​الكرملين يدرس خيارات الغرب حيال «خطة زيلينسكي للنصر»

دعا لتحديث فلسفة الأمن الأوروبي ومراعاة مصالح روسيا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتفقّد مصنعاً أميركياً للذخيرة في ساكرامنتو (بنسلفانيا) الأحد (رويترز)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتفقّد مصنعاً أميركياً للذخيرة في ساكرامنتو (بنسلفانيا) الأحد (رويترز)
TT

​الكرملين يدرس خيارات الغرب حيال «خطة زيلينسكي للنصر»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتفقّد مصنعاً أميركياً للذخيرة في ساكرامنتو (بنسلفانيا) الأحد (رويترز)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتفقّد مصنعاً أميركياً للذخيرة في ساكرامنتو (بنسلفانيا) الأحد (رويترز)

بدا أن الكرملين يتريث في إعلان موقف واضح حيال تحركات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومحاولة كسب تأييد غربي لما بات يعرف بـ«خطة النصر» التي أعدتها كييف.

وتركز الاهتمام الروسي على المستوى الرسمي على مراقبة ما وصف بأنه تباينات في تعامل الأوساط الغربية مع الخطة الجديدة لزيلينسكي، التي لم تتضح بعد كل معالمها، في حين قلّل الخبراء الروس من أهمية التحركات الأوكرانية، ورأى كثيرون منهم أن زيلينسكي قد يخرج برزمة جديدة من المساعدات فقط.

وواصل زيلينسكي، الاثنين، زيارته إلى الولايات المتحدة، حيث يعرض على نظيره الأميركي جو بايدن والكونغرس «خطة النصر» التي أعدتها كييف لإنهاء الحرب الدائرة منذ عامين ونصف العام بينها وبين موسكو.

وكان الرئيس الأوكراني توجه الأحد في مستهل زيارته إلى ولاية بنسلفانيا (شرق)، حيث تفقّد مصنعاً للأسلحة ينتج بشكل خاص قذائف من عيار 155 مليمتراً التي تستهلك أوكرانيا كثيراً منها في حربها ضد القوات الروسية.

وقال الرئيس الأوكراني في حسابه على منصة «إكس»: «لقد بدأت زيارتي للولايات المتحدة بالإعراب عن امتناني لجميع العاملين في المصنع».

ومن المقرّر أن يقصد الرئيس الأوكراني في هذه الزيارة بشكل خاص نيويورك وواشنطن، حيث يستقبله بايدن في البيت الأبيض الخميس المقبل.

بايدن وزيلينسكي خلال لقاء على هامش قمة الناتو في الذكرى الـ75 لتأسيس الحلف - واشنطن 11 يوليو 2024 (رويترز)

وإذ شدّد زيلينسكي على أنّ «هذا الخريف سيكون حاسماً لمآل» الحرب، لفت إلى أنّ نظيره الأميركي سيكون «أول من سيطلع بالتفصيل» على مقترحات لإنهاء النزاع مع روسيا.

وقال: «هذه الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا بسلام عادل من خلال جهود دولية. خطة أوكرانيا للنصر ستكون على طاولة جميع حلفائنا».

وأوضح أنّ «الهدف الرئيسي هو تعزيز أوكرانيا وحماية جميع أفراد شعبنا».

وسيطلع زيلينسكي على هذه الخطة أثناء وجوده في واشنطن الكونغرس الأميركي، و«المرشحَيْن في الانتخابات الرئاسية» نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس، والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب.

ولفت الرئيس الأوكراني إلى أنّه بعد ذلك يعتزم إطلاع «جميع قادة الدول الشريكة لنا» على هذه الخطة.

رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع تعرض لقصف روسي بمنطقة زابوريجيا الاثنين (إ.ب.أ)

ومن المتوقع أن يحاول زيلينسكي مرة أخرى أن يقنع بايدن بالسماح لكييف بضرب أهداف في روسيا بأسلحة غربية بعيدة المدى، وهو إجراء يؤكّد أنّ من شأنه أن يغيّر مسار الحرب.

وكان زيلينسكي اشتكى مساء الجمعة الماضي من أنّه لم يحصل على ضوء أخضر لا من أميركا ولا من بريطانيا على الإذن باستخدام هذه الأسلحة على الأراضي الروسية، ضدّ أي هدف كان، وعلى بُعد أي مسافة كانت، وبالتالي فإنّ جيشه لم يفعل ذلك.

