روسيا تعلن السيطرة على 12 قرية لخلق مناطق حدودية عازلة لكن مدينة خاركيف ليست هدفاً

«الناتو» لا يتوقع حدوث اختراق روسي استراتيجي... والبنتاغون على موقفه من عدم ضرب الأراضي الروسية

من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (رويترز)
من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (رويترز)
TT

روسيا تعلن السيطرة على 12 قرية لخلق مناطق حدودية عازلة لكن مدينة خاركيف ليست هدفاً

من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (رويترز)
من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (رويترز)

أعلنت روسيا، الجمعة، أن جيشها يواصل التقدم في شمال شرقي أوكرانيا وأنه سيطر على 12 قرية في منطقة خاركيف خلال أسبوع منذ إطلاق هجوم بري جديد كبير، فيما أكد قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي، الجمعة، أن القوات الروسية وسعت منطقة القتال المحتدم بنحو 70 كيلومتراً حين شنت هجوماً في المنطقة، إلا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي حذر في اليوم السابق من «صعوبة الأوضاع» في الجهة الشمالية الشرقية، قال الجمعة إن القوات الروسية تقدمت لمسافة 10 كيلومترات لكن الوضع «استقر» اليوم.

بنايات تعرضت للقصف بسالتيفكا في خاركيف (رويترز)

ونقل موقع «آر بي سي - أوكرانيا» عن زيلينسكي قوله للصحافيين «اليوم أوقفت قواتنا الدفاعية الروس حيث هم الآن. أعمق نقطة في تقدمهم هي 10 كيلومترات». وذكر أن روسيا شنت الهجوم لإجبار أوكرانيا على إرسال كتائب إضافية من جنود الاحتياط إلى القتال. وأضاف أنه يتوقع احتدام القتال في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأوكرانية أيضاً للدفاع عن منطقة سومي بشمال البلاد.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن «وحدات من مجموعة الشمال حررت 12 بلدة في منطقة خاركيف... وتواصل التقدم في عمق دفاعات العدو». وقال الرئيس فلاديمير بوتين في وقت سابق، الجمعة، إن القوات الروسية التي تتقدم في منطقة خاركيف تنشئ «منطقة عازلة» لحماية المناطق الحدودية الروسية، لكنه قال إن السيطرة على مدينة خاركيف نفسها ليست جزءاً من خطة روسيا في الوقت الراهن.

توجيه الناس داخل مترو خاركيف للاحتماء بسبب الهجوم الروسي (إ.ب.أ)

وأضاف بوتين، الذي أدلى بهذه التصريحات في مؤتمر صحافي خلال زيارة دولة للصين، كما نقلت عنه «رويترز»، أن تقدم روسيا في الآونة الأخيرة في منطقة خاركيف جاء رداً على قصف أوكرانيا لمناطق حدودية روسية مثل بيلغورود. وتابع: «بالنسبة لما يحدث في منطقة خاركيف، فهذا خطأ (أوكرانيا) لأنها تنفذ هجمات وتواصل ذلك وللأسف تقصف أحياء سكنية في المناطق الحدودية، من بينها بيلغورود».

وأردف: «المدنيون يموتون هناك. ومن الواضح أنهم يقصفون وسط المدينة بشكل مباشر فضلاً عن المناطق السكنية. وقلت علناً إذا استمر هذا الحال، فسنضطر إلى إنشاء حزام أمني أو منطقة عازلة. هذا ما نفعله الآن».

وقال بوتين عند سؤاله عما إذا كانت القوات الروسية تعتزم السيطرة على مدينة خاركيف، ثانية كبرى مدن أوكرانيا: «بالنسبة لخاركيف، لا توجد مثل هذه الخطط في الوقت الحالي».

