وجهت موسكو رسائل جديدة إلى الغرب حول استعدادها للتفاوض بشأن تسوية سياسية في أوكرانيا. وقال الرئيس فلاديمير بوتين إن بلاده «لم تقطع قنوات الحوار مع كل الأطراف بما في ذلك أوكرانيا».
ولم يخف بوتين ارتياحه لمستوى التقدم العسكري الذي أحرزه الجيش الروسي بعد السيطرة على مدينة أفدييفكا الاستراتيجية قبل أيام. وقال خلال لقاء مع وزير الدفاع سيرغي شويغو الذي قدم للرئيس الروسي تقريراً وافياً مساء الثلاثاء حول مسار العمليات العسكرية إن «على من تبقى من العسكريين الأوكرانيين الاستسلام».
ورأى أن القوات الأوكرانية «تقوم بأعمال متهورة تماماً من الناحية العسكرية، وتسير باتجاه الوقوع في فخ» في إشارة إلى تقدم القوات الأوكرانية على بعض المحاور، ثم تراجعها عنها بعد الاشتباك مع الروس. وأضاف أن «التصرفات المتهورة يمكن أن تتكرر»، وطلب من شويغو أن «يضع ذلك في الاعتبار، وأن ينقل ذلك إلى القادة في مواقع الاشتباك».
وتطرق إلى المعطيات عن قطع شبكة الاتصالات عن القوات الأوكرانية أثناء عملية الانسحاب من أفدييفكا، وقال إن «الأفراد العسكريين الأوكرانيين المتبقين في الأراضي التي حررها الجيش الروسي، لا ينبغي لهم البكاء على فقدان الاتصالات اللاسلكية، بل يجب عليهم الاستسلام». وهو أمر رد عليه شويغو بالإشارة إلى أن تعداد القوات الأوكرانية التي ما زالت تنشط في بعض مناطق أفدييفكا «محدود للغاية»، وزاد «هناك أفراد متفرقون هنا أو هناك، وبالطبع، عليهم جميعا الاستسلام».
وأشار الرئيس الروسي إلى الفوضى التي رافقت انسحاب بعض الوحدات الأوكرانية من المدينة، وأوضح «تم إبلاغي عن حالة الهروب الفوضوية للقوات المسلحة الأوكرانية من مدينة أفدييفكا (...) قيادة القوات الأوكرانية أصدرت الأمر الانسحاب عندما كان الجنود الأوكرانيون يفرون بالفعل من هناك».
وبدا بوتين متحدثاً بلهجة المنتصر، وجدد تأكيد استعداده للحوار مع الغرب، وزاد أن «روسيا لم تكن أبداً ضد المفاوضات، ونحن دائماً مع المسار الدبلوماسي، وهذا ينطبق أيضاً على الوضع في أوكرانيا». وأوضح «لقد قلت بالفعل مائة مرة إننا لم نقطع الحوار، الجانب الأوكراني هو الذي قاطع الحوار، وبأمر مباشر من لندن وواشنطن».
بدوره أبلغ وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بوتين خلال اللقاء عن مسار العمليات القتالية، وقال إن الجنود يواصلون «تطهير» أفدييفكا، وفرض السيطرة الكاملة في المدينة. وزاد أن قواته واصلت التقدم في عدد من محاور القتال، ونجحت في فرض سيطرتها على قرية كرينكي الاستراتيجية على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو بمقاطعة خيرسون.
لكن نفى الجيش الأوكراني الأربعاء فقدان السيطرة على رأس جسر كرينكي على الضفة المحتلة لنهر دنيبرو في جنوب أوكرانيا. وقالت القيادة الجنوبية للقوات الأوكرانية على شبكات التواصل الاجتماعي، «أعلن القادة العسكريون والسياسيون للدولة المعتدية السيطرة على رأس جسر على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو. نقول رسمياً إن هذه المعلومات كاذبة»، وأضاف أن «قوات الدفاع في جنوب أوكرانيا تواصل السيطرة على مواقعها، وتلحق خسائر كبيرة بالعدو».
وقال شويغو: «تم الانتهاء من جميع أعمال التطهير (في كرينكي)، ولكن نظراً لوجود كثير من الأشخاص المختبئين في الأقبية، وفي الآونة الأخيرة بكوا حرفيا وطلبوا الإخلاء، فقد عرضنا بشكل طبيعي ونواصل العرض على أولئك الذين ما زالوا هناك الاستسلام». وأضاف «أفاد (قائد قوات المظليين) ميخائيل يوريفيتش تيبلينسكي بأن هذه القرية الواقعة على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو هي عملياً، حسناً، ليس عملياً... بل هي (فعلياً) تحت سيطرتنا بالكامل، وتمت إقامة الدفاعات المناسبة فيها».
وأشار شويغو إلى أن القوات الأوكرانية التي تمركزت في قرية كرينكي كان يوكل إليها مهمة تحقيق اختراق نحو شبه جزيرة القرم. وأوضح الوزير «كانت لديهم مهمة تحقيق الاختراق هناك، إلى أرميانسك، وبيريكوبسك، نحو شبه جزيرة القرم». وقدّر شويغو القوة الإجمالية للقوات الأوكرانية في هذا المحور بـ30 ألف شخص.
كما أفاد تقييم استخباراتي صادر عن وزارة الدفاع البريطانية الأربعاء، بأن القوات البرية الروسية، واصلت هجماتها البرية، على محور قرية «روبوتين» في جنوب أوكرانيا، الذي استعادته كييف خلال هجماتها المضادة في صيف عام 2023. وجاء في التقييم الاستخباراتي اليومي المنشور على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، أن القرية ظلت على خط المواجهة منذ ذلك الحين.
