روسيا تحذر أوروبا من مصادرة أصولها لتمويل عمليات تسليح أوكرانيا

تثير جدلاً بشأن «إعادة ترسيم» الحدود المائية في بحر البلطيق

البنك المركزي الألماني في فرنكفورت (إ.ب.أ)
البنك المركزي الألماني في فرنكفورت (إ.ب.أ)
TT

روسيا تحذر أوروبا من مصادرة أصولها لتمويل عمليات تسليح أوكرانيا

البنك المركزي الألماني في فرنكفورت (إ.ب.أ)
البنك المركزي الألماني في فرنكفورت (إ.ب.أ)

حذّر الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف بلدان الاتحاد الأوروبي من «عواقب سلبية للغاية»؛ جراء تنفيذ قرارات أوروبية باستخدام عائدات أصول سيادية روسية مصادرة في أوروبا لتمويل عمليات تسليح أوكرانيا أو تقديم معونات مالية إليها.

وقال بيسكوف إن البلدان الأوروبية تعاملت بحذر مع الموضوع «لأنهم يرون الخطر المحتمل لمثل هذه القرارات، ويدركون الخطر بالنسبة إليهم جراء العواقب السلبية للغاية المحتملة التي لا مفر منها، لذلك ذهبوا إلى نسخة مختصرة من قرارات التعامل مع الأصول الروسية المصادرة، لكن برغم ذلك فإن تلك النسخة المختصرة ليست سوى مصادرة مباشرة لأموال روسيا».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماع مع منظمة شنغهاي للتعاون (أ.ف.ب)

وأشار المتحدث باسم الكرملين إلى أن موسكو تواصل عملية تقييم عواقب خطوة الاتحاد الأوروبي، وتقوم ببلورة الرد عليها بالشكل الذي يلبي مصالح البلاد على أفضل وجه.

ونشر الاتحاد الأوروبي الأربعاء على موقعه الرسمي قراراً بشأن استخدام عائدات الأصول السيادية الروسية المجمدة. وكان مجلس الاتحاد الأوروبي قد وافق على القرار في اليوم السابق، وتدخل الآلية حيز التنفيذ الخميس.

ووفقاً للقرار، فقد وافقت الدول الأوروبية على إرسال 90 في المائة من الدخل الذي تتلقاه الجهات المودعة للأصول الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، فضلاً عن دعم برامج إعادة الإعمار في مرحلة لاحقة. وستكون الودائع المركزية قادرة على الاحتفاظ مؤقتاً بنسبة عشرة في المائة المتبقية لمواجهة أي مخاطر محتملة تتعلق بأوكرانيا.

الوضع مع الأصول الروسية

بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، جمّد الاتحاد الأوروبي و«مجموعة السبع» ما يقرب من نصف احتياطات النقد الأجنبي الروسية البالغة نحو 300 مليار يورو. ويوجد حوالي 200 مليار يورو في الاتحاد الأوروبي، معظمها في حسابات يوروكلير البلجيكية، وهي من أكبر أنظمة التسوية والمقاصة في العالم.

وحتى وقت قريب، كان أعضاء الاتحاد الأوروبي يناقشون سبل استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل عملية «إعادة إعمار أوكرانيا»، وحذّر البنك المركزي الأوروبي، على وجه الخصوص، من أن جذب هذه الأموال لدعم القوات المسلحة الأوكرانية يحمل مخاطر بالنسبة إلى أوروبا على المدى الطويل. ما يعني أن القرار الأوروبي الأخير حمل تطوراً نوعياً في آليات تعامل الأوروبيين مع الأصول الروسية المجمدة.

قوات روسية تقوم بمناورات تكتيكية لأسلحة نووية (أ.ف.ب)

وتتوقع المفوضية الأوروبية أنه بعد الموافقة على قرار تخصيص عائدات الأصول الروسية المجمدة للمساعدة العسكرية لأوكرانيا، يمكن سداد الدفعة الأولى البالغة حوالي ملياري يورو في وقت مبكر من شهر يوليو (تموز).

