4 قضايا سترسم ملامح سياسة ستارمر الخارجية

يتجه إلى واشنطن خلال أيام للمشاركة في قمة «الناتو» وتأكيد التزامه بأمن أوكرانيا

كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني الجديد برفقة زوجته فيكتوريا خارج مقر 10 داونينغ ستريت في لندن 5 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني الجديد برفقة زوجته فيكتوريا خارج مقر 10 داونينغ ستريت في لندن 5 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
TT

4 قضايا سترسم ملامح سياسة ستارمر الخارجية

كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني الجديد برفقة زوجته فيكتوريا خارج مقر 10 داونينغ ستريت في لندن 5 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني الجديد برفقة زوجته فيكتوريا خارج مقر 10 داونينغ ستريت في لندن 5 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

غيّرت الانتخابات التشريعية في بريطانيا خريطة البلاد السياسية، لتطوي صفحة المحافظين وتُدشّن عصراً جديداً اختار له رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر عنوان «التغيير». لكن التغيير الموعود داخلي إلى حدّ كبير، أما السياسة الخارجية للبلاد، فلن تبتعد كثيراً عن تلك التي اعتمدها المحافظون خلال السنوات الـ14 الماضية.

وبخلاف أسلافه في المنصب، لن ينعم ستارمر بـ«شهر العسل» السياسي التقليدي؛ فبعد يومين فقط من انتقاله وأسرته إلى «10 داونينغ ستريت» وتشكيل حكومته، سيتّجه ستارمر إلى العاصمة الأميركية واشنطن للمشاركة في قمة قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتحمل هذه الزيارة المبكّرة أهمية خاصّة، ليس فقط لجهة «العلاقة الخاصة» التي تجمع الحليفين البريطاني والأميركي، فضلاً عن المشاركة الواسعة لقادة العالم الغربي، بل من ناحية التوازن الحذر الذي سيسعى ستارمر لتحقيقه تمهيداً للعودة المحتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويدرك ستارمر، مثل غيره من قادة الحلف، أن ولاية ثانية للرئيس ترمب قد تفاقم حجم التحديات التي تواجهها وحدة «الصف الغربي» أمام الحرب الروسية - الأوكرانية، وتصاعد النفوذ الصيني، وحتى الصعود القوي للتيارات الشعوبية. تحديات أقرّ بها وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي، الذي التزم انتهاج سياسة «واقعية تقدمية»، لافتاً إلى «عالم أكثر تقلباً، ليس كما نريده أن يكون».

وإلى جانب حرب أوكرانيا، التي ستهيمن على اجتماعات «الناتو» إلى حد كبير، ستحدد ثلاث قضايا ملحّة ملامح سياسة ستارمر الخارجية؛ حرب غزة والعلاقة بأوروبا والصين.

حرب غزة

لعب موقف كير ستارمر من حرب غزة دوراً محورياً في انتخابات الخميس. ففي مقابل غالبيته الكبيرة في مجلس العموم، حرم الناخبون الغاضبون من سياسة «العمال» تجاه الشرق الأوسط الحزب من مقعد محوري ترشّح فيه جوناثان آشوورث، الذي كان موعوداً بمنصب وزاري في الحكومة الجديدة، ليفوز به المستقل شوكت آدم. كما هدّدت هذه الكتلة الانتخابية مقعد ويس ستريتينغ، أحد نجوم الحزب ووزير الرعاية الصحية الجديد، الذي احتفظ بمقعده بفضل غالبية ضئيلة لم تتجاوز 500 صوت. ولعلّ أهم مقعد عكس حجم غضب الصوت المسلم والآسيوي واليساري من موقف ستارمر، هو في دائرة إزلينغتون نورث التي احتفظ بها جيرمي كوربن المستقل، الذي كان زعيماً لحزب العمال ويعدّ من أهم السياسيين البريطانيين الداعمين لحقوق الفلسطينيين.

وكان ستارمر قد أثار حفيظة أجزاء كبيرة من قاعدة الحزب التقليدية، عندما ألمح في مقابلة على «إل بي سي» إلى أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بعد هجمات «حماس» حتى عبر قطع الماء والكهرباء عن قطاع غزة. كما أن رفضه دعم وقف إطلاق نار فوري فاقم استياء الأقليات المسلمة وغيرها، التي كانت تعدّ من أهم قواعد الحزب، واقترح في مقابل ذلك وقف إطلاق نار «إنسانياً»، لا «دائماً».

