عزلة روسيا الرقمية ترميها في أحضان الصين

أصبحت عزلة روسيا الرقمية حقيقة متنامية (رويترز)
أصبحت عزلة روسيا الرقمية حقيقة متنامية (رويترز)
TT

عزلة روسيا الرقمية ترميها في أحضان الصين

أصبحت عزلة روسيا الرقمية حقيقة متنامية (رويترز)
أصبحت عزلة روسيا الرقمية حقيقة متنامية (رويترز)

قبل أيام قررت وزارة التجارة الأميركية فرض حظر على استخدام منتجات وخدمات شركة الأمن السيبراني ومكافحة فيروسات الكومبيوتر الروسية «كاسبرسكي» في الولايات المتحدة، ومنحت الشركات الأميركية مهلة حتى 29 سبتمبر (أيلول) المقبل؛ لكي تحذف برامج ومنتجات «كاسبرسكي» من أجهزتها، وإحلال منتجات أخرى محلها.

ولم تكن هذه الضربة الأولى للوجود التكنولوجي الروسي عالمياً. فعلى مدى السنوات الماضية، خصوصاً منذ غزو روسيا لأوكرانيا في أواخر فبراير (شباط) 2022 أصبحت روسيا «أكثر عزلة من الناحية الرقمية»، وأكثر اعتماداً على الصين في هذا المجال.

وفي تحليل نشره موقع «مجلس العلاقات الخارجية الأميركي»، يقول المحلل وخبير الأمن السيبراني الأميركي جاستن شيرمان، إنه على الولايات المتحدة وشركائها انتهاز هذه الفرص السياسية التي خلقتها عزلة روسيا المتزايدة واعتمادها على التكنولوجيا الصينية.

وبدأ موقف روسيا من الإنترنت في التحول أواخر العقد الأول وأوائل العقد الثاني من القرن العشرين، مدفوعاً بالخوف من تداعيات الاعتماد على التكنولوجيا الغربية، خصوصاً إمكانية استغلال الغرب لها في التجسس على روسيا والتحكم وإثارة الثورات فيها. وقد جاءت «صحوة الإنترنت» لدى الكرملين مدفوعة بدور المدونين الجورجيين في أثناء الحرب الروسية الجورجية عام 2008، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ثورات «الربيع العربي»، والاحتجاجات التي تم تنظيمها ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2011 باستخدام الإنترنت.

وفي عام 2014 أعلن بوتين ضرورة تقليص اعتماد روسيا الكبير على التكنولوجيا الأجنبية، وأعقبت الحكومة الروسية هذا الإعلان بمجموعة من السياسات الرامية إلى إيجاد بدائل تكنولوجية محلية، وجاءت النتائج متباينة، حيث حققت روسيا تقدماً في تطوير نظام تشغيل بديل لنظام «مايكروسوفت ويندوز» الأميركي، وأقامت سجلاً محلياً للبرمجيات، في حين انهارت شركة «روس نانون لتكنولوجيا النانو»، و«مركز ابتكار سكولكوفو» المعروف باسم «وادي السيليكون الروسي»؛ بسبب مزيج من سوء الإدارة، وضعف الاستثمارات، والفساد، ونقص القدرات المحلية.

ولكن منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 أصبحت العزلة الرقمية المتزايدة لروسيا حقيقة، حتى وإن كانت هدفاً منشوداً لموسكو. في الوقت نفسه أدت الحرب الروسية إلى استنزاف شديد للعقول في روسيا، حيث غادرها أكثر من 100 ألف عامل في مجال تكنولوجيا المعلومات بحلول ديسمبر (كانون الأول) 2022. وحذّرت وزارة الشؤون الرقمية الروسية من تجنيد عمال التكنولوجيا في الجيش، الذين تم إعفاؤهم الآن من الخدمة العسكرية بالفعل. كما ألحقت العقوبات الغربية ضرراً كبيراً بروسيا في مجال المعدات الإلكترونية، حيث أصبحت إمدادات معدات التكنولوجيا في روسيا حالياً «كارثية»، وأصبحت المؤسسات الأمنية الروسية تعتمد بصورة متزايدة على شراء الرقائق الإلكترونية من دول أخرى غير غربية، وتفكيك الثلاجات وغيرها من الأجهزة المنزلية للحصول على الرقائق منها.

وفي حين أصبحت عزلة روسيا الرقمية حقيقة متنامية، فإنها أصبحت أيضاً هدفاً للكرملين. وأعلنت وزارة التكنولوجيا الرقمية في عام 2022 خططها لتحويل سجل البرمجيات المحلي الروسي إلى سوق تطبيقات كاملة. وأصبحت المستشفيات ومحطات الطاقة النووية وكل ما بينها تستخدم بشكل متزايد نظام التشغيل الروسي «أسترا لينوكس» بديل «ويندوز». كما أسست الدولة مراكز لاختبار توافق البرمجيات الروسية مع الأجهزة وأنظمة التشغيل المحلية.

