العلم الروسي فوق أطلال أوغليدار... معارك ضارية دمرت الحصن المنيع للأوكرانيين

نقطة تحول على الجبهة ومصير مماثل لباخموت وأفدييفكا

منظر جوي لأوغليدار (فوليدار بالأوكرانية) يظهر المباني المدمرة (رويترز)
منظر جوي لأوغليدار (فوليدار بالأوكرانية) يظهر المباني المدمرة (رويترز)
TT

العلم الروسي فوق أطلال أوغليدار... معارك ضارية دمرت الحصن المنيع للأوكرانيين

منظر جوي لأوغليدار (فوليدار بالأوكرانية) يظهر المباني المدمرة (رويترز)
منظر جوي لأوغليدار (فوليدار بالأوكرانية) يظهر المباني المدمرة (رويترز)

لا يشكل رفع العلم الروسي فوق ما تبقى من مبنى الإدارة المحلية لمدينة أوغليدار (فوليدار بالأوكرانية) مشهداً عابراً من مشاهد الحرب الدامية في أوكرانيا. فسقوط المدينة الصغيرة نسبياً له أهمية كبرى بالنسبة إلى القوات الروسية، بعدما أخفقت لأشهر طويلة في اقتحام البلدة التي شكلت حاجزاً منيعاً أمام القوات الروسية منذ اندلاع الحرب في فبراير (شباط) 2022.

تم تثبيت العلم الروسي على أطلال إدارة أوغليدار، لكن من السابق لأوانه الحديث عن «تحرير المدينة بشكل كامل»، حسبما صرح مستشار رئيس مقاطعة دونيتسك يان جاجين لوكالة أنباء «نوفوستي» الروسية.

الدخان يتصاعد فوق المباني السكنية المدمرة في أوغليدار نتيجة القصف الروسي (إ.ب.أ)

أوضح المسؤول الموالي لموسكو أنه «في الواقع، جيشنا موجود بالفعل في أوغليدار، وقد تم وضع العلم الروسي على مبنى الإدارة المحلية».

وقال مدونون معنيون بتطورات الحرب بين روسيا وأوكرانيا ووسائل إعلام، الأربعاء، إن القوات الروسية سيطرت بشكل كامل على البلدة. ونشرت قنوات روسية على «تلغرام» مقطع فيديو لجنود يلوحون بالعلم الروسي فوق مبان محطمة. وذكرت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» أن أوغليدار سقطت في قبضة روسيا بعد خروج المجموعة الأخيرة من القوات الأوكرانية التابعة لوحدة عسكرية معروفة بقدرتها على المقاومة من البلدة في ساعة متأخرة من الثلاثاء. وأكدت قناة «شوت» على «تلغرام» ومدونون عن الحرب موالون لروسيا، أن أوغليدار أصبحت تحت السيطرة الروسية الكاملة، رغم عدم صدور تأكيد رسمي بعد من الجيشين: الروسي أو الأوكراني.

ومع ذلك، من السابق لأوانه الحديث عن الاستيلاء على المدينة، فلا تزال هناك وحدات متفرقة من القوات المسلحة الأوكرانية، وما زالت عمليات التمشيط والتطهير جارية (...) سيستغرق الأمر بعض الوقت».

جندي أوكراني من لواء ليوت في أثناء إطلاق النار باتجاه موقع روسي بالقرب من توريتسك (أ.ب)

عبارة «بعض الوقت» استخدمها أيضاً مسؤولون أوكرانيون لوصف الوضع في البلدة الاستراتيجية. وكانت نائبة البرلمان الأوكراني ماريانا بيزوجلايا قد قالت، في وقت سابق، إن «خسارة أوغليدار باتت مسألة وقت». وألقت باللوم في ذلك على القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، ألكسندر سيرسكي، الذي، بحسب قولها، خلق الفوضى في اللواء 72 من خلال إقالة قائد اللواء من منصبه في أثناء الهجوم الروسي. وأحدث ارتباكاً كبيراً استغلته القوات الروسية لتكثيف الضغط الناري على المدينة والوصول إلى المصير المحتوم.

المهم أن المدينة التي شكلت حصناً منيعاً أمام الروس خلال ثلاثين شهراً قد سقطت فعلياً، بعد معارك ضارية أسفرت عن تدميرها كلياً.

وقال مسؤول انفصاليون في المنطقة إن المشاهد الأولى في البلدة تدل على حركة انسحاب سريع وغير منظم لبقايا القوات الأوكرانية التي دافعت عن البلدة طويلاً.

وكان المهاجمون أحكموا حصار المدينة، وتركوا للقوات المسلحة الأوكرانية طريقاً ريفياً واحداً للإخلاء، خضع أيضاً للسيطرة النارية للجيش الروسي.

حقيقة أن أحد أهم معاقل القوات المسلحة الأوكرانية أصبح الآن في أيدي الجيش الروسي باتت مؤكدة، رغم أن وزارة الدفاع لم تعلن رسمياً حتى الآن عن نقل المدينة إلى السيطرة الروسية. ربما تحسباً لهجمات مضادة قوية.