وصرّح سيرغي شويغو، الذي تولى أخيراً منصب رئيس مجلس الأمن الروسي، بأن القوات الروسية تحرز تقدماً على الجبهات كافة دون الخوض في التفاصيل. وقد تنطوي تصريحات شويغو على احتمال توغل روسي أعمق في الأراضي الأوكرانية، سواء بهدف دفع كييف إلى سحب قواتها من خط المواجهة الساخن في دونباس شرق البلاد، أو للاستيلاء على مزيد من المناطق الأوكرانية.

بنايات تعرضت للقصف بسالتيفكا في خاركيف (رويترز)

ووفقاً لتقديرات كيريلو بودانوف، رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، فإن روسيا تعتزم شن هجوم آخر عابر للحدود باتجاه مدينة سومي الواقعة شمال غربي أوكرانيا. ويعتقد بودانوف أن «مجموعة صغيرة من القوات الروسية تتركز في تلك المنطقة وجاهزة للتحرك والمضي قدماً في الهجوم المرتقب».

ويرى المحلل العسكري الروسي، أناتولي ماتفيتشوك، أن سيطرة روسيا على خاركيف ستشكل «نقطة تحول» في مسار الحرب، وستوجه ضربة قوية للقدرات الصناعية الأوكرانية.

من جانبه، يقول أولكساندر موسيينكو، رئيس مركز الدراسات العسكرية والسياسية في كييف، إن «الاستراتيجية الروسية تهدف إلى محاصرة خاركيف بعدّها مركزاً إقليمياً». وبهذه الطريقة، لن يقتصر الأمر على إنشاء منطقة عازلة بعمق 10 - 15 كم فحسب، بل سيتيح لروسيا خيار مهاجمة خاركيف في وقت لاحق.

زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)

قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الجمعة، إن أوكرانيا بحاجة إلى مزيد من الأسلحة بعيدة المدى للتصدي للتوغل الروسي في منطقة خاركيف، إذ لا يزال الوضع «مأساوياً للغاية» في ثانية كبرى المدن في البلاد. وقالت بيربوك على هامش اجتماع في ستراسبورغ إنه من المهم قطع طرق الإمداد الروسية وتزويد أوكرانيا بأسلحة «يمكن استخدامها على مسافات متوسطة وبعيدة». وأضافت: «نعمل مع شركاء لتحقيق هذا الأمر... الوضع بشكل عام صعب للغاية». وأصبحت ألمانيا ثاني أكبر مزود بالأسلحة لأوكرانيا منذ الغزو الروسي في عام 2022، لكن المستشار أولاف شولتس يحجم حتى الآن عن تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى.

من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (أ.ف.ب)

لكن يعتقد القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي «الناتو» في أوروبا، الجنرال كريستوفر كافولي، أن أوكرانيا يمكنها «الحفاظ على خطوطها» في مواجهة الهجوم الروسي في منطقة خاركيف. وأشار كافولي، خلال حديثه في مقر الحلف بعد اجتماع لرؤساء أركان الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي، إلى أن «الروس ليست لديهم الأعداد اللازمة لتحقيق اختراق استراتيجي».

وقال الجنرال الأميركي إن الجيش الروسي يحاول استعادة الأراضي التي خسرها في خاركيف، مع تحقيق بعض المكاسب المحلية، لكن موسكو لم تحشد بعد ما يكفي من القوات للقيام بهجوم واسع. وأضاف: «الأهم من ذلك، أنهم لا يملكون المهارة ولا القدرة على العمل بالنطاق الواسع اللازم للاستفادة من أي اختراق لتحقيق ميزة استراتيجية».

زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)

وخلال زيارته لخاركيف وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الوضع في المنطقة بأنه مستقر. وكتب زيلينسكي عبر صفحته على منصة «تلغرام»، الخميس: «الوضع بشكل عام يمكن السيطرة عليه، ومقاتلونا يلحقون خسائر ملحوظة بالمحتلين». وقال إن التعزيزات قادمة. وقالت هيئة الأركان الأوكرانية في أحدث تقاريرها عن الوضع إن هناك نجاحاً في إبطاء الهجوم الروسي الكبير الجاري منذ أسبوع تقريباً. وتابع التقرير، كما نقلت عنه «الوكالة الألمانية» أنه تم إحباط «خطط العدو للتوغل إلى مواقع أعمق بقدر الإمكان في فوفشانسك وتحصين نفسه هناك». ويجري القتال في الجزء الشمالي من المدينة. وأعلنت هيئة الأركان الأوكرانية أيضاً أن الوضع تحت السيطرة.

وحذر زيلينسكي أوروبا من أن تهاجم روسيا منظومة الغاز. وقال الزعيم الأوكراني يوم الخميس لنظيره البولندي، إن أوروبا تحتاج إلى أن تكون متيقنة من أنها مستعدة لأي هجمات صاروخية روسية محتملة على منظومة نقل الغاز. وقال زيلينسكي في خطابة المسائي يوم الخميس إنه تحدث مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك بهذا الشأن.

وقبل اندلاع الحرب، كان عدد سكان مدينة خاركيف يبلغ 1.4 مليون نسمة، ما يجعلها ثالث أهم مدينة في أوكرانيا من الناحية الاقتصادية بعد العاصمة كييف ومدينة دنيبرو.

ونظراً لقربها الشديد من الحدود الروسية، تفتقر المدينة إلى دفاعات جوية كافية، وقد تعرضت مراراً لقصف روسي مدمر بصواريخ باليستية وصواريخ مضادة للطائرات معدلة وقنابل انزلاقية. كما أن عدم تمكن الجيش الأوكراني من استخدام أسلحته الصاروخية بعيدة المدى، لاستهداف القوات الروسية المحتشدة خلف الحدود، بسبب القيود التي تفرضها الولايات المتحدة، يضاعف من الخطر على المدينة.

دبابة أوكرانية مدمرة في خاركيف (رويترز)

ورغم ذلك، لا تزال واشنطن متمسكة بموقفها. ومساء الخميس، جددت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، خلال مؤتمرها الصحافي القول إن الولايات المتحدة لم تغير موقفها، وإنها لا تزال تعتقد أن المعدات والقدرات التي تمنحها مع دول أخرى لأوكرانيا: «يجب أن تستخدم لاستعادة الأراضي ذات السيادة الأوكرانية».

ورداً على سؤال عمّا إذا كان هذا طلب الأوكرانيين أو أنه شرط ملزم مصاحب لتسليم الأسلحة، قالت سينغ: «لقد جعلنا طلباتنا علنية جداً في هذا الشأن. مرة أخرى، أود أن أكرر أنه خلال كل اجتماعات مجموعة الاتصال الدفاعية عن أوكرانيا التي يعقدها الوزير لويد أوستن، يؤكد فيها أن الأسلحة المقدمة، مخصصة للاستخدام في ساحة المعركة». وأضافت: «يتحدث الوزير مع نظيره الأوكراني، عن أفضل السبل لاستخدام هذه القدرات، ونعتقد أن ذلك يقع داخل الأراضي الأوكرانية».

هذا، وقد قالت شركة «ماكسار» الأميركية للأقمار الاصطناعية التجارية، إن ضربة أوكرانية بعيدة المدى على قاعدة بيلبك الجوية التي تسيطر عليها روسيا في شبه جزيرة القرم دمرت ثلاث طائرات حربية روسية ومنشأة للوقود قرب مدرجها الرئيسي. واستندت الشركة إلى صور أقمار اصطناعية التقطت الخميس، وأظهرت تدمير طائرتين مقاتلتين من طراز ميغ - 31 ومقاتلة من طراز سو - 27. وأضافت أن الهجوم أسفر أيضاً فيما يبدو عن إلحاق أضرار بمقاتلة من طراز ميغ - 29. ولم تعلن أوكرانيا صراحة مسؤوليتها عن ضرب القاعدة الجوية.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها اعترضت الجمعة أكثر من 100 مسيّرة أطلقتها أوكرانيا خلال الليل على جنوب البلاد، فوق البحر الأسود وشبه جزيرة القرم. وقالت الوزارة في بيان إنها اعترضت 51 طائرة مسيّرة وست مسيّرات بحرية في شبه جزيرة القرم و44 مسيّرة فوق منطقة كراسنودار وست طائرات مسيّرة أخرى فوق منطقة بيلغورود. وأضافت: «خلال الليل، دمّر الطيران البحري وزوارق دورية تابعة لأسطول البحر الأسود ست مسيّرات بحرية في مياه البحر الأسود».


