توماس غراهام: أميركا لا تعرف أهدافها من الحرب في أوكرانيا

قال في تحليله إن حالة من الغموض تحيط بـ«مفهوم النصر» موجودة بدرجة كبيرة في واشنطن

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبيت الأبيض في سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبيت الأبيض في سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

توماس غراهام: أميركا لا تعرف أهدافها من الحرب في أوكرانيا

الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبيت الأبيض في سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن يلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبيت الأبيض في سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على بدء الحرب الروسية الأوكرانية وتقديم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مساعدات اقتصادية وعسكرية ضخمة لأوكرانيا، ما زالت نهاية هذه الحرب بعيدة للغاية، ولم تظهر أي مؤشرات على إمكانية تحقيق الهدف الغربي الأسمى وهو انتصار أوكرانيا.

وفي المناظرة الانتخابية التي جمعت نائبة الرئيس الأميركي مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية كامالا هاريس، ومنافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، ورداً على سؤال: «هل تريد أن تكسب أوكرانيا الحرب؟» لم يقل ترمب نعم، وإنما قال إنه يريد إنهاء الحرب. وكذلك لم تقل هاريس نعم، وإنما وعلى عكس منافسها قالت إنها ستدعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.

قوات أوكرانية (أ.ف.ب)

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية قال توماس غراهام زميل مجلس العلاقات الخارجية وكبير مديري إدارة روسيا في مجلس الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس جورج بوش الابن إن السؤال ليس بسيطاً، كما أنه لا توجد إجابة مشتركة بين دول الغرب ولا بين دول الغرب وأوكرانيا للسؤال عن معنى النصر في حرب أوكرانيا.

منذ البداية حدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي النصر بأنه تحرير كل الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا منذ 2014 واستعادة الحدود الدولية المعترف بها لبلاده منذ انفصالها عن الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991.

تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلب الأوكرانيين يتفقون مع زيلينسكي في الهدف رغم ظهور بعض التحولات في الرأي العام، مع ارتفاع تكلفة الحرب.

ويمكن لآخرين إعلان النصر، إذا نجحت أوكرانيا في إخراج القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها منذ بداية الحرب الحالية في 23 فبراير (شباط) 2022، وهناك معسكر ثالث يمكنه اعتبار مجرد الحفاظ على أوكرانيا دولةً مستقلةً ذات سيادة في نهاية الحرب انتصاراً لها حتى مع استمرار احتلال روسيا للأراضي الأوكرانية. وقد يذهب البعض إلى الادعاء بأن أوكرانيا انتصرت بالفعل، لأن روسيا قد لا تتمكن من التقدم في الأراضي الأوكرانية بأكثر مما فعلت.

الدمار يلحق سيارات بمنطقة في كورسك بعد التوغل الأوكراني (رويترز)

حالة الغموض التي تحيط بمفهوم النصر لدى الأوكرانيين موجودة وبدرجة أكبر في واشنطن، حيث لا تمتلك إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته هاريس تعريفاً واضحاً للنصر ولا أهدافاً واضحة تسعى لتحقيقها في أوكرانيا. كما أنها لم تعلن أبداً تبنيها لهدف زيلينسكي. وبدلاً من ذلك تحدث بايدن مرتين عن قوة الحرية في الانتصار على الاستبداد، لكنه لم يحدد النصر في أوكرانيا بمصطلحات ملموسة.

وقد قدم مسؤولون آخرون لمحات عن تفكير الإدارة الأميركية، لكن أياً منهم لم يقدم تفصيلاً شاملاً لأهداف الإدارة. وتحت ضغط الكونغرس، أرسلت الإدارة أخيراً استراتيجية سرية للتعامل مع ملف أوكرانيا في منتصف سبتمبر (أيلول) لكن لم يتم الكشف عن تفاصيلها حتى الآن.

ويقول غراهام إن هذا يعني أن أميركا لا تمتلك إلا مجموعة عناصر غير متماسكة لسياستها تجاه أوكرانيا. على سبيل المثال تتعهد الإدارة بمواصلة دعم أوكرانيا «متى احتاجت ذلك»، لكنها تركت تعبير الحاجة دون تحديد. وهي تقول إنها تسلح أوكرانيا لكي تعزز موقفها على مادة المفاوضات دون إشارة إلى طبيعة الاتفاق الذي تأمل أن تحصل عليه أوكرانيا عبر المفاوضات.

كما أن الإدارة الأميركية أعلنت هدفها وهو المحافظة على أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة، لكنها لم تحدد بوضوح ضمن أي حدود، رغم أن الولايات المتحدة تعترف رسمياً بحدودها عام 199. وقبل بدء الحرب قال الرئيس بايدن إن بلاده لن تحارب روسيا وتخاطر بوقوع كارثة نووية دفاعاً عن أوكرانيا. ولكن هل يمكن استمرار هذا الموقف إذا اتضح أن السبيل الوحيد للمحافظة على أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة هو دخول أميركا الحرب ضد روسيا؟ لا أحد يعرف الإجابة حتى الآن بحسب توماس غراهام.

