«الناتو» يستعد لإعلانات مهمة لأوكرانيا وسط عجز روسي عن احتلال مزيد من الأراضي

مستقبل الحرب مرهون باستراتيجيات موسكو والتغيير في أميركا

تصاعد الأدخنة من العاصمة الأوكرانية كييف بعد قصف روسي (د.ب.أ)
تصاعد الأدخنة من العاصمة الأوكرانية كييف بعد قصف روسي (د.ب.أ)
TT

«الناتو» يستعد لإعلانات مهمة لأوكرانيا وسط عجز روسي عن احتلال مزيد من الأراضي

تصاعد الأدخنة من العاصمة الأوكرانية كييف بعد قصف روسي (د.ب.أ)
تصاعد الأدخنة من العاصمة الأوكرانية كييف بعد قصف روسي (د.ب.أ)

بعيداً عن بروتوكولات جدول أعمال قمة حلف شمال الأطلسي المنعقدة في واشنطن بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيسه، لا تزال الاهتمامات تركز على ما سيصدر عنها من قرارات حول أوكرانيا. ورغم أهمية القرارات السياسية وتداعياتها، فإن المعارك على الأرض سترسم دون أدنى شك مستقبل اتجاهات الحلول السياسية.

ويرجح مسؤولون أميركيون أن تفشل روسيا في تحقيق أي مكاسب كبيرة في أوكرانيا في الأشهر المقبلة، بعدما تمكنت القوات الأوكرانية من استعادة زمام المبادرة الدفاعية، مستنزفة القوات الروسية خلال جهودها لاختراق الدفاعات الأوكرانية التي تعززت أخيراً بالأسلحة الغربية.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصافح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بكييف في 2 يوليو الحالي (رويترز)

وقد يعبِّر قادة «الناتو» عن رضاهم قائلين إن جهودهم لوقف تقدم القوات الروسية الذي بدأ خلال فصل الربيع وأوائل الصيف قد نجحت. وبعدما حاولت القوات الروسية الاستيلاء على مناطق خارج مدينة خاركيف، وتجديد تقدمها في شرق أوكرانيا، تكبدت آلاف الضحايا في الحملة، ولم تحقق سوى مكاسب قليلة من الأراضي. وهو ما عُدَّ تغيراً كبيراً في ديناميكية الحرب، على الرغم من استمرار الهجمات الروسية في التسبب بأضرار وخسائر كبيرة، كما حدث، يوم الاثنين، في القصف الذي استهدف أكبر مستشفى للأطفال في كييف.

رجال إنقاذ يحملون جثة شخص عُثر عليها تحت الأنقاض في الموقع الذي ضُرب فيه مبنى سكني بصاروخ روسي وسط هجوم روسيا على أوكرانيا (رويترز)

ورغم ذلك، فإن الأشهر المقبلة لن تكون سهلة بالنسبة لأوكرانيا؛ فقواتها مرهقة، وتستعد لجولات قتال مقبلة، في مواجهة قوات روسية تعمل للحصول على مزيد من الأسلحة والمعدات من إيران وكوريا الشمالية والصين لتعويض ما خسرته أخيراً.

في المقابل، يُتوقع أن تحصل أوكرانيا على تمويل جديد، حيث يستعد قادة الحلف للإعلان عن خطط لتنسيق تسليم الأسلحة، وتعزيز الوعد لكييف بأنها ستصبح في نهاية المطاف حليفاً كاملاً.

جانب من الدمار الذي أصاب مستشفى الأطفال في كييف (أ.ف.ب)

الحرب ومستقبل أوكرانيا

يرى البعض أن هذه النقطة الأخيرة أصبحت محور الحرب، وهي أكثر أهمية حتى من استعادة الأراضي. وبينما يصر المسؤولون الأوكرانيون على أنهم يقاتلون من أجل استعادة أراضيهم، يعتقد مزيد من المسؤولين الأميركيين أن الحرب تدور في المقام الأول حول مستقبل أوكرانيا في حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي.

ومع إصرار روسيا على مواصلة حربها، عبر سعيها لتجديد مخزوناتها العسكرية من حلفائها، تبرز مخاوف حقيقية بشأن قدرة أوكرانيا على الحفاظ على بنيتها التحتية، بما في ذلك شبكتها الكهربائية، وسط هجمات روسية بعيدة المدى. غير أن تراجع تلك المخاوف أو ازديادها، قد يكون مرهوناً بنتيجة الانتخابات الأميركية، والسياسات التي ستتبعها الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في مؤتمر صحافي مشترك بالكرملين في 5 يوليو الحالي (إ.ب.أ)

ومقابل عدم قدرة روسيا على الاستيلاء على مزيد من الأراضي الأوكرانية، فإن احتمالات استعادة كييف مزيداً من الأراضي تتضاءل أيضاً، حيث تركز على بناء دفاعاتها، وتوجيه ضربات عميقة خلف الخطوط الروسية، بتشجيع من المستشارين الأميركيين، وفق تقارير أميركية.