وفي محاولة لتخفيف استياء هذه الفئة «العمالية» التقليدية، سارع ستارمر لتأكيد عزمه على الاعتراف بدولة فلسطين في إطار حلّ الدولتين، دون أن يحدّد جدولاً زمنياً لذلك. كما التزم الضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وزيادة حجم المساعدات التي تصل إلى غزة.

إلا أن هذه الاستراتيجية لم تنجح في استعادة هذه الأصوات، الخميس. بل تراجع عددها بواقع عشر نقاط في المتوسط، في مقاعد تمثل دوائر يشكل المسلمون فيها أكثر من عشرة في المائة من السكان، وفق بيانات وكالة «رويترز». ويبلغ عدد المسلمين في المملكة المتحدة 3.9 مليون شخص، ويشكلون 6.5 في المائة من سكانها.

حرب أوكرانيا

كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بين أوائل المهنئين بفوز كير ستارمر بالانتخابات ورئاسة الحكومة. ومثل أسلافه المحافظين، عبّر ستارمر عن التزام ثابت بدعم كييف في حربها مع روسيا، مؤكداً مواصلة نهج كل من بوريس جونسون وريشي سوناك اللذين قادا التحرّك الأوروبي الداعم لأوكرانيا وقدّما لها مساعدات مالية وعسكرية ولوجيستية لمساعدتها في صد الغزو الروسي.

صورة أرشيفية لزيارة أجراها ستارمر إلى كييف للقاء زيلينسكي في 8 فبراير 2023 (أ.ب)

ومن المتوقع أن يجتمع ستارمر بزيلينسكي الأسبوع المقبل في واشنطن على هامش قمة «الناتو»، التي تنعقد بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها.

ورغم هذه التطمينات، قد يضطر القادة الأوروبيون، وفي مقدّمتهم ستارمر، إلى إعادة تقييم موقفهم وسط تصاعد الشكوك في الصف الغربي حيال «الدعم غير المشروط» لأوكرانيا، الذي بدا واضحاً بين النواب الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، وحتى داخل الاتحاد الأوروبي بعد زيارة رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان إلى موسكو، الجمعة.

العلاقة بأوروبا

هيمن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست) على الحياة السياسية البريطانية لمدة 5 سنوات على التوالي، وخلق حالة استقطاب غير مسبوق منذ استفتاء 2016، الذي أطاح برئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون ودفع بشخصيات مثل المحافظ بوريس جونسون وزعيم «الإصلاح (حزب الاستقلال سابقاً) نايجل فاراج إلى مقدّمة الساحة السياسية البريطانية.

إلا أن حملتي «العمال» و«المحافظين» حرصتا على تجنّب التطرّق إلى تداعيات «بريكست»، التي يقول اقتصاديون إن أثرها واضح في الصعوبات الاقتصادية التي يعيشها البريطانيون وارتفاع تكاليف المعيشة، خوفاً من إثارة حفيظة الناخبين الذين صوّتوا لصالح الخروج والذين يعمل فاراج وحزبه على استقطابهم.

وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي يغادر 10 داونينغ ستريت الجمعة (رويترز)

ومع تأمينه أغلبية مطلقة مريحة في مجلس العموم، يأمل مقرّبون من ستارمر في أن يتّخذ مقاربة أكثر ديناميكية تجاه تعزيز علاقات لندن بجيرانها الأوروبيين، خاصة من ناحية إزاحة العراقيل الجديدة أمام التجارة، والتعاون الأمني لمكافحة ظاهرة تهريب المهاجرين المتفاقمة بحراً. ولا شكّ أن الزعماء الأوروبيين، خاصة من الأحزاب «الوسطية» أمثال إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس، سيدعمون أي سياسة تقارب ينتهجها ستارمر، مدركين أهمية تحسين ظروف المعيشة في بلدانهم كآخر محاولة لصدّ الصعود السريع لأحزاب اليمين المتطرف، الممثل بالتجمع الوطني في فرنسا (الذي أصبح على أبواب السلطة)، والبديل في ألمانيا، والإصلاح في بريطانيا. وكانت علاقة ريشي سوناك بقادة الاتحاد الأوروبي متوتّرة إلى حدّ ما، خاصة بعد تلميحه إلى الانسحاب من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حال اعترضت على خطّته ترحيل طالبي اللجوء والمهاجرين غير القانونيين إلى رواندا.

