إحباط محاولة أوكرانية للتوغل في بيلغورود وكييف تقرّ بصعوبات على جبهة دونيتسك

غروسي يحذر في كورسك من «حادث نووي» وموسكو مستعدة لـ«حوار عادل» مع الغرب

أضرار تسببت بها مسيرة أوكرانية أصابت مبنى سكنياً في بلدة ساراتوف الروسية الاثنين (إ.ب.أ)
أضرار تسببت بها مسيرة أوكرانية أصابت مبنى سكنياً في بلدة ساراتوف الروسية الاثنين (إ.ب.أ)
TT

إحباط محاولة أوكرانية للتوغل في بيلغورود وكييف تقرّ بصعوبات على جبهة دونيتسك

أضرار تسببت بها مسيرة أوكرانية أصابت مبنى سكنياً في بلدة ساراتوف الروسية الاثنين (إ.ب.أ)
أضرار تسببت بها مسيرة أوكرانية أصابت مبنى سكنياً في بلدة ساراتوف الروسية الاثنين (إ.ب.أ)

تباينت المعطيات التي قدّمها الطرفان الروسي والأوكراني حول الوضع الميداني. وفي مقابل تأكيد كييف أن قواتها أحرزت تقدماً جديداً في المنطقة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية صدّ هجمات جديدة، وقالت إنها أجبرت الأوكرانيين على التراجع في مواقع عدة.

مشاهد الدمار في ساراتوف بعدما اعترضت روسيا 20 مسيرة أوكرانية في مناطق ساراتوف وكورسك وبيلغورود وبريانسك وتولا وأوريل وريازان أمس (إ.ب.أ)

فيما تصدرت المخاوف من تدهور الوضع، حول محطة كورسك النووية، خلال جولة ميدانية قام بها رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى المنطقة، التي يشهد محيطها معارك ضارية منذ 3 أسابيع بعد نجاح القوات الأوكرانية في بسط السيطرة على عشرات البلدات.

وسيطر ملف الأمن النووي على الزيارة الأولى من نوعها، لمسؤول في الوكالة الدولية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. في حين تواصلت الأعمال القتالية على بعد أقل من 50 كيلومتراً من المحطة. وقال غروسي، عقب زيارته محطة كورسك للطاقة النووية، إن «هناك خطر وقوع حادث نووي في منطقة كورسك».

وأبلغ المسؤول الأممي الصحافيين أنه تلقى تقارير تشير إلى ارتفاع مستوى هذا الخطر. وزاد: «تم إخباري اليوم بعدة حالات لهجمات بطائرات من دون طيار على المنطقة، على منشآت المحطة، بينما كنت في المحطة، رأيت آثار هذه الهجمات. بشكل عام، الحقيقة هي أن على بعد بضعة كيلومترات من محطة الطاقة النووية هناك عمليات عسكرية نشطة، ما يسبب قلقاً كبيراً وقلقاً للنظام الأمني».

وشدّد غروسي على أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جميع أنحاء العالم مسؤولة عن الحفاظ على نظام الأمان للمنشآت النووية. ولهذا السبب، قبل دعوة فلاديمير بوتين وجاء إلى محطة كورسك للطاقة النووية مع أعضاء فريقه من أجل تقييم الوضع شخصياً وإيجاد الحلول مع زملائه الروس.

ووفقاً له، فإن «محطة كورسك للطاقة النووية هي منشأة نووية تقع على أراضي الاتحاد الروسي، وتخضع لسيطرة الاتحاد الروسي، وهي قيد التشغيل حالياً. يمكننا، الممثلين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اقتراح عدد من الخطوات والتدابير الفنية تهدف إلى الحفاظ على نظام السلامة النووية».

وتابع غروسي أن الوكالة لديها عملية متطورة من التعاون والتفاعل مع مؤسسة «روساتوم» الحكومية (المسؤولة عن الصناعات النووية) والجيش الروسي وأجهزة المخابرات ووزارة الخارجية. وبالتعاون مع هؤلاء المشاركين، تناقش الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما يمكن القيام به لمنع وقوع «الحوادث الإشعاعية».

وقام غروسي بجولة في المرافق الرئيسية للمحطة، زار خلالها قاعة المفاعل بوحدة الطاقة العاملة، وغرفة التوربينات، وغرفة التحكم في المعدات، كما زار منشأة لتخزين الوقود النووي. وقال، في ختام الجولة، إن «الفحص أظهر أن المحطة تعمل في ظروف قريبة من الوضع الطبيعي».

