هل يغيّر وصول اليمين المتطرف لرئاسة حكومة فرنسا في العلاقات مع روسيا؟

مارين لوبان زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني وجوردان بارديلا المرشح الرئيسي للحزب في الانتخابات الأوروبية يحضران اجتماعاً سياسياً يوم الأحد 2 يونيو 2024 في العاصمة الفرنسية باريس (أ.ب)
مارين لوبان زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني وجوردان بارديلا المرشح الرئيسي للحزب في الانتخابات الأوروبية يحضران اجتماعاً سياسياً يوم الأحد 2 يونيو 2024 في العاصمة الفرنسية باريس (أ.ب)
TT

هل يغيّر وصول اليمين المتطرف لرئاسة حكومة فرنسا في العلاقات مع روسيا؟

مارين لوبان زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني وجوردان بارديلا المرشح الرئيسي للحزب في الانتخابات الأوروبية يحضران اجتماعاً سياسياً يوم الأحد 2 يونيو 2024 في العاصمة الفرنسية باريس (أ.ب)
مارين لوبان زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني وجوردان بارديلا المرشح الرئيسي للحزب في الانتخابات الأوروبية يحضران اجتماعاً سياسياً يوم الأحد 2 يونيو 2024 في العاصمة الفرنسية باريس (أ.ب)

تثير هزيمة حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الأوروبية ردود فعل المسؤولين الروس، في حين يخضع صعود اليمين المتطرف في فرنسا للتدقيق من قِبل الصحافة القريبة من الكرملين. ورغم مواقف حزب «التجمّع الوطني» الفرنسي بقيادة مارين لوبان القريبة من موسكو تاريخياً، تبقى مؤشرات تحولات مباشرة في العلاقات بين فرنسا وروسيا غير مرجّحة في الوقت القريب إذا وصل جوردان بارديلا ممثل «التجمع الوطني» إلى رئاسة الوزراء الفرنسية حال الفوز بالانتخابات التشريعية القادمة، حيث ستبقى السياسة الخارجية الفرنسية بيد الرئيس ماكرون المعروف بموقفه الداعم لأوكرانيا والمناهض لروسيا.

إذا كانت وسائل الإعلام والجمهور الروسي يعرفون سياسياً فرنسياً واحداً جيداً، فإنها مارين لوبان. لم يتم تعريفها لسنوات كحليفة مميزة لموسكو فحسب، حيث التقت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الحملة الرئاسية الفرنسية لعام 2017، ولكن في الأيام الأخيرة، أصبحت موضوعاً للعديد من المقالات على مواقع قريبة من الكرملين، حسب تقرير، الأربعاء، 19 يونيو (حزيران)، في مجلة «الإكسبرس» الفرنسية.

وتحتفظ زعيمة حزب «التجمّع الوطني» الفرنسي مارين لوبان، بعلاقات وثيقة منذ فترة طويلة مع موسكو، التي قدمت التمويل للحزب، لا سيما في شكل قرض في عام 2014. وفي حين يقول جوردان بارديلا، المرشح عن «التجمّع الوطني» لرئاسة الوزراء الفرنسية، في حال فاز حزبه في الانتخابات، إنه يريد مواصلة دعم كييف، ولكنه في الوقت نفسه يصر قبل كل شيء على «الخطوط الحمراء» لتجنب أي تصعيد مع موسكو. وتظل التوجهات الموالية لروسيا أساسية بالنسبة لحزب «التجمّع الوطني»، وفق تقرير الثلاثاء لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

يقول المتحدّث باسم الرئاسة الفرنسية دميتري بيسكوف: «في الكرملين، نتابع من كثب ديناميكيات الأحزاب اليمينية التي تكتسب شعبية»، في أوروبا وفرنسا. ففي نظر السلطات الروسية، إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يُنظر إليه الآن على أنه رأس الحربة المناهض لروسيا داخل النادي الأوروبي.