وفي هذا الصّدد، تعهد العمال بـ«إنجاح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي» والسعي إلى اتفاق أمني «طموح» مع الاتحاد. ولا شكّ أن ستارمر سيكشف عن ملامح سياسته تجاه بروكسل في اجتماع المجموعة السياسية الأوروبية، الذي سيستضيفه في 18 يوليو (تموز) بأكسفورد، والذي سيشارك فيه قادة أوروبيون.

الصين... بين التجارة والأمن القومي

تطرح العلاقات بالصين تحدّياً كبيراً لحكومة ستارمر. فبعد أن عمّقت البلاد علاقاتها التجارية ببكين، ولا سيّما في مجال التقنية، أثارت مخاوف متعلّقة بالأمن القومي واتّهامات لبكين بالتجسس على لندن واستهداف مصالحها بهجمات سيبرانية، دعوات بتخفيف الاعتماد على الصين.

يواجه ستارمر سلسلة تحديات خارجية أبرزها حربا غزة وأوكرانيا (أ.ب)

وقال ستارمر، العام الماضي، بوصفه زعيماً للمعارضة، إن المملكة المتحدة بحاجة إلى الاستغناء تدريجياً عن الصين في قضايا مثل التجارة والتكنولوجيا، مع الاعتراف بأهمية القدرة على التعاون في قضايا مثل معالجة تغير المناخ. ويتمثل التحدي في تحقيق التوازن بين المصالح التجارية والاقتصادية للمملكة المتحدة والضرورات الأمنية.

وترى براونن مادوكس وأوليفيا أوسوليفان من مركز «تشاتهام هاوس» للأبحاث، أن لا قرار فورياً يلوح في الأفق بشأن الصين: «حيث وضع حزب العمال توازناً دقيقاً مماثلاً للذي اعتمده سوناك في التجارة والحديث عن المشكلات العالمية مع بكين، مع الدفاع عن مصالح بريطانيا ضد التهديدات في الوقت ذاته». والواقع أن حزب العمال مرجّح لإطلاق مراجعة لروابط المملكة المتحدة مع الصين في أول 100 يوم من تولي الحكومة.


مقالات ذات صلة

بعد تعرّض أنصاره للعنف... رئيس وزراء السنغال يدعو للانتقام

أفريقيا رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو يتحدث خلال مؤتمر صحافي في داكار 26 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بعد تعرّض أنصاره للعنف... رئيس وزراء السنغال يدعو للانتقام

دعا رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو إلى الانتقام، وذلك بعد أعمال عنف ضد أنصاره اتهم معارضين بارتكابها خلال حملة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها الأحد.

«الشرق الأوسط» (داكار)
أوروبا وزير المالية الألماني السابق كريستيان ليندنر (أ.ف.ب)

ألمانيا تستعد لانتخابات مبكرة في فبراير بعد انهيار الائتلاف الثلاثي

المستشار شولتس وافق على تقريب موعد الانتخابات أمام ضغوط المعارضة ويستعد لطرح الثقة في حكومته 16 ديسمبر.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

ألمانيا تحدد 23 فبراير موعداً للانتخابات المبكرة

تعتزم ألمانيا إجراء انتخابات عامة مبكرة في 23 فبراير (شباط) المقبل، بعد انهيار ائتلاف يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتس.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من «الاتفاق النووي» الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

إيران تدرس فرص التوصل إلى اتفاق مع ترمب

دعا كثير من المسؤولين السابقين والخبراء بل الصحف في إيران الحكومة علناً إلى تحسين العلاقات مع ترمب بعد إعلان فوزه الساحق بالانتخابات.

فرناز فصيح (واشنطن)
آسيا شيغيرو إيشيبا يدلي بصوته في البرلمان لاختيار رئيس وزراء اليابان (أ.ف.ب)

البرلمان الياباني يعيد انتخاب إيشيبا رئيساً للوزراء

أعاد البرلمان الياباني انتخاب شيغيرو إيشيبا رئيساً للوزراء، الاثنين، بعدما تكبّد ائتلافه الحاكم أسوأ خسارة انتخابية منذ أكثر من عقد من الزمان.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

ألمانيا تستعد لانتخابات مبكرة في فبراير بعد انهيار الائتلاف الثلاثي

المستشار أولاف شولتس وافق على تنظيم الانتخابات التشريعية في فبراير المقبل (رويترز)
المستشار أولاف شولتس وافق على تنظيم الانتخابات التشريعية في فبراير المقبل (رويترز)
TT