مقالات ذات صلة

قتيلان في هجوم روسي بطائرات مسيّرة على كييف

أوروبا رجال إطفاء يخمدون حريقاً في مبنى متضرر إثر هجوم بطائرة روسية مسيّرة على كييف 1 يناير 2025 (أ.ب)

قتيلان في هجوم روسي بطائرات مسيّرة على كييف

قُتل شخصان وأصيب 6 آخرون على الأقل، في هجوم شنّته روسيا بطائرات مسيّرة على العاصمة الأوكرانية في ساعة مبكرة من صباح الأربعاء، فضلاً عن تضرر مبنيين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي يتعهد بمواصلة القتال «في الميدان» و«على طاولة المفاوضات»

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أنّه سيتعيّن على بلاده في العام 2025 أن تواصل القتال في الميدان لتحقيق مكاسب يمكن أن تستثمرها على طاولة المفاوضات.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا سكان يقفون بجوار مبناهم الذي تعرض لغارة جوية روسية في خاركيف (رويترز)

عشية العام الجديد... أوكرانيا وروسيا تتبادلان الضربات

شنت أوكرانيا وروسيا ضربات ليل الاثنين – الثلاثاء، عشية حلول العام الجديد؛ إذ أعلنت كييف أنها استُهدفت بـ61 صاروخاً ومسيّرة روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا طائرة هليكوبتر روسية (متداولة)

أوكرانيا: زورق مسيّر يدمر لأول مرة مروحية روسية

قالت وكالة المخابرات العسكرية الأوكرانية، اليوم (الثلاثاء)، إن زورقاً مسيّراً دمر طائرة هليكوبتر روسية وألحق أضراراً بأخرى في البحر الأسود، وفق وكالة «رويترز».

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجال إطفاء يخمدون خزانات نفط في منشأة تخزين اشتعلت فيها النيران بعد أن استهدفتها طائرة مسيّرة أوكرانية، في بلدة كلينتسي في منطقة بريانسك، روسيا 19 يناير 2024 (رويترز)

هجوم مسيّرات أوكراني يسبّب حريقاً في مستودع نفط روسي

تسبّب هجوم بطائرة مسيّرة أوكرانية، غرب روسيا، في تسرب وقود وحريق في مستودع للنفط، وفق ما أفاد حاكم منطقة سمولينسك المتاخمة لأوكرانيا فاسيلي أنوخين الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

ألمانيا تشهد معركة انتخابية لم يسبق لها مثيل

أثار نفوذ إيلون ماسك تساؤلات حول حدود قوته وتأثيره على الرئيس المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
أثار نفوذ إيلون ماسك تساؤلات حول حدود قوته وتأثيره على الرئيس المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
TT

ألمانيا تشهد معركة انتخابية لم يسبق لها مثيل

أثار نفوذ إيلون ماسك تساؤلات حول حدود قوته وتأثيره على الرئيس المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
أثار نفوذ إيلون ماسك تساؤلات حول حدود قوته وتأثيره على الرئيس المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

تشهد ألمانيا في العام الجديد معركة انتخابية قد لا يكون لها مثيل من قبل لتشكيل برلمان جديد للبلاد بسبب الظروف التي تمر بها ألمانيا وأوروبا مع انتخاب دونالد ترمب لفترة رئاسية ثانية، وما يعني ذلك بالنسبة للحرب الدائرة في أوكرانيا، خصوصاً أن ألمانيا تعدّ من أكبر الداعمين والممولين لها عسكرياً ومالياً. أضف إلى ذلك أن الرئيس الأميركي المنتخب أصبح محاطاً بشخصيات مثل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، الذي استغل منصته «إكس»، «تويتر» سابقاً، لمهاجمة قيادات ألمانية سياسية، اتهمته بالتدخل في العملية الانتخابية.