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت في وقت سابق أن السلطات الروسية أبلغتها بأنه تم العثور على شظايا مسيّرة على بعد نحو 100 متر من منشأة تخزين الوقود النووي المستهلك التابعة للمحطة. وأفاد غروسي قبيل جولته بأنه «سيقيّم ما يحصل (في المحطة) بشكل مستقل... نظراً لخطورة الوضع».

وأضاف، في بيان، أن «سلامة وأمن جميع المحطات النووية مسألة تحمل أهمية مركزية وأساسية بالنسبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية».

وسارعت الخارجية الروسية إلى الاستفادة من زيارة غروسي لتأكيد رؤيتها للتعامل مع ملف الأمن النووي، وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إن بلاده تدعم الاقتراح الصيني بشأن إبرام اتفاقية بين الدول النووية تشدد على عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية.

وقال ريابكوف: «نحن على اتصال مع زملائنا الصينيين، ونواصل المناقشات، ونعتقد أن فكرتهم سليمة».

محطة زابوريجيا النووية (أ.ب)

وزاد أن موسكو تفهم أن هذه المبادرة ترجع إلى القلق الجاد والعميق الذي تعيشه بكين إزاء العمليات المدمرة في مجال الأمن الدولي.

بدوره، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن السلطات الروسية تعكف حالياً على تجديد العقيدة النووية.

وقال لافروف إنه «من الواضح أن الأميركيين يربطون الحديث عن الحرب العالمية الثالثة بأنه شيء يمكن - لا سمح الله، إذا تحقق - أن يؤثر على أوروبا حصرياً. وفي هذه الحال، من المهم أن يفهموا أن لدينا عقيدتنا الخاصة، بما في ذلك عقيدة استخدام الأسلحة النووية، التي يعرفها الأميركيون جيداً. وهي بالمناسبة، تخضع لعملية إعادة التدقيق بها حالياً».

من اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أعضاء حكومته وحكام المناطق المحاذية لأوكرانيا (أ.ف.ب)

وكان الرئيس فلاديمير بوتين أعلن قبل أسابيع أن بلاده قد تجري تغييرات على عقيدتها النووية. وأوضح أن التعديل يجري على خلفية المناقشات حول إمكانية خفض عتبة استخدام الأسلحة النووية. ووفقاً له، يجري تطوير أجهزة نووية متفجرة ذات طاقة منخفضة للغاية، وقال إنه في دوائر الخبراء في الغرب هناك أفكار مفادها أنه يمكن استخدام مثل هذه الأسلحة، ولا حرج في ذلك.

ونُظر إلى هذه التصريحات في الغرب على أنها تلويح جديد من جانب موسكو باستعدادها لاستخدام السلاح النووي إذا ظهرت حاجة ملحة لذلك.

إلى ذلك، جدّد لافروف موقف بلاده المعارض لفتح حوار مع أوكرانيا، وتلبية أي دعوة للمشاركة في «قمم سلام» تدعو إليها كييف والولايات المتحدة.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وقال الوزير إن روسيا لن «تبتلع الطعم» لعقد قمة مع أوكرانيا في إحدى دول الجنوب العالمي، إذا اتبعت نفس منطق «قمة السلام» الأولى. في إشارة إلى القمة التي استضافتها سويسرا قبل شهرين، وغابت عنها موسكو.

وأوضح لافروف أن بلاده لن تشارك في أي فعالية يتم التحضير إليها على أساس «صيغة زيلينسكي». في إشارة إلى اقتراحات الرئيس الأوكراني حول أسس عملية التفاوض المقترحة، التي تقوم على انسحاب روسي من كل الأراضي الأوكرانية ووقف العمليات القتالية.

في المقابل، أكد لافروف استعداد بلاده لفتح حوار «عادل» مع الغرب، يقوم على مناقشة موضوعية للقضايا التي تهم الطرفين، وخصوصاً ملف الأمن في أوروبا.

جانب من الدمار جراء القصف الأوكراني على مدينة كورسك الروسية (إ.ب.أ)

وقال لافروف إنه «إذا كان الغرب مهتماً بحلّ الصراع الأوكراني وتطبيع الوضع في أوروبا، الذي يزعج الأوروبيين أنفسهم، فعلينا أن نجلس إلى طاولة المفاوضات ونتحدث بصراحة، عبر مفاوضات عادلة، من دون (صيغ زيلينسكي)».