ألمانيا تستعد لانتخابات مبكرة في فبراير بعد انهيار الائتلاف الثلاثي

المستشار أولاف شولتس وافق على تنظيم الانتخابات التشريعية في فبراير المقبل (رويترز)
المستشار أولاف شولتس وافق على تنظيم الانتخابات التشريعية في فبراير المقبل (رويترز)

بعد أيام من الضوضاء التي عاشتها ألمانيا إثر الانهيار المفاجئ لحكومتها الائتلافية، وإصرار المستشار أولاف شولتس على الاستمرار بقيادة حكومة أقلية حتى نهاية مارس (آذار)، خضع أخيراً لضغوط المعارضة، ووافق على انتخابات مبكرة في 23 فبراير (شباط) المقبل.

ويستعد شولتس لطرح الثقة في حكومته في 16 ديسمبر (كانون الأول)، وهي خطوة ضرورية قانونياً تمهد للدعوة لانتخابات مبكرة. ومن المتوقع أن يخسر التصويت، بعد أن خسرت الحكومة أكثريتها إثر طرد المستشار لوزير ماليته كريستيان ليندنر، وانسحاب وزراء آخرين منتمين جميعاً للحزب «الليبرالي»، الذي يُشكّل مع الحزب «الاشتراكي» بزعامة شولتس، وحزب «الخضر» الائتلاف الحاكم.

المستشار الألماني أولاف شولتس متحدثاً في فعالية ببرلين غداة إقالته وزير المالية وإعلانه طرح الثقة بحكومته (د.ب.أ)

وكشف فريدريش ميرتس زعيم الحزب «الديمقراطي المسيحي»، الذي يستعد لخلافة شولتس ليصبح مستشار ألمانيا المقبل، عن استعداد حزبه لخوض الانتخابات المبكرة التي كانت مجدولة أصلاً لنهاية سبتمبر (أيلول). وقال: «نحن مستعدون، وفي أفضل حال». وتحدث خلال ظهور له في منتدى في برلين، عن خطط يعد لها حزبه، من بينها تخفيض الإعانات المالية عن العاطلين عن العمل، وهي إعانات رفعتها حكومة شولتس، وعرضتها لكثير من الانتقادات.

وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر (أ.ب)

ورغم أن السنوات الثلاث الماضية من عمر الحكومة الائتلافية شابتها خلافات كثيرة بين الأحزاب المشاركة في الحكومة، فإن هذه المرة كان الخلاف كبيراً، وتسبب في انهيار الائتلاف الهش. واختلف المستشار مع وزير ماليته حول ميزانية العام المقبل التي لم تتمكن الأحزاب الثلاثة من الاتفاق عليها. وفيها يتفق حزب شولتس «الاشتراكي»، مع حزب «الخضر» حول السياسات الضريبية والاجتماعية لقيادة البلاد، وكان الحزب «الليبرالي» وهو حزب يميني وسطي، غالباً ما يصطدم مع الحزبين الآخرين حول السياسات المالية.

ورفض ليندنر مساعي شولتس، وحزب «الخضر» لزيادة النفقات الاجتماعية مقابل رفع الضرائب على الشركات، وسعى لتخفيض تلك الضرائب، وحتى تخفيض المعاشات التقاعدية تجنباً لزيادة الديْن العام.

الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير يتسلم شهادة الإقالة لوزير المالية كريستيان ليندنر بعد عزله من قِبَل المستشار أولاف شولتس (رويترز)

ويحظر الدستور الألماني الاستدانة إلا في الحالات الطارئة. وقد ارتفع سقف الديْن العام في ألمانيا منذ تسلم حكومة شولتس مهامها نهاية عام 2021، أولاً بسبب الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها وباء «كورونا»، وثانياً بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا، والتضخم والغلاء اللذين ضربا ألمانيا. وأراد ليندنر تخفيض المعاشات التقاعدية لتمويل الحرب في أوكرانيا، ولكن شولتس عدّ ذلك خطاً أحمر وطرد وزير ماليته. وعدّ البعض الخلاف الذي حدث بين ليندنر وشولتس متعمداً، بسبب تدني شعبية حزبه بشكل كبير منذ دخوله الحكومة.

