«الناتو» في زمن التحديات... ما دور بريطانيا في تعزيز الأمن ومواجهة التهديدات؟

لافتات تُظهر شعار حلف شمال الأطلسي (الناتو) (رويترز)
لافتات تُظهر شعار حلف شمال الأطلسي (الناتو) (رويترز)
TT

«الناتو» في زمن التحديات... ما دور بريطانيا في تعزيز الأمن ومواجهة التهديدات؟

لافتات تُظهر شعار حلف شمال الأطلسي (الناتو) (رويترز)
لافتات تُظهر شعار حلف شمال الأطلسي (الناتو) (رويترز)

مع التطورات الدولية المستمرة وتغير المشهد الأمني العالمي، تواجه بريطانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) تحديات متنوعة تتجاوز الأمور الكلاسيكية، مثل التهديدات الروسية والإرهاب. في هذا السياق، أصبحت الحاجة إلى إعادة التسليح ضرورة حيوية لتعزيز قدرات الدفاع والأمن للمملكة المتحدة، ولتعزيز دورها في حلف «الناتو»؛ وفقاً لتقرير لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

يقول البروفسور أندرو دورمان، وهو أستاذ في الأمن الدولي في جامعة كينغز كوليدج لندن، في تقرير للمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) إنه في يناير (كانون الثاني) 2024، تساءل قائد الجيش البريطاني، الجنرال السير باتريك ساندرز، عما إذا كان العالم في لحظة من عام 1938.

ولم يكن ساندرز وحده الذي يشير إلى مثل هذه الروابط بالماضي أو يثير تساؤلات حول حالة القوات المسلحة البريطانية اليوم. وردد غرانت شابس، وزير الدفاع البريطاني، مشاعره في خطاب ألقاه بعد ذلك بوقت قصير. وبعد شهر، بدا أن الأدميرال السير توني راداكين، رئيس أركان الدفاع، يقلل من شأن القضية.

ودعا كل من ساندرز وشابس إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي. ودعا آخرون الحكومة البريطانية إلى تقديم التزامها بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الفور.

وفي أوروبا القارية، كانت هناك دعوات مماثلة لزيادة الإنفاق الدفاعي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد استجاب كثير من الدول الأوروبية، بل إن بعضها أعاد فرض شكل من أشكال التجنيد.

ويقول دورمان إنه لا تزال السياسة الرسمية للحكومة البريطانية، المنصوص عليها في تحديث المراجعة المتكاملة لعام 2023، متناقضة- وترى أن العالم أصبح خطيرا بشكل متزايد، مع التركيز على التهديد المباشر الذي تشكله كل من روسيا والإرهاب الدولي، في حين تتبنى وجهة نظر أكثر عدائية تجاه الصين، وتنظر إليها على أنها تهديد متوسط الأجل.

مع ذلك، فإنها تماطل أيضاً، وتتعهد بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فقط عندما يكون الاقتصاد والمالية الحكومية في وضع أفضل.

أعضاء في الحكومة البريطانية دعوا إلى تقديم التزامها بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 % من الناتج المحلي الإجمالي (رويترز)

ويضيف دورمان أن الذكرى الـ75 لتأسيس حلف شمال الأطلسي هي لحظة يجب على المملكة المتحدة أن تستغلها للاعتراف بأوجه القصور في قدرتها العسكرية، وكيف تعوق مساهمتها في الحلف.

وإشارة ساندرز إلى عام 1938 تقر بأن بريطانيا واجهت في السابق تهديدات كبيرة في أوقات غير مناسبة. ووراء سياسة الاستسلام في أواخر الثلاثينات كانت سياسة موازية لإعادة التسلح المهمة.

ونتيجة لذلك، كانت القوات المسلحة، حتى لو لم تكن جاهزة للحرب في عام 1939، في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه قبل بضع سنوات. كما تمت استعادة القاعدة الصناعية الدفاعية بشكل كبير وتجهيزها للحرب العالمية اللاحقة. بالمثل، بدأت حكومة «حزب العمال» برنامجاً كبيراً لإعادة التسلح في عام 1950، بعد سقوط الصين في أيدي الشيوعيين، والغزو الكوري الشمالي لكوريا الجنوبية، وحصار برلين. وارتفع الإنفاق الدفاعي إلى أكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي كلتا الحالتين، كانت وضعية بريطانيا المالية أسوأ بكثير مما هي عليه اليوم. وقرار زيادة الإنفاق الدفاعي أم لا هو خيار سياسي يبدو أنه تم تأجيله للحكومة المقبلة.