ستارمر مع الرئيس الأوكراني (إ.ب.أ)

كل هذا يوضح أن الإدارة ذاتها لم تتفق داخلياً على أهدافها، أو أنها تعتقد أن تلك الأهداف لن تصمد أمام قوة النقاش العام. وربما تشعر أيضاً بالقلق من أن يؤدي إعلان أهدافها إلى نسف الوحدة الغربية والتحالف مع أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي.

ويرى مسؤول الأمن القومي الأميركي سابقاً توماس غراهام في تحليله أن هذه استراتيجية فاشلة، وتهدد الدعم الشعبي المطلوب بشدة لنجاح أي سياسة خارجية في المجتمع الديمقراطي. كما أنها تؤكد أنه سيتم هدر الموارد المخصصة لدعم أوكرانيا، في الوقت نفسه يعزز اعتقاد روسيا بقدرتها على الصمود أمام الغرب لتحقيق أهدافها من هذه الحرب.

لذلك حان الوقت لكي تبلور الولايات المتحدة رؤية واضحة لما تريد تحقيقه من الحرب في أوكرانيا مع وضع استراتيجية لتحقيق هذه الأهداف بنجاح. ويجب أن تستند الأهداف والاستراتيجية إلى الحقائق الموضوعية مع تقييم واضح للمصالح والقدرات الروسية والأوكرانية والأوروبية والأميركية، وتحديد الموارد التي ستكون مطلوبة لتحقيق هذه الأهداف. كما يجب أن تكون أهدافها لأوكرانيا في إطار رؤية أوسع لهيكل مستقبل أمن أوروبا في مواجهة استمرار العداء الروسي. في الوقت نفسه يجب بلورة مسار للتعايش مع روسيا، بغض النظر عن نتيجة الحرب الأوكرانية، على أساس أنها، وإن ظلت خصماً استراتيجياً، فإنها ستظل شريكاً ضرورياً في إدارة الاستقرار الاستراتيجي للعالم، والتعامل مع التهديدات الملحة وفي مقدمتها مشكلة التغير المناخي.


مقالات ذات صلة

أوكرانيا توسّع هجماتها في العمق الروسي

أوروبا مجندون روس استُدعوا للخدمة العسكرية يصطفون قبل مغادرتهم إلى ثكناتهم في باتايسك بمنطقة روستوف الروسية (رويترز)

أوكرانيا توسّع هجماتها في العمق الروسي

قالت هيئة الأركان العامة في الجيش الأوكراني إن قوات أوكرانية هاجمت البنية التحتية لمطار عسكري بمنطقة ليبتسك الروسية، ومصنعاً للمتفجرات.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رئيسة مولدوفا مايا ساندو تدلي بصوتها في الانتخابات (رويترز)

انتخابات رئاسية واستفتاء أوروبي في مولدوفا وسط تخوف من تدخل روسي

يدلي المولدوفيون، الأحد، بأصواتهم خلال انتخابات رئاسية واستفتاء على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في ظل مخاوف من تدخل روسي في خضم الحرب بأوكرانيا المجاورة.

«الشرق الأوسط» (كيشيناو)
أوروبا انفجار في سماء كييف أثناء غارة بطائرة مسيرة وسط هجوم روسيا على أوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا تطلق سلسلة من المسيّرات صوب العاصمة الروسية

قال مسؤولون إقليميون في ساعة مبكرة من صباح اليوم (الأحد) إن أوكرانيا أطلقت سلسلة من الطائرات المسيرة صوب غرب روسيا والعاصمة موسكو

«الشرق الأوسط» (كييف )
العالم وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال مؤتمر صحافي في مقر حلف «ناتو» ببروكسل (إ.ب.أ)

وزير الدفاع الأميركي: نريد من إسرائيل تقليل ضرباتها في بيروت ومحيطها

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن الولايات المتحدة تريد أن تقلل إسرائيل ضرباتها في العاصمة اللبنانية بيروت ومحيطها.

شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والمستشار الألماني أولاف شولتس خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول السبت (الرئاسة التركية)

اتفاق تركي - ألماني على تعزيز التعاون حول الهجرة وصناعات الدفاع

اتفقت تركيا وألمانيا على تطوير التعاون فيما بينهما في قضايا الهجرة والتجارة والصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، بينما تبايت مواقفهما حول الوضع في الشرق الأوسط.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

كيف يعزّز نشر قوات كورية شمالية في روسيا التحالف العسكري بين البلدين؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)
TT

كيف يعزّز نشر قوات كورية شمالية في روسيا التحالف العسكري بين البلدين؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)

يرى خبراء أنّ قرار كوريا الشمالية نشر آلاف الجنود على خطوط المواجهة في أوكرانيا، من شأنه أن يعزّز التحالف العسكري المثير للجدل مع موسكو، كما قد يدفع روسيا للانخراط بشكل أعمق في القضايا الأمنية المرتبطة بشبه الجزيرة الكورية.

وقالت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية إنّ نحو 1500 جندي من القوات الخاصة الكورية الشمالية موجودون في روسيا، ومن المرجّح أن يتوجهوا إلى الخطوط الأمامية قريباً، مع استعداد آلاف الجنود لمغادرة البلاد في وقت قريب، فيما يعدّ أول انتشار من نوعه لبيونغ يانغ في الخارج.