وقالت المفوضة الأوروبية للقيم الأوروبية والشفافية، فيرا جوروفا، في مؤتمر صحافي في بروكسل: «سيسمح لنا هذا القرار بدفع ما يقرب من ملياري يورو دفعة مقدمة في يوليو، في انتظار المدفوعات المنتظمة في وقت لاحق من هذا العام». وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين تلك المعطيات، في حين أعلنت وزيرة الخارجية البلجيكية آجا لبيب، الثلاثاء، أن الدفعة المقررة لتسليح أوكرانيا سوف تبلغ قيمتها 3 مليارات يورو.

وكان الكرملين حذّر في وقت سابق الأوروبيين من «تبني خطوة أخرى في انتهاك جميع قواعد وأعراف القانون الدولي». ووصفت وزارة الخارجية تجميد الأصول الروسية في أوروبا بـ«السرقة»، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يستهدف أموال الأفراد فحسب، بل يستهدف أيضاً أصول الدولة الروسية.

فيما لوّح وزير الخارجية سيرغي لافروف بخطوات جوابية، بينها مصادرة أصول أوروبية في روسيا، تقدر وفقاً لبيانات روسية بنحو 280 مليار دولار. وأوضح لافروف: «روسيا لديها أيضاً الفرصة لعدم إعادة تلك الأموال التي احتفظت بها الدول الغربية في روسيا، والتي تم تجميدها رداً على الاستيلاء على احتياطات الدولة الروسية، ولا يمكن أن يكون هناك شك في أننا سنتصرف بشكل متبادل ومتكافئ».

ترسيم حدود البلطيق المائية

على صعيد آخر فتحت وزارة الدفاع الروسية ملفاً خلافياً جديداً مع أوروبا، ينتظر أن يفاقم التوتر في علاقات موسكو مع جاراتها في منطقة حوض بحر البلطيق، إلا أن الموقع الإلكتروني للحكومة الروسية حذف، دون إعطاء أي تفسير، مقترح الوزارة بشأن خطة تغيير الحدود الروسية، وتوسيع مياهها الإقليمية المتاخمة لفنلندا وليتوانيا، والذي أثار ردود فعل حادة من جانب البلدين.

وحمل مشروع نشرته الوزارة على موقعها الإلكتروني مساء الثلاثاء، إشارات إلى عزم روسيا إعادة ترسيم حدود البلاد المائية في بحر البلطيق، في إطار تدابير وصفها الكرملين بأنها تدخل ضمن «إجراءات ضمان أمن روسيا وسط تفاقم الوضع في منطقة حوض البلطيق».

وكانت معدلات التوتر ارتفعت بشكل حاد في المنطقة بعد قرار حلف شمال الأطلسي ضم فنلندا والسويد. وأعلنت أوساط في الحلف أن البحر غدا «بحيرة أطلسية مغلقة» في إشارة إلى تكثيف نشاطات الحلف، وحرية الحركة للسفن العسكرية الغربية في المنطقة في مقابل أن روسيا لا تمتلك سوى إطلالة محدودة على البحر عبر خليج فنلندا الذي تطل عليه عاصمة الشمال سان بطرسبورغ، وجيب كاليننغراد المعزول عن الأراضي الروسية براً.

مدمرة روسية خلال مشاركتها بمناورات عسكرية في بحر البلطيق (أرشيفية - رويترز)

وأعلنت موسكو مراراً أنها سوف تتخذ إجراءات لضمان مصالحها في المنطقة، خصوصاً على خلفية مخاوف من نشر قوات وأسلحة في بولندا وعدد من بلدان حوض البلطيق الأخرى.

وحمل مشروع قانون تنظيمي نشرته وزارة الدفاع الروسية على منصة المعلومات القانونية التابعة للحكومة الروسية، أول إشارة إلى طبيعة التحركات التي قد تقوم بها موسكو بالتوازي مع تعزيز حضور قواتها على الحدود الغربية للبلاد.