وقال إريك سياراميلا، وهو مسؤول سابق في الاستخبارات، إنه أصبح من الواضح خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية أنه لا روسيا ولا أوكرانيا «تمتلك القدرات اللازمة لتغيير الوضع بشكل كبير». وأضاف أن الولايات المتحدة حددت دائماً هدفها الاستراتيجي على أنه «أوكرانيا ديمقراطية ومزدهرة وأوروبية وآمنة».

وعليه، ستحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى القيام باستثمارات طويلة الأجل لتمكين أوكرانيا من الحفاظ على خطوطها، وإرهاق روسيا، وإلحاق الضرر بقواتها، وفقاً لمسؤولين أميركيين.

رسالة شولتس لبوتين

وهو ما أكد عليه المستشار الألماني أولاف شولتس، حيث أعلن، الثلاثاء، قبيل مغادرته برلين للمشاركة في قمة الحلف، الاستمرار في تقديم الدعم لأوكرانيا على المدى الطويل. وقال شولتس: «من الجيد أننا عززنا ذلك في الأيام الأخيرة برسالة واضحة تماماً مفادها أننا سنقف إلى جانب أوكرانيا ما دام ذلك ضرورياً». وأشار شولتس إلى شحنات الأسلحة والمبادرة المشتركة للدول الصناعية السبع الكبرى التي اتفقت خلال القمة التي عقدتها أخيراً في إيطاليا، على تمويل حزمة قروض لأوكرانيا بقيمة نحو 50 مليار دولار أميركي، سيجري سدادها من فوائد الأصول الحكومية الروسية المجمدة. وقال شولتس إن هذا يعد بمثابة إشارة واضحة إلى التضامن، كما أنه رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأكد شولتس أن بوتين لا يمكنه الاعتماد على «الاستمرار في خوض الحرب بقدر ما هو في انتظار تراجع الدعم المقدم لأوكرانيا».

المستشار الألماني أولاف شولتس دعا الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز دعم أوكرانيا هذا العام (أ.ب)

وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق، الشهر الماضي، على بدء مفاوضات العضوية مع أوكرانيا، وهي خطوة حاسمة في عملية الانضمام الطويلة. وفي حين أن حلف شمال الأطلسي ليس مستعداً بعد لدعوة أوكرانيا للانضمام، فمن المقرر أن يوافق زعماء الحلفاء، هذا الأسبوع، على لغة تعد كييف بأنها ستصبح جزءاً من الحلف. ويقول بعض المسؤولين إنه حتى من دون استعادة أراضيها بشكل رسمي، لا يزال بإمكان أوكرانيا أن تخرج منتصرة في الحرب من خلال الاقتراب من حلف شمال الأطلسي وأوروبا.

غير أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال إن الولايات المتحدة وألمانيا هما المعارضان الرئيسيان لانضمام أوكرانيا إلى الحلف. وأشار ماكرون إلى «المعارضة القوية» للولايات المتحدة وألمانيا، موضحاً أنه «في نهاية الأمر، سيكون القرار للحلفاء لدعوة أوكرانيا للانضمام إلى حلف (الناتو)». ووجَّه الرئيس الفرنسي صفعة جديدة لآمال أوكرانيا بشأن إحراز تقدم، حيث أعاد التذكير بحالة الغضب التي انتابت الأوكرانيين بسبب عدم دعوتهم لحضور قمة «الناتو» الأخيرة التي أقيمت في العاصمة الليتوانية فيلنيوس. وأضاف: «لقد انزعج الأوكرانيون للغاية عندما استنتجوا أن الباب مفتوح، ولكن ليس إلى هذا الحد. وأعتقد أنه السيناريو نفسه بالنسبة لقمة واشنطن».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (د.ب.أ)

تغيير روسي أو أميركي

ورغم ذلك، تنقل صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين، اعترافهم بأن روسيا يمكن أن تحقق تقدماً كبيراً، إذا قررت إحداث تحول استراتيجي كبير، مثل توسيع مشروعها العسكري وبرنامجها التدريبي، أو حدث تغيير سياسي كبير في الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا وروسيا. لكن التقييمات الأميركية تبدو الآن أكثر توافقاً عندما يتعلق الأمر بآفاق روسيا في ساحة المعركة. وبفضل إمدادات المكونات الإلكترونية من الصين، والطائرات من دون طيار من إيران، والصواريخ والمدفعية من كوريا الشمالية، تمكنت روسيا من تأمين ما يكفي من الأسلحة للحفاظ على إمدادات جيشها، لكنها تفتقر إلى العدد الكافي من القوات لتحقيق إنجاز كبير.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من خروج حرب روسيا وأوكرانيا عن السيطرة

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال حديثه في منتدى إعلامي في إسطنبول السبت (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من خروج حرب روسيا وأوكرانيا عن السيطرة

حذرت تركيا من مخاطر خروج الحرب بين روسيا وأوكرانيا عن السيطرة لتؤثر على المنطقة المحيطة والعالم في ظل التهديدات باستخدام أسلحة الدمار الشامل.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

لإنهاء «المرحلة الساخنة» من الحرب... زيلينسكي يقترح وضع أراضٍ أوكرانية تحت مظلة «الناتو»

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حلف شمال الأطلسي إلى تقديم ضمانات حماية لأراضي أوكرانيا التي تسيطر عليها كييف من أجل «وقف المرحلة الساخنة من الحرب».