أضرار في مبنى ببلدة أوغليدار الواقعة على جبهة القتال في الجزء الجنوبي من إقليم دونيتسك بأوكرانيا (إ.ب.أ)

لكن ما أهمية الاستيلاء على أوغليدار؟

لقد شكلت البلدة الصغيرة نسبياً حائط صد منيعاً، منذ اندلاع التمرد المسلح في مقاطعة دونيتسك في عام 2014، وفشلت القوات الانفصالية المدعومة من جانب موسكو في إحراز أي تقدم على هذا المحور خلال سنوات. وبعد اندلاع الحرب في 2022، أوقفت التحصينات فيها تقدم الجيش الروسي لفترات طويلة. وكانت المواقع العسكرية فيها تستخدم لتوجيه ضربات موجعة إلى عمق مناطق دونيتسك ومحيطها.

يقول مراسلون حربيون روس إن المدينة تحولت إلى حصن حقيقي، واستعدت لصد هجمات الجيش الروسي، وفقاً لجميع قوانين التحصين. بالإضافة إلى ذلك، قدم موقع أوغليدار المرتفع مزايا إضافية للقوات الأوكرانية المدافعة، فضلاً عن أنها غدت تشكل حلقة الوصل الروسية لتقاطع الطرق نحو مواقع الدفاع في البلدات الأوكرانية المحيطة بالمنطقة.

في السابق، لم ينجح عدد من المحاولات التي قامت بها القوات المسلحة الروسية لاقتحام هذه المدينة. ووفقاً لتقارير مراسلين روس، ففي بداية تكثيف الهجوم على المدينة لم يكن لدى الجيش الروسي بعد أسلحة نارية قادرة على تدمير منشآت العدو طويلة المدى. من الواضح أن المدافع عيار 152 ملم وحتى قذائف الهاون عيار 240 ملم لم تكن كافية لاختراق الدفاع الأوكراني. لكن في هذه المرة، لعبت القنابل الجوية شديدة الانفجار من العيار الكبير دوراً مهماً للغاية في حسم الهجوم على أوغليدار.

قوات أوكرانية داخل ما تبقى من مكتبة المدرسة في أوغليدار (أ.ف.ب)

بعد أشهر طويلة من فرض حصار كامل عليها، وجعل فتح الممر الضيق للإخلاء من المستحيل تقريباً على القوات المسلحة الأوكرانية نقل التعزيزات إلى أوغليدار ونقل الذخيرة والطعام وإزالة الجرحى. وفقاً للجيش الأوكراني نفسه، كان ينبغي التخلي عن المدينة في مثل هذه الظروف قبل أسبوع، عندما كان خطر تطويقها يلوح في الأفق، والتراجع المنظم نحو خط دفاعي جديد.

تجدر الإشارة إلى أن وحدات القوات المسلحة الأوكرانية من اللواء الميكانيكي المنفصل 72 المنسحبة من المدينة تخلت عن قتلاها وجرحاها، وكان من شبه المستحيل إخراجهم من أوغليدار تحت نيران الجيش الروسي، خاصة مع استخدام مركبات قتال المشاة وناقلات الجنود المدرعة. وبحسب شهود عيان، في المتوسط، من بين عشرة مقاتلين أوكرانيين ينسحبون من المدينة وصل نصفهم في أحسن الأحوال إلى مواقع دفاعية جديدة.

أما داخل المدينة، فإن المشاهد الأولى تثير الكثير من الدهشة. فقد تعرضت لعمليات تدمير شامل لم تترك فيها مبنى أو منشأة قائمة.

وأوغليدار تأسست عام 1964 في إطار سياسة «المدن المصانع» التي أطلقها بنشاط الاتحاد السوفياتي، بعدما تم الكشف عن احتياطي ضخم جداً من الفحم الطبيعي في هذه المنطقة، وتم التخطيط لها بوصفها مدينة صناعية كبيرة يصل عدد سكانها إلى 100 ألف نسمة وأكثر من 10 مناجم. لكن سياسة توسيع المدينة تراجعت في سبعينات القرن الماضي، وبدءاً من عام 1983، كان عدد السكان 8800 نسمة. يوجد في البلدة منجم فحم ومركز خدمة عامة ومدرسة ثانوية ومجمع مستشفيات وسينما ومكتبتان.

