مناورات صينية «تحاصر» تايوان وسط تحذيرات شديدة اللهجة لـ«الانفصاليين»

تايبيه انتقدت تصرف بكين «العسكري المستفز»

TT

مناورات صينية «تحاصر» تايوان وسط تحذيرات شديدة اللهجة لـ«الانفصاليين»

أحد أفراد القوات المسلحة التايوانية وهو يراقب سفينة عسكرية صينية قبالة سواحل تايوان الخميس (أ.ف.ب)
أحد أفراد القوات المسلحة التايوانية وهو يراقب سفينة عسكرية صينية قبالة سواحل تايوان الخميس (أ.ف.ب)

حذّرت الصين، الخميس، «قوى استقلال تايوان» من أن «رؤوسها ستتحطّم ودماءها ستسيل»، مؤكدة أن مناوراتها العسكرية حول الجزيرة توجه «تحذيراً جدياً» لتايبيه. وطوّقت الصين تايوان، الخميس، بسفن وطائرات عسكرية في إطار مناورات قدّمتها بكين على أنها «عقاب شديد» للرئيس التايواني الجديد لاي تشينغ - تي، والقوات «المنادية بالاستقلال» في تايبيه. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ونبين: «ستتحطم رؤوس قوى استقلال تايوان، وستسيل دماؤها عندما ستصطدم (...) بمهمة الصين العظيمة لتحقيق التوحيد الكامل»، وفق تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

شاشة تعرض المناورات الصينية حول تايوان في أحد شوارع بكين (إ.ب.أ)

من جهتها، أدانت وزارة الدفاع التايوانية «بشدّة» هذه التدريبات، معلنة نشر «قوات بحرية وجوية وبرية (...) للدفاع عن حرية وديمقراطية وسيادة» الجزيرة. وقالت الوزارة إنّه تمّ رصد 49 طائرة، منذ بدء التدريبات صباح الخميس. وعبرت 35 طائرة الخط المتوسط الذي يقسم مضيق تايوان. وأسفت الناطقة باسم الرئاسة التايوانية كارين كوو «للتصرف العسكري المستفز» لبكين. تزامناً، أكّد الرئيس التايواني الخميس أنه سيدافع عن قيم الحرية الديمقراطية، قائلاً: «سأقف على خط الجبهة مع إخوتي وأخواتي في الجيش للدفاع معاً عن الأمن الوطني»، من دون أي إشارة مباشرة إلى المناورات الصينية.

انفصالي خطير

وتأتي المناورات بعد ثلاثة أيام من أداء لاي تشينغ - تي، تصفه الصين بأنه «انفصالي خطر»، اليمين الدستورية رئيساً جديداً للجزيرة. وعدّت بكين تصريحاته يومها بمثابة «اعتراف باستقلال تايوان»، وهددت السلطات التايوانية بـ«الردّ».

الرئيس التايواني لاي تشينغ - تي خلال مراسم تنصيبه الاثنين (رويترز)

وتتمتع تايوان بحكم ذاتي منذ عام 1949 عندما فرّ القوميون إلى الجزيرة بعد هزيمتهم على أيدي القوى الشيوعية خلال حرب أهلية شهدها بر الصين الرئيسي. ومنذ ذلك الحين، تعد الصين تايوان جزءاً من أراضيها، ولطالما هددت باستخدام القوة للسيطرة على الجزيرة. وبدأت المناورات الصينية صباح الخميس، على أن تستمر حتى الجمعة، حسبما قال لي شي المتحدث باسم قيادة المسرح الشرقي بالصين، حيث تنظم التدريبات في محيط تايوان، في بيان. وأوضح لي شي أن المناورات تجري «في مضيق تايوان وشمال وجنوب وشرق جزيرة تايوان، وكذلك في المناطق المحيطة بجزر كينمن وماتسو وووتشيو ودونغين»، القريبة جداً من السواحل الشرقية لبر الصين الرئيسي. وأعلن خفر السواحل بالصين بُعيد ذلك إطلاق «تدريبات لإنفاذ القانون» قرب جزيرتَي ووتشيو ودونغين التايوانيتين، فيما نشر نظراؤهم التايوانيون أسطولهم في البحر.