وتطرق لافروف إلى دعوة زيلينسكي الغرب لاتخاذ قرار حاسم بشأن السماح لبلاده بضرب العمق الروسي بتقنيات غربية، منها صواريخ من طراز «ستورم شادو». ورأى الوزير الروسي لافروف أن «مطالبة أوكرانيا للغرب بالسماح باستخدام صواريخ (ستورم شادو) لشنّ هجمات على موسكو وسان بطرسبرغ هي ابتزاز». وأوضح أن «هذه محاولة للتظاهر بأن الغرب يريد تجنب التصعيد المفرط، ولكن في الواقع هذا خداع. الغرب لا يريد تجنب التصعيد».

ميدانياً، أفادت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها نجحت في دفع القوات المسلحة الأوكرانية على التقهقر في عدد من المواقع المحيطة بكورسك. وأوضحت، في بيان، أنها أحرزت تقدماً في محيط بلدات أباناسوفكا وبوركي وبوغدانوفكا وفيكتوروفكا وكروغلنكوي وكازاتشايا لوكنيا وليوبيموفكا وميخائيلوفكا ونوفويفانوفكا وبليخوفو وسناغوست في منطقة كورسك.

وأكد بيان عسكري روسي، الثلاثاء، أن وحدات من مجموعة قوات «الشمال» صدت 11 هجوماً، شنّتها مجموعات هجومية تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في اتجاه 4 بلدات، وأحبطت محاولات هجوم حول 3 بلدات أخرى.

مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)

كما أشار بيان الوزارة إلى أن الطيران العسكري الروسي نفّذ ضربات على مسلحين ومعدات لـ8 ألوية من القوات المسلحة الأوكرانية في 12 منطقة بمنطقة سومي الأوكرانية، التي تنطلق منها عمليات الإمداد إلى داخل الأراضي الروسية.

لكن هذه المعطيات لم تؤكدها المصادر الأوكرانية، وقالت كييف إن قواتها أحرزت تقدماً جديداً الثلاثاء في بعض البلدات المحيطة بكورسك.

وأعلن قائد الجيش الأوكراني، أوليكساندر سيرسكي، أن قوات كييف ما زالت تتقدم في منطقة كورسك الروسية، وأنها سيطرت على 100 بلدة و1294 كيلومتراً مربّعاً في هذه المنطقة منذ بدء توغلها فيها قبل 3 أسابيع، لكنه حذّر من أن موسكو تعزز قواتها على جبهة بوكروفسك الشرقية، حيث تتقدم القوات الروسية، وزاد الجنرال أن القوات الروسية تحاول تعطيل خطوط إمداد أوكرانيا إلى جبهة بوكروفسك (دونيتسك)، ووصف الوضع العام هناك بأنه صعب.

وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت أن قوّاتها سيطرت على قرية أخرى في منطقة دونيتسك، شرق أوكرانيا، تقع قرب مدينة بوكروفسك التي تعد مركزاً لوجيستياً مهمّاً.

في غضون ذلك، أعلنت موسكو أنها أحبطت محاولة جديدة للتوغل الأوكراني عبر أراضيها في منطقة بيلغورود المحاذية لكورسك.

ووفقاً لمعطيات إعلامية، فقد شنّ نحو 500 جندي أوكراني هجوماً على نقطتي تفتيش روسيتين في بلدتي نخوتييفكا وشيبكينو في منطقة بيلغورود.

وأشارت المعطيات إلى أن ما يصل إلى 200 جندي أوكراني مدعومين بمركبات قتالية للمشاة حاولوا عبور الحدود في نخوتييفكا، لكن المدفعية الروسية أطلقت النار عليهم. وأضافت أن نحو 300 جندي أوكراني هاجموا نقطة تفتيش أخرى عند شيبكينو.

ولم يُشِر فياتشيسلاف غلادكوف، حاكم بيلغورود، في رسالة نشرها على «تلغرام»، إلى تقارير القتال على الحدود، لكنه قال إن «الوضع لا يزال صعباً».


مقالات ذات صلة

مسيرات أوكرانية تتسبب في اندلاع نيران بمستودع نفط روسي

أوروبا ألسنة الحريق ترتفع بمنشأة لتكرير النفط في روسيا سابقاً (أرشيفية - وسائل إعلام روسية)

مسيرات أوكرانية تتسبب في اندلاع نيران بمستودع نفط روسي

أفادت عدة قنوات روسية على تلغرام، يوم الأربعاء، بأن طائرات مسيرة أوكرانية تسببت في اندلاع نيران بعدد من خزانات النفط في مستودع جلوبوكينسكايا للنفط.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي: الحوار مع بوتين سيكون بلا معنى

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الثلاثاء) عن أن أي محادثات سلام مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ستكون «فارغة ولا معنى لها».