البرلمان الألماني - البوندستاغ (أ.ف.ب)

وتشير استطلاعات رأي إلى أن الحزب «الليبرالي» لن يدخل حتى البرلمان في الانتخابات المقبلة، بسبب انخفاض نسبة التأييد له إلى ما دون 5 في المائة، وهي عتبة الدخول للبرلمان. ولكن هذا الانسحاب الذي وصفه البعض بـ«التكتيكي» من الحكومة، قد يرفع حظوظ الحزب «الليبرالي» مرة جديدة، خصوصاً أن مستوى الرضا عن حكومة شولتس منخفض إلى درجات قياسية.

وليندنر نفسه عبّر عن استعداده للعودة للحكومة بعد الانتخابات المقبلة ضمن حكومة يديرها الحزب «المسيحي الديمقراطي» وزعيمه ميرتس الذي يحل في الطليعة بحسب الاستطلاعات، ويحصل على نسبة تزيد على الـ32 في المائة. وحتى ميرتس عبّر عن انفتاحه للتحالف مع الليبراليين، وإعادة ليندنر نفسه وزيراً للمالية. وتعد السياسة المالية للحزبين «الليبرالي»، و«المسيحي الديمقراطي» قريبة من بعضها، وهي سياسة محافظة تعتمدها الأحزاب اليمينية الوسطية.

زعيم حزب المعارضة «المسيحي الديمقراطي» فريدريش ميرتس الذي يتصدر حزبه استطلاعات الرأي للفوز بالانتخابات المقبلة (إ.ب.أ)

وقال ليندنر بُعيد إعلان الاتفاق على تاريخ جديد للانتخابات، إن هدف حزبه تحقيق 10 في المائة من نسبة الأصوات في الانتخابات المقبلة، مضيفاً خلال مشاركته في منتدى ببرلين، أن «السباق لمنصب المستشار انتهى، ومن شبه المؤكد أن فريدريش ميرتس هو المستشار المقبل».

وبالفعل، حتى الآن تشير الاستطلاعات إلى أن الحزب «المسيحي الديمقراطي» الذي تنتمي إليه المستشارة السابق أنجيلا ميركل، وكان قد خرج من السلطة معها قبل ثلاث سنوات، هو الحزب الأول وبفارق كبير. وفي المرتبة الثانية يحل حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف بنسبة تأييد تصل إلى 18 في المائة، وبعده الحزب «الاشتراكي» بنسبة تأييد تصل إلى 16 في المائة. وفي الماضي، قادت ميركل ثلاث حكومات ائتلافية من أصل أربع كان الحزب «الاشتراكي» شريكها فيها. ولكن هذه المرة يبدو أن ميرتس يخطط للتحالف مع الليبراليين، ولكن سيتعين أولاً الحصول على أصوات كافية لدخول البرلمان.

المستشار الألماني أولاف شولتس في مكتبه يتحدث عبر الجوال قبيل إقالته وزير ماليته (أ.ف.ب)

ويرفض ميرتس وكل الأحزاب السياسية الأخرى، التحالف مع «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف رغم حلوله ثانياً في استطلاعات الرأي، ما يعني أنه قد يصبح حزب المعارضة الأكبر داخل البرلمان في الانتخابات المقبلة.

وانهارت حكومة شولتس في اليوم الذي صدرت فيه نتائج الانتخابات الأميركية، وأُعلن فوز دونالد ترمب بالرئاسة. ورغم أن التسريبات من داخل حزب شولتس كانت تشير إلى أن فوز ترمب قد يوحد الحكومة ويدفعها لتخطي خلافات بهدف الاستعداد لولاية ترمب، فإن العكس حدث. وشجع الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير المنتمي للحزب «الاشتراكي» على السرعة لتخطي الأزمة السياسية، وإعادة الاستقرار لألمانيا، وهو يجري مشاورات لا تتوقف مع الأحزاب منذ انهيار الحكومة. ويتعين عليه الآن تأييد تاريخ 23 فبراير موعداً للانتخابات المقبلة، ولكن ذلك يعد خطوة شكلية.

وزير المالية المقال كريستيان ليندنر (إ.ب.أ)

ويرى محللون أن تقليص فترة عدم اليقين في ألمانيا ضرورية لكي تتيح للحكومة المقبلة أن تستعد للتعامل مع إدارة ترمب، خصوصاً في الملفات الشائكة، وتحديداً ملف أوكرانيا. ويؤيد حزب ميرتس دعماً أكبر لأوكرانيا من شولتس، وهو يؤيد كذلك انضمامها لحلف الناتو، على عكس شولتس الذي يرى أن الأفضل أن تبقى حيادية.