دبلوماسية ماكرون في الشرق الأوسط... لهجة حازمة لا تسفر عن نتائج

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف .ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف .ب)
TT

دبلوماسية ماكرون في الشرق الأوسط... لهجة حازمة لا تسفر عن نتائج

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف .ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف .ب)

يظهر حزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتزايد تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رغبة باريس في الدفع لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، لكنه يخفي أيضاً حالاً من العجز.

ويشارك الرئيس الفرنسي الجمعة بقمة في برلين مع نظيره الأميركي جو بايدن، تضم أيضاً المستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.

وأثارت مواقف نُقلت عن ماكرون وأخرى علنية له هذا الشهر، جدلاً حاداً مع نتنياهو، وقلقاً في صفوف الجالية اليهودية وجزء من الطبقة السياسية في فرنسا.

ودعا ماكرون قبيل ذكرى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى «وقف تصدير الأسلحة» المستخدمة في الهجوم الإسرائيلي على غزة ولبنان.

وندد نتنياهو بدعوة ماكرون، معتبراً أنها «عار»، ما دفع الرئيس الفرنسي إلى التأكيد أن «وقف تصدير الأسلحة» لا يعني تجريد إسرائيل من السلاح، لكنه «الرافعة الوحيدة» لوضع حد للنزاعات.

وهذا الأسبوع، نقل مشاركون في جلسة للحكومة الفرنسيّة عن ماكرون قوله لوزرائه إنه ينبغي لنتنياهو «ألا يتجاهل قرارات الأمم المتحدة» و«ألا ينسى أن بلاده أُنشِئت بقرار من الأمم المتحدة»، في إشارة إلى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 على خطة لتقسيم فلسطين دولتين يهودية وعربية.

وأثارت هذه التصريحات حول قيام دولة إسرائيل جدلاً كبيراً وغضباً في أوساط المؤسسات اليهودية في فرنسا ولدى بعض الطبقة السياسية.

وسارع نتنياهو إلى الرد قائلاً إن دولة إسرائيل نشأت نتيجة «الانتصار» في حرب عام 1948، لا نتيجة قرار أممي.

وقال نتنياهو في بيان صادر عن مكتبه: «تذكير لرئيس فرنسا: لم تنشأ دولة إسرائيل بقرار من الأمم المتحدة، بل بموجب الانتصار في حرب الاستقلال الذي تحقق بدماء المقاتلين الأبطال، وبينهم الكثير من الناجين من المحرقة، خصوصاً من نظام فيشي في فرنسا».

وبعد صمت استمر 48 ساعة ندد ماكرون مساء الخميس بـ«قلة مهنية... وزراء» اتهمهم بأنهم نقلوا عنه «تصريحات محرّفة»، و«صحافيين» كرروا هذه التصريحات، و«مُعلّقين» لم يتحققوا من صحتها.

«تفعل ما تريد»

يأتي هذا الجدل في وقت لا تخفي بعض الجهات الفاعلة في الدبلوماسية الفرنسية تشاؤمها بقدرة المجتمع الدولي على وقف التصعيد في المنطقة.

وقال مسؤول فرنسي: «إن أدوات الإكراه المتاحة لنا محدودة طبعاً، ويجب أن نكون واقعيين».

وقال السفير السابق جيرار آرو: «نحن عاجزون من ناحيتين: أولاً لأن إسرائيل تفعل ما تريد وليس لدينا أي تأثير، ولكن هذا هو حال جميع الأوروبيين». وأضاف: «ثم، بسبب التوترات المجتمعية لدينا» في مواجهة هذا «النزاع الذي يثير كثيراً من العواطف».

ورأى أن ماكرون «فقد ثقة مؤيدي إسرائيل»، وعليه «أن يلتزم الصمت»، أو أن يرفع صوته بالتنسيق «مع أوروبيين آخرين» حتى يكون لمبادراته تأثير أكبر.

وتخشى باريس أسابيع «صعبة» تفصل عن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة قد تُشل خلالها الدبلوماسية الأميركية، الوحيدة القادرة على الضغط على إسرائيل، لكنها لا تستبعد أن يتمكن الرئيس الأميركي جو بايدن بعد الانتخابات من تحقيق انفراجات في الشرق الأوسط خلال الفترة الانتقالية السابقة لتنصيب مَن سيخلفه في يناير (كانون الثاني).