فجوة في القدرات

تواجه القوات المسلحة البريطانية حالياً فجوات كبيرة في القدرات. ووفقاً للأدلة التي قدمها مسؤولو الدفاع إلى لجنة الحسابات العامة، فإن برنامج المعدات الحالي لا يمكن تحمله إلا إذا ارتفع الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا لا يفسر أي توسع كبير في القدرات الدفاعية، ولا يمثل سوى زيادة محدودة في إنتاج الذخائر.

وأكد المسؤولون أيضاً أن التزامات بريطانيا الحالية تضع ضغطاً مفرطاً على معداتها، مما يؤدي إلى تراكم الصيانة. وعلاوة على ذلك، أدت مشاكل سلسلة التوريد التي أعقبت جائحة «كوفيد - 19» إلى تأخير دخول بعض المعدات الجديدة إلى الخدمة، مما أدى إلى إبقاء المعدات القديمة في الخدمة، مما تسبب في زيادة تكاليف الصيانة.

ودافع عدد من المعلقين الدفاعيين بالفعل عن جيش أكبر، واقتناء دبابات إضافية ومركبات مدرعة ومدفعية. وعلى الرغم من أن هذه الدعوة مفهومة، فإنها مهمة من الناحية الاستراتيجية. ويجب أن تركز إعادة التسلح على القدرات التي تتصدى للتهديدات التي تواجه المملكة المتحدة.

ويقول دورمان إنه إذا كانت افتراضات تحديث المراجعة المتكاملة لعام 2023 صحيحة، فهذا يعني ليس فقط معالجة التهديدات قصيرة الأجل التي تشكلها أمثال روسيا، ولكن أيضا التحدي متوسط الأجل للصين.

ويجب أن يتم ذلك ضمن سياق شركاء وحلفاء بريطانيا، وفهم شامل لضعف سلسلة التوريد البريطانية ومتطلباتها من المواد الخام الحرجة.

جنود يظهرون خلف علم حلف شمال الأطلسي (رويترز)

ضرورة إعادة التسليح

مع احتفال حلف الناتو بذكرى مرور 75 عاماً، يظل على حق في قلب السياسة الدفاعية والأمنية البريطانية. ويجب أن تكون خطط المملكة المتحدة متكاملة مع إعادة التسلح للحلف الأوسع، وتقديم ما يحتاجه الناتو بشكل أساسي. ومع اقتراب احتمالية ولاية رئاسية ثانية لدونالد ترمب، فإن ذلك يوحي بالتركيز على قدرة الأوروبيين على ردع روسيا من دون الولايات المتحدة.

وستتطلب كيفية تنفيذ ذلك عبر طيف الصراع تفكيراً دقيقاً، واتخاذ قرارات سياسية صعبة. على سبيل المثال، هل يجب على بريطانيا التخلي عن تخفيض التسلح النووي التدريجي لصالح توسيع ترسانتها النووية لتعويض القدرة الأميركية المفقودة؟ قد تساعد خطوة مثل هذه في الحفاظ على ضمان المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، وربما ترهب روسيا، ولكن قد تكون لها عواقب غير مقصودة أخرى.

تشير الجغرافيا أيضاً إلى أن بريطانيا تتطلع إلى دعم الدفاع عن الدول الاسكندنافية، تاركة الأجزاء الوسطى والجنوبية من حدود الناتو مع روسيا للآخرين.

وهذا من شأنه أن يشير إلى دور أكبر لقواتها البحرية والجوية، بدلاً من القوات البرية، وخلق قوة أكثر قدرة على التكيف لنشرها لردع الصين.

يرى دورمان أنه يجب تخطيط إعادة التسليح وتنفيذه على المدى الطويل. ولن تقوم الصناعة ببناء منشآت جديدة أو توظيف مزيد من الموظفين، وتوسيع الإنتاج في الأمد القصير الأجل، لأن ذلك لن يكون من الحكمة المالية. وفي الثلاثينات من القرن الماضي، كان على الدولة أن توفر دعماً مالياً كبيراً للمساعدة في بناء مصانع جديدة.

