في خطابه بمناسبة احتفالات روسيا بعيد النصر على النازية هذا العام، وجه فلاديمير بوتين الذي تم تنصيبه هذا الأسبوع رئيساً لروسيا لفترة ثالثة، معظم حديثه إلى الغرب، مجدداً التلويح بقدرات بلاده العسكرية واستعدادها لمواجهة أي تهديدات غربية، بما في ذلك على صعيد استخدام الأسلحة الاستراتيجية الفتاكة، ومحذراً (الخميس) من أن قوات بلاده النووية في حالة تأهب «دائمة».
وفي خطاب ألقاه (الخميس) في الساحة الحمراء أمام آلاف الجنود الذين ارتدوا بزّات عسكرية مخصصة للمراسم، أشاد بوتين بجيشه الذي قاتل في أوكرانيا واتّهم «النخب في الغرب» بإثارة النزاعات حول العالم.
واتهم بوتين الغرب بالعمل على تشويه حقيقة الحرب العالمية الثانية. وتغيير الحقائق لتصغير دور الاتحاد السوفياتي فيها. وزاد: «في السنوات الثلاث الأولى من الحرب قاتل الاتحاد السوفياتي النازية بمفرده، فيما عملت أوروبا برمّتها على دعم هتلر». ورأى أن «الانتقام والاستهزاء بالتاريخ وتبرير النازية جزء من السياسة العامة للنخب الغربية».
وزاد أن الغرب «يواصل إثارة النزاعات والنعرات القومية حول العالم، ويسعى لتقييد مراكز التنمية السيادية». وقال إن «روسيا ترفض ادعاءات أي دولة أو تحالفات باستثنائيتها ولن تقبل تهديدها»، ملوحاً بأن «قواتنا الاستراتيجية على أهبة الاستعداد الدائم لمواجهة أي تهديدات أو تحديات». مع هذا التلويح، زاد بوتين أن بلاده «ستبذل قصارى جهدها لمنع حدوث صدام عالمي رغم سياسات النخب الغربية».
وفي شأن الحرب الأوكرانية قال الرئيس الروسي إن «جميع المشاركين في العملية العسكرية في أوكرانيا هم أبطالنا، وتقف معهم روسيا بأكملها. مصير البلاد ومستقبلها يعتمد على كل واحد منا في هذه المرحلة المفصلية». وأعرب مجددا عن ثقته بقدرة بلاده على إحراز نصر جديد، ورأى أن «شجاعة وبطولة العسكريين الروس تعد عنصراً رئيسياً لضمان النصر».
لم تشهد احتفالات روسيا بعيد النصر على النازية هذا العام، تغييرات كثيرة على وقع الحرب في أوكرانيا والمواجهة المتفاقمة مع الغرب. وأجواء الاحتفال بالعيد الأهم في البلاد والذي يكاد يكون المناسبة الأبرز التي تجمع عليها كل فئات المجتمع الروسي حافظت على التقاليد التي ترسخت لسنوات طويلة، خصوصاً لجهة تنظيم العرض العسكري الكبير في الساحة الحمراء، والعروض الصغيرة المماثلة في عشرات المدن الروسية. فضلاً عن مشاهد الاحتفالات الشعبية والرسمية الأخرى التي تعم البلاد في العادة.
لكن هذا لا يعني أن الحرب المشتعلة على الجبهات على بعد مئات الكيلومترات من الكرملين، لم ترم بثقلها للعام الثالث على التوالي على المناسبة. في العامين الأول والثاني كان الكرملين يبحث عن اختراق كبير أو نصر ملموس ليعلنه الرئيس فلاديمير بوتين أمام مواطنيه في هذا اليوم.
لكن في هذا العام سيطر أكثر الحديث عن المواجهة الكبرى مع الغرب وعن «التحديات الماثلة أمام روسيا»، وانعكس هذا المزاج على خطاب بوتين الذي كان موجهاً بالدرجة الأولى إلى الغرب. أيضاً كان للعسكريين المشاركين في الحرب الأوكرانية دور مهم في العرض العسكري الذي كان يقتصر في السابق على أفواج المحاربين القدامى، وقطعات الجيش المختلفة. في هذا العام تم إيلاء اهتمام خاص لـ«المحاربين على الجبهة» الذين حصل المشاركون منهم في العرض العسكري على أوسمة وميداليات.
رغم ذلك، ومع الحرص على إظهار أن روسيا تطور قدراتها وإمكاناتها العسكرية وتتحدى أي تهديدات خارجية، جاء العرض العسكري في الساحة الحمراء «متواضعاً» هذا العام بالمقارنة مع السنوات الماضية.
شارك في العرض نحو 9 آلاف عسكري من القطعات المختلفة، وهو أقل رقم للمشاركين في عروض مماثلة منذ سنوات طويلة. أيضاً تم استعراض نحو 70 قطعة من الآليات والمعدات والأنظمة الصاروخية، في مقابل حضور أكثر من 200 آلية ونظام صاروخي ومعدات مختلفة في عروض سابقة. ولم تقدم روسيا جديداً في العام الحالي على صعيد التقنيات الحربية، في مقابل أن السنوات الماضية شهدت عرض «عضلات» قوياً لتقنيات متفوقة ومحدثة.
لكن هذا الغياب تم تعويضه باستعراض نفذته طائرات حربية من طرازات مختلفة، بينها قاذفات استراتيجية ومقاتلات رسمت في سماء الساحة الحمراء ألوان العلم الروسي.
الحضور الأجنبي أيضاً كان متواضعاً. ومع غياب ممثلي كل «البلدان المعادية» للعام الثالث على التوالي، فقد حضر إلى جانب بوتين زعماء بيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وكوبا ولاوس وجمهورية غينيا بيساو.
وشارك الرؤساء الحاضرون بعد المناسبة، في وضع أكاليل الزهور عند ضريح الجندي المجهول قرب سور الكرملين، لكنهم لم يجلسوا خلال العرض إلى جانب الرئيس الروسي الذي فضل أن يحيط نفسه بعدد من قدامى المحاربين.
وطلب بوتين من الحاضرين في بداية العرض الوقوف دقيقة صمت لإحياء ذكرى ضحايا «الحرب الوطنية العظمى»، وهي التسمية الروسية للحرب العالمية الثانية، وكذلك ضحايا روسيا في الحرب الأوكرانية.
وهذا الدمج بين الحدثين بدا متعمداً. وتم التركيز عليه كثيراً في حديث بوتين نفسه، وفي تعليقات كل المسؤولين الروس، وذلك على اعتبار أن روسيا «تواجه حالياً أحفاد النازيين»، وأن معركتها الحالية امتداد لحربها على النازية في الماضي.
بعد الاحتفال عقد بوتين اجتماعاً مع القيادات العسكرية، تركز النقاش خلاله حول آليات ضمان تطوير الجهد العسكري، وتوسيع عمليات الإنتاج الحربي لسد حاجة الجيش على الجبهات.
وقال بوتين خلال الاجتماع إن «عدو روسيا لديه وسائل حديثة للقتال، والمجتمع الغربي بأكمله يعمل لصالحه، وهم يحلمون بأن الاتحاد الروسي بشكله الحالي سوف ينتهي»، موجهاً لتعزيز دعم الجبهات ومواصلة زخم العمليات الهجومية.
وأقر بوتين خلال الاجتماع بوجود «مشكلات صعبة»، وقال إنه «على علم بمشكلة الطائرات من دون طيار المعادية التي تحلق مثل الذباب فوق رؤوسنا، في المنطقة العسكرية الشمالية الغربية»، متعهداً بأن تواصل القيادة العسكرية العمل لإنهاء هذه المشكلة. وزاد: «أنا متأكد من أنه ستكون لدينا نتائج على هذا الصعيد». وزاد بوتين أن «المصممين والمهندسين في الاتحاد الروسي يعملون ليل نهار للبقاء في الصدارة والمحافظة على التفوق على العدو في مجال التكنولوجيا العسكرية (...) نحن نحقق نجاحات». وخاطب القادة العسكريين الحاضرين بعبارة: «علينا أن نحافظ على تقدمنا، وأن نكون دائماً متقدمين بخطوة عن الأعداء».