جوردان بارديلا رئيس حزب «التجمع الوطني» يجيب على أسئلة الصحافيين بعد زيارته معرض يوروساتوري للدفاع والأمن، الأربعاء 19 يونيو 2024 في فيلبينت، شمال باريس (أ.ب)

أخبار جيدة لموسكو

ومع ذلك، يقول الكاتب مكسيم يوسين: «إن الأحداث في فرنسا (تقدم اليمين المتطرق وحلّ البرلمان) تُعد أخباراً جيدة لموسكو». ووفقاً له، «في المستقبل القريب، لن يكون الرئيس الفرنسي قادراً على تكريس نفسه لأوكرانيا أو لإنشاء تحالف مناهض لروسيا، كما عمل بنشاط في الأشهر الأخيرة».

يهتم المحللون الروس، وفق «لوفيغارو»، بفرضية وصول «التجمع الوطني» إلى رئاسة الحكومة في باريس. يقول عالم السياسة نيكولاي توبورنين، مدير مركز المعلومات الأوروبي والأستاذ المشارك في جامعة ستانفورد: «الخط السياسي (للتجمع الوطني) هو أن الصراع (في أوكرانيا) يجب أن يتم حله بطريقة أو بأخرى». وأضاف «يتساءل الفرنسيون لماذا يستمرون في تخصيص مليارات اليوروات لكييف، في حين لا يحدث شيء، والحرب مستمرة، والناس يموتون ويتم إهدار أموال دافعي الضرائب».

ويرحب المتخصص بأن «الخط السياسي (لحزب الجبهة الوطنية) بعيد جداً عن خط ماكرون الذي يخطط حتى لإرسال فرقة إلى أوكرانيا... لدى لوبان وبارديلا فكرة جمع الطرفين في محادثات السلام». ويرى الخبراء الروس أن فشل ماكرون في الانتخابات القادمة في فرنسا هو فشل الشخصية السياسية التي كانت في طليعة الخط المناهض لروسيا في أوروبا، وهذا السيناريو يمكن أن يشجع السياسيين الآخرين في أوروبا على أن يكونوا أكثر حذراً بشأن هذه القضية».

مارين لوبان مرشحة حزب «التجمع الوطني» في الانتخابات البرلمانية المقبلة خلال حملتها الانتخابية مع رئيس بلدية هينان بومون ستيف بريوا والسياسي المحلي في الحزب برونو بيلدي في سوق في هينان بومون، شمال فرنسا 14 يونيو 2024 (رويترز)

صلات وثيقة بروسيا

في عام 2011، في مقابلة مع صحيفة «كوميرسانت» الروسية، أعلنت زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبان: «لا أخفي حقيقة أنني معجبة إلى حد ما بفلاديمير بوتين... يجب علينا تطوير العلاقات مع موسكو، فلدينا الكثير من المصالح المشتركة، سواء على المستوى الحضاري أو الاستراتيجي».

في عام 2014، حصل حزب «الجبهة الوطنية»، الذي أصبح فيما بعد حزب «التجمع الوطني» في عام 2018، على قرض بقيمة 9.4 مليون يورو من البنك التشيكي - الروسي الأول (FCRB) لتمويل الحملة البلدية. وفي العام نفسه، اقترض حزب «كوتيليك»، الحزب الصغير الذي يتزعمه جان ماري لوبان - والد مارين لوبان والزعيم التاريخي لحزب «الجبهة الوطنية» - لتمويل الحملات، أيضاً مليونَي يورو من شركة قبرصية خارجية، هي شركة Vernonsia Holdings Ltd، بتمويل من أموال روسية ومرتبطة بيوري كوديموف، عميل «كي جي بي» (السوفياتي) السابق الذي سبق له أن أدار بنك الدولة الروسي VTB. وستقترض «الجبهة الوطنية» بعد ذلك أموالاً من حزب «كوتيليك» لتمويل حملتها الرئاسية لعام 2017، وفق تقرير لمجلة «نوفال أبسرفاتور» الفرنسية، الثلاثاء.

