الانتخابات التشريعية المبكرة... رهان فشل ماكرون في كسبه

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيب لدى تصويتهما في مدينة لو توكيه بشمال البلاد الأحد (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيب لدى تصويتهما في مدينة لو توكيه بشمال البلاد الأحد (أ.ف.ب)
TT

الانتخابات التشريعية المبكرة... رهان فشل ماكرون في كسبه

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيب لدى تصويتهما في مدينة لو توكيه بشمال البلاد الأحد (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيب لدى تصويتهما في مدينة لو توكيه بشمال البلاد الأحد (أ.ف.ب)

راهن إيمانويل ماكرون على حل الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة لتصحيح المسار بعد الانتخابات الأوروبية، لكنه خسر رهانه وخرج من الدورة الأولى في موقع ضعيف جداً ومرغماً على إعادة بناء صورته ومصيره السياسي فيما تبقى من ولايته المهددة بالبلبلة.

وقالت أديلاييد ذو الفقار باسيش، المديرة العامة لمعهد «بي في آ» لاستطلاعات الرأي، باختصار «إنه رهان خاسر» مع احتمال حصول حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف على غالبية نسبية، بل ربما مطلقة، موضحة أن «إيمانويل ماكرون في مأزق في حين أنه طرح نفسه حاجزاً... منذ 2017» بوجه الجبهة الوطنية قبل أن تتخذ اسم التجمع الوطني عام 2018. ورأى فينسان مارتينيي، الخبير السياسي في جامعة نيس كوت دازور ومعهد بوليتكنيك، أن حل الجمعية الوطنية «من الخطوات الأكثر تهوراً في تاريخ الجمهورية الخامسة، مبنية على التوقعات الأكثر عبثية».

وعوّل الرئيس على انقسامات اليسار، متوقعاً أن يأتي معسكره في المرتبة الثانية بعد التجمع الوطني الذي حصل على أكثر من 34 في المائة من الأصوات، بحسب التقديرات الأولية مساء الدورة الأولى. غير أن اليسار خاض الانتخابات موحداً وانتزع المرتبة الثانية بحصوله على ما بين 28 و29 في المائة، مُرغماً الماكرونيين على سحب العديد من المرشحين في بعض الدوائر إن أرادوا قطع الطريق أمام اليمين المتطرف في الدورة الثانية.

وقال فينسان مارتينيي: «هذا يسرّع حقاً بسقوط ماكرون، والعواقب بالنسبة له ستكون قاضية، إنه يخسر كلّ شيء». وستتقلص غالبيته النسبية في الجمعية الوطنية من 250 مقعداً من أصل 577 حالياً إلى 60 مقعداً، بحسب التوقعات الأكثر تشاؤماً، وستتشكل كتلته الجديدة حول شخصيات أخرى، أياً كانت نتيجة الدورة الثانية في السابع من يوليو (تموز) الحالي.

شرعية خاصة

وطرح رئيس وزرائه السابق إدوار فيليب نفسه بمثابة البديل، متهماً ماكرون بأنه «قضى على الغالبية الرئاسية». ولفت مارتينيي إلى أن الرئيس خسر أيضاً سلطته على معسكره نفسه الذي تسيطر عليه مشاعر تتراوح «بين الغضب والكراهية» تجاهه منذ قراره المتسرع في التاسع من يونيو (حزيران)، وقال أحد وجوه الغالبية بمرارة: «إننا غاضبون جداً».

ورأى وزير سابق أن هذه التطورات تؤذن بنهاية «الرئاسة الفائقة» التي ينتهجها ماكرون أسلوباً في الحكم منذ 2017.

وسواء اضطر ماكرون إلى التعايش مع رئيس وزراء من التجمع الوطني أو التعامل مع غالبية موسّعة أو مع حكومة من الخبراء، سيكون الوضع في مطلق الأحوال مختلفاً تماماً عما كان عليه من قبل.

فلن يعود ماكرون يمسك بكل الصلاحيات طارحاً نفسه رئيساً للحكومة وزعيماً للغالبية ووزيراً في آن، يُصدر كلّ الإعلانات ويشرف على كل القرارات، بل سيكون لرئيس الوزراء المقبل شرعيته الخاصة.

ورأت ماتيلد فيليب غاي، أستاذة القانون العام في جامعة ليون 3، «إن كان المواطنون صوّتوا لشرعية أخرى، فهذا يعني على الصعيد القانوني أنه خسر شرعيته». وقال أحد أوائل الداعمين للرئيس: «سيواجه فترة من الضعف، والسؤال المطروح هو إلى أي مدى سيدرك ذلك ويحسن التعامل معه؟».

«حياة مستحيلة»

ولفت إلى أن هذه التحولات في المشهد السياسي تجري كلها قبل شهر من دورة الألعاب الأولمبية، مبدياً مخاوف من أن تعمّ فرنسا فوضى ومظاهرات بينما أنظار العالم موجهة إليها لهذه المناسبة.

وأوضح مسؤول وسطي أن ماكرون أبدى على مدى سبع سنوات ثقة في نفسه وفي مصيره، مضيفاً: «إنه يؤمن بأنه يبقى في الإمكان دائماً قلب الطاولة، وبأنه في الجوهر الشخص المؤهل للقيام بذلك».

وسيطرح نفسه في مواجهة الصعاب حارساً للمؤسسات والقيم الجمهورية، ولا سيما في حال تعايش صدامي مع رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا، ومن خلاله مع زعيمة الحزب مارين لوبن. وسيحاول حتماً استعادة مكانه في التاريخ حتى لا يحفظ منه فقط صفة رئيس ثانٍ قرار فاشل بحل الجمعية الوطنية بعد قرار جاك شيراك عام 1997.

