حثّ رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر، الزعماء الأوروبيين على والوقوف بثبات لدعم أوكرانيا ومواجهة «أزمة» الهجرة غير الشرعية، بينما سعى إلى تعزيز علاقات المملكة المتحدة مع القارة.
وافتتح رئيس الوزراء البريطاني الجديد، الخميس، اجتماعاً بمشاركة أكثر من 45 من قادة أوروبا قرب أكسفورد في المملكة المتحدة، ويعتزم خلاله إعادة تحديد علاقاته مع القارة الأوروبية، ولا سيما على الصعيد الأمني. ويشكل دعم كييف والديمقراطية وأمن الطاقة والهجرة المواضيع الرئيسية في المحادثات بين قادة الدول الأوروبية.
ويأمل ستارمر في أن توفر القمة «الجماعة السياسية الأوروبية»، التي تستضيفها بلاده ويشارك فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فرصة «لإعادة ضبط» علاقات المملكة المتحدة مع جيرانها، بعد الاضطرابات التي شهدتها الأعوام التي تلت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). وأكد ستارمر على دعم حكومته «الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان»، بعد أن طرح حزب المحافظين المعارض حالياً فكرة الانسحاب من الاتفاقية.
وقال ستارمر لزعماء أوروبا إن المملكة المتحدة ستكون «صديقة وشريكة مستعدة للعمل» معهم، و«ليست جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ولكن جزءاً كبيراً من أوروبا».
وقال ستارمر معلناً: «نريد العمل مع كلّ منكم لترميم العلاقات ومعاودة اكتشاف مصلحتنا المشتركة وتجديد روابط الثقة والصداقة التي تشكل نسيج الحياة الأوروبية».
وقوبلت فكرة «وضع تصور جديد» للعلاقات مع أوروبا بشكل إيجابي إلى حد ما في بروكسل، حيث لوحِظَت «موجات إيجابية» في الاتصالات الأولية مع حكومة حزب العمال الجديدة، وفق ما صرح مسؤول أوروبي رفيع المستوى لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». لكن في بروكسل يُنتظر سماع تفاصيل ما ستقترحه الحكومة البريطانية الجديدة، ولا سيما في مجال الأمن، ويتم التذكير بأنه لا مجال «لإعادة فتح» النقاشات المتعلقة بـ«بريكست». والصدى نفسه يتردد في فرنسا، حيث يرى الإليزيه أن الأمر متروك للبريطانيين كي «يحددوا توقعاتهم»، مدافعاً في الوقت نفسه عن مبدأ «المصلحة المشتركة».
وكان ستارمر كتب في مقال في صحيفة «لوموند» إنه يريد «إعطاء زخم جديد» للعلاقة بين المملكة المتحدة وفرنسا. وقال: «سنتناول أنا والرئيس ماكرون القضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجه قارتنا والعالم، من الأمن الأوروبي وصولاً إلى الحاجة الملحة إلى وقف إطلاق النار في غزة، وتغير المناخ والهجرة غير النظامية».
وسيلتقي زيلينسكي، الذي وصل إلى بريطانيا، الخميس، الملك تشارلز الثالث ورئيس الوزراء البريطاني وأعضاء الحكومة البريطانية والمديرين التنفيذيين لشركات الدفاع. ومن المقرر أن توقّع أوكرانيا والمملكة المتحدة اتفاقية حكومية ثنائية بشأن دعم المجمع الصناعي العسكري الأوكراني.
يشار إلى أن ستارمر صرح بأن أوكرانيا يمكنها استخدام الصواريخ البريطانية في ضرب روسيا، وستكون هذه القمة الرابعة للجماعة السياسية الأوروبية التي يحضرها زيلينسكي، فرصة للأوروبيين لرص الصفوف حول أوكرانيا.
وأعلن زيلينسكي لدى وصوله إلى المكان «من المهم للغاية الحفاظ على الوحدة في أوروبا؛ لأن الوحدة تسمح دائماً باتخاذ قرارات قوية»، موجهاً انتقادات إلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان من دون تسميته، بعدما باشر «مهمة سلام» في موسكو وبكين من دون الحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي. وتساءل زيلينسكي أمام القادة الأوروبيين «إن حاول أحد ما تسوية مشكلات من دون علم الآخرين أو حتى على حساب طرف آخر... فما الذي يجعلنا نأخذ هذا الشخص بالاعتبار؟».
وذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في كلمة ألقتها، الخميس، أن زيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى موسكو، «لم تكن أكثر من مهمة استرضاء». وقالت فون دير لاين أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا: «قبل أسبوعين، ذهب رئيس وزراء في الاتحاد الأوروبي إلى موسكو. ولم تكن ما تسمى مهمة السلام هذه سوى مهمة استرضاء».
وقالت فون دير لاين: «بعد يومين فقط، وجّهت طائرات بوتين صواريخها صوب مستشفى للأطفال وجناح للولادة في كييف... لم تكن تلك الضربة خطأ. لقد كانت رسالة مخيفة من جانب الكرملين إلينا جميعاً». وأضافت: «يجب أن يكون جوابنا واضحاً تماماً: لا أحد يريد السلام أكثر من شعب أوكرانيا. سلام عادل ودائم لدولة حرة ومستقلة».
وشدد ستارمر في بيان على أن القمة «ستمثل بداية النهج الجديد لهذه الحكومة تجاه أوروبا»، متحدثاً عن دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي «الهمجي» والدفاع في وجه «نشاطات موسكو المزعزعة للاستقرار» في كل أنحاء أوروبا.
وعلى غرار سلفه المحافظ ريشي سوناك، يعتزم ستارمر الدفاع عن تعزيز التعاون مع أوروبا ضد الهجرة غير النظامية. ووعد بالتصدي للمهربين الذين يسمحون لآلاف المهاجرين بالوصول إلى المملكة المتحدة عبر بحر المانش.
وسُئل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن هذه المسألة، فأكد مجدداً التزام فرنسا بـ«تحسين الوضع بصورة متواصلة». وقال رداً على بعض الصحافيين: «ليس هناك عصا سحرية؛ لأننا نعرف الوضع. نفعل كل ما بوسعنا، وتمكنّا من تحسين الوضع خلال السنوات الماضية، وسنواصل جهودنا».
أُنشئت الجماعة السياسية الأوروبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 بناءً على اقتراح ماكرون وعلى خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، وتضم بشكل غير رسمي أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27 ودولاً أخرى في القارة للتشاور حول قضايا الأمن والاستقرار.
وللمرة الأولى يُدعى مسؤولون من حلف شمال الأطلسي ومجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لحضور هذا الاجتماع، وهو الرابع بعدما نُظّم في براغ (تشيكيا)، وكيشيناو (مولدافيا) وغرناطة (إسبانيا).
وقالت سوزي دينيسون، من مركز «المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية» للبحوث، خلال مقابلة مع الصحافة قبل القمة: «لم تكن الأشهر القليلة الماضية صعبة جداً بالنسبة إلى الأوكرانيين من حيث تطور الصراع فحسب، بل يخيّم أيضاً شبح الانتخابات الأميركية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني)، التي قد يفوز فيها دونالد ترمب، على المناقشات الأوروبية بشأن الطريقة التي يجب أن تتحمل من خلالها مسؤوليتها» تجاه كييف في حال تراجع الولايات المتحدة عن ذلك.
ومن أبرز الغائبين عن الاجتماع، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي غاب عن النسختين السابقتين من القمة، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين التي بقيت في ستراسبورغ، حيث سيصوّت البرلمان الأوروبي في الوقت نفسه على تجديد ولايتها.