«الشرق الأوسط» (كييف)
آسيا الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون (يمين) وهو يتحدث في مأدبة مع وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف (يسار) في دار الثقافة 25 أبريل في بيونغ يانغ (أ.ف.ب - وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية)

كيم يستقبل بيلوسوف ويؤكد دعم كوريا الشمالية وجيشها لروسيا

أبلغ الزعيم الكوري الشمالي وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف بأن من حق موسكو القتال دفاعاً عن النفس في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (سيول )
أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
تحليل إخباري قوات روسية في سوريا (أرشيفية)

تحليل إخباري روسيا المنخرطة في أوكرانيا... كيف تواجه معارك سوريا؟

دخلت موسكو على خط المعارك الساخنة في سوريا بعد اندلاع أوسع مواجهات تشهدها البلاد منذ عام 2020؛ فما خيارات روسيا المنخرطة في الحرب الأوكرانية؟

رائد جبر (موسكو)

ضربة جديدة لحكومة ستارمر... وزيرة النقل البريطانية تستقيل

لويز هاي وزيرة الدولة البريطانية للنقل تغادر بعد اجتماع مجلس الوزراءفي  30 أكتوبر 2024 (أ.ب)
لويز هاي وزيرة الدولة البريطانية للنقل تغادر بعد اجتماع مجلس الوزراءفي 30 أكتوبر 2024 (أ.ب)
TT

ضربة جديدة لحكومة ستارمر... وزيرة النقل البريطانية تستقيل

لويز هاي وزيرة الدولة البريطانية للنقل تغادر بعد اجتماع مجلس الوزراءفي  30 أكتوبر 2024 (أ.ب)
لويز هاي وزيرة الدولة البريطانية للنقل تغادر بعد اجتماع مجلس الوزراءفي 30 أكتوبر 2024 (أ.ب)

استقالت وزيرة النقل البريطانية لويز هاي بعد اعترافها قبل سنوات بتهمة تتعلق بتضليل الشرطة بشأن هاتف جوال خاص بالعمل قالت إنه سُرق منها في عام 2013، ما يوجه ضربة أخرى لحكومة رئيس الوزراء كير ستارمر الجديدة. وتقدمت هاي باستقالتها بعد تقارير إعلامية أفادت بأنها أدينت وحصلت على إفراج مشروط في عام 2014 بسبب ما وصفته بأنه «خطأ»، وفق وكالة «رويترز» للأنباء. وهي أول وزيرة تستقيل من حكومة ستارمر منذ فوزه الساحق في انتخابات يوليو (تموز).

وقالت هاي في رسالة إلى ستارمر أمس الخميس إنها أبلغت الشرطة بفقدان الهاتف خلال عملية سرقة «مرعبة» عندما كانت في سهرة عام 2013 لتكتشف فيما بعد أن الهاتف كان لا يزال في منزلها.

وزيرة النقل البريطانية لويز هاي (رويترز)

وذكرت في استقالتها، التي نشرها مكتب ستارمر، اليوم الجمعة، أنها تتنحى لأن هذه القضية «ستشتتها قطعا عن تنفيذ عمل هذه الحكومة والسياسات التي تلتزم بها». وأضافت: «سأظل ملتزمة تماما بمشروعنا السياسي، لكنني أعتقد أن من الأفضل الآن دعمكم من خارج الحكومة». وشكر ستارمر هاي على عملها وعلى كل ما فعلته «لتنفيذ أجندة النقل الطموحة لهذه الحكومة». وقال حزب المحافظين المعارض إن هاي «فعلت الشيء الصحيح»، لكنه تساءل عن سبب تعيين ستارمر لها وهو كان يعلم على ما يبدو بإدانتها بالتضليل.

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (وسط) يسير مع القادة العسكريين في 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وقال متحدث باسم حزب المحافظين في بيان «تقع على كير ستارمر الآن مسؤولية تفسير هذا الفشل الواضح في الحكم للشعب البريطاني». وتوجه استقالة هاي ضربة أخرى لستارمر الذي يشهد انخفاضا في معدلات تأييد حزب العمال بزعامته منذ يوليو.

وتعرضت حكومة حزب العمال لانتقادات شديدة بعد فوزها بالسلطة مباشرة تقريبا بسبب الحد من مدفوعات الوقود لكبار السن واستغلال التبرعات في شراء ملابس والضيافة. وأثارت الحكومة منذ ذلك الحين غضب المزارعين بسبب تغييرات على قواعد ضريبة التركات، كما احتجت شركات كثيرة على أول موازنة للحكومة والتي رفع فيها وزير المالية الضرائب على الشركات والأثرياء بشكل أساسي.

وقالت هاي إن واقعة الهاتف كانت خطأ غير مقصود لم تحقق منه «أي مكاسب».