روسيا تقرّ بتوغل القوات الأوكرانية في عمق كورسك

أعلنت إجلاء سكان في بيلغورود... وإسقاط 11 طائرة مُسيرة فوق المنطقة الحدودية

مدفعية ذاتية الحركة يديرها جنود أوكرانيون من لواء المدفعية 43 وهي تطلق النار على مواقع روسية بمنطقة غير معلنة في بوكروفسك بدونيتسك الشرقية وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)
مدفعية ذاتية الحركة يديرها جنود أوكرانيون من لواء المدفعية 43 وهي تطلق النار على مواقع روسية بمنطقة غير معلنة في بوكروفسك بدونيتسك الشرقية وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

روسيا تقرّ بتوغل القوات الأوكرانية في عمق كورسك

مدفعية ذاتية الحركة يديرها جنود أوكرانيون من لواء المدفعية 43 وهي تطلق النار على مواقع روسية بمنطقة غير معلنة في بوكروفسك بدونيتسك الشرقية وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)
مدفعية ذاتية الحركة يديرها جنود أوكرانيون من لواء المدفعية 43 وهي تطلق النار على مواقع روسية بمنطقة غير معلنة في بوكروفسك بدونيتسك الشرقية وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

أقرّت روسيا بأن القوات الأوكرانية توغّلت في عمق منطقة كورسك الحدوديّة، في هجومٍ عَدَّ مسؤول أوكراني رفيع أن هدفه «زعزعة استقرار» روسيا، و«تشتيت» قواتها المسلّحة.

ومساء الأحد، تقاذف البَلدان المسؤولية عن حريق اندلع في محطة زابوريجيا للطاقة النوويّة في جنوب أوكرانيا، الذي تحتلّه القوّات الروسيّة. لكنّ الطرفين والوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية أشاروا إلى عدم وجود خطر تسرّب لإشعاعات نوويّة.

وأُخمِد الحريق، الذي اندلع، مساء الأحد، في المحطّة، وفق ما أعلن، الاثنين، فلاديمير روغوف، المسؤول الذي عيّنته روسيا في منطقة زابوريجيا.

وبعد أشهر من التراجع على الجبهة الشرقيّة، أطلقت أوكرانيا عملية واسعة النطاق غير مسبوقة، الثلاثاء، في منطقة كورسك الحدوديّة الروسيّة، سمحت لقوّاتها بالتوغّل، وفق محلّلين، حتّى عمق خمسة عشر كم على الأقلّ، والسيطرة على مواقع عدّة.

وقال المسؤول الأمني الأوكراني الرفيع، الذي فضّل عدم كشف هويته، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن في حالة هجوم. والهدف هو تشتيت مواقع العدوّ، وإلحاق أكبر قدر من الخسائر، وزعزعة الوضع في روسيا - لأنهم غير قادرين على حماية حدودهم - ونقل الحرب إلى الأراضي الروسيّة».

من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها «أحبطت محاولات» للجنود الأوكرانيّين باستخدام مدرّعات لتحقيق «اختراق في عمق الأراضي الروسيّة»، لكنّها أشارت إلى أن بعض هذه القوّات متمركز قرب قريتيْ تولبينو وأوبشي كولوديز، على بُعد 25 و30 كيلومتراً من الحدود الروسيّة الأوكرانيّة.

وأكد الجيش الروسي، الأربعاء، أن أوكرانيا أرسلت ألف جندي للمشاركة في التوغّل الذي فاجأ الكرملين.

وعلّق المسؤول الأوكراني بالقول: «هناك أكثر من ذلك»، مقدّراً عددهم بـ«الآلاف».

وبعد أيّام من امتناع السلطات الأوكرانيّة نوعاً ما عن التعليق، تطرّق الرئيس فولوديمير زيلينسكي، للمرّة الأولى، إلى هذه العمليّة، في خطابه اليومي، مساء السبت، بالقول إن كييف تسعى إلى «نقل الحرب» إلى روسيا.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الاثنين، أن الدفاعات الجوية دمّرت 11 طائرة مُسيرة أطلقتها أوكرانيا فوق كورسك، خلال الليل. وأضافت الوزارة، على تطبيق «تلغرام»، أن وحدات الدفاع الجوي دمّرت أيضاً خمس طائرات مُسيرة أطلقتها أوكرانيا فوق منطقة بيلغورود، الواقعة على الحدود مع أوكرانيا، واثنتين فوق منطقة فورونيج، التي تبعد مئات الكيلومترات إلى الجنوب من موسكو، وفق ما أوردت وكالة «رويترز» للأنباء.

حريق محطة زابوريجيا

ليلاً، حمّل زيلينسكي روسيا مسؤوليّة الحريق، الذي اندلع في برج للتبريد بمحطة زابوريجيا، في حين قالت روسيا إنّ الحريق نجم عن قصف أوكراني.

وقال زيلينسكي، في منشور على منصة للتواصل الاجتماعي، إنّ «الغُزاة الروس أشعلوا حريقاً» في المحطة، متّهماً إياهم بمحاولة «ابتزاز» كييف.

