مشهد سياسي جديد في أوروبا يتسم بصعود اليمين

اليمين المتطرف يرجح أن تزيد مجموعته داخل البرلمان الأوروبي لتصل إلى 200 نائب

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى اقتراعه في مدينة توكيه شمال غربي فرنسا الأحد (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى اقتراعه في مدينة توكيه شمال غربي فرنسا الأحد (أ.ف.ب)
TT

مشهد سياسي جديد في أوروبا يتسم بصعود اليمين

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى اقتراعه في مدينة توكيه شمال غربي فرنسا الأحد (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى اقتراعه في مدينة توكيه شمال غربي فرنسا الأحد (أ.ف.ب)

5 تحديات رئيسية يواجهها الاتحاد الأوروبي، يعدّها كثيرون الأهم والأخطر منذ بدايات المشروع الأوروبي قبل 70 عاماً. وذهب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى التحذير من أن «أوروبا قابلة للفناء» بالنظر للتحديات التي تواجهها في الوقت الحاضر، التي تزيد من مخاطرها الانقسامات العميقة داخل البناء الأوروبي من جهة، والخطر الذي يمثله تقدم اليمين المتطرف القومي، وغالباً العنصري، الذي لم يكن يوماً متحمساً للبناء الأوروبي، وخصوصاً لتخلي دوله عن بعض سيادتها المالية والقانونية والضريبية والاقتصادية، وأحياناً السياسية، لصالح تعزيز السيادة الأوروبية.

واكتملت الأحد دورة الانتخابات الأوروبية التي شملت 360 مليون ناخب أوروبي في 27 دولة لانتخاب أعضاء البرلمان المؤلف من 720 نائباً. وبعد أن جرت الانتخابات في 7 بلدان، أغلبها السبت، فإن الناخبين في 20 دولة أوروبية توجهوا الأحد إلى صناديق الاقتراع، بينها دول رئيسية مثل ألمانيا (الأكبر عدداً ديموغرافياً، التي لها الحصة الكبرى في عدد نواب البرلمان الجماعي) وفرنسا وبولندا. ومن المرجح أن تسفر هذه الانتخابات عن مشهد سياسي جديد في القارة، يتسم بصعود اليمين المتطرف.

ورغم أن الانتخابات أوروبية الطابع، فإنها تحوّلت، بسبب الأوضاع الخاصة لكل دولة، إلى انتخابات وطنية، بمعنى أنها تأخذ بعين الاعتبار، بالدرجة الأولى، الوضع المحلي الاقتصادي والاجتماعي وأداء التحالفات السياسية الحاكمة. في فرنسا، على سبيل المثال، تحوّلت إلى اقتراع لصالح أو ضد سياسة الرئيس ماكرون. بيد أن التحدي الغالب، على الأقل في 10 دول أوروبية، عنوانه موقع اليمين المتطرف وقدرته على تحقيق اختراقات رئيسية، تجعل منه القوة السياسية الرئيسية في هذه البلدان.

 

 

بياتريس فون ستور عضو حزب «البديل» الألماني اليميني المتطرف (أ.ف.ب)

اليمين المتطرف يقترب من السلطة

 

تحلّ فرنسا على رأس اللائحة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي المتلاحقة أن لائحة «التجمع الوطني» ستحتل قطعاً المرتبة الأولى، بل إنها ستحصل على ما يزيد على 33 بالمائة من الأصوات، أي ضعفي ما ستحصل عليه لائحة التحالف السياسي الداعم للرئيس ماكرون ولحكومته. وإذا جاءت النتيجة على هذا الشكل، فهذا يعني أن التحالف مني بهزيمة سياسية نكراء، ويعني أنه سيتعين على ماكرون أن يقوم ببادرة ما من أجل قلب صفحة الانتخابات الأوروبية سريعاً، وخصوصاً أن أصواتاً من المعارضة أخذت تطالبه بالاحتكام إلى الصوت الشعبي وإجراء انتخابات نيابية عامة لتشكيل السلطة من جديد. من جانبها، فإن إيطاليا معنية بنتائج اليمين المتطرف، الذي أمسك بالسلطة مع رئيسة الحكومة، ورئيسة حزب «إخوة إيطاليا» جيورجيا ميلوني.

