البرلمان الألماني يوافق على تشديد القواعد الخاصة بطالبي اللجوء

وسط تصاعد نفوذ أحزاب اليمين المتطرّف

مدخل البرلمان الألماني (د.ب.أ)
مدخل البرلمان الألماني (د.ب.أ)
TT

البرلمان الألماني يوافق على تشديد القواعد الخاصة بطالبي اللجوء

مدخل البرلمان الألماني (د.ب.أ)
مدخل البرلمان الألماني (د.ب.أ)

وافق البرلمان الألماني، الجمعة، على الحدّ من المنافع الممنوحة لطالبي اللجوء، فيما تسير برلين على خطى دول أوروبية أخرى باتت تعتمد خطّاً أكثر تشدّداً إزاء الهجرة.

ووافق البرلمانيون على خطط لسحب المنافع الاجتماعية من طالبي اللجوء الذين سبق لهم أن تسجّلوا في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، والذين من المتوقّع ترحيلهم.

يتخذ أحد أفراد الشرطة موقعه في اليوم الذي يغادر فيه الرئيس الأميركي جو بايدن برلين، ألمانيا، 18 أكتوبر 2024 (رويترز)

ويعدُّ إقرار هذه القواعد الجديدة نقطةَ تحوّل في المقاربة الألمانية للهجرة، وذلك بعد حوالي عقد من قيام المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بفتح أبواب الهجرة إلى بلدها.

وفي ظلّ تقدّم حزب اليمين المتطرف المعادي للهجرة «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات الإقليمية، عكفتْ حكومة المستشار أولاف شولتس على تشديد القواعد المفروضة على الوافدين الجدد.

وينصّ التشريع الجديد على حرمان اللاجئين الذين يعودون مؤقتاً إلى بلدهم من الحقّ في الاستفادة من حماية في ألمانيا.

ويُحرم أيضاً من هذا الحقّ اللاجئون الذين يرتكبون جرائم مدفوعة بمشاعر معادية للسامية أو للمثلية.

وعرضت الحكومة الألمانية هذه القواعد الجديدة في أغسطس (آب) في أعقاب حادثة طعن وقعت خلال مهرجان في مدينة زولينغن (الغرب).

ومنفّذ الجريمة سوري في السادسة والعشرين يُشتبه في أنه على صلة بتنظيم «داعش» كان قد تقرّر ترحيله لكنه تمكّن من التحايل على محاولات السلطات طرده.

وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر خلال الإعلان عن إجراءات مشددة بشأن حمل السكاكين في الأماكن العامة (أ.ف.ب)

وتتضمّن حزمة التشريعات الجديدة هذه قواعد أكثر تشدّداً تُفرض على حاملي السكاكين في الأماكن العامة.

وقالت وزيرة الداخلية نانسي فيزر أمام النواب إن التدابير الجديدة من شأنها أن «تعزّز الأمن الداخلي لبلدنا في وجه التهديدات».

تصاعد اليمين

في ظلّ تصاعد الأحزاب المناوئة للهجرة في استطلاعات الآراء، باتت الحكومة الألمانية تحت ضغط متزايد لاعتماد موقف أكثر صرامة إزاء الهجرة، وذلك قبل سنة من إجراء الانتخابات الوطنية.

ولقيت مشاريع تقييد المنافع انتقاداً واسعاً من أعضاء الحكومة والمعارضة على السواء.

وخلال المسار التشريعي، تمّ تليين القواعد لتخصيص إعفاءات للأطفال وسحب الدعم في الحالات التي يجوز فيها الترحيل لا غير.

وعدَّ المحافظون في المعارضة من جهتهم أن الرزمة «أفرغت من فحواها»، داعين إلى رفض المهاجرين تلقائياً عند الحدود الألمانية.

وبالإضافة إلى القواعد الجديدة التي أُقرّت الجمعة، قامت الحكومة بترحيل أفغان إلى بلدهم، وذلك للمرّة الأولى منذ عودة حركة «طالبان» إلى الحكم.

ووسّعت ألمانيا بشكل ملحوظ عمليات التدقيق على الحدود مع البلدان التسعة المجاورة لها، معلّقة لفترة مؤقتة بعض أحكام حرّية التنقّل في الاتحاد الأوروبي.

وخلال أزمة الهجرة في 2015، وضعت ألمانيا نقاط مراقبة مؤقتة عند الحدود مع النمسا.

وكانت المستشارة الألمانية في تلك الفترة أنجيلا ميركل قد اعتمدت سياسة الأذرع المفتوحة لاستقبال أكثر من مليون لاجئ في ألمانيا، خلافاً لبلدان أوروبية أخرى كانت أكثر تشدّداً في موقفها من المهاجرين.

سبل جديدة

يأتي التغيّر في الموقف الألماني من الهجرة في ظلّ تشدّد مزداد إزاء هذه المسألة في أوروبا، إذ يتصاعد نفوذ أحزاب اليمين المتطرّف.

والخميس، دعا قادة الاتحاد الأوروبي إلى تشريع عاجل جديد لزيادة حالات إعادة المهاجرين ووتيرة الإجراءات.