والأحد، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، التي تنشر مراقبين في المحطّة، أنه «لم يجرِ الإبلاغ عن تضرّر السلامة النوويّة».

ولم تُرصد أيّ زيادة في مستوى الإشعاعات، وفق كييف وموسكو.

إجلاء في بيلغورود

إلى ذلك، أعلنت روسيا، الاثنين، إجلاء سكان منطقة في بيلغورود، الواقعة على الحدود مع أوكرانيا، في مواجهة هجوم أوكراني، وعلى خلفية التوغل بمنطقة كورسك المجاورة. وقال حاكم منطقة بيلغورود، فياتشيسلاف غلادكوف، في مقطع فيديو على «تلغرام»: «الوضع مثير للقلق لدينا. هناك نشاطات مُعادية على حدود منطقة كراسنوياروجسكي». وأضاف: «للحفاظ على سلامة سكاننا وصحتهم، بدأنا نقلهم إلى أماكن أكثر أماناً».

شنّت روسيا هجوماً على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، واحتلّت مساحات شاسعة في شرق البلاد وجنوبها، واستهدفت المدن الأوكرانيّة بقصف مدفعي وجوي بشكل يومي.

وبعدما استعادت السيطرة على مساحات واسعة في 2022، ضعف الزخم الأوكراني إلى حدّ كبير، وعانت كييف نقصاً في عدد قوّاتها والإمدادات العسكريّة.

وعُدَّ الهجوم على كورسك العمليّة الأكبر العابرة للحدود والأنجح التي تنفّذها كييف حتّى الآن، وأكبر هجوم لجيش أجنبي على الأراضي الروسيّة منذ الحرب العالمية الثانية.

وأعلنت روسيا، السبت، إجلاء أكثر من 76 ألف شخص يقيمون في منطقة التوغل، في حين غادر المزيد، الأحد.

وشغّلت شركة السكك الحديدية الروسية قطارات طوارئ من كورسك إلى موسكو، على بُعد نحو 450 كيلومتراً، للأشخاص الذين يريدون الفرار.

جنود أوكرانيون يحملون أسلحتهم داخل ناقلة جند مدرّعة أميركية الصنع من طراز «M113» يغادرون إلى الجبهة في منطقة غير معلنة بدونيتسك الشرقية 5 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

وتقول مارينا، التي رفضت كشف كنيتها، والتي استقلّت قطاراً إلى العاصمة الروسية، الأحد، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «إنه أمر مخيف؛ أن تُحلّق مروحيات فوق رأسكم طوال الوقت. عندما كان من الممكن أن أغادر، غادرت».

وأفاد مسؤولون روس بأن ضربة صاروخية أوكرانية على مبنى سكني بمدينة كورسك، على بُعد نحو 80 كيلومتراً، من موقع القتال، أسفرت عن إصابة 15 شخصاً بجروح.

وأقرّ حاكم المنطقة، أليكسي سميرنوف، الأحد، بأن الوضع «صعب»، موضحاً أنه أجرى محادثات مع مسؤولين في وزارة الدفاع.

من جانبه، أعلن زعيم جمهورية الشيشان، رمضان قديروف، أن وحدة في الجيش تضم مقاتلين من الشيشان انتشرت في منطقة كورسك، علماً بأن الجنود الشيشان يُعدّون من الأكثر صلابة وخبرة في البلاد.

وعبر الحدود في منطقة سومي الأوكرانية، التي أطلقت كييف التوغل منها، شاهد مراسلو الصحافة الفرنسية، أمس الأحد، عشرات المدرّعات تحمل المثلث الأبيض الذي يبدو أنه العلامة التي تحدد المُعدات العسكرية الأوكرانية المستخدمة في العملية.

«فليذوقوا طعم الحرب»

وتعرّضت منطقة سومي لقصف انتقامي أيضاً. وتخطط السلطات فيها لإجلاء ما لا يقل عن 20 ألف مدني من المنطقة الحدودية، الواقعة مقابل منطقة كورسك.

وفي مركز إجلاء بعاصمة منطقة سومي، قال عامل المعادن المتقاعد ميكولا (70 عاماً)، الذي فرّ من قريته خوتين، على بُعد 26 كيلومتراً من الحدود الروسية، إن الهجوم الأوكراني أعطاه دفعة معنوية.

وأضاف متحدثاً، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «دعونا نَرَهُم يشعرون بما هي عليه الأمور، إنهم لا يفهمون ماهية الحرب، فليذوقوا طعمها».

أحد الجنود الجرحى الأوكرانيين الذين أعيدوا من مواقعهم يتلقى العلاج من قِبل أطباء عسكريين أوكرانيين في نقطة استقرار للواء الآلي 47 «ماجورا» بمنطقة بوكروفسك في دونيتسك الشرقية وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

ورجّح محللون أن تكون كييف أطلقت الهجوم، في مسعى لتخفيف الضغط عن قواتها في أجزاء أخرى من خط الجبهة.