وتداولت وسائل إعلام غربية معطيات عن أبرز العناصر التي تتضمنها «خطة زيلينسكي»، ومن بينها تسريع عملية انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)؛ ليتم ذلك قبل نهاية ولاية بايدن في البيت الأبيض؛ وإطلاق آليات جديدة للتعامل مع الهجمات الروسية عبر إنشاء مظلة دفاع جوية مشتركة فوق الأراضي الأوكرانية، والسماح لكييف باستهداف مواقع التهديد في العمق الروسي.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمة في المؤتمر الدولي للسلام بباريس الأحد (إ.ب.أ)

وقلّل خبراء في موسكو من أهمية تحركات زيلينسكي. ورأى المحلل السياسي الأوكراني فلاديمير سكاتشكو أن «استمرار الصراع العسكري بالنسبة لزيلينسكي وسيلة للبقاء في السلطة، فضلاً عن الحفاظ على مكانته وأمواله وضمانات أمنه». وقال الخبير الموالي لموسكو: «من هنا تأتي رغبات زيلينسكي بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي قبل نهاية العام، والسماح لها بشن ضربات في عمق الأراضي الروسية (...) والواقع أن (خطة النصر) المعلنة تستند إلى أمل كييف في إثارة حرب بين حلف شمال الأطلسي وروسيا».

ووفقاً لخبراء فإن «الشيء الوحيد الذي يمكن لزيلينسكي الاعتماد عليه بنتيجة زيارته واشنطن، هو تلبية جزئية لطلبات الأسلحة والمال. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يعدوه في أمريكا بالمساعدة في تنظيم قمة سلام جديدة»، علماً بأن موسكو كانت أعلنت سلفاً أنها لن تحضر أي قمة تدعو إليها كييف أو الغرب، ولا تأخذ في الاعتبار المتغيرات الميدانية التي وقعت خلال الفترة الماضية.

ولفتت أوساط روسية إلى تباين وجهات النظر في الغرب حيال التحركات الأوكرانية. وقال خبراء إن لندن رغم تنسيقها الكامل مع واشنطن، فإنها تتعامل بشكل مختلف مع الأفكار الأوكرانية، كما أن الجزء الأعظم من أعضاء حلف شمال الأطلسي ما زال ينظر بحذر زائد إلى محاولات دفع الحلف للانخراط في مواجهة مباشرة مع موسكو.

على المستوى الرسمي، قال الناطق الرئاسي الروسي ديميتري بيسكوف إن الكرملين يتوخى الحذر بشأن التقارير الإعلامية حول خطة زيلينسكي، مشيراً إلى أن «هناك كثيراً من المعلومات المتناقضة».

وأضاف بيسكوف: «نعتقد أنه من المستحيل إجراء أي تحليل بناءً على تقارير إعلامية، إذا ظهرت بعض المعلومات في وقت ما من مصادر رسمية، فسندرسها بالطبع بعناية، وسندرس كثيراً من الأمور المختلفة في الوقت الحالي».

وأوضح أن موسكو «تدرك جوهر نظام كييف، وتواصل عمليات الحربية، وسوف تحقق جميع أهدافها».

مدفع أوكراني مضاد للطائرات يطلق قذائفه على مسيرة روسية قرب الجبهة في منطقة زابوريجيا السبت الماضي (رويترز)

هيكل أمني أوروبي جديد

في سياق متصل، أكد بيسكوف، أنه «سيتعين على أوروبا بناء هيكل أمني جديد، وهذا سيتطلب كثيراً من الجهد على خلفية التغيرات في المنطقة والعالم».

وقال: «من الواضح أنه نظراً لحقيقة أن نظام العلاقات الدولية بأكمله يتغير، فمن الضروري إعادة بناء هيكل أمني جديد لأوروبا، وهذا يتطلب كثيراً من الجهد في المستقبل».

جاء حديث الناطق الرئاسي الروسي تعليقاً على تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن إعادة التفكير في العلاقات بين أوروبا وروسيا فيما يتعلق بضرورة التفكير في شكل جديد لهندسة العلاقات في أوروبا. وقال ماكرون، الأحد، في مؤتمر دولي للسلام في باريس، إن أوروبا يجب أن تأخذ في الاعتبار واقعها الجغرافي، الذي لا يقتصر على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وأن تعيد النظر في العلاقات مع روسيا في المستقبل، وكذلك السلام في القارة. وقال بيسكوف في تعليقه إن «الهيكل الأمني الجديد في أوروبا سيكون موضع اهتمام لموسكو، ومن الضروري توفير ضمانات لأمن روسيا».

وفي إشارة إلى الرؤية الروسية التي يجب أن يأخذها في الاعتبار، أي تفكير في إعادة بناء فلسفة الأمن الأوروبي، أعادت وسائل إعلام مقربة من الكرملين التذكير بالشروط التي وضعها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي للتسوية في أوكرانيا. عندما أكد أن روسيا «لا يمكن أن تسمح للعدو باستغلال وقف إطلاق النار لتحسين موقفه واستعادة قوته».

