن ما يقرب من 5 مليارات دولار متبقية في حساب المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا هذا العام تنفد بسرعة، ومن غير الواضح ما الذي سيفعله البيت الأبيض في عهد كامالا هاريس أو دونالد ترمب، مع الكونغرس الجديد الذي سيأتي بعد انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، بشأن هذا الأمر العام المقبل.
خيبة أمل أوكرانيا
ولعل خيبة الأمل الكبرى التي أصيب بها الأوكرانيون أيضاً، جاءت من فشلهم في الحصول على إشارة واضحة من أوستن، تفيد بأن القيود المفروضة على استخدام الصواريخ الأميركية بعيدة المدى، سترفع للسماح لهم باستهداف عمق الأراضي الروسية.
ولطالما أكدت كييف بأن تحقيق النصر، بات مرهوناً، ليس فقط في حصولها على عضوية حلف «الناتو»، بل وفي تمكينها من خوض «حرب عادلة» مع روسيا، التي لا تتوانى عن استخدام شتى أنواع الأسلحة، وتحصل على مساعدات غير مشروطة من إيران وكوريا الشمالية، التي تشير التقارير أخيراً إلى أنها قد تكون أرسلت قوات للقتال إلى جانب روسيا.
وأبلغت حكومة كوريا الجنوبية عن تحرك القوات الكورية الشمالية إلى قواعد في روسيا، وظهرت مقاطع فيديو على الإنترنت لتلك القوات وهي ترتدي الزي الروسي. غير أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وكذلك البيت الأبيض، قالا إنهما يبحثان في هذه التقارير، لكنهما لم يؤكداها.
ورغم ذلك، امتنع أوستن عن الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستوافق على رغبة أوكرانيا في الانضمام على الفور إلى حلف «الناتو»، أو إلى رفع القيود على استخدام الأسلحة. وبدا أن إغفاله الحديث عن هذا الأمر، سيؤدي إلى ترك أوكرانيا تواصل القتال كما هو منذ أشهر، في حين تحصل على جولات جديدة من الذخائر والمعدات العسكرية، لكنها محبطة بشدة من عدم حصول تغيير في الموقف الأميركي.
وقال أوستن: «لا توجد رصاصة فضية. ولا توجد قدرة واحدة يمكنها قلب المد. ولا يوجد نظام واحد يمكنه إنهاء هجوم بوتين». وأضاف: «لا تخطئوا. الولايات المتحدة لا تسعى إلى الحرب مع روسيا». وقال أوستن: «ما يهم هو الطريقة التي ترد بها أوكرانيا. ما يهم هو التأثيرات المجمعة لقدراتكم العسكرية. وما يهم هو البقاء مركّزين على ما ينجح».
مفصل تاريخي
وفي خطابه، كرر أوستن وصف المعركة الحالية بأنها «معركة بين الغرب ضد روسيا وكوريا الشمالية وإيران»، عادّاً إياها بأنها «مفصل في التاريخ». وقال: «يجب أن نستمر في مواجهة شبح روسيا العدوانية - المدعومة من قبل الأنظمة الاستبدادية الأخرى من كوريا الشمالية إلى إيران». وأضاف: «إذا سقطت أوكرانيا تحت حذاء بوتين، فسوف تقع أوروبا بأكملها تحت ظل بوتين».
وفي حين أشار إلى أن أوروبا تتقاسم الكثير من العبء، وبأنها وضعت الأساس للرد على التحديات التي يثيرها تمسك الكثير من الجمهوريين بمعارضة المساعدات الأميركية، غير أن جهود الأوروبيين قد لا تكون كافية لتمكين الأوكرانيين من مواصلة حربهم.
وأشار أوستن إلى أن «عشرات الحلفاء والشركاء يقدمون الآن مساعدات أمنية لأوكرانيا أكثر مما تقدمه الولايات المتحدة، كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي»، مضيفاً أن الدول الخمسين الأعضاء التي تشكل مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية، قدمت أكثر من 51 مليار دولار مساعدات أمنية مباشرة لأوكرانيا. وهو رقم، حاول من خلاله القول إن الأوروبيين، يقدمون مساعدات متساوية تقريباً، لما تقدمه الولايات المتحدة، في محاولة لإقناع الجمهوريين بأن العبء متساوِ بين الشركاء.