صور التقطت من الأقمار الاصطناعية لأوغليدار (فوليدار بالأوكرانية) (رويترز)

صحيح أن المدينة صغيرة للغاية، لكن حجم الدمار فيها هائل. وبحسب «هيومن رايتس ووتش»، منذ اليوم الأول للعمليات الروسية في أوكرانيا، بدأت عملية تدمير كاملة للبنى التحتية التي تم تقويضها بنسبة 100 في المائة. مشهد يذكر بالوضع في مدينة باخموت الاستراتيجية التي سيطرت عليها القوات الروسية في مايو (أيار)، العام الماضي، بعد حصار ومعارك ضارية استمرت شهوراً طويلة. وهو المشهد نفسه الذي رافق الاستيلاء على مدينة أفدييفكا في فبراير الماضي. ثمة ما يجمع بين المدن الثلاث، فضلاً عن الدمار الكامل، فقد شكلت كل واحدة منها نقطة استعصاء أمام تقدم القوات الروسية لفترات طويلة للغاية، ودفعت السيطرة على كل منها إلى توقع انهيارات إضافية على الجبهة الأوكرانية.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يتّهم رئيس الوزراء السلوفاكي برغبته في «مساعدة بوتين»

أوروبا رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو (أ.ب)

زيلينسكي يتّهم رئيس الوزراء السلوفاكي برغبته في «مساعدة بوتين»

اتّهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم (الاثنين)، رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، بالرغبة في «مساعدة» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الاقتصاد سكان محليون يشترون طعاماً من سوق أمام مبنى سكني تضرر ببلدة بوردينكا في بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا تتلقى 1.1 مليار دولار من صندوق النقد الدولي

أعلن رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، أن بلاده تلقت دفعة جديدة بقيمة 1.1 مليار دولار من صندوق النقد الدولي ستخصَّص لتغطية النفقات الحيوية في الموازنة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يتحدث خلال حفل Turning Point في فينيكس بولاية أريزونايوم الاحد (ا.ف.ب)

ترمب يتحدث عن لقاء محتمل مع بوتين ويثير الجدل حول استعادة قنا بنما

أبدى دونالد ترمب استعداده للقاء فلاديمير بوتين في أقرب وقت، مؤكداً قدرته على إنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وقدرته على إنهاء الحروب بسرعة في الشرق الأوسط.

هبة القدسي (واشنطن)
أوروبا رجال شرطة لواء «خيزاك» يستعدون لإطلاق قذيفة «هاون» باتجاه القوات الروسية في موقعها على خط المواجهة بالقرب من بلدة توريتسك في دونيتسك (رويترز)

روسيا تعلن السيطرة على بلدة أخرى في الشرق الأوكراني

قالت روسيا اليوم (الاثنين) إنها سيطرت على بلدة ستوروجيف الواقعة في شرق أوكرانيا والقريبة من قرية فيليكا نوفوسيلكا التي تحاول قواتها على ما يبدو محاصرتها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنود روس يقومون بتجميع طائرة من دون طيار في مكان غير معلن (أ.ب)

​أوكرانيا: إسقاط 47 طائرة مسيّرة أطلقتها روسيا

قال سلاح الجو الأوكراني الاثنين إنه أسقط 47 من أصل 72 طائرة مسيّرة أطلقتها روسيا في أنحاء البلاد بينما لم تبلغ 25 طائرة أخرى أهدافها.

«الشرق الأوسط» (كييف)

رئيس الوزراء الفنلندي: روسيا تشكل «تهديداً دائماً» للاتحاد الأوروبي

أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
TT

رئيس الوزراء الفنلندي: روسيا تشكل «تهديداً دائماً» للاتحاد الأوروبي

أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)

عَدَّ رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو، اليوم الأحد، أن روسيا تشكل «تهديداً دائماً وخطراً» للاتحاد الأوروبي، مشدداً على الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي ودعم أوكرانيا، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

واستضاف أوربو قمة حول الأمن والهجرة، بمشاركة مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.

وقال رئيس الحكومة الفنلندي، للصحافيين بعد القمة، إن «الوضع الأمني تغيّر»، مضيفاً «روسيا تشكّل تهديداً دائماً وخطراً للاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية».

وأكد أوربو وجوب تعزيز القوة العسكرية للدفاع عن أوروبا «بكل الوسائل الممكنة»، مع «استكشاف جميع الخيارات المالية»، دون ذكر أي خطط ملموسة لزيادة الميزانيات الدفاعية.

ووافقته كالاس قائلة إن «روسيا تشكل تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي»، لافتة إلى أن «الأمن يشمل عناصر مختلفة».

وتابعت: «نشهد في جميع أنحاء أوروبا هجمات هجينة مختلفة، سواء أكانت أعمال تخريب أم هجمات إلكترونية، إضافة إلى أسطول ظل خطراً وتشويشاً على نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، وإلحاق أضرار بالكابلات، وأيضاً استخدام الهجرة سلاحاً».

واتهمت فنلندا موسكو بتدبير موجة هجرة في خريف عام 2023، بعد وصول نحو ألف مهاجر دون تأشيرات إلى حدودها الشرقية مع روسيا، والتي يبلغ طولها 1340 كيلومتراً.

وقال أوربو إن ضمان أمن حدود فنلندا مع روسيا، والتي أشار إليها بكونها أيضاً حدود الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، «مسألة وجودية لفنلندا ولدول الاتحاد الأوروبي وحلفاء الناتو».

كما أشار إلى أن الدول «يجب أن تستمر في تقديم الدعم لأوكرانيا ما دامت هناك حاجة، ومهما طال ذلك».