وخلال قمّة في بروكسل، اتّفق القادة الأوروبيون على مناقشة سبل جديدة للتصدّي للهجرة غير النظامية.

وقد تتضّمن هذه الإجراءات مراكز إعادة خارج حدود الاتحاد الأوروبي على غرار الاتفاق الذي أبرمته روما مع تيرانا لإرسال بعض الوافدين إلى ألبانيا، ريثما تُدرس طلباتهم.

ودعا شولتس خلال القمّة الدول الأعضاء إلى المضي قدماً في تطبيق ميثاق الهجرة الجديد الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي في فترة سابقة من العام.

ويشدّد هذا الاتفاق الإجراءات المعمول بها عند الحدود، ويلزم الدول تخفيف العبء الملقى على تلك التي تُعدُّ في «الخطوط الأمامية»، إما عبر استقبال لاجئين وافدين منها، وإما عبر تقديم الموارد العينية والمادية.

وصرّح شولتس: «لو اتّبعنا جميعاً القواعد التي وضعناها معاً، لكنّا في وضع أكثر تقدّماً بكثير».


مقالات ذات صلة

شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي رجل يحمل كلبه بينما يهرب الناس على الدراجات النارية بجوار المباني المتضررة في أعقاب غارة إسرائيلية على منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

مفوضية اللاجئين في لبنان: الأسابيع الماضية الأكثر دموية وفداحة منذ عقود

حذّر ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين في لبنان إيفو فرايسن، اليوم (الجمعة)، من أن الأسابيع الماضية هي «الأكثر دموية وفداحة منذ عقود» على لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

خاص كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

تسبب الوجود السوري المتنامي بمصر في إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد مشروعاتهم الاستثمارية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )

ما مدى احتمال استخدام روسيا أسلحتها النووية؟

جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)
جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ما مدى احتمال استخدام روسيا أسلحتها النووية؟

جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)
جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

وجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خطاباً متلفزاً في 24 فبراير (شباط) 2022 أعلن فيه تضمن الإعلان عن الغزو الروسي لأوكرانيا، ما تم تفسيره بأنه تهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) إذا ما تدخلت. وقال إن روسيا سترد على الفور، وستكون العواقب منقطعة النظير على نحو لم تشهده هذه الدول طيلة تاريخها. ثم في 27 فبراير 2022 أمر بوتين روسيا بنقل قوات نووية إلى «وضع خاص للمهام القتالية»، وهذا له معنى مهم من حيث البروتوكولات المتعلقة بإطلاق أسلحة نووية من روسيا.

وقالت باتريشيا لويس، مديرة الأبحاث ومديرة برنامج الأمن الدولي في «معهد تشاتام هاوس» (المعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية) إنه وفقاً لخبراء متخصصين في الأسلحة النووية الروسية، لا يستطيع نظام القيادة والتحكم الروسي نقل أوامر الإطلاق في وقت السلم، ولذلك فإن رفع الوضع إلى «المهام القتالية» يسمح بتمرير أمر الإطلاق وتنفيذه.

أضافت باتريشيا، في تقرير نشره «تشاتام هاوس»، وبثته «وكالة الأنباء الألمانية»، أن بوتين وجه تهديدات نووية أشد في سبتمبر (أيلول) 2022 عقب أشهر من الصراع العنيف والمكاسب التي حققها هجوم مضاد أوكراني. وأشار إلى توسيع في العقيدة النووية الروسية، مخفضاً عتبة استخدام الأسلحة النووية من تهديد وجودي لروسيا إلى تهديد لسلامة أراضيها.

بوتين مجتمعاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع في الكرملين (أرشيفية - إ.ب.أ)

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 وفقاً لتقارير كثيرة ترددت لاحقاً، رصدت الولايات المتحدة وحلفاؤها مناورات أشارت إلى أنه كان يتم تعبئة القوات النووية الروسية. وبعد موجة من النشاط الدبلوماسي، تدخل الرئيس الصيني شي جينبينغ لتهدئة الموقف، وأعلن معارضته لاستخدام الأسلحة النووية.

وفي سبتمبر 2024 أعلن بوتين تحديثاً للعقيدة النووية الروسية لعام 2020، وتم نشر التحديث في 19 نوفمبر، وخفض رسمياً عتبة استخدام الأسلحة النووية.

وتشير المبادئ الأساسية الجديدة للاتحاد الروسي بشأن الردع النووي بدلاً من ذلك إلى عدوان ضد روسيا أو بيلاروسيا «باستخدام أسلحة تقليدية من شأنها أن تُشكل تهديداً خطيراً لسيادتهما أو سلامة أراضيهما».

وفي 21 نوفمبر الحالي هاجمت روسيا دنيبرو في أوكرانيا باستخدام صاروخ باليستي جديد للمرة الأولى، وأعلن الرئيس بوتين أنه تم إطلاق اسم أوريشنيك على الصاروخ، الذي يفهم أنه صاروخ باليستي متوسط المدى وقادر على حمل أسلحة نووية، وله مدى نظري أقل من 5500 كيلومتر.