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يتجمعون حول مركبة صغيرة في بوكروفسك في أثناء استعدادهم للتوجه إلى المعركة (رويترز)

لماذا تسعى روسيا إلى الاستيلاء على بوكروفسك في شرق أوكرانيا؟

تقترب القوات الروسية من مدينة بوكروفسك ذات الأهمية الاستراتيجية في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا، مما دفع بعض السكان إلى إخلائها خوفاً من سقوطها.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا زيلينسكي خلال زيارته سومي قرب الحدود مع روسيا الأسبوع الماضي (أ.ب)

زيلينسكي يعلن استخدام كييف مقاتلات «إف 16»... ويرى أن «الحرب ستنتهي بالحوار»

أعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، أن كييف استخدمت طائرات مقاتلة من طراز «إف16» تسلمتها من شركائها الغربيين؛ لصد الضربات الجوية الروسية.

إلى يوسف (واشنطن)
آسيا وزير الخارجية الصيني وانغ يي يتحدث للإعلام وبجانبه المستشار الأميركي جايك سوليفان في بكين الثلاثاء (رويترز) play-circle 00:37

سوليفان ووانغ يتطلعان لمحادثات «مثمرة» في بكين

أعرب مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان ووزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الثلاثاء، عن أملهما في إجراء محادثات مثمرة خلال لقائهما في بكين.

«الشرق الأوسط» (بكين)

الأزمة السياسية في فرنسا تتفاقم... واليسار المتشدّد يدعو للنزول إلى الشارع

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبِلاً الثلاثاء رئيس وزراء آيرلندا سايمون هاريس على مدخل قصر الإليزيه (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبِلاً الثلاثاء رئيس وزراء آيرلندا سايمون هاريس على مدخل قصر الإليزيه (رويترز)
TT

الأزمة السياسية في فرنسا تتفاقم... واليسار المتشدّد يدعو للنزول إلى الشارع

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبِلاً الثلاثاء رئيس وزراء آيرلندا سايمون هاريس على مدخل قصر الإليزيه (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبِلاً الثلاثاء رئيس وزراء آيرلندا سايمون هاريس على مدخل قصر الإليزيه (رويترز)

فرنسا تغرق أكثر فأكثر في أزمتها السياسية، وبعد أكثر من 50 يوماً على نتائج الانتخابات البرلمانية التي خسرها المعسكر الرئاسي وحلّ تحالف اليسار والخضر في المرتبة الأولى، من غير الحصول على أكثرية مطلقة، ما زالت حكومة غابرييل أتال تدير شؤونها اليومية، وما زال الرئيس إيمانويل ماكرون يشاور رؤساء الأحزاب والمجموعات النيابية؛ للخروج من المأزق السياسي الذي قد يذهب في اتجاهات مُقلِقة.

وجاء في البيان الذي صدر عن قصر الإليزيه، مساء الاثنين، إعلان ماكرون رفضه تكليف مرشحة تحالف اليسار، لوسي كاستيه، تشكيل الحكومة، ودعوته 3 مكونات من جبهة اليسار (الاشتراكيون والشيوعيون والخضر) للانضمام إلى كتلة الوسط الداعمة له واليمين التقليدي من أجل قيام حكومة موسّعة، ليفاقم التوتر.

فهم اليسار باكراً أن ماكرون الذي قام بجولة استشارات أولى استتبعها، الثلاثاء، بجولة ثانية، يناور من أجل تحقيق هدفين متصلَين؛ الأول: استبعاد قيام حكومة منبثقة عن جبهة اليسار، من خلال رفض تكليف كاستيه رسمياً. والثاني: إحداث انقسام داخل الجبهة المذكورة، من خلال عزل حزب «فرنسا الأبية» الذي يمثّل اليسار المتشدد، ويتزعمه المرشح الرئاسي الأسبق جان لوك ميلونشون، وإغراء الاشتراكيين بالخروج منها، وربما أيضاً الخضر.

رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه لدى وصوله الاثنين إلى قصر الإليزيه للتشاور مع رئيس الجمهورية في الأزمة الحكومية (رويترز)

وكان لافتاً أن ماكرون سعى إلى عزل «فرنسا الأبية» من خلال استبعاده من جولة المشاورات الثانية، الثلاثاء، كما استبعد حزب «التجمع الوطني» (اليمين المتطرف) الذي حصل على 143 نائباً في البرلمان الجديد، بحجة أنه خارج «القوس الجمهوري»، وحجة ماكرون الرئيسية عنوانها «الحرص على الاستقرار المؤسّساتي»، حيث شدّد على أن حكومة ترأسها كاستيه ستسقط بالبرلمان في اليوم الثاني لتشكيلها، علماً بأن التقليد المعمول به في فرنسا ينص على أن يدعو رئيس الجمهورية المجموعة السياسية التي نجحت في الحصول على أكبر مجموعة نيابية إلى تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما لم يقم به ماكرون، وما زال يناور لرفضه. والحال، أن الرئيس الفرنسي اعترف بأن مجموعته السياسية المشكّلة من 3 أحزاب (تجدّد وهورايزون، والحركة الديموقراطية) خسرت الانتخابات، وحلّت في المرتبة الثانية بحصولها على 162 نائباً.

مارين لوبن زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مع رئيس الحزب جوردان بارديلا قبل لقائهما الاثنين الرئيس ماكرون في قصر الإليزيه في إطار المشاورات التي دعا إليها الأخير (رويترز)

لا يريد الرئيس الفرنسي أن تأتي حكومة يسارية ذات برنامج انتخابي يسير عكس السياسات الليبرالية التي سار عليها عهده منذ أكثر من 5 سنوات.

وإزاء هذه التطورات كان من الطبيعي أن تأتي ردود اليسار والخضر عنيفة، وأن تنهال الاتهامات على ماكرون، وجاء أول الغيث من خلال قرار الحزب المذكور نقل المعركة إلى الشارع بالدعوة لتعبئة شعبية يوم 7 سبتمبر (أيلول) القادم، وأعلن في بيان «التجاوب مع منظمات الشبيبة واتحاد الطلاب من أجل مظاهرة كبرى رفضاً للانقلاب الذي قام به ماكرون».

ودعا البيان «القوى السياسية والنقابية والجمعيات المتمسّكة بالدفاع عن الديمقراطية» إلى التجاوب مع هذا النداء.

من جانبها، عبّرت كاستيه عن «قلقها العميق» إزاء «الرسالة» التي يحملها قرار ماكرون، ومؤداها إفهام الناخبين أن «تصويتهم لا قيمة له»، وأضافت كاستيه أن ما يقوم به ماكرون «تنكّر للقيم الديمقراطية»، ودعت بدورها للتعبئة ضد أداء الرئيس الفرنسي الذي «لا تعني الديمقراطية شيئاً بالنسبة إليه».

لوسي كاستيه مرشحة جبهة اليسار التي رفض ماكرون تكليفها رئاسة الحكومة لدى مشاركتها في اجتماع لحزب فرنسا الأبية الجمعة الماضي (أ.ف.ب)

وذهبت مارين توندوليه، الأمينة العامة لحزب الخضر، في الاتجاه عينه باتهامها ماكرون بـ«الانقلاب على نتائج الانتخابات»، واتهم أوليفيه فور، الأمين العام للحزب الاشتراكي، ماكرون بـ«زرع الفوضى»، وليس البحث عن الاستقرار، ورفض فور التجاوب مع مطلب ماكرون الالتحاق بالكتلة الوسطية التي يدعو ماكرون لقيامها، كما رفض الذهاب إلى الاستشارات مجدّداً، وهو ما رفضه أيضاً مسؤولو الحزب الشيوعي والخضر، مشيراً إلى أن ما يحصل لا يتعدى كونه «مسرحية هزلية ديمقراطية».

وقال فابيان روسيل، الأمين العام للحزب الشيوعي، إن ماكرون «يرفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات البرلمانية»، مضيفاً أن الفرنسيين «لم يعودوا راغبين بسياسته، والحال أنه يريد حكومة تواصل السياسة نفسها».

وحتى اليوم، ما زالت الأمور ضبابية، ولا أحد يعرف هوية الشخصية التي سيكلّفها ماكرون تشكيل الحكومة على الرغم من التداول حول مجموعة من الأسماء، والثابت أن الأزمة، وإن ولّدت حكومة، سوف تتواصل تحت قبة البرلمان، وفي الشارع أيضاً، لا، بل يرى المراقبون أن المعركة الرئاسية فُتحت منذ اليوم، وأن «الأيام السعيدة» التي عرفها ماكرون في السنوات الـ7 الماضية حيث كان الحاكم بأمره، انتهت إلى غير رجعة.