وقال مسؤولون غربيون اليوم الأربعاء إن إنتاج روسيا المحلي من الذخيرة لا يكفي لتلبية احتياجاتها في الحرب. وأضافوا أن قطاع الصناعات العسكرية الروسي متأثر كذلك بالعقوبات، وأن عدم قدرة البلاد على الوصول إلى المكونات الغربية يقوض قدرتها على إنتاج أنظمة جديدة أو إصلاح الأنظمة القديمة. وقال المسؤولون، كما نقلت عنهم «رويترز»: «قدرات إنتاج الذخيرة المحلية لدى روسيا غير كافية حالياً لتلبية احتياجات الصراع في أوكرانيا... العقوبات تضرب منظومة الصناعات العسكرية الروسية بشدة، مما يتسبب في تأخيرات شديدة وزيادة التكاليف». ويأتي الإيجاز الصادر عن مسؤولين غربيين وسط تحذيرات من نفاد الذخيرة في أوكرانيا.
ووافق الاتحاد الأوروبي، الأربعاء، على فرض حزمة جديدة، وهي الثالثة عشرة، من العقوبات على روسيا، قبيل حلول الذكرى السنوية للحرب. ورحبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالقرار، وقالت، عبر موقع «إكس»، إن مجموعة العقوبات الأخيرة ستُبقي «الضغط مرتفعاً على الكرملين». وتستهدف الحزمة أفراداً ومنظمات مرتبطة بالحكومة الروسية. وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل إن الحزمة تتضمن إدراج نحو 200 شخص على قائمة العقوبات. وأضاف بوريل أنها تتضمن أيضاً تدابير للحد من التهرب من العقوبات.
في ملف منفصل، بحث بوتين مع وزير الدفاع النقاشات الجارية حول اتهامات واشنطن لموسكو بإرسال أسلحة نووية إلى الفضاء في تهديد للمحطات الاصطناعية وأقمار التجسس.
وأكد الرئيس الروسي في الشق العلني من اللقاء، أن موسكو «كانت دائماً معارضة وبشكل قاطع لنشر الأسلحة النووية في الفضاء، وتدعو إلى الامتثال لجميع الاتفاقيات القائمة». وأوضح «يتعلق هذا السؤال بالضجة التي تصاعدت مؤخراً في الغرب، بما في ذلك في الولايات المتحدة، فيما يتعلق بنشر الأسلحة النووية في الفضاء»، مشدداً على أن «موقفنا واضح وصريح: لقد كنا دائماً ضد نشر الأسلحة النووية ونحن الآن ضد نشر الأسلحة النووية في الفضاء». وأكد بوتين أن روسيا «تفعل في الفضاء فقط ما تفعله الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة».
وأشار الرئيس الروسي إلى أن الولايات المتحدة «لن تكون قادرة على الدعوة إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وفي الوقت ذاته إعلان استعدادها لإجراء حوار حول الاستقرار الاستراتيجي».
وأوضح «تدعو الولايات المتحدة والغرب من ناحية إلى هزيمة روسيا استراتيجيا، ومن ناحية أخرى يزعمون أنهم مستعدون ويرغبون بإجراء محادثات معنا بشأن الاستقرار الاستراتيجي، معتقدين أن الأمرين غير مرتبطين ببعضهما بعضاً، هذا لن يكون ممكناً. إذا كانوا يسعون إلى هزيمتنا بشكل استراتيجي، فيجب علينا أن نفكر في معنى الاستقرار الاستراتيجي لبلدنا».
وشدّد على أن روسيا «لا ترفض أي شيء، لكن علينا أن نعرف ماذا يريدون»، وخلص الرئيس إلى القول: «إنهم بوصفهم قاعدة عامة يريدون تحقيق مزايا أحادية. وهذا لن يحدث أبداً». وتزامن حديث بوتين عن استعداده للحوار في شأن التسوية في أوكرانيا مع تصريحات مماثلة أطلقتها وزارة الخارجية الروسية.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين إن موسكو، وخلافاً لموقفها الداعي للحوار «لا تلمس اهتماماً أميركياً بالتسوية السلمية لأزمة أوكرانيا».
وأضاف «لا نرى أي علامات على اهتمام الولايات المتحدة وأتباعها بالتوصل إلى تسوية سلمية للأزمة حول أوكرانيا، معظم الأموال المخصصة للصراع الأوكراني والتي تصل إلى عشرات المليارات تبقى في الخارج، وتحفز تطوير المجمع الصناعي العسكري الأميركي».
وأكد غالوزين أن كييف تواصل مع الدول الغربية «الترويج لمبادرة (الرئيس فولوديمير) زيلينسكي، ويرفضون رفضاً قاطعاً النظر في أي مبادرات واقعية اقترحتها دول أخرى لحل الأزمة الأوكرانية».
وأضاف «طرح حوالي عشرين دولة مبادرات للتسوية بينها الصين والبرازيل ودول أفريقيا، والكثير من الأفكار التي قدمت احتوت على نقاط أساسية متفق عليها»، مشيرا إلى أن «مبادرات جديدة كان يمكن أن تتبلور لو لم ترفض كييف ذلك مسبقا».
واتهم زيلينسكي بأنه «احتكر بتوجيه غربي الحق في إطلاق مبادرات سلمية، وهو يروج مع الولايات المتحدة ودول (الناتو) لصيغة بائسة للحل، ويعرقل هؤلاء في الواقع طرح وجهات نظر أخرى للتسوية».