قارنت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية بين الدعم الذي تقدمه واشنطن إلى إسرائيل وأوكرانيا، ونقلت عن مصادر قولها إن كييف تشعر بالتفاوت في مستوى المساعدات التي تحصل عليها.
وأضافت الصحيفة أن كييف تريد من الولايات المتحدة إسقاط الصواريخ الروسية مثل إسقاط الصواريخ الإيرانية، لكن توجد «إجابة صعبة» بالنسبة إلى أوكرانيا؛ هي أن موسكو تمتلك أسلحة نووية، بينما لا تمتلكها طهران.
وذكرت أن أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة الأميركية والبريطانية عندما ساعدت في إسقاط مئات الصواريخ الإيرانية في 1 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قالت وزارة الخارجية الأوكرانية: «ندعو حلفاء أوكرانيا إلى الدفاع عن المجال الجوي الأوكراني بالعزم نفسه ودون تردد من هجمات الصواريخ والطائرات من دون طيار الروسية، مع الاعتراف بأن الحياة البشرية ثمينة بالقدر نفسه في أي جزء من العالم».
وقال مساعد كبير في مجلس الشيوخ الأميركي، يعمل على أزمة أوكرانيا، لـ«بوليتيكو»: «الإجابة الصعبة التي قد لا يحب الأوكرانيون سماعها، لكنها للأسف صحيحة، هي أننا نستطيع أن نتحمل مخاطر إسقاط الصواريخ الإيرانية فوق إسرائيل دون إشعال حرب مباشرة مع طهران قد تؤدي إلى حرب نووية، ولكن هناك مخاطر أكبر بكثير في محاولة فعل ذلك مع روسيا».
وكذلك أشار مسؤولان في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتيهما، إلى النقطة نفسها.
وقد يؤدي إرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا لإسقاط الصواريخ الروسية إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين القوتين النوويتين الكبريين في العالم، وسط أكبر حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بينما في الشرق الأوسط، يمكن للولايات المتحدة إسقاط الصواريخ فوق إسرائيل دون إشعال حرب مع خصم مسلح نووياً.
وجهزت إيران المواد النووية إلى مستويات قريبة من صنع أسلحة؛ لكن هناك تقارير تقول إنها لم تحاول صنع قنبلة ذرية.
وقال ميكولا بيليسكوف، الباحث في «المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية»: «من المحزن أن تنظر إلى كل هذا بصفتك مواطناً عادياً في أوكرانيا عندما يُضَحّى ببلدك ومواطنيك في اتفاق لمنع التصعيد من جانب موسكو».
ماذا تريد كييف؟
هناك بالفعل مساعدة لكييف من الحلفاء، ولكن عن بعد، كلما هاجمت روسيا أوكرانيا.
وقال يوري إهنات، المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، «عادةً ما يشير الشركاء إلينا بشأن تحركات القاذفات الروسية إلى مواقع إطلاق النار. يخبروننا متى وأين يستعد الروس للهجوم».
وبمجرد التحذير، يتحرك آلاف الجنود من وحدات الاستطلاع والاتصالات والدفاع الجوي المتنقلة إلى تلك المواقع.
كما يشارك طيارو أوكرانيا في حال وقوع هجمات كبيرة جداً، وقد قُتل أحد هؤلاء الطيارين في حادث تحطم طائرة يوم 26 أغسطس (آب) الماضي عندما أطلقت روسيا أكثر من 230 صاروخاً على منشآت الطاقة في أوكرانيا.
كما ضلت طائرات روسية من دون طيار طريقها فوق بولندا ورومانيا، وقد أرسل البَلدان، العضوان في «الاتحاد الأوروبي» و«حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، طائرات نفاثة رداً على ذلك، ولكنهما يراقبان الطائرات الروسية دون إسقاطها.
وتريد كييف أن تتدخل بولندا ورومانيا بنشاط؛ سواء في مجالهما الجوي وفوق غرب أوكرانيا.
واتفقت كييف ووارسو على مناقشة هذا الاحتمال في إطار اتفاق أمني متبادل أُبرم مؤخراً، ولكن بولندا لم تغير سياستها حتى الآن.
وأوضحت وارسو أنها لن تتصرف دون الدعم الكامل من «حلف شمال الأطلسي» بأكمله.
وقال وزير الدفاع البولندي، فلاديسلاف كوسينياك كاميش، إن مثل هذا الدعم غير موجود. وأضاف أن واشنطن أشارت أيضاً إلى أنها لا تريد تصعيد الصراع مع روسيا.
وتأمل كييف أن يُتفَق في نهاية المطاف على إسقاط الصواريخ والطائرات من دون طيار فوق أوكرانيا، تماماً كما سُلّمت المدفعية والدبابات والصواريخ والطائرات المقاتلة الغربية على الرغم من المخاوف السابقة من أن ذلك قد يؤدي إلى تجاوز الخطوط الحُمر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال وزير الخارجية البولندي، رادوسلاف سيكورسكي، لصحيفة «بوليتيكو» في مقابلة أُجريت معه مؤخراً: «هناك نقاش حيوي؛ سواء في بولندا وفي (حلف شمال الأطلسي) في هذا الموضوع».