حصار اقتصادي

من جهتها، أرسلت تايوان أربع طائرات مقاتلة من قاعدة هسينشو على بعد حوالي 60 كيلومتراً جنوب غربي تايبيه، بعد ظهر الخميس. وتُظهر لقطات بثها خفر السواحل التايوانيون ضباطاً يأمرون السفن الصينية عبر مكبرات للصوت بمغادرة المنطقة. وقال أحد الضباط، في مقطع فيديو نشره خفر السواحل على شبكات التواصل الاجتماعي: «تؤثر تحركاتكم على النظام والأمن في بلدنا، من فضلكم عودوا أدراجكم وغادروا مياهنا المحظورة في أقرب وقت ممكن».

ويرى المتحدث باسم قيادة المسرح الشرقي بالصين، لي شي، أن هذه المناورات تمثّل «عقاباً شديداً على التصرفات الانفصالية للقوى الاستقلالية في تايوان، وتحذيراً شديد اللهجة ضد تدخل واستفزازات قوى خارجية». وتؤكد السلطات الصينية أنها تفضّل إعادة توحيد «سلمية» مع الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة والخاضعة لحكم ديمقراطي، لكنها تشدد على أنها ستستخدم القوة العسكرية إذا لزم الأمر. وتشمل المناورات الجديدة التي تحمل اسم «السيف المشترك - 2024 إيه» وحدات من القوات البرية والبحرية والجوية ووحدة الصواريخ. والهدف من ذلك هو «اختبار القدرات القتالية الحقيقية المشتركة لقوات القيادة»، وفق لي شي.

وقال الأستاذ في الجامعة الوطنية للدفاع في بكين، تشانغ شي، لقناة «سي سي تي في» التلفزيونية الصينية إن المناورات تهدف إلى «فرض حصار اقتصادي على الجزيرة»، من خلال «خنق» ميناء كاوسيونغ الاستراتيجي بالنسبة لتايوان. وعدّ أن حصاراً مثل هذا يسمح بقطع «واردات الطاقة الحيوية لتايوان، وعرقلة الذي يقدمه بعض حلفاء الولايات المتحدة لقوى استقلال تايوان».

ونشرت «سي سي تي في» خريطة تُظهر المناطق التسع التي تجري فيها المناورات، ويبدو أن أقربها لتايوان يقع على بُعد أقل من 50 كيلومتراً من سواحلها. وخلال تأديته اليمين الدستورية، الاثنين، دعا الرئيس التايواني لاي تشينغ - تي الصين إلى «وقف ترهيبها السياسي والعسكري ضد تايوان». وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الثلاثاء، وفق بيان صادر عن وزارته، إن مصير الانفصاليين التايوانيين هو «عار التاريخ».

عقوبات على واشنطن

فرضت الصين، الاثنين، عقوبات على ثلاث شركات دفاع أميركية بسبب مبيعاتها من الأسلحة إلى تايوان، حسبما ذكرت وسائل إعلام رسمية في بكين، تزامناً مع تنصيب الرئيس الجديد للجزيرة. وفي عهد رئيسة تايوان السابقة تساي إنغ - وين (2016 - 2024)، عززت السلطات التايوانية علاقاتها مع الولايات المتحدة.