وتسبب ماسك، المعروف بمنشوراته الاستفزازية عالية الانتشار على منصته، في اضطرابات في السياسة الألمانية منذ أيام. وروَّج مجدداً في صحيفة «فيلت آم زونتاغ» الألمانية لصالح انتخاب حزب «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات العامة المبكرة المقررة في 23 فبراير (شباط) المقبل.

الرئيس المنتخب ترمب وحليفه الملياردير إيلون ماسك (أ.ب)

وأعلن دعمه حزب البديل اليميني المتطرف، ودعا المستشار أولاف شولتس إلى الاستقالة بعد هجوم الدهس القاتل الذي وقع مؤخراً في سوق عيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ خلال فترة نهاية العام وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة أكثر من 200 شخص. لكن المستشار تعامل مع الأمر بهدوء، قائلاً: «لدينا بالمناسبة حرية تعبير وهي تسري أيضاً على أصحاب المليارات».

بعد إهانته شولتس، وجَّه إيلون ماسك إهانات للرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير في منشور على حسابه على موقع «إكس» للتواصل الاجتماعي. وكتب ماسك، الذي يعدّ مستشاراً مقرباً لترمب: «شتاينماير طاغية مناهض للديمقراطية! عار عليه».

وعندما سُئل مكتب الرئيس الألماني عن المنشور، قال إنه أُحيط علماً به، لكنه لن يعلق عليه. وأشار ماسك في تعليقه إلى منشور إحدى المؤثرات المقربات من حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي، الذي هاجمت فيه شتاينماير بعد أن تحدث ضد تأثيرات خارجية خلال خطابه الذي ألقاه عند إعلان حل البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) قبل بضعة أيام. وفي ذلك الخطاب تحدث شتاينماير صراحة على تأثير منصة «إكس».

وعقب انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا، هاجم رئيس شركة «تسلا» الأميركية للسيارات الكهربائية المستشار شولتس على «إكس» وكتب باللغة الألمانية: «أولاف أحمق». ويوم الاثنين كتب اسم المستشار الألماني واضعاً علامات دخيلة به، متوقعاً هزيمته في الانتخابات.

ويطلق على حساب ماسك، الذي يضم أكثر من 200 مليون متابع، الآن اسم «كيكيوس ماكسيموس» (Kekius Maximus)، ويحتوي على صورة ضفدع كصورة لملفه الشخصي. ولا توجد تفسيرات بعد لإعادة التسمية أو معنى الاسم.

في اليوم الأول من العام الجديد سيتبقى أمام الأحزاب الألمانية 53 يوماً فقط لجمع الأصوات. لكن قصر فترة المعركة الانتخابية ليس السمة الوحيدة التي تميز هذه المعركة الانتخابية، إذ ستكون انتخابات 2025 أول انتخابات تشهدها ألمانيا في فصل الشتاء منذ عام 1987، ولأول مرة، لا يقتصر الأمر على وجود اثنين أو ثلاثة مرشحين لمنصب المستشار، بل هناك خمسة مرشحين لهذا المنصب.

ومنذ عام 1949، شهدت ألمانيا 20 دورة انتخابية لتشكيل برلمان للبلاد، وقد تكون الانتخابات المقبلة (النسخة الـ21) إحدى أصعب الحملات الانتخابية في ألمانيا، حتى لو كانت جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان باستثناء حزب «البديل من أجل ألمانيا»، توصلت إلى اتفاق يُعرف بـ«اتفاق النزاهة» قبل عيد الميلاد.

الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير (رويترز)

يتكون الاتفاق من صفحتين ونصف صفحة فقط، ويهدف إلى التصدي للتصريحات المتطرفة، والمعلومات المضللة المقصودة، وتعطيل الفعاليات الانتخابية، وإتلاف الملصقات، وكذلك الإساءات الشخصية. وجاء في نص الاتفاق: «نتناقش باحترام متبادل، ونتجنب الإساءات الشخصية أو الهجمات على الوسط الشخصي أو المهني الخاص بالساسة».

غير أن هذه المبادئ الواردة في الاتفاق لم تتحقق على نحو فعال خلال النقاش التاريخي الذي دار في البرلمان قبل التصويت على الثقة في المستشار الألماني. فبدلاً من مراعاة الكرامة والتواضع والاحترام، سيطر الصخب على الأجواء. فاتهم أولاف شولتس النائب عن الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر (وهو رئيس الحزب أيضاً)، الذي كان يشغل منصب وزير المالية في حكومة شولتس، بممارسة «التخريب على مدار أسابيع» لحكومة ائتلاف «إشارة المرور»، وقال إن ليندنر «يفتقر إلى النضج الأخلاقي المطلوب».

بدوره، وصف مرشح الاتحاد المسيحي لمنصب المستشار، فريدريش ميرتس، ما قاله شولتس بأنه «محض وقاحة»، وفي المقابل ندد ميرتس بشدة بتصرف شولتس «السلبي» خلال قمم الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وقال إن هذا التصرف «يشعرني بالحرج». ورد المستشار بدوره بجملة ستسجل في تاريخ هذه الحملة الانتخابية، إذ قال بلهجة شمال ألمانيا: «فريتسه ميرتس يحب التحدث بالترهات». وعندما سئل لاحقاً عن سبب مناداته لميرتس باسم «فريتسه» بدلاً من «فريدريش»، قال شولتس ببساطة: «لأن ذلك يناسب الترهات».

وستكشف الأيام المقبلة ما إذا كان اتفاق النزاهة سيخفف الأجواء المتوترة بعد انهيار ائتلاف «إشارة المرور». كما أنه من الصعب توقع الموضوعات التي ستحدد مسار المعركة الانتخابية في نهاية المطاف، غير أن موضوع الأمن الداخلي سيأتي على رأس أجندة المعركة الانتخابية على الأقل، ومع ذلك، قد تكون هناك مفاجآت أخرى.

وقبل موعد الانتخابات سيؤدي دونالد ترمب في واشنطن اليمين الدستورية في 20 يناير (كانون الثاني) رئيساً جديداً للولايات المتحدة. ولا يزال ما يخطط ترمب للقيام به في الأسابيع الأولى بعد ذلك محل تخمينات حتى الآن. ومن المحتمل أن تواجه ألمانيا رسوماً جمركية عقابية، إلى جانب مطالب برفع الإنفاق الدفاعي إلى 3 في المائة أو أكثر من ناتجها المحلي الإجمالي. كما أن ترمب كان تعهد بإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا في أقصر وقت ممكن، وهو أمر قد يؤثر بشكل كبير على الحملة الانتخابية في ألمانيا.

المستشار الألماني أولاف شولتس دعا الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز دعم أوكرانيا هذا العام (أ.ف.ب)

وبغض النظر عن مدى صعوبة المعركة الانتخابية، فإنه سيتعين في نهاية المطاف على حزبين أو ثلاثة أن تتفق على تشكيل حكومة مشتركة لإدارة ألمانيا. ووفقاً للاستطلاعات الحالية، فإن الخيارات الأكثر واقعية هي تشكيل ائتلاف حاكم يجمع بين الاتحاد المسيحي الذي يقوده ميرتس وبين حزب شولتس الاشتراكي الديمقراطي (يطلق على هذا التحالف في ألمانيا اسم الائتلاف الكبير)، أو تشكيل ائتلاف يجمع بين الاتحاد المسيحي وحزب الخضر. ويتكون الاتحاد المسيحي من الحزب المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري. ومع ذلك، فقد تضررت سمعة التشكيلات الثلاثية بعد انهيار ائتلاف «إشارة المرور»، وفشل مفاوضات تشكيل «تحالف جامايكا» بين الاتحاد المسيحي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر بعد انتخابات عام 2017. وترجع تسمية «تحالف جامايكا» إلى أن ألوان الأحزاب الثلاثة: الأسود (شعار الاتحاد المسيحي) والأخضر (شعار حزب الخضر) والأصفر (شعار الحزب الديمقراطي الحر)، هي ألوان علم دولة جامايكا. كما يُحتمل أن يفشل الحزب الديمقراطي الحر في الحصول على النسبة المؤهلة (5 في المائة) لدخول البرلمان في الانتخابات المقبلة.

ولا يمكن لأحد التنبؤ على نحو موثوق بالمدة التي ستستغرقها ألمانيا لتشكيل حكومة تعمل بكفاءة بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة. ويأمل المتفائلون في تشكيل الحكومة الجديدة بحلول عيد الفصح، والذي سيحل في 20 أبريل (نيسان) المقبل، أي بعد نحو شهرين من الانتخابات.

لا تفيد تجارب الماضي كثيراً في هذا السياق. فبعد كل انتخابات برلمانية من الانتخابات الـ20 التي شهدتها ألمانيا منذ عام 1949، كان الأمر يستغرق مدة تتراوح بين أقل من شهر وما يقرب من ستة أشهر حتى تؤدي الحكومة الجديدة اليمين الدستورية.

نواب من الكتلة البرلمانية لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف (أ.ف.ب)

وحدثت أسرع عملية تشكيل حكومة في ألمانيا في انتخابات عام 1969 وعام 1983 حيث تمكن المستشار فيلي برانت (من الحزب الاشتراكي) في عام 1969 من تشكيل أول ائتلاف اشتراكي - ليبرالي خلال 23 يوماً، ولم تستغرق الأمور وقتاً أطول حتى أكمل المستشار هيلموت كول (من الحزب المسيحي) أيضاً تشكيل حكومته المكونة من الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي بعد انتخابات مبكرة في عام 1983.

في المقابل، احتاجت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل (من الحزب المسيحي) بعد انتخابات عام 2017، إلى 171 يوماً لتبدأ فترة ولايتها الرابعة والأخيرة بحكومة تجمع بين الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي. وكان السبب في ذلك هو فشل مفاوضات تشكيل تحالف «جامايكا» بين اتحادها المسيحي وحزب الخضر والحزب الليبرالي في منتصف تلك الفترة.

الشيء الجيد للحكومة الجديدة هو أنها ستتمكن من بدء فترة ولايتها بهدوء ودون إزعاج من ضجيج الحملات الانتخابية في الولايات. فبعد أسبوع واحد من الانتخابات البرلمانية الألمانية، ستجرى آخر انتخابات مقررة على مستوى الولايات في 2 مارس (آذار) في ولاية هامبورغ، ولن تجرى أي انتخابات أخرى على هذا المستوى لمدة عام على الأقل.

في ذلك الوقت، ستكون الأحزاب في برلين ما زالت منشغلة في محادثات الاستكشاف لتشكيل الحكومة. وبعد ذلك، ستكون هناك فترة خالية من الحملات الانتخابية حتى ربيع 2026، باستثناء الانتخابات البلدية في ولاية شمال الراين - ويستفاليا في سبتمبر (أيلول). وفي ربيع 2026، ستجرى الانتخابات البرلمانية الإقليمية في ولايتي بادن - فورتمبرغ وراينلاند- بفالتس.