ورغم أن المشروع لا يتعلق فقط بالحدود المرسومة في بحر البلطيق، بل يمتد إلى إعادة النظر في ترسيم إحداثيات الحدود البحرية في مناطق عدة، لكن الحديث عن منطقة البلطيق أثار بشكل مباشر ردود فعل وسجالات بسبب حساسية الوضع في هذه المنطقة.

ونص المشروع على «وقف التعامل مع قائمة إحداثيات النقاط التي حددت مواقع خطوط الأساس لقياس عرض المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية والجرف القاري قبالة سواحل البر الرئيسي وجزر المحيط المتجمد الشمالي وبحري البلطيق والأسود». ورأت الوثيقة أن «خطوط الأساس المباشرة لروسيا في خليج فنلندا حالياً لا تسمح بتحديد الحدود الخارجية لمياهها الإقليمية».

وسارعت وزارة الخارجية الفنلندية لإصدار رد فعل أكدت فيه أنها تدرس «تفاصيل الوثيقة الروسية». وأعربت عن أملها في أن «تتصرف روسيا، بصفتها طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وفقاً لهذه الوثيقة». في حين أعلنت السويد أنها تعمل على اتخاذ تدابير لتعزيز دفاعها عن جزيرة جوتلاند في وجه أي خطوات يمكن أن يقوم بها الاتحاد الروسي.

اللافت أن موسكو، سعت بشكل غير مباشر إلى تخفيف حدة الجدل المثار حول الموضوع. ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية عن «مصدر دبلوماسي عسكري» الأربعاء، أن موسكو لن تقوم بتعديل حدود الدولة على بحر البلطيق.

وقال المصدر: «ليست لدينا نية لمراجعة عرض المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية والجرف القاري قبالة ساحل البر الرئيسي وخط حدود الدولة للاتحاد الروسي في بحر البلطيق».

لكن هذا البيان شابه غموض، خصوصاً بعد تأكيد الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف أن روسيا «بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لضمان أمنها وسط تصاعد الوضع في منطقة البلطيق».

وجاء تعليق بيسكوف رداً على سؤال الصحافيين الأربعاء، حول ما إذا كانت هناك خلفية سياسية للمشروع الذي أطلقته وزارة الدفاع، أم أنه يندرج في إطار رد الفعل على تفاقم المخاوف الأمنية لروسيا في المنطقة؟

وقال بيسكوف: «لا يوجد شيء يعد سياسياً هنا، على الرغم من أن الوضع السياسي تغير بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة في المنطقة. ترون كيف تتصاعد التوترات، ومستوى المواجهة، خاصة في منطقة البلطيق، وهذا يتطلب بالطبع خطوات مناسبة من إداراتنا المعنية لضمان أمننا».


مقالات ذات صلة

العشرات من حلفاء أوكرانيا يشاركون في قمة بسويسرا تغيب عنها موسكو وتقاطعها بكين

أوروبا زيلينسكي مع رئيسة سويسرا فيولا أمهيرد (أ.ف.ب)

العشرات من حلفاء أوكرانيا يشاركون في قمة بسويسرا تغيب عنها موسكو وتقاطعها بكين

رفض المستشار الألماني المطالب التي أعلنها الرئيس الروسي لإنهاء الحرب، وقال إن زعماء مجموعة الدول السبع لم يناقشوها لأنهم جميعاً يرونها غير جادة.

«الشرق الأوسط» (لوسيرن (سويسرا))
الخليج وزير الخارجية السعودي لدى وصوله إلى مقر انعقاد القمة في لوتسيرن السويسرية (أ.ف.ب)

وزير الخارجية السعودي يشارك في قمة السلام الأوكرانية

وصل الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، السبت، إلى مدينة لوتسيرن السويسرية لرئاسة وفد بلاده في «قمة السلام في أوكرانيا».