لكن المسؤول الأوكراني أوضح أن التأثير كان محدوداً حتى الآن على القتال في شرق أوكرانيا. وقال: «مبدئياً، لم يتغير الوضع. ضغطهم في الشرق يتواصل، إنهم لا يسحبون قواتهم من هذه المنطقة»، رغم أن «وتيرة الهجمات الروسية في الشرق تراجعت بعض الشيء».

وأعلنت روسيا حالة الطوارئ في منطقة كورسك، و«عملية لمكافحة الإرهاب» في المنطقة وفي منطقتين حدوديتين أخريين.

وأشار المسؤول الأوكراني إلى أنه عاجلاً أم آجلاً، «ستصدُّ» روسيا القوات الأوكرانية في منطقة كورسك، مؤكداً أن أوكرانيا تستعدّ لهجوم انتقامي روسي عبر هجمات صاروخية واسعة النطاق، بما في ذلك «على مركز صنع القرار» في أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

بوتين تعليقاً على هجوم كورسك: أوكرانيا تحاول تحسين وضعها في التفاوض

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين تعليقاً على هجوم كورسك: أوكرانيا تحاول تحسين وضعها في التفاوض

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، إنه يجب «طرد» القوات الأوكرانية التي هاجمت منطقة كورسك الروسية، إلى الخارج.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنود أوكرانيون يعملون على إصلاح آلية عسكرية متضررة قرب منطقة سومي على الحدود مع روسيا (رويترز)

معضلة كييف... ماذا بعد العملية «الجريئة» في كورسك الروسية؟

مثّل الغزو الأوكراني المفاجئ لمقاطعة كورسك دفعة معنوية كبيرة للأوكرانيين الذين أمضوا آخِر سنة في معارك دفاعية دموية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة من لقطات نشرتها الرئاسية الأوكرانية لحريق في برج التبريد بمحطة زابوريجيا للطاقة النووية (ا,ف,ب)

اندلاع حريق في نظام التبريد بمحطة زابوريجيا للطاقة النووية

اندلع حريق في نظام التبريد بمحطة زابوريجيا للطاقة النووية في مدينة إنرهودار جنوبي أوكرانيا، وفقاً لتقارير روسية.

أوروبا جانب من الدمار الذي خلّفه هجوم روسي على منطقة كييف في 11 أغسطس (أ.ف.ب)

التوغل الأوكراني يهدف إلى «زعزعة» روسيا... وموسكو تتوعد بالرد

بعد أشهر من التراجع على الجبهة الشرقية، أطلقت أوكرانيا عملية واسعة النطاق في منطقة كورسك الحدودية الروسية سمحت لقواتها بالتوغل حتى عمق خمسة عشر كم.

«الشرق الأوسط» (كييف - لندن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية - أ.ب)

«غزو روسيا»... أخطر قرار يتخذه زيلينسكي منذ بداية الحرب

لم يفاجئ التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية في منطقة كورسك، الأسبوع الماضي، موسكو فقط، لكنه فاجأ حتى أنصار كييف الغربيين، وفي مقدمتهم واشنطن.

«الشرق الأوسط» (كييف)

بولندا تبرم صفقة لشراء 48 قاذفة من منظومة باتريوت للدفاع الجوي

أنظمة الدفاع الجوي الأميركية بعيدة المدى «باتريوت» (يمين) والرادار البريطاني «جيراف إيه إم بي» خلال مناورات بليتوانيا في 20 يوليو 2017 (رويترز)
أنظمة الدفاع الجوي الأميركية بعيدة المدى «باتريوت» (يمين) والرادار البريطاني «جيراف إيه إم بي» خلال مناورات بليتوانيا في 20 يوليو 2017 (رويترز)
TT

بولندا تبرم صفقة لشراء 48 قاذفة من منظومة باتريوت للدفاع الجوي

أنظمة الدفاع الجوي الأميركية بعيدة المدى «باتريوت» (يمين) والرادار البريطاني «جيراف إيه إم بي» خلال مناورات بليتوانيا في 20 يوليو 2017 (رويترز)
أنظمة الدفاع الجوي الأميركية بعيدة المدى «باتريوت» (يمين) والرادار البريطاني «جيراف إيه إم بي» خلال مناورات بليتوانيا في 20 يوليو 2017 (رويترز)

قال وزير الدفاع البولندي فلاديسلاف كوسينياك كاميش، الاثنين، إن بلاده وقعت عقداً مع شركتي «رايثيون بولسكا» و«بي جي زد هوتا ستالوفا فولا» لإنتاج 48 قاذفة من طراز «إم 903» لتكون جزءاً من منظومة باتريوت للدفاع الجوي قيمتها 1.23 مليار دولار.

وذكر كاميش خلال زيارة إلى مدينة سوخاتشيف في وسط بولندا أن «هذه القاذفات ستُنتج في بولندا»، وفقاً لوكالة «رويترز».

وأصبح الدفاع أولوية قصوى لدول شرق أوروبا من أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) بعد غزو روسيا لأوكرانيا في 2022. وزادت بولندا الإنفاق الدفاعي إلى نحو أربعة في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي هذا العام بينما تتطلع إلى تعزيز قواتها المسلحة.