مجدداً، تطفو التهديدات الإرهابية على سطح الأحداث لتشكل المادة الأولى للاهتمامات الرسمية الفرنسية الأمنية، فيما تتجه الأنظار نحو الألعاب الأولمبية التي تستضيفها باريس والعديد من المدن الفرنسية الكبرى الصيف المقبل. والمناسبة هذه المرة التهديدات المباشرة الصادرة عن «داعش - ولاية خراسان»، التي تستهدف مباشرة مباريات ربع النهائي لكرة القدم للأندية الأوروبية الثمانية المؤهلة لدوري أبطال أوروبا. وثمة ثلاث عواصم معنية بالتهديدات وهي باريس ومدريد ولندن. والاثنتان الأخيرتان استضافتا مساء الثلاثاء مباراتين مرتا بسلام، ولكن في ظل تدابير أمنية استثنائية فيما تستضيف باريس ومدريد المباراتين الأخيرتين، حيث تتواجه في ملعب «بارك دي برانس» في العاصمة الفرنسية فريق باريس سان جيرمان مع منافسه الكاتالوني برشلونة، فيما يلعب فريقا أتليتكو مدريد وبوروسيا دورتموند الألماني في العاصمة الإسبانية.
تهديدات «داعش» واستهداف فرنسا
واستبق جيرالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسي المباراة باجتماع أمني عقد في وزارة الداخلية بحضور المسؤولين الأمنيين عن العاصمة وممثلين عن الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها مديرية المخابرات الداخلية من أجل تعزيز التدابير الاستباقية التي جاءت لتضاف للتدابير الأخرى، التي اتخذتها الحكومة بمناسبة رفع التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى بعد الهجمات التي استهدفت صالة الاحتفالات قريباً من موسكو في 26 مارس (آذار) الماضي. واللافت هذه المرة أن «داعش - ولاية خراسان» لجأ إلى نشر صور على موقع ترويجي لدعايته تظهر صورة الملعب الباريسي مقروناً بدعوة لاستنساخ «الهجمات المجيدة»، التي أقدم عليها التنظيم في باريس وضاحيتها الشمالية في عام 2015. كذلك بثت صور أخرى تظهر الملاعب المستضيفة للمباريات الأربع مع دعوة بالإنجليزية لـ«قتلهم جميعاً».
ودعا منشور آخر اطلع عليه موقع «سايت إنتليجنس غروب» مناصري «داعش» إلى استخدام «طائرات مسيرة» لمهاجمة الملاعب إذا لم يتمكنوا من الوصول فعلياً إلى الموقع. وجاء في المنشور الذي ظهرت فيه طائرة مسيرة تحلق فوق ملعب «سانتياغو برنابيو» في العاصمة الإسبانية: «إذا ضاقت بهم الأمور على الأرض، فاضربوهم من السماء».
يبدو واضحاً، وفق القراءة الفرنسية، أن التنظيم الإرهابي يوجه دعوات مباشرة للمجموعات النائمة أو لما يسمى «الذئاب المتفردة» للاستفادة من المناسبة من أجل القيام بهجمات يكون لها وقع إعلامي كبير بفضل الاهتمام العالمي بمباريات كرة القدم في مراحلها المتقدمة. وما يصح على هذه المباريات يصح بشكل أكبر وأعم على أولمبياد باريس، الذي ينطلق في الأسبوع الأخير من شهر يوليو (تموز) وخصوصاً على الحفل الافتتاحي ليل 26 من الشهر المذكور.
والثلاثاء، شرح دارمانان بإسهاب التدابير الأمنية الاستثنائية التي سيتم العمل بها طوال الألعاب التي ستستقطب عدة ملايين زائر الى فرنسا.
تقول المصادر الأمنية الفرنسية إن تهديدات «داعش» لفرنسا لا تحصل للمرة الأولى. وكشف دارمانان عن نجاح جهاز المخابرات الداخلية في تعطيل محاولتين إرهابيتين منذ بدء العام الحالي إحداهما كانت تستهدف كاتدرائية نوتردام، كما أن الأجهزة نفسها أبطلت 17 مخططاً إرهابياً منذ عام 2017. وقال دارمانان، الثلاثاء، إن الأجهزة «رأت، من بين أمور أخرى، تهديداً من تنظيم (داعش) يستهدف الملاعب بشكل خاص. وهذا ليس بجديد».