وكشفت صحيفة «ميديابارت» الفرنسية في عام 2015 عن محادثات بين مسؤولين في الكرملين تساءلوا كيف سيتم «شكر» مارين لوبان على دعمها ضم روسيا شبه جزيرة القرم (من طرف واحد) في عام 2014.

وبحسب تقرير «نوفال أوبسرفاتور»، مثل والدها من قبلها، أحاطت مارين لوبان نفسها بشخصيات محبة لروسيا. وعقد مستشارها السابق للسياسة الدولية من 2010 إلى 2015، إيميريك تشوبريد، اجتماعات عديدة مع أشخاص مقربين من بوتين وكان أحد المهندسين الرئيسيين للتقارب بين حزب «الجبهة الوطنية» وروسيا.

وزارت مارين لوبان روسيا أربع مرات عندما كانت رئيسة لحزبها بين عامي 2011 و2021.

في يونيو (حزيران) 2013، بعد عشرة أيام في شبه جزيرة القرم، ذهبت مارين لوبان برفقة نائب رئيس «الجبهة الوطنية»، لويس أليو، إلى موسكو، حيث استقبلها رئيس مجلس النواب في البرلمان الروسي، سيرغي ناريشكين، عضو «كي جي بي» السابق وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي. وقالت لوبان حينها: «يتم تقديم روسيا بعبارات شيطانية... أشعر بأنني أكثر انسجاماً مع هذا النموذج من الوطنية الاقتصادية مقارنة بنموذج الاتحاد الأوروبي».

وكانت زيارتها الثانية لروسيا في أبريل (نيسان) 2014، بعد أسابيع قليلة من الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم. ومرة أخرى، يستقبلها سيرغي ناريشكين، الذي تستهدفه الآن عقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتقول مارين لوبان: «لقد قلت منذ البداية إن العقوبات وحتى التهديد بفرض عقوبات (ضد روسيا)... كانت لها نتائج عكسية تماماً».

خلال رحلتها الثالثة إلى موسكو في مايو (أيار) 2015، هنأها سيرغي ناريشكين قائلاً: «بفضل تأثيرك الشخصي، تتوافق التعريفات الجديدة لحزبك مع العصر وروح فرنسا الحديثة».

وتم تكريس العلاقة مع روسيا، وفق «نوفال أوبسرفاتور»، في مارس (آذار) 2017، عندما استقبلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسمياً، قبل أربعة أسابيع من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. تحدثا لأكثر من ساعة وتبادلا المصافحة الودية أمام المصورين. وقال الرئيس الروسي آنذاك: «أعلم أنك تمثلين طيفاً سياسياً ينمو بسرعة في أوروبا». وبعد لقائهما، أعلنت لوبان أن بوتين «يمثل رؤية جديدة لعالم متعدد الأقطاب» تشعر معه بارتياح أكبر من «الرؤية الخاضعة المتشددة كما عبر عنها الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان». وتقول إنها تدعم تدخل القوات الروسية في سوريا وتؤكد من جديد «وجهة نظرها بشأن أوكرانيا التي تتطابق مع وجهة نظر روسيا (في ما خص شبه جزيرة القرم بشكل خاص)».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي مرشحة الانتخابات الرئاسية الفرنسية عن حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف مارين لوبان في الكرملين في موسكو 24 مارس 2017 (أ.ف.ب)

تحسن «غير مرجّح» في العلاقات الفرنسية - الروسية

رغم خط «التجمع الوطني» الفرنسي الأقرب إلى موسكو، فإن روسيا لا تتوقع أي تغييرات كبيرة في السياسة الفرنسية تجاه الحرب في أوكرانيا، على الأقل في المدى القصير. يقول الخبير نيكولاي توبورنين: «العقوبات المفروضة على روسيا شديدة للغاية، من الولايات المتحدة وأوروبا. وظهور حكومة أكثر ملاءمة لروسيا، لن تغير وحدها أي شيء في هذا الوضع»، حسب «لوفيغارو».