وأطلقت روسيا صواريخ مسلحة تقليدية قادرة على حمل أسلحة نووية على أوكرانيا طوال الحرب، ولكن أوريشنيك أسرع بكثير ومن الصعب التصدي له، ويشير إلى نيات روسيا للتصعيد.

الردع النووي في الحرب الباردة

وتم تطوير ردع الأسلحة النووية خلال حقبة الحرب الباردة في المقام الأول على أساس ما تم وصفه بالتدمير المتبادل المؤكد. والفكرة وراء التدمير المتبادل المؤكد هي أن الرعب من الأسلحة النووية أمر كاف لردع أي عمل عدواني وحرب.

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات روسي من طراز «يارس» يمر أمام حرس الشرف خلال عرض عسكري في موسكو (أرشيفية - رويترز)

ولكن تطبيق نظرية الردع على حقائق ما بعد حقبة الحرب الباردة أكثر تعقيداً في عصر الهجمات السيبرانية والذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن يتداخل ذلك مع القيادة والتحكم بشأن الأسلحة النووية.

وعلى ضوء هذه المخاطر، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ بياناً مشتركاً من قمة «مجموعة العشرين» الشهر الحالي في البرازيل، يؤكد على السيطرة البشرية على القرار الخاص باستخدام الأسلحة النووية.

وتتبادل الولايات المتحدة وروسيا معلومات بشأن صواريخهما النووية طويلة المدى الاستراتيجية، بموجب معاهدة «ستارت» الجديدة، وهي معاهدة بين الدولتين تهدف إلى الحد من الأسلحة النووية ومراقبتها، والتي من المقرر أن ينتهي العمل بها في فبراير 2026.

ولكن مع قرار الولايات المتحدة الانسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى في عام 2019 لم تعد هناك أي اتفاقية بين الولايات المتحدة وروسيا تنظم عدد أو نشر الصواريخ النووية، التي يتم إطلاقها من الأرض. وتم سحب الأسلحة النووية قصيرة المدى ووضعها في المخازن نتيجة للمبادرة النووية الرئاسية لعام 1991، ولكنها لا تخضع لأي قيود قانونية.

وتم عقد المؤتمر العاشر لمراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 2022 في نيويورك، وكانت قضية تهديدات الأسلحة النووية واستهداف محطات الطاقة النووية في أوكرانيا محور المناقشات.

وتمت بعناية صياغة وثيقة لإحداث توازن بشكل دقيق بشأن الركائز الرئيسية للمعاهدة، وهي عدم الانتشار ونزع السلاح النووي والاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ولكن روسيا سحبت موافقتها في اليوم الأخير للمؤتمر، مما عرقل إحراز تقدم.

وقالت باتريشيا إنه كان يعتقد بأنه إذا كانت روسيا ستستخدم أسلحة نووية، فإن من المرجح أن يكون ذلك في أوكرانيا، باستخدام أسلحة نووية ذات قوة منخفضة في ميدان القتال. ويعتقد بأن روسيا لديها احتياطي من هذه الأسلحة يبلغ أكثر من ألف.

وتشير البيانات الصادرة من روسيا على نحو زائد، إلى أن التهديدات النووية موجهة بشكل مباشر أكثر إلى حلف «الناتو»، وليس أوكرانيا فقط، وكانت تشير إلى أسلحة نووية طويلة المدى ذات قوة أعلى.

وعلى سبيل المثال في خطابه بتاريخ 21 سبتمبر 2022، اتهم بوتين دول «الناتو» بالابتزاز النووي، مشيراً إلى بيانات أدلى بها ممثلون رفيعو المستوى للدول الرئيسة في «الناتو» بشأن احتمال قبول استخدام أسلحة الدمار الشامل (أسلحة نووية) ضد روسيا. وقال بوتين: «في حالة وجود تهديد لسلامة أراضي بلادنا، وللدفاع عن روسيا وشعبنا، فمن المؤكد أننا سوف نستخدم كل نظم الأسلحة المتاحة لنا».

ولم تكن هناك تهديدات صريحة باستخدام الأسلحة النووية أطلقتها دول «الناتو». ولا يعتمد «الناتو» على الأسلحة النووية بوصفها شكلا من أشكال الردع، والتزم مؤخراً بأن يعزز بشكل كبير وضعه الخاص بالردع، والدفاع على المدى الأطول رداً على غزو روسيا لأوكرانيا.

وسيتم رصد ومراقبة أي تحرك لتجهيز ونشر أسلحة نووية روسية بواسطة الأقمار الاصطناعية، التابعة للولايات المتحدة ولدول أخرى، والتي يمكنها الرصد عبر غطاء من السحب وفي الليل، كما يبدو أنه حدث بالفعل في أواخر عام 2022.

واختتمت باتريشيا تقريرها بالقول إنه اعتمادا على المعلومات الاستخباراتية الأخرى والتحليل، وفشل كل المحاولات الدبلوماسية لإثناء روسيا عن موقفها، فإنه ربما تقرر دول «الناتو» التدخل لمنع عملية إطلاق من خلال قصف مواقع التخزين ومواقع نشر الصواريخ مسبقاً.