وفي حين تريد كييف من حلفائها أن يتصرفوا كما يفعلون مع إسرائيل، فقد قال ضابطان في الدفاع الجوي الأوكراني، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتيهما، إن «تنفيذ ذلك أسهل فوق إسرائيل منه فوق أوكرانيا؛ لأن إسرائيل دولة صغيرة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تستطيع استخدام أنظمة الدفاع الجوي المحمولة».
في حين أن أوكرانيا دولة واسعة، ولا يمكن الوصول إليها من قبل القوات البحرية الغربية: وسوف يحتاج حلفاؤها إلى نشر دفاعات جوية على الحدود الغربية للبلاد.
وقال ماثيو سافيل، مدير العلوم العسكرية في «معهد الخدمات الملكية المتحدة» في لندن إن «أوكرانيا سوف تحتاج إلى تقديم مساعدة أكبر بكثير، على مساحة أوسع، مع وجود خطر أكبر للدخول في الحرب لتحقيق مكاسب غير مؤكدة، كما ستكون التكلفة أيضاً أكبر، فتواتر الهجمات الروسية أسرع بكثير من المحاولات الإيرانية لضرب إسرائيل بشكل مباشر».
وقد تضطر دول «حلف شمال الأطلسي» أيضاً إلى إرسال طائرات مقاتلة فوق أوكرانيا، مما قد يؤدي إلى اشتباكات مباشرة مع روسيا، وهو ما يحاول البيت الأبيض تجنبه بالضبط.
وأضاف: «لتعظيم فاعلية مثل هذا الجهد، ربما ترغب القوات الغربية في توجيه ضربات مباشرة للطائرات الروسية التي تشن ضربات، أو ضرب رادارات الدفاع الجوي والصواريخ الروسية بعيدة المدى، وبالتالي فإن هذا يربط الدفاع ضد الصواريخ بمشاركة أقرب مباشرَة، حتى لو كان ذلك في الجو فقط».
أفضل صديق لأميركا
ويعود الأمر أيضاً بين إسرائيل وأميركا إلى العاطفة والتاريخ، ففي حين يدّعي كثير من الدول أنها أفضل صديق لأميركا أو حليف حاسم، فإن إسرائيل تحتل مكانة فريدة في السياسة الأميركية واستراتيجية الدفاع.
ويشير المسؤولون الأميركيون إلى علاقة بُنيت على مدى عقود من الزمن، وهي العلاقة التي جعلت واشنطن على استعداد لنشر جيشها مباشرة لحماية إسرائيل.
ومع ذلك، تعكس الاتهامات بوجود معايير مزدوجة إحباطاً أوسع نطاقاً في أوكرانيا؛ لأن إدارة بايدن لا تبذل ما يكفي لمساعدة كييف على وقف الهجمات الروسية.
ويشمل ذلك إبطاء مبيعات الأسلحة الأكبر، ومنع أوكرانيا من استخدام الذخائر الأميركية بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية.
وقال شيلبي ماجد، نائب المدير في «المجلس الأطلسي»، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن: «لا يزال هناك المزيد الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لمساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ولسوء الحظ، هذا هو التمييز الذي اختارته الإدارة مراراً وتكراراً، إلى الحد الذي أصبحنا فيه نراها تعرقل مصالح أمننا القومي في مساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا، وهناك خوف شبه معوق من عدم الرغبة في ضرب الأسلحة التي تقاتل بها روسيا بشكل مباشر؛ لأن الإدارة ترى أنها ستقاتل روسيا بشكل مباشر».
واعترف المسؤولون الأميركيون بأنهم يدركون الإحباطات المتصاعدة في أوكرانيا، لكنهم قالوا إنهم يعملون على شحنات أسلحة جديدة يأملون أن تخفف هذه المخاوف.
وقال أحد المسؤولين في الإدارة: «لقد ركزنا حقاً على تزويد أوكرانيا بكل ما في وسعنا لمساعدتها في الدفاع عن نفسها. كانت أولويتنا القصوى هي المساعدة في تعزيز دفاعاتها الجوية».
خطر الانتشار النووي
لكن المحلل الأوكراني بيليسكوف حذر بأن التعامل مع روسيا بحذر يرسل رسالة دولية مفادها بأن القوى النووية تحظى بالاحترام الذي لا تحظى به الدول العادية.
وهذا يزيد من خطر أن تقرر دول مثل إيران التحول إلى الأسلحة النووية؛ الأمر الذي من شأنه أن يدمر نظام منع الانتشار الذي يهدف إلى الحد من عدد القوى النووية.
وقال بيليسكوف: «الاستنتاج الذي توصلنا إليه من النهج المختلف تجاه إسرائيل وأوكرانيا هو أن امتلاك سلاح نووي أفضل من عدم امتلاكه».