وأعرب إيمانويل ماكرون وقادة غربيون آخرون عن الأمل بأن يمثل مقتل زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار، بعد عام من الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة الفلسطينية على إسرائيل، فرصة يجب اغتنامها من أجل «وقف الحرب». لكن أحد الدبلوماسيين رأى أن مقتل السنوار أدى إلى خسارة مفاوض على وقف النار وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، وقد يؤدي إلى تعزيز موقف القادة الإسرائيليين الأكثر تشدداً، في خططهم الرامية إلى إعادة تحديد التوازن في الشرق الأوسط بالقوة.

وحذر دبلوماسيون في فرنسا من أن نموذج الحرب التي قادتها واشنطن في العراق بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، يظهر أن الأمور قد تنتهي بشكل سيئ. ولكن هل لدى الدبلوماسية الفرنسية قدر كافٍ من النفوذ لمنع ذلك؟

«صوت مسموع»

وأعرب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، الجمعة، في حديث لقناة «فرنس إنتر» عن «اعتقاده» أن فرنسا تملك قدراً كافياً من النفوذ.

واعتبر أن حرص نتنياهو على الرد مرتين خلال عشرة أيام على الرئيس الفرنسي يؤكد أن «صوت فرنسا مسموع».

وشدّد ماكرون على أن «فرنسا تؤدي دوراً نشطاً في الشرق الأوسط».

ويواصل الرئيس الفرنسي إعلان مواقف وطرح مبادرات في هذا السياق، على غرار المؤتمر الهادف إلى دعم لبنان والمقرر عقده الخميس في باريس.

وأكدت فرنسا أنها إحدى القوى القليلة التي تتحدث مع كل الأطراف، وبينهم بنيامين نتنياهو على الرغم من «الاختلافات»، بحسب الإليزيه، وقادة لبنان الذي يربطها به تقارب تاريخي، وأيضاً مع إيران، وحتى مع الجناح السياسي لـ«حزب الله».

وقال الموفد الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، في حديث لصحيفة «لا تريبون»، الأحد: «علينا أن نتحدث معه (حزب الله)، وأنا أتحدث معه بنفسي؛ لأنه ممثل في البرلمان اللبناني».

ومع ذلك، فإن عدم تحقيق تحرك ماكرون ومهمة لودريان الأخيرة في لبنان نتائج ملموسة، يظهر أن لهذه الجهود حدوداً.


مقالات ذات صلة

هل ستدفع مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت حكومات لتقليص اتصالاتها مع إسرائيل؟

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

هل ستدفع مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت حكومات لتقليص اتصالاتها مع إسرائيل؟

نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن خبراء ومسؤولين أن مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ستدفع بعض الحكومات لتقليص اتصالاتها مع نتنياهو وغيره من المسؤولين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

عقب إصدار محكمة لاهاي مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يساور القلق المسؤولين الإسرائيليين خشية ملاحقة ضباطهم أيضاً.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، إن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو؛ بسبب الحرب في غزة، أثارت غضباً عارماً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا: استهداف إسرائيل لـ«حماس» و«حزب الله» غايته إجبار الفلسطينيين على الهجرة

أكدت تركيا أن هدف إسرائيل الرئيسي من ضرب حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان هو جعل الفلسطينيين غير قادرين على العيش في أرضهم وإجبارهم على الهجرة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«الناتو»: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا

لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)
لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)
TT

«الناتو»: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا

لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)
لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)

أكّد حلف شمال الأطلسي الخميس أنّ الصاروخ البالستي الفرط صوتي الجديد الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا "لن يغيّر مسار الحرب ولا تصميم الحلفاء في الناتو على دعم أوكرانيا" في تصديها للغزو الروسي.

وقال فرح دخل الله، المتحدث باسم الحلف، في بيان إنّ "روسيا أطلقت صاروخا بالستيا تجريبيا متوسط المدى ضدّ أوكرانيا. هذا مثال آخر على الهجمات الروسية على المدن الأوكرانية. روسيا تسعى إلى ترويع السكان المدنيين في أوكرانيا وترهيب من يدعمونها".