وتحتاج الحكومة اليوم إلى إعادة النظر في القدرات التي يجب بناؤها في المملكة المتحدة، وما يمكن أن يقدمه الشركاء والسوق الأوسع. وهذه المشاكل ليست جديدة اليوم، فهي أكثر تعقيداً.

وإذا كانت المملكة المتحدة في لحظة عام 1938، فإن التحرك الآن لمنع حرب مستقبلية في أوروبا يجب أن يكون الأولوية، بدلاً من انتظار توقعات مالية أكثر وردية.

هذا يعني أيضاً التركيز على استجابة أوروبية متكاملة داخل حلف الناتو، وتعزيز التحالف العسكري الأكثر إثارة للإعجاب في العالم، حتى يتمكن من الصمود والردع بنجاح لمدة 75 عاماً أخرى مهما حدث في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

الحكومة البريطانية تعتذر بعد تقديم اللحوم والكحول في احتفال بعيد هندوسي

أوروبا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتحدث خلال الاحتفال بعيد ديوالي في لندن (رويترز)

الحكومة البريطانية تعتذر بعد تقديم اللحوم والكحول في احتفال بعيد هندوسي

قدم «داونينغ ستريت»، مقر الحكومة البريطانية، اعتذاراً بعد تقديم اللحوم والكحول في الاحتفال السنوي الذي أقيم بمناسبة عيد ديوالي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا المغنية الأميركية الشهيرة تايلور سويفت (د.ب.أ)

رئيس الوزراء البريطاني ينفي حصوله على تذاكر مجانية لحفل تايلور سويفت

نفى مكتب رئيس الوزراء البريطاني، أن يكون  كير ستارمر قد حصل على تذاكر مجانية لحفل النجمة تايلور سويفت كعربون شكر بعدما حصلت على مرافقة من الشرطة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مالك متجر «هارودز» الراحل محمد الفايد (رويترز)

40 بلاغاً جديداً يتضمّن اتهامات بالاعتداء الجنسي بحق محمد الفايد

أعلنت شرطة لندن أمس (الجمعة) أنها تلقت 40 بلاغاً عن حالات اغتصاب واعتداء جنسي ارتكبها مالك متجر «هارودز» الراحل محمد الفايد منذ عرض «بي بي سي» أول الاتهامات

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الجندي البريطاني السابق دانيال عابد خليفة (أ.ب)

جندي بريطاني سابق متهم بمساعدة إيران أراد أن يكون «عميلاً مزدوجاً»

كشف ممثلو الادعاء أمام محكمة في لندن، الثلاثاء، أن جندياً بريطانياً سابقاً نقل معلومات حساسة إلى أشخاص على صلة بـ«الحرس الثوري الإيراني» ثم فر لاحقاً من السجن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) يصافح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون (رويترز)

بسبب «الكثير من الخطوات»... جونسون يكشف رفض بايدن زيارة حاملة طائرات بريطانية

رفض الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة حاملة الطائرات الرائدة للبحرية البريطانية بسبب عدد الخطوات خلال زيارته إلى المملكة المتحدة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (لندن)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
TT

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم أمس (الجمعة)، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة في أعقاب الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

وقال زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو: «عندما يبدأ شخص ما في استخدام دول أخرى ليس فقط للإرهاب، ولكن أيضاً لاختبار صواريخهم الجديدة من خلال الإرهاب، فإن هذه بالتأكيد جريمة دولية».

وقال زيلينسكي إن سلوك روسيا «يسخر» من مواقف الصين ودول الجنوب العالمي الداعية إلى الاعتدال. داعياً مرة أخرى إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي.

كما وجه زيلينسكي نداء إلى مواطنيه والدبلوماسيين الأجانب العاملين في كييف. وقال إن أوكرانيا تعمل على تعزيز دفاعها الجوي. ومع ذلك، يجب أن يؤخذ كل إنذار بغارة جوية بشكل جدي، ويجب الاحتماء في حالة الخطر.

وفي الوقت نفسه، قال إنه لا ينبغي استخدام التهديد المحتمل من هجوم صاروخي روسي كذريعة للتوقف عن العمل، في إشارة إلى السفارات المغلقة جزئياً في البلاد.

وأضاف: «عندما تنطلق صفارة الإنذار، نذهب للاحتماء. وعندما لا تكون هناك صفارة إنذار، نعمل ونخدم»، مشيراً إلى أن بوتين سيواصل ترويع أوكرانيا «لقد بنى قوته الكاملة على هذا».