وقدمت الولايات المتحدة بالفعل 58 مليار دولار، وهو مبلغ يثير انتقادات الجمهوريين من أنصار الرئيس السابق، دونالد ترمب، ويرونه دليلاً على أن أوروبا لا تقدم ما فيه الكفاية لتوفير أمنها.
الزعامة الأميركية على المحك
وقال أوستن: «بالنسبة إلى أي شخص يعتقد أن الزعامة الأميركية مكلفة، حسنا، فكّر في ثمن التراجع الأميركي. لم تحشد أميركا بشكل منهجي مثل هذا العدد الكبير من البلدان منذ الحرب العالمية الثانية لتقديم مثل هذا النطاق من المساعدات الصناعية والعسكرية لشريك محتاج».
غير أن تلك التأكيدات لا تلقى ترحيباً من الجمهوريين، لا، بل تساءل السيناتور جيه دي فانس، الذي اختاره ترمب لمنصب نائب الرئيس، عن سبب وجوب تمويل واشنطن لدفاع أوكرانيا، داعياً إلى اتفاق سلام تتنازل فيه أوكرانيا عن بعض الأرض لروسيا. وهو ما تسبب بضجة كبيرة الشهر الماضي، عندما رد زيلينسكي على فانس واصفاً إياه بأنه «متطرف للغاية»، وبأن «فكرة أن العالم يجب أن ينهي هذه الحرب على حساب أوكرانيا غير مقبولة». وهو ما أدى إلى قيام ترمب باحتواء هذا الخلاف، وقام بلقاء زيلينسكي في محاولة لطمأنته.
ويقول جون هاردي، كبير الباحثين في الشأن الروسي، في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، المحسوبة على الجمهوريين، إن «لا شيء يمكن أن يغير حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة ستجري قريباً انتخابات قد تؤدي نتيجتها إلى تغيير كبير في السياسة الأميركية». ويضيف لـ«الشرق الأوسط» قائلاً، ومع ذلك، أرى أن خطاب أوستن ليس بمثابة طمأنة لأوكرانيا وحلفائها الغربيين، بل رسالة إلى المتشككين الأميركيين في المساعدات المقدمة لأوكرانيا. فقد ذكّر المتشككين بأهمية الدعم الأميركي لأوكرانيا بالنسبة للمصالح والقيم الأميركية. كما ذكّرهم بأن حلفاء أميركا وشركاءها يتحملون حصة كبيرة من عبء دعم أوكرانيا، حيث تعهد الكثير من حلفاء «الناتو» بتقديم مساعدات أكبر لأوكرانيا كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالولايات المتحدة.
وأضاف هاردي، كما أتاحت زيارة أوستن فرصة لمناقشة الخطط الأميركية والأوكرانية للأشهر القليلة المقبلة من الحرب، والتي تأمل كييف خلالها في زيادة الدعم الغربي لتعزيز موقف أوكرانيا في مواجهة روسيا. لكنه قال: «من المؤسف أن إدارة بايدن تواصل رفض الموافقة على طلب كييف بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الغربية لشنّ ضربات داخل روسيا».
ورغم ذلك، قال النائب الجمهوري، مايك والتز، الذي يعتقد أنه سيتسلم منصب وزير الدفاع في إدارة ترمب، في حالة فوزه في الانتخابات، في مقابلة أُجريت معه أخيراً، إنه «من غير المقبول تماماً» أن تقدم الولايات المتحدة وأوروبا مبالغ متساوية تقريباً من الدعم المالي لأوكرانيا. وقال: «أعتقد أن تقاسم الأعباء يجب أن يكون غير متناسب في الواقع من جانبهم، وليس العكس، وإلى أن نجبر هذه المحادثات الصعبة على الحدوث ... فهذا غير مقبول من حيث الأمن الجماعي».