وتُظهر هذه الخطوة أن الاتفاق العسكري المبرم بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران)، والذي تضمّن بنداً بشأن الدفاع المشترك، لم يكن مجرّد استعراض.

ويقول هونغ مين، وهو محلّل في معهد كوريا للتوحيد الوطني، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ «هذا يُنشئ إطاراً يحصل بموجبه التدخل الروسي أو الدعم العسكري تلقائياً، إذا تعرّضت كوريا الشمالية لهجوم أو واجهت أزمة».

ويضيف أنّ حقيقة أنّ جنوداً كوريين شماليين سيقاتلون إلى جانب روسيا في أوكرانيا تُثبت مدى «صلابة» الاتفاق بين بوتين وكيم.

كما يشير إلى أنّ تعزيز القوات الروسية من قبل بيونغ يانغ يمكن أن يساعد موسكو في الاحتفاظ «بالأراضي (الأوكرانية) المحتلّة أو في تحقيق مكاسب إقليمية أخرى».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يحضران مؤتمراً صحافياً عقب محادثاتهما في بيونغ يانغ 19 يونيو 2024 (رويترز)

ولا تزال الكوريتان في حال حرب من الناحية التقنية، وذلك بعدما انتهى النزاع بينهما بين عامين 1950 و1953 بهدنة وليس باتفاق سلام، ولكن فيما نجح كيم في بناء ترسانة نووية، فإنّ سيول تفتقر إلى الأسلحة النووية الخاصة بها.

مع ذلك، تتمتّع كوريا الجنوبية بحماية ما يُسمى المظلة النووية الأميركية، كما تُجري سيول وواشنطن تدريبات عسكرية مشتركة واسعة النطاق بشكل دوري، الأمر الذي يثير غضب بيونغ يانغ.

وربما يأمل كيم في إرسال جنود إلى روسيا في إقامة رادع عسكري أكثر تكاملاً بين كوريا الشمالية وروسيا، على غرار التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ما قد «يؤدي إلى تحوّل كبير» في ديناميات الأمن في الكوريتين، وفقاً لهونغ.

ونشر مركز الاتصالات الاستراتيجية في أوكرانيا، الجمعة، مقطعاً مصوراً يُظهر ما يبدو أنه جنود كوريون شماليون في معسكر روسي يستعدون للمشاركة في الحرب التي تخوضها موسكو في أوكرانيا.

وقالت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية إنّه «من غير المناسب» بالنسبة إليها التعليق على مواد نشرتها حكومة دولة أخرى.

وفي سياق آخر، يرى خبراء أنّ إرسال قوات كورية شمالية إلى روسيا يمنح جنود النخبة فرصة لتجربة الحرب، وفق الأساليب الحديثة، واختبار أداء الأسلحة المصنّعة محلياً في ساحة المعركة. ومنذ فترة طويلة، تتهم سيول بيونغ يانغ بإرسال أسلحة إلى موسكو.

ويقول لي سانغ مين، الباحث في معهد كوريا للدفاع، إنّ ذلك قد يكون أيضاً محاولة من كيم لتعزيز مكانته الدولية وموقفه التفاوضي قبل الانتخابات الأميركية، الشهر المقبل.

ويضيف أنّ «إحدى الطرق لجذب الانتباه العالمي عبر القيام بشيء مستهجن، هي في إرسال قوات لدعم الحرب في أوكرانيا، ما قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع أو تحويله لصالح روسيا».

بدوره، يرى الأستاذ في الدراسات الكورية في جامعة أوسلو فلاديمير تيخونوف، أنّ فائدة نشر القوات الكورية الشمالية واضحة بالنسبة إلى روسيا.

ويوضح أنّ «العقبة الرئيسية التي تواجه روسيا هي نقص القوى العسكرية واليدوية، وكوريا الشمالية لديها إمكانات كبيرة لمعالجة الأمرين».

ووصلت العلاقات بين الكوريتين إلى أدنى مستوياتها، في وقت أكد فيه كيم، الخميس، أنّ بلاده تخلّت عن «فكرة إعادة التوحيد غير المنطقية».

ويقول خبراء إن بيونغ يانغ قد تستخدم أوكرانيا أيضاً وسيلة لإعادة تنظيم سياستها الخارجية.

ويشيرون إلى أنّ كوريا الشمالية تسعى من إرسال جنودها إلى تثبيت نفسها داخل اقتصاد الحرب الروسي عبر تزويد موسكو بالأسلحة ومنحها دعماً عسكرياً. ويرون أنّها ربما تتجاوز في ذلك حليفها التقليدي وجارتها وشريكها التجاري الرئيسي؛ أي الصين.

وفي هذا السياق، يقول تيخونوف: «هذا يعني أن بيونغ يانغ لن تكون لديها رغبة في السعي لتحسين العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة».

ويخلص إلى أنّ «هذا يعني حالة مستمرة من التوتر في شبه الجزيرة الكورية».