«الشرق الأوسط» (لوتسيرن)
الاقتصاد سفينة تابعة لشركة شحن صينية في محطة حاويات ميناء هامبورغ الألماني (رويترز)

ألمانيا تسعى للحيلولة دون فرض رسوم جمركية عقابية على الصين

أكد المستشار الألماني أولاف شولتس أهمية المفاوضات مع بكين في الحيلولة دون فرض الاتحاد الأوروبي لرسوم جمركية عقابية على السيارات الكهربائية الواردة من الصين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لدى وصوله إلى سويسرا في 14 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

الكرملين: رد فعل الدول الغربية على اقتراح بوتين بخصوص أوكرانيا غير بنّاء

قال الكرملين اليوم السبت إن رد فعل الدول الغربية على مقترحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن هيكل أمني جديد ومحادثات سلام مع أوكرانيا لم يكن بنّاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ نائبة رئيس الولايات المتحدة كامالا هاريس تصل إلى منتجع بيرجنستوك خلال قمة السلام بأوكرانيا في ستانسستاد بالقرب من لوسيرن بسويسرا (رويترز)

واشنطن تعلن مساعدات لأوكرانيا بقيمة 1.5 مليار دولار

أعلنت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس مساعدات تزيد قيمتها على 1.5 مليار دولار على أن يخصص جزء منها لقطاع الطاقة في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ماكرون: السلام لا يمكن «أن يكون استسلام أوكرانيا»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

ماكرون: السلام لا يمكن «أن يكون استسلام أوكرانيا»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، خلال قمة حول السلام في أوكرانيا تستضيفها سويسرا أن السلام في أوكرانيا لا يمكن «أن يكون استسلاماً» لهذا البلد.

وقال ماكرون: «نحن جميعاً عازمون على بناء سلام دائم. وكما قال كثيرون منكم، فإن سلاماً مماثلاً لا يمكن أن يكون استسلام أوكرانيا. هناك معتد وضحية».

واعتبر أن «هذه الحرب مشكلة عالمية»، في إجماع مع العديد من القادة الآخرين.

ويشارك في هذه القمة التي تستمر يومين أكثر من 50 رئيس دولة وحكومة، بهدف رسم طريق نحو السلام في أوكرانيا.

وأضاف الرئيس الفرنسي في كلمته أمام الزعماء أن «لا أحد في هذه القاعة في حالة حرب مع روسيا، لكن الجميع يريد سلاماً مستداماً، سلاماً يحترم القواعد الدولية ويستعيد سيادة أوكرانيا».

وأكد أن إحدى أولويات القمة هي «تأمين الوضع حول محطة الطاقة النووية في زابوريجيا»، رافضاً «أي تهاون فيما يتعلق بالهجمات التي تستهدف المواقع والمنشآت في أوكرانيا».

واعتبر ذلك «جرائم حرب».

وقال: «أعتقد أنه من المهم للغاية زيادة الضغط في هذا السياق للحصول على هدنة من الجانب الروسي».

كما اقترح الرئيس الفرنسي «أن نؤسس جميعاً في الوقت نفسه متابعة من أجل توسيع دائرة الدول التي تنضم إلى جهودنا».

وأضاف أن ذلك سيمكن من «تجنب انقسام كبير في العالم وتفادي الانجذاب نحو مبادرات أخرى»، مشيراً إلى أن الأمر لا يتعلق «بالتنافس» بين مختلف المقترحات من أجل التوصل إلى تحقيق السلام في أوكرانيا.

وأوضح «أن الأمر يتعلق بوضع ما ينبغي أن يكون مجموعة من مطالب المجتمع الدولي الأساسية التي يمكن أن نطرحها على روسيا».

ومن المقرر أن تناقش مجموعات العمل الأحد ثلاثة مواضيع خلال القمة، السلامة النووية وحرية الملاحة والأمن الغذائي والجوانب الإنسانية، لا سيما مصير الأطفال الأوكرانيين الذين تم ترحيلهم إلى روسيا.