هل الدعم العسكري الأميركي يمكن أن يقلب موازين المعركة لصالح أوكرانيا؟

المحلل سولتيس: فشل الهجوم المضاد بسبب الافتقار إلى الصواريخ طويلة المدى ومقاتلات «إف 16»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع القائد الجديد لقواته (أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع القائد الجديد لقواته (أ.ب)
TT

هل الدعم العسكري الأميركي يمكن أن يقلب موازين المعركة لصالح أوكرانيا؟

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع القائد الجديد لقواته (أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع القائد الجديد لقواته (أ.ب)

من الأفضل لأعضاء الكونغرس الأميركي الذين يؤخرون حاليا حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا أن يدرسوا حدثين وقعا مؤخرا. كما يتعين عليهم النظر أيضا في حقيقة أن لدى الجهد الدفاعي لأوكرانيا فرصة جيدة لتحقيق النصر في نهاية الأمر شريطة أن