في الأسبوع الأول من الشهر الحالي توغلت القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية، وتمكنت من السيطرة على مساحات كبيرة منها، فيما وُصِف بأنه أكبر هجوم بري تتعرض له روسيا منذ الحرب العالمية الثانية.
وتحظى منطقة كورسك التي باتت شوكة في خاصرة روسيا بعد التوغل الأوكراني، بأهمية خاصة من الناحية التاريخية؛ إذ حقق الاتحاد السوفياتي أحد أهم انتصاراته على الغزاة الألمان في الحرب العالمية الثانية بها، وهو الانتصار الذي يقول بعض المؤرخين إنه غيّر مجرى الحرب في أوروبا قبل عام تقريباً من عملية «إنزال نورماندي».
وغالباً ما يُنظر إلى عمليات الإنزال التي وقعت في السادس من يونيو (حزيران) 1944 في الغرب بوصفها نقطة بداية تحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية لمعسكر الحلفاء، ونقطة التحوّل في غزو الزعيم النازي أدولف هتلر لأوروبا، لكن المؤرخين يقولون إن بداية الانتصار لاحت في الأفق بداية من الخامس من يوليو (تموز) وحتى الثالث والعشرين من أغسطس (آب) 1943، عندما خاضت ملايين القوات وآلاف الدبابات والمدافع المدرعة معارك حول كورسك.
فما هي معركة كورسك؟
في عام 1943، تعرض جيش هتلر في الشرق لخسائر قاسية في معركة ستالينغراد، إذ خسر الألمان ما يقرب من مليون رجل في محاولتهم الاستيلاء على المدينة الروسية الواقعة على نهر الفولغا، وإلحاق الهزيمة بالجيش السوفياتي المنهك، والاستيلاء على حقول النفط في جنوب القوقاز التي يمكن أن توفر الوقود لغزو ألمانيا الكامل لأوروبا.
وأمر الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بالدفاع عن ستالينغراد بأي ثمن، وتم عكس التقدم الألماني الذي حدث خلال أواخر صيف/وخريف عام 1942، واستسلم ما تبقى من القوات الألمانية في المدينة بحلول فبراير (شباط) 1943.
ومع صد القوات الألمانية على طول الجبهة الشرقية بعد ستالينغراد، بحث جنرالات هتلر عن طريقة لحفظ ماء وجه ألمانيا، واستعادة زمام الأمور في الشرق، فاستقروا على شن هجوم على كورسك.
أراد الجنرالات الهجوم في الربيع، لكن هتلر أجّل بدء العملية حتى يمكن إرسال بعض أحدث الدبابات الألمانية إلى جبهة القتال.
وقال بيتر منصور، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية أوهايو، والقائد السابق في الجيش الأميركي، إن هذا أعطى السوفيات متسعاً من الوقت لإعداد الدفاعات اللازمة لما كان نقطة واضحة للهجوم.
وأضاف: «كان من السهل جداً معرفة أن الألمان لديهم مصلحة في الضغط على هذه المنطقة من الجبهة».
دفاعات هائلة
كانت ألمانيا قد استعانت بما يصل إلى 800 ألف جندي، ونحو 3000 دبابة، للاستيلاء على هذه المنطقة، لكنهم واجهوا دفاعات هائلة.
وقال مايكل بيل، المدير التنفيذي لمعهد «جيني كريغ» لدراسة الحرب والديمقراطية في المتحف الوطني للحرب العالمية الثانية في نيو أورليانز الأميركية إن السوفيات أعدوا سلسلة من الخطوط الدفاعية، وحفروا 3000 ميل من الخنادق المضادة للدبابات، وزرعوا 400 ألف لغم أرضي للدفاع عن المنطقة.
وقال بيل إن الدبابات الجديدة التي استخدمها هتلر في المعركة كانت أقوى من الدروع السوفياتية، لكن قوات ستالين كانت تتمتع بميزة عددية.
وتشير بعض التقديرات إلى أن القوة السوفياتية في معركة كورسك تجاوزت 2 مليون جندي، وأكثر من 7000 دبابة.
وازدادت الأمور سوءاً بالنسبة لهتلر عندما هبطت قوات الحلفاء في التاسع من يوليو على جزيرة صقلية الإيطالية، الأمر الذي فتح جبهة جديدة كان على هتلر أن يدافع عنها، ما دفعه إلى نقل بعض القوات من الجبهة الشرقية إلى إيطاليا، كما يقول المؤرخون.
ولم تتمكن القوات الألمانية المتبقية من اختراق الدفاعات السوفياتية؛ إذ سقطت على مسافة بعيدة عن الأهداف، ولم تتمكن مطلقاً من اختراق المناطق الخلفية.
وكانت معركة كورسك بمثابة بداية النهاية للزعيم النازي، ومثلت أكبر نكسة منيت بها قواته.
ويقال إن ألمانيا خسرت في هذه المعركة أكثر من 200 ألف قتيل ونحو ألف دبابة.
ساحة معركة كورسك اليوم
عندما عبرت القوات الأوكرانية الحدود إلى منطقة كورسك في السادس من أغسطس (آب)، كانت تتمتع بميزة لم تكن لدى الألمان في عام 1943 وهي «السرية».
فقد جرى التخطيط للهجوم في سرية تامة، وتم جعل تحركات القوات تبدو كأنها تعزيزات لمواقع دفاعية أو تدريبات داخل أوكرانيا.
وقال منصور إن روسيا لم تكن مستعدة للدفاع عن تلك المنطقة.
كما أشار إلى أن أوكرانيا استخدمت حرب الأسلحة المشتركة -أي قوات المشاة والمدفعية بعيدة المدى والطيران في الوقت نفسه لدعم بعضها البعض- وهو أمر ساعدها أيضاً في تحقيق هدفها.
وأعلن قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي، الثلاثاء، أن قوات بلاده سيطرت على مئة بلدة و1294 كيلومترا مربّعا في كورسك، كما أسرت 594 جندياً منذ بدء هجومها قبل ثلاثة أسابيع. وقال سيرسكي خلال منتدى في كييف «حتى اللحظة، سيطرنا على 1294 كلم مربعا من الأراضي ومئة بلدة... تم أسر 594 عنصرا من القوات المسلّحة الروسية في هذه المنطقة».