وقالت ماتيلد فيليب غاي: «من الممكن أن يسعى لترميم صورته خلال عام، وبعدها يعيد حل (الجمعية الوطنية) بذريعة ما؛ لاستعادة غالبية مواتية أكثر»؛ إذ لا يمكنه حل الجمعية الجديدة قبل انقضاء 12 شهراً.

وبعدما انتخب عام 2017 ثم عام 2022 بناءً على وعد بقطع الطريق على اليمين المتطرف، لم يعد لديه في حال وصول بارديلا إلى رئاسة الحكومة سوى خيار واحد، وهو منع مارين لوبان من الوصول إلى قصر الإليزيه في 2027.

ورأى وزير سابق يعرف ماكرون جيداً أنه «سيحول حياة (المعسكر الخصم) جحيماً ويحاول التموضع مجدداً لتعيين خلفه». ورأى أحد أوائل مؤيدي الرئيس أنه «إذا فشل التجمع الوطني خلال العامين المقبلين، فقد يظهر بمثابة الشخص الذي أعطى فرنسا رئيساً غير متطرف في 2027»، لكنه لفت إلى أن «اليمين المتطرف لا يفلت السلطة حين يمسك بها».


مقالات ذات صلة

«نيران صديقة» على طريق ولاية فون دير لاين الثانية

تحليل إخباري أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)

«نيران صديقة» على طريق ولاية فون دير لاين الثانية

حلقة في مسلسل استمرار جنوح المؤسسات الأوروبية نحو اليمين، بعد الانتخابات الأخيرة، مع تراجع قدرة الدولتين الكبريين في الاتحاد، ألمانيا وفرنسا، على ضبط الأمور

شوقي الريّس (بروكسل)
شؤون إقليمية إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي (أ.ب)

المدعية العامة تهدد بإقالة بن غفير لتدخله في عمل الشرطة

تعتزم المدعية العامة غالي بهاراف ميارا مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بإقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ما لم يتوقف عن تدخله المتكرر في شؤون الشرطة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يتحدث مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في جلسة للكنيست (أرشيفية - رويترز)

وزير المالية الإسرائيلي يدعو إلى فرض سيادة بلاده على الضفة الغربية بحلول 2025

قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، اليوم (الاثنين)، إنه يأمل أن توسِّع إسرائيل سيادتها لتشمل الضفة الغربية بحلول 2025.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا زعيم اليمين المتطرف في هولندا‭‭ ‬‬خيرت فيلدرز (أرشيفية - د.ب.أ)

زعيم اليمين المتطرف في هولندا يلتقي وزير خارجية إسرائيل

ذكرت وكالة أنباء هولندية أن زعيم اليمين المتطرف‭‭ ‬‬خيرت فيلدرز سيلتقي مع وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر، ورئيس الكنيست أمير أوحانا، في مطار سخيبول بأمستردام.

«الشرق الأوسط» (أمستردام )
أوروبا عناصر من الشرطة يصطحبون المشتبه بهم في الخلية الإرهابية اليمينية المتطرفة إلى المحكمة العليا بعد اعتقالهم (إ.ب.أ)

ألمانيا: اعتقال خلية يمينية متطرفة خططت لـ«تنظيف عرقي» في الولايات الشرقية

قبضت السلطات الألمانية على خلية يمينية متطرفة تضم سياسياً من حزب «البديل لألمانيا»، كانت تعد لتنفيذ عمليات تطهير عرقي شبيهة بتلك التي نفذها النازيون.

راغدة بهنام (برلين)

خطة هولندية لمكافحة «معاداة السامية»

اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
TT

خطة هولندية لمكافحة «معاداة السامية»

اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)

أعلنت الحكومة الهولندية، اليوم الجمعة، إطلاق خطة جديدة لمكافحة «معاداة السامية»، بعد أسبوعين من صدامات بين مشجعي كرة قدم إسرائيليين وشبان، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وخصص مجلس الوزراء مبلغاً إضافياً قدره 4.5 مليون يورو سنوياً لهذه الخطة، سيجري استخدام جزء منه لتعزيز أمن المؤسسات اليهودية والكنس.

وقال وزير العدل ديفيد فان ويل: «للأسف، ازدادت معاداة السامية في هولندا، خلال العام الماضي، كما أظهرت الأحداث التي وقعت في أمستردام قبل أسبوعين».

بعد مباراة في الدوري الأوروبي «يوروبا ليغ» بين أياكس أمستردام وفريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي، في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تعرّض مشجعون للأخير إلى الملاحقة والضرب في شوارع العاصمة الهولندية، ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص بجروح، وإثارة سخط في كثير من العواصم الغربية.

واندلعت حوادث متفرقة قبل المباراة، شملت هتافات معادية للعرب رددها مشجعو مكابي وحرق علم فلسطيني في ساحة دام المركزية، قبل أن يتعرض أنصار الفريق الإسرائيلي لأعمال عنف.

وعَدَّت إسرائيل والسلطات الهولندية أن هذه الأحداث «معادية للسامية».

ونُقل خمسة من مشجعي مكابي إلى المستشفى لفترة وجيزة؛ لتلقي العلاج بعد إصابتهم في أعمال العنف التي أثارت غضب قادة غربيين.

وتشمل استراتيجية الحكومة أيضاً تشكيل فريق عمل معنيّ بمعاداة السامية، وإصدار قوانين أكثر صرامة بشأن «تمجيد الإرهاب» والتحقيق في أعمال العنف المرتكبة خلال الاحتجاجات.

كما سيجري استهداف مشجعي كرة القدم من أجل القضاء على الهتافات المعادية للسامية في الملاعب.

وقال رئيس الوزراء ديك شوف، للصحافيين: «إنه مزيج من القمع والوقاية».