وقد أحرزت روسيا بعض التقدم في تحقيق الاستقلال التكنولوجي، لكنها نقلت بعضاً من اعتمادها الرقمي إلى الصين. فقد زادت صادرات الصين وهونغ كونغ من الرقائق الأميركية إلى روسيا 51 مليون دولار عام 2021 إلى نحو 600 مليون دولار في 2022، في حين أشارت بعض التقديرات إلى أن الصين وهونغ كونغ كانتا وراء نحو 90 في المائة من إجمالي صادرات الرقائق إلى روسيا خلال الفترة من مارس (آذار) إلى ديسمبر 2022، وفي عام 2023 ورّدت الصين نحو 90 في المائة من إجمالي واردات روسيا من الإلكترونيات الدقيقة. كما

احتلت شركتا الجوالات الذكية «شاومي» و«ريال مي» المركزين الأول والثاني في السوق الروسية عام 2023 متفوقتَين على «سامسونغ» الكورية الجنوبية و«أبل» الأميركية.

ويقول جاستن شيرمان، الزميل غير المقيم في مبادرة الحكم السيبراني في المجلس الأطلسي، التي يركز نشاطها على الأبعاد الجيوسياسية للإنترنت والحوكمة والأمن، إلى جانب سياسة واستراتيجية التكنولوجيا في روسيا والهند، إن هذا الاعتماد الروسي المتزايد على الصين يخلق فرصاً سياسية للغرب. فقد كان هدف الكرملين من خلال سياسات «استبدال الواردات» والابتكار المحلي منذ فترة طويلة هو ضمان عدم اعتماد روسيا بشكل مفرط على أي دولة أجنبية واحدة رقمياً، وليس التخلص من التكنولوجيا الغربية وإحلال تكنولوجيا الصين محلها. والحقيقة أن محللي الأمن الروس وصناع السياسات التكنولوجية ما زالوا يشعرون فيما بينهم بالقلق من الاعتماد على الصين، ويقترحون سياسات تخفف مخاطر التجسس الصيني على بلادهم... ويقترح شيرمان مؤسس ورئيس شركة «غلوبال سايبر ستراتيجيز للأبحاث والاستشارات» أن تستخدم الولايات المتحدة وشركاؤها المصادر الاستخباراتية مفتوحة المصدر لتحديد المطالب الروسية المحددة من منتجات وخدمات التكنولوجيا الصينية، حيث يمكن الحصول على هذه المعلومات من مصادر عديدة، منها مؤتمرات الأمن السيبراني الروسية، والاتصالات العامة، والشراكات في الجوالات الذكية، وتطبيقات أجهزة الكومبيوتر، وأنظمة التشغيل.

وهذه المعلومات يمكن أن تكشف عن استخدام التكنولوجيا الصينية في مجالات محددة، وتشير إلى نقاط الفشل. على سبيل المثال ازداد اعتماد روسيا على أشباه الموصلات الصينية، وتحولت سوق الجوالات الذكية الروسية نحو الجوالات الصينية وبعيداً عن جوالات «آيفون» و«سامسونغ». وبعض هذه المنتجات والخدمات الصينية قد تكون معروفة بوجود ثغرات أمنية أو ضعف في التشفير، مما يمثل مخاطر إضافية لروسيا.

كما يمكن للمحللين في الولايات المتحدة والدول الشريكة لها أيضاً استخدام المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر لفهم الاستخدام الروسي لتكنولوجيات مثل نظام التشغيل «أسترا لينوكس»، الذي يستخدم على نطاق واسع في الجيش وأجهزة المخابرات الروسية، ويمكن استغلال الثغرات المحتملة فيه على نطاق واسع.

وأخيراً، فإنه على الرغم من أن الكرملين قد يهلل لعزلته التكنولوجية المتنامية وبنائه أنظمة التشغيل وسجلات البرمجيات الروسية، فإن حاجة روسيا المتزايدة إلى التكنولوجيا الصينية يمكن أن تعني أي شيء إلا الاستقلال التكنولوجي.