ومن الدول الأخرى المعنية بصعود اليمين المتطرف، لا بد من الإشارة إلى ألمانيا مع حزب «البديل» لألمانيا و«فوكس» في إسبانيا و«شيغا» في البرتغال و«قانون وعدالة» في بولندا و«فيديز» في المجر... وإذا صدقت التوقعات، فإن اليمين المتطرف يمكن أن يحصل على ما يراوح 200 مقعد في البرلمان، حيث يتحول إلى أكبر مجموعة نيابية. لكن مشكلته أنه يعاني من انقسامات داخلية، ولم ينجح أبداً، حتى اليوم، في الانخراط في مجموعة سياسية موحدة عابرة للحدود. وللإشارة، فإن النواب الأوروبيين يشكلون، بعد انتخابهم، مجموعات ذات توجهات سياسية واحدة أو متقاربة بغضّ النظر عن الانتماء لهذه الدولة أو تلك. وفي البرلمان السابق، كان «حزب الشعب الأوروبي» (اليمين المعتدل) يمثل أكبر مجموعة نيابية، ويحظى برئاسة المفوضية الأوروبية، وبرئاسة الاتحاد وغيرهما من المناصب الرئيسية. وتسعى رئيسة المفوضية الحالية أورسولا فون دير لاين إلى البقاء في منصبها لولاية ثانية. والشرط لذلك أن تكون مجموعة نواب «حزب الشعب الأوروبي» الأكبر عدداً، وأن تحظى كذلك بدعم غالبية القادة الأوروبيين الـ27.

 

الألمانية فون دير لاين تأمل الفوز بولاية جديدة على رأس المفوضية الأوروبية في الانتخابات الحالية (أ.ف.ب)

5 تحديات رئيسية

 

لا يحتاج النواب الأوروبيون الجدد إلى انتظار نتائج الانتخابات النهائية، وتشكيل المجموعات البرلمانية، للنظر إلى التحديات التي يتعين عليهم مواجهتها، بعد أن تظهر سلطة تنفيذية اتحادية جديدة، وتعيين المفوضين الـ27 الجدد. وتأتي الحرب الدائرة في أوكرانيا في مقدمة التحديات التي يتعين على الاتحاد التعامل معها، خصوصاً أنها تلج مرحلة جديدة مع ازدياد انخراط الدول الأوروبية فيها، لجهة مدّ القوات الأوكرانية بالذخيرة التي تحتاج إليها، أو السماح لها باستهداف مواقع داخل الأراضي الروسية أو إرسال «مدربين» عسكريين لتأهيل الكتائب الأوكرانية على أراضي أوكرانيا، وبعكس ما هو حاصل حالياً. وثمة أمور (وإن كانت قليلة) تمنع توحيد مواقف الدول الـ27 من الحرب الدائرة على الأراضي الأوروبية منذ أكثر من عامين. وكما في حالة أوكرانيا، فإن الأوروبيين منقسمون إزاء الحرب في غزة التي دخلت شهرها الثامن. وانقسام الأوروبيين بشأنها أكثر عمقاً ما هي الحال بالنسبة لأوكرانيا. وثمة دول مثل النمسا وألمانيا وتشيكيا... تعطل بلورة مواقف موحدة، ودول أخرى ترفض السير على خطى إسبانيا وآيرلندا وفنلندا وسلوفينيا من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

من جانب آخر، يعد احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، نظراً لمواقفه السابقة إزاء الوحدة الأوروبية والحلف الأطلسي، مشكلة كبرى للقادة الأوروبيين الذين سيتعين عليهم التأقلم مجدداً مع تصريحات وسياسات، كل واحدة منها تعد مشكلة بذاتها. وإذا كان الأوروبيون قد نجحوا، حتى اليوم، في تدارك السير وراء القراءة الأميركية للعلاقات مع الصين حيث تنظر واشنطن إلى المارد الصيني على أنه المنافس الاستراتيجي والبنيوي، فإن عودة ترمب ستضاعف من صعوباتهم في البقاء على مسافة من دعوته لمواجهة بكين في المجالات كافة، بينما أوروبا تنظر إليها على أنها شريك اقتصادي وتجاري من الدرجة الأولى، وليس من الجائز استعداؤه. ولاستكمال الصورة، تتعين الإشارة إلى تراجع الاتحاد الأوروبي اقتصادياً وتجارياً واشتداد المنافسة التي يعاني منها، سواء أكان من الولايات المتحدة أم من الصين حتى الدول الناشئة في ما يسمى «الجنوب الشامل» الذي لم يعد يتقبل ما يسميه «التفرد» الغربي بإدارة شؤون العالم، ورغبته في أن يحتل الموقع الذي يستحقه، خصوصاً في المؤسسات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي.