ويتابع توبورنين: «سيبقى إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا، والسياسة الخارجية هي مسؤولية رئيس الدولة وفقاً للدستور الفرنسي. ومن غير المرجح أن تتحسن اللهجة بين روسيا وفرنسا على الفور. لا يسعنا إلا أن نأمل ألا تسوء العلاقة». ومع ذلك، لا يستبعد العالم السياسي أليكسي تشيخاتشيف احتمال أنه إذا وصل إلى السلطة، فإن القيادي بحزب «التجمع الوطني» الشاب جوردان بارديلا سوف يميل إلى «تحسين سمعته»... «بالإدلاء بتصريحات عدوانية ضد موسكو».


مقالات ذات صلة

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا أوكراني في منطقة دمّرها هجوم صاروخي في أوديسا الاثنين (رويترز) play-circle 01:26

الكرملين: دائرة ترمب تتحدّث عن سلام وبايدن يسعى للتصعيد

أكد الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أشار مراراً إلى أن روسيا مستعدة للحوار بشأن أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ما مدى احتمال استخدام روسيا أسلحتها النووية؟

تتبادل الولايات المتحدة وروسيا معلومات بشأن صواريخهما النووية طويلة المدى الاستراتيجية بموجب معاهدة «ستارت» الجديدة التي سينتهي العمل بها عام 2026

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا خبراء أوكرانيون يتفقدون الأضرار في موقع الهجوم الصاروخي الذي ضرب وسط خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في 25 نوفمبر 2024 وسط الغزو الروسي للبلاد (إ.ب.أ) play-circle 01:26

روسيا تعلن إسقاط 8 «صواريخ باليستية» أطلقتها أوكرانيا

قالت موسكو إن دفاعاتها الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية أطلقتها أوكرانيا وسط تصاعد التوتر مع استخدام كييف صواريخ بعيدة المدى زودها بها الغرب ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
TT

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)

بدأت وقائع محاكمة ألماني أمام المحكمة الإقليمية الأولى في ميونيخ بتهمة احتجاز ألمانية في شقة على مدار شهرين في منتجع الغردقة المصري.

ويقول الادعاء العام إنه يعتقد أن الرجل (37 عاماً) قام في أوائل عام 2017 باحتجاز المرأة التي يبلغ عمرها حالياً 33 عاماً، وإساءة معاملتها بطريقة وحشية، واغتصابها بشكل متكرر.

ويواجه الرجل اتهامات بارتكاب جريمة خطيرة تتعلق بسلب المرأة حريتها وإلحاق أذى بدني خطير ومتعمد وتهديدها واغتصابها. وأقر الرجل بالتهم الموجهة إليه في أول يوم للمحاكمة.

وحسب الادعاء، تعرف الاثنان على بعضهما عبر الإنترنت، وفي ليلة رأس السنة 2016، سافرت المرأة إلى مصر لبناء حياة مشتركة هناك. ويعتقد أن الاعتداءات بدأت تقريباً في الأسبوع الثاني من يناير (كانون الثاني) 2017؛ إذ أخذ الرجل هاتفها المحمول وجواز سفرها، وكان يحتجزها داخل الشقة عند خروجه.

ووفقاً لما قاله الرجل في المحكمة، فإنه كان يتناول بانتظام مسكناً للألم في ذلك الوقت، وغالباً ما كان يتعاطى مع المسكن الحشيش أو مادة «كريستال ميث»، وأضاف: «عندئذ كان يبدأ التأثير الحقيقي»، فكان يبقى مستيقظاً بعدها لمدة يومين أو ثلاثة.

وتابعت صحيفة الدعوى أن معاناة المرأة انتهت في 17 مارس (آذار) 2017، عندما أنقذتها الشرطة المصرية بمساعدة المكتب الاتحادي الألماني للتحقيقات الجنائية. ولا تتوافر معلومات بعد حول كيفية علم السلطات بوضع المرأة.

وحددت المحكمة الإقليمية في ميونيخ خمس جلسات للمحاكمة.

وتختص المحكمة بالنظر في القضية لأن آخر مكان إقامة للمتهم في ألمانيا كان في مدينة ميونيخ. ومن المتوقع أن يصدر الحكم في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.