سجن أميركية - روسية 12 عاماً لتبرعها ﺑ50 دولاراً لأوكرانيا

صورة للشابة الأميركية - الروسية كسينيا كاريلينا (أعلى وسط الصورة) مع زوجها السابق وأقاربه في الولايات المتحدة (رويترز)
صورة للشابة الأميركية - الروسية كسينيا كاريلينا (أعلى وسط الصورة) مع زوجها السابق وأقاربه في الولايات المتحدة (رويترز)
TT

سجن أميركية - روسية 12 عاماً لتبرعها ﺑ50 دولاراً لأوكرانيا

صورة للشابة الأميركية - الروسية كسينيا كاريلينا (أعلى وسط الصورة) مع زوجها السابق وأقاربه في الولايات المتحدة (رويترز)
صورة للشابة الأميركية - الروسية كسينيا كاريلينا (أعلى وسط الصورة) مع زوجها السابق وأقاربه في الولايات المتحدة (رويترز)

قضت محكمة في روسيا، اليوم (الخميس)، بسجن الأميركية - الروسية، كسينيا كاريلينا، 12 عاماً بتهمة «الخيانة»، بعدما تبرّعت بمبلغ يتجاوز بقليل الخمسين دولاراً لجمعية خيرية داعمة لأوكرانيا، وفق ما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

أُوقفت كاريلينا -وهي راقصة باليه تبلغ من العمر 32 عاماً، تعمل بمنتجع في لوس أنجليس بأميركا حيث تقيم- في مدينة إيكاترينبورغ الروسية، أواخر يناير (كانون الثاني) عندما كانت في زيارة لعائلتها.

وقالت محكمة سفيردلوفسك في مدينة إيكاترينبورغ بمنطقة الأورال الروسية: «قضت المحكمة بأن كسينيا كاريلينا مذنبة بتهمة الخيانة العظمى، وحَكمت عليها بالسجن 12 عاماً».

وأظهر تسجيل مصوّر نشرته المحكمة، كاريلينا في قفص الاتهام الزجاجي في المحكمة خلال تلاوة الحكم.

وتبرّعت كاريلينا بمبلغ قدره 51.80 دولار لجمعية «رازوم من أجل أوكرانيا» بعيد إطلاق روسيا هجومها على جارتها في فبراير (شباط) 2022، وفق ما ذكرت وسائل إعلام أميركية نقلاً عن عائلتها والجهة التي توظفها.

واتّهمها جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (إف إس بي) بجمع أموال «استُخدمت لشراء إمدادات طبية تكتيكية ومعدات وأسلحة وذخيرة للقوات المسلحة الأوكرانية».

وذكر الإعلام الرسمي أنها أقرّت بذنبها خلال جلسة استماع عُقدت الأسبوع الماضي.

وتتهم واشنطن موسكو بتوقيف مواطنيها بناءً على تهم لا أساس لها من أجل استخدامهم ورقة مساومة لضمان إطلاق سراح روس مدانين في الخارج.

ويأتي الحكم الصادر في حق كاريلينا بعد أكثر من أسبوعين بقليل على إطلاق روسيا سراح الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش، وعنصر مشاة البحرية الأميركية السابق بول ويلان، و14 شخصاً آخر في أكبر عملية تبادل للسجناء بين روسيا والغرب منذ الحرب الباردة.

والأربعاء، حُكم على أميركي اتُّهم باستخدام العنف ضد شرطي روسي في موسكو بالسجن 15 يوماً بعد إدانته بالقيام بـ«أعمال شغب».

«اتّهمت خطأ»

وأفاد «منتجع سييل» في فندق «إس إل إس» في بيفرلي هيلز -حيث تعمل كاريلينا- على فيسبوك في فبراير، بأنها «متهمة زوراً».

وطالب شريكها علناً بإطلاق سراحها.

أُوقفت كاريلينا بداية في 27 يناير، عندما كانت تزور عائلتها في مدينة إيكاترينبورغ بعد شهر تقريباً على وصولها إلى روسيا، وفق ما أفادت مجموعات حقوقية روسية.

وأفادت وكالة «أورا رو» URA.RU الإخبارية الإقليمية بأن التهمة مرتبطة بتوجيهها «شتائم في مكان عام»، وهي تهمة رفضتها في المحكمة بحسب منصة «ميديازونا» الإخبارية.

ويبدو أن عناصر «إف إس بي» علموا بتقديمها المبلغ المالي للجمعية الخيرية الداعمة لأوكرانيا من خلال هاتفها، من دون أن يتضح كيف حصل ذلك، بحسب ما أفادت منصات إعلامية روسية.

اُعتقلت بداية مدة 14 يوماً بعد توقيفها لقيامها بـ«أعمال شغب محدودة» لكن لم يُفرج عنها، لتوجّه لها السلطات بعد ذلك تهمة «الخيانة».

توقف روسيا عادة الأجانب بتهم صغيرة قبل أن توجّه لهم اتهامات أكثر خطورة مثل الخيانة أو التجسس.