وشدّد بوتين على أن «وقف إطلاق النار في أوكرانيا مستحيل دون موافقة الطرف الآخر على خطوات لا رجعة فيها ومقبولة لدى روسيا»، حدّدها بأربعة شروط رئيسية تقوم على الاعتراف بضم مناطق أوكرانية إلى روسيا، وإعلان حياد أوكرانيا العسكري، وتقليص جيشها، ومراعاة مصالح الناطقين بالروسية فيما تبقى من أوكرانيا.

ميدانياً، أعلنت موسكو، الاثنين، أن قواتها حققت اختراقاً ملموساً في منطقة كورسك، ونجحت في إبعاد القوات الأوكرانية المتوغلة عن عدد من القرى التي كانت سيطرت عليها في وقت سابق.

تزامن ذلك مع إصدار وزارة الخارجية الروسية الاثنين بياناً أوجز محصلة العمليات العسكرية خلال شهر. وقال إن 31 مدنياً على الأقل قتلوا وأصيب 256 في الهجوم الأوكراني بمنطقة كورسك الروسية حتى الخامس من سبتمبر (أيلول).

وأطلقت أوكرانيا في السادس من أغسطس (آب) أكبر هجوم من الخارج تتعرض له روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، إذ اقتحمت الحدود ودخلت منطقة كورسك غرب روسيا بدعم من أسراب من الطائرات المسيّرة، وأسلحة ثقيلة بعضها غربية الصنع.

وذكرت روسيا أن 131 ألف مدني نزحوا من المواقع الأكثر خطورة.


مقالات ذات صلة

روسيا: تصرفات بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب

الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

روسيا: تصرفات بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب

نقلت وكالة «سبوتنيك» للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله (الجمعة) إن تصرفات إدارة الرئيس بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا قبة مبنى مجلس الشيوخ في الكرملين خلف برج سباسكايا وسط موسكو 4 مايو 2023 (رويترز)

روسيا: قصف أوكرانيا بصاروخ فرط صوتي تحذير للغرب

قال الكرملين، الجمعة، إن الضربة التي وُجّهت لأوكرانيا باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي تم تطويره حديثاً تهدف إلى تحذير الغرب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 21 نوفمبر 2024 (أ.ب) play-circle 00:21

بوتين يهدد باستهداف الدول التي تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لقصف روسيا

حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن بلاده يمكن أن تستخدم صواريخها الجديدة ضد الدول التي تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها على روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ كلمة «عقوبات» أمام ألوان علمي الولايات المتحدة وروسيا في هذه الصورة الملتقطة في 28 فبراير 2022 (رويترز)

أميركا تفرض عقوبات على 50 مصرفاً روسياً بسبب الحرب في أوكرانيا

أعلنت أميركا حزمة من العقوبات تستهدف نحو 50 مؤسسة مصرفية روسية للحد من وصولها إلى النظام المالي الدولي وتقليص تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

تسعى روسيا إلى تصعيد التهديد النووي، في محاولة لتثبيط الدعم الغربي لأوكرانيا بانتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض، آملة التوصل إلى اتفاق سلام بشروطها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصاروخ «عابر للقارات»

أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)
أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصاروخ «عابر للقارات»

أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)
أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)

دوت صافرات الإنذار في جميع أنحاء أوكرانيا، فجر أمس (الخميس)، بعدما أفادت السلطات الأوكرانية بأن روسيا أطلقت صاروخاً عابراً للقارات من دون رؤوس نووية على أراضيها، ما عُدّ تصعيداً للنزاع والتوترات بين روسيا والغرب. لكن مسؤولاً أميركياً أفاد بأن روسيا أطلقت صاروخاً باليستياً متوسط المدى، وليس عابراً للقارات، خلال هجوم على مدينة دنيبرو الأوكرانية أمس، وهو ما يختلف عن رواية كييف الرسمية. وأضاف المسؤول أن التقييم استند إلى تحليل مبدئي.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن التقييم جار، لكن الصاروخ تتوفر فيه كل «خصائص» الصاروخ العابر للقارات.

وجاءت هذه التطورات بعد أيام على استخدام أوكرانيا صواريخ «أتاكمز» الأميركية في استهداف مناطق بالعمق الروسي، بعد حصولها على تفويض من واشنطن.

من جانب آخر، أعلنت واشنطن، أمس، حزمة من العقوبات تستهدف نحو خمسين مؤسسة مصرفية روسية لتقليص تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.