هكذا تتبدى أهمية الانتخابات التشريعية الأوروبية وانعكاساتها، ليس على الأعضاء الأوروبيين فقط، بل على صيرورة العالم بأجمعه، حيث يريد الاتحاد الأوروبي أن يتحول إلى قوة فاعلة استراتيجياً وسياسياً، لا أن يبقى سوقاً مفتوحة ليس إلا.



ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

ناشدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أوكرانيا وداعميها التفكير بالتوازي في حلول دبلوماسية في خضم معترك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

وقالت ميركل في تصريحات للقناة الثانية في التلفزيون الألماني (زد دي إف): «لا ينبغي لروسيا أن تكسب هذه الحرب... ما فعله (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) مع أوكرانيا عمل سافر منتهِك للقانون الدولي»، موضحة في المقابل: «يتعيّن دائماً التفكير بالتوازي مع حلول دبلوماسية»، مشيرة إلى أنه لا داعي لمناقشة هذه الحلول الآن. وأوضحت أن تحديد الوقت المناسب لذلك أمر يتعيَّن على الجميع (أوكرانيا وداعميها) مناقشته معاً، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».

المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تصل لتقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين 26 نوفمبر 2024... نُشرت المذكرات السياسية لميركل في 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

وأكدت ميركل أنها تدعم ما تفعله الحكومة الألمانية الحالية من أجل أوكرانيا، مشيرة إلى أنه من المعروف أن تحقيق أوكرانيا نصراً عسكرياً ضد جارتها الكبرى روسيا لن يكون سهلاً، وقالت: «ومع ذلك، فإنني أؤيد كل ما يفعله المجتمع الدولي لوضع أوكرانيا في وضع جيد... ليس من مصلحة أوكرانيا فحسب، بل من مصلحتنا أيضاً ألا ينتصر بوتين في هذه الحرب»، مؤكدة أنها بذلت قصارى جهدها لضمان عدم حدوث مثل هذا التصعيد.

ومن ناحية أخرى، علّقت ميركل أيضاً على سياسة الهجرة، معترفة بأن حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي المناهض للهجرة «أصبح بالتأكيد أقوى» مما كان عليه في الانتخابات العامة التي جرت عام 2013، بسبب العدد الكبير من المهاجرين الذين جاءوا إلى ألمانيا في عام 2015.

وفي المقابل، أشارت ميركل إلى أن نسبة تأييد حزب «البديل من أجل ألمانيا» كانت تتراوح بين 10 و11 في المائة عندما تركت منصبها، لكنها وصلت اليوم إلى 18 في المائة، وقالت: «هذا يعني أن لا بد أن شيئاً آخر قد حدث خلال تلك الفترة»، موضحة أنه «لم يكن من الجيد لنا - نحن الأحزاب الديمقراطية - أن نتجادل بهذه الشدة حول قضية اللاجئين». وأضافت أن هذا الجدال لم يضعف بالتأكيد حزب «البديل من أجل ألمانيا».

لافتة تعلن عن توقيع كتاب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» بينما يقف الناس في طابور خارج متجر لبيع الكتب في برلين - ألمانيا 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

وذكرت ميركل أنه يتعيَّن على الأحزاب الديمقراطية الآن تقديم حلول، وعدم تبني أجندة حزب «البديل من أجل ألمانيا» أو خطابه، معربةً عن اعتقادها أن هناك ما يكفي من الأشخاص الشجعان في ألمانيا الملتزمين بالحرية والديمقراطية.

وتابعت: «آمل أن يكون هناك توازن في النقاش السياسي خلال الحملة الانتخابية المقبلة حتى تخرج منه القوى الديمقراطية أقوى».

ونشرت ميركل، يوم الثلاثاء الماضي، مذكراتها بعنوان «الحرية: ذكريات 1954 - 2021».