مقاتلة تايوانية تستعد للإقلاع من قاعدة عسكرية في شمال تايوان الخميس (أ.ف.ب)

وقال الجيش الصيني، الخميس إن «الاعتماد على الدول الأجنبية يعني سلوك الطريق الخاطئة»، مضيفاً «يجب إعادة توحيد الوطن وسيتم توحيده حتماً». وكانت آخر مرة أعلنت فيها الصين عن مناورات عسكرية مماثلة حول تايوان في أغسطس (آب) 2023 بعد توقف لاي، نائب الرئيس آنذاك، في الولايات المتحدة خلال زيارة للباراغواي. وفي أبريل (نيسان) 2023، أجرت الصين مناورات تحاكي تطويق الجزيرة في أعقاب لقاء الرئيسة السابقة للجزيرة تساي إنغ وين برئيس مجلس النواب الأميركي آنذاك، كيفن مكارثي، في كاليفورنيا. كذلك، أجرت الصين مناورات عسكرية كبيرة في عام 2022 بعد زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي آنذاك، لتايوان. ورجّح المحلّل بيل بيشوب في نشرته الإخبارية «سينوسيزم» (Sinocism) أن تجري الصين «عدة مناورات» أخرى هذا العام شبيهة بمناورات «السيف المشترك - 2024 إيه». وسيكون لأي نزاع في مضيق تايوان تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي، إذ إن أكثر من 50 في المائة من الحاويات المنقولة في العالم تمر عبره، فيما تنتج تايوان 70 في المائة من أشباه الموصلات على الصعيد العالمي.


مقالات ذات صلة

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

العالم القراصنة قاموا بعمليات استطلاع وفحص محدودة لمواقع إلكترونية متعددة مرتبطة بالانتخابات الأميركية (أرشيفية - رويترز)

مسؤول: قراصنة إلكترونيون صينيون يستعدون لصدام مع أميركا

قال مسؤول كبير في مجال الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة إن قراصنة إلكترونيين صينيين يتخذون مواطئ قدم في بنية تحتية خاصة بشبكات حيوية أميركية.

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت يتحدث خلال فعالية (رويترز-أرشيفية)

حاكم تكساس الأميركية يأمر أجهزة الولاية بوقف الاستثمار في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري غريغ أبوت، الأجهزة المعنية بوقف استثمار أموال الولاية في الصين، وبيع هذه الاستثمارات في أقرب فرصة.

«الشرق الأوسط» (أوستن (تكساس))
شؤون إقليمية مدخل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في 3 مارس 2011 (رويترز)

الصين تدعو «الجنائية الدولية» لاتخاذ موقف «موضوعي» بشأن مذكرة توقيف نتنياهو

دعت الصين، اليوم (الجمعة)، المحكمة الجنائية الدولية إلى الحفاظ على «موقف موضوعي وعادل» بعدما أصدرت مذكرة توقيف في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (بكين)
أوروبا لين جيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية (موقع الخارجية الصينية)

الصين تدعو إلى «الهدوء» بعد توسيع بوتين إمكانية استخدام الأسلحة النووية

دعت الصين، الأربعاء، إلى «الهدوء» و«ضبط النفس»، غداة إصدار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يوسع إمكانية استخدام الأسلحة النووية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الخليج م. وليد الخريجي ترأس الجانب السعودي في الجولة الثانية من المشاورات السياسية مع «الخارجية الصينية» (واس)

مشاورات سعودية – صينية تعزز التنسيق المشترك

بحثت الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية السعودية والصينية في الرياض، الاثنين، تطوير العلاقات الثنائية، وأهمية تعزيز التنسيق المشترك.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

TT

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أسلحة أوكراني. وهذا السلاح، غير المعروف حتى الآن، استخدمته روسيا للمرة الأولى ضد أوكرانيا ولتحذير الغرب.

فيما يلي ما نعرفه عن هذا الصاروخ التجريبي الذي أُطلق عليه اسم «أوريشنيك»:

آلاف الكيلومترات

حتى استخدامه يوم الخميس، لم يكن هذا السلاح الجديد معروفاً. ووصفه بوتين بأنه صاروخ باليستي «متوسط المدى»، يمكنه بالتالي بلوغ أهداف يتراوح مداها بين 3000 و5500 كيلومتر، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي قبل إطلاقه (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

وحسب الرئيس الروسي، فإن إطلاق الصاروخ كان بمثابة تجربة في الظروف القتالية؛ مما يعني أن هذا السلاح لا يزال قيد التطوير. ولم يعطِ أي إشارة إلى عدد الأنظمة الموجودة، لكنه هدّد بإعادة استخدامه.

تبلغ المسافة بين منطقة أستراخان الروسية التي أُطلق منها صاروخ «أوريشنيك»، الخميس، حسب كييف، ومصنع تصنيع الأقمار الاصطناعية بيفدينماش الذي أصابه الصاروخ في دنيبرو (وسط شرق أوكرانيا)، تقريباً 1000 كيلومتر.

وإذا كان لا يدخل ضمن فئة الصواريخ العابرة للقارات (التي يزيد مداها على 5500 كيلومتر) يمكن لـ«أوريشنيك» إذا أُطلق من الشرق الأقصى الروسي نظرياً أن يضرب أهدافاً على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

وقال الباحث في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح (Unidir) في جنيف، بافيل بودفيغ، في مقابلة مع وسيلة الإعلام «أوستوروزنو نوفوستي»، إن «(أوريشنيك) يمكنه (أيضاً) أن يهدّد أوروبا بأكملها تقريباً».

وحتى عام 2019 لم يكن بوسع روسيا والولايات المتحدة نشر مثل هذه الصواريخ بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقّعة في عام 1987 خلال الحرب الباردة.

لكن في عام 2019 سحب دونالد ترمب واشنطن من هذا النص، متهماً موسكو بانتهاكه؛ مما فتح الطريق أمام سباق تسلح جديد.

3 كلم في الثانية

أوضحت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، للصحافة، الخميس، أن «(أوريشنيك) يعتمد على النموذج الروسي للصاروخ الباليستي العابر للقارات RS - 26 Roubej» (المشتق نفسه من RS - 24 Yars).

وقال الخبير العسكري إيان ماتفييف، على تطبيق «تلغرام»، إن «هذا النظام مكلف كثيراً، ولا يتم إنتاجه بكميات كبيرة»، مؤكداً أن الصاروخ يمكن أن يحمل شحنة متفجرة تزن «عدة أطنان».

في عام 2018، تم تجميد برنامج التسليح «RS - 26 Roubej»، الذي يعود أول اختبار ناجح له إلى عام 2012، حسب وكالة «تاس» الحكومية، بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع «بالتزامن» مع تطوير الجيل الجديد من أنظمة «Avangard» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويُفترض أنها قادرة على الوصول إلى هدف في أي مكان في العالم تقريباً.

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي على متن شاحنة مدولبة (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

حسب بوتين فإن الصاروخ «أوريشنيك» «في تكوينه غير النووي الذي تفوق سرعته سرعة الصوت» يمكن أن تصل سرعته إلى 10 ماخ، «أو 2.5 إلى 3 كيلومترات في الثانية» (نحو 12350 كلم في الساعة). وأضاف: «لا توجد أي طريقة اليوم للتصدي لمثل هذه الأسلحة».

عدة رؤوس

أخيراً، سيتم تجهيز «أوريشنيك» أيضاً بشحنات قابلة للمناورة في الهواء؛ مما يزيد من صعوبة اعتراضه.

وشدد بوتين على أن «أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة حالياً في العالم، وأنظمة الدفاع الصاروخي التي نصبها الأميركيون في أوروبا، لا تعترض هذه الصواريخ. هذا مستبعد».

وأظهر مقطع فيديو للإطلاق الروسي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ست ومضات قوية متتالية تسقط من السماء وقت الهجوم، في إشارة -حسب الخبراء- إلى أن الصاروخ يحمل ست شحنات على الأقل. يقوم هذا على تجهيز صاروخ بعدة رؤوس حربية، نووية أو تقليدية، يتبع كل منها مساراً مستقلاً عند دخوله الغلاف الجوي.