ويقع ملعب «بارك دي برنس» في حي راقٍ غرب العاصمة ويستوعب الملعب الذي يستخدمه نادي باريس سان جيرمان 48583 متفرجاً. بيد أنه ليس الأكبر، إذ إن ملعب «ستاد دو فرانس» القائم في ضاحية سان دوني (شمال باريس) يستوعب من جانبه 80 ألف متفرج. وعلى مدخل هذا الملعب الكبير، فجر انتحاري من «داعش» في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015 نفسه خارجه بعد أن منعه الحرس من الدخول إليه، حيث كانت تجرى مباراة بين منتخبي كرة القدم الفرنسي والألماني بحضور رئيسي الدولتين. وأفضت الهجمات الإرهابية مساء 13 نوفمبر وأبرزها استهداف قاعة «الباتاكلان» للحفلات الغنائية، إلى مقتل 130 شخصاً وجرح 413 بينهم 99 في حالة الخطر. وعلق لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان للصحافيين، بقوله: «بالطبع، الأمر مقلق... من في هذا المكان لا يشعر بالقلق؟» وأضاف: «آمل أن يكون من الممكن السيطرة على هذا الأمر، وأن تكون مجرد تهديدات وألا يحدث أي شيء كارثي».
حفل افتتاح الألعاب الأولمبية
تعد الإجراءات الأمنية المتخذة بمناسبة مباراة «باريس سان جيرمان» و«إف سي برشلونة» بمثابة «بروفة» لما ينتظر المواطن الباريسي الصيف المقبل. فحفل الافتتاح سيجري للمرة الأولى في تاريخ الألعاب الأولمبية خارج الملعب الرئيسي للمنافسات. وأراد المنظمون أن يحصل على مجرى نهر السين وعلى ضفتيه الشمالية والجنوبية وبطول ستة كلم. وأوضح دارمانان أن 45 ألف ضابط شرطة مكلفون بتأمين المنطقة في الفترة التي تسبق حفل الافتتاح الذي من المتوقع أن يحضره نحو 326 ألف متفرج مع إمكانية تخفيض هذا العدد. وسينضم إليهم 2500 شرطي أجنبي معظمهم مسلحون لتأمين البعثات الخاصة ببلدانهم. ومن المقرر أن يتحرك الرياضيون في حفل الافتتاح على متن نحو 160 قارباً في رحلة عبر نهر السين لاستعراض أجمل المعالم السياحية في باريس.
وتتخوف باريس من سعي «داعش - ولاية خراسان» إلى استغلال المناسبة لمحاولة القيام بعمل إرهابي تنتشر أصداؤه في العالم أجمع، مما يوفر له دعاية استثنائية ويعيده إلى الواجهة بعد أن قضي على الخلافة التي أنشأها ولم يبق له في سوريا والعراق سوى وجود محدود. ولا شك أن نجاحه في عملية إرهابية تحظى بتغطية عالمية سيعني انضمام العديد من الراديكاليين المتطرفين إلى صفوفها، وهو ما تسعى الدول المعنية إلى منع حصوله. وإذ لا تتوقع الأجهزة الأمنية أن ينجح «داعش - ولاية خراسان» من إرسال فرق من الخارج على غرار ما حصل في عام 2015، إلا أنها تتخوف من الخلايا النائمة التي قد يعاد تفعيلها ومن «الذئاب المتوحدة» غير المرتبطة بالضرورة بجهات خارجية مشغلة لها.
وأخيراً، ووفق تقرير لوزارة الداخلية يحمل عنوان «حالة التهديد الإرهابي في فرنسا» وقد تم تحديثه منتصف شهر مارس الماضي، فإن أحد مصادر التهديد عنوانه قدامى السجناء الذين أنهوا أحكامهم وأطلق سراحهم منذ عام 2018 وعدد هؤلاء 470 شخصاً. ولا شك أن هؤلاء سيخضعون لمراقبة استثنائية في الفترة الحرجة التي ستعيشها فرنسا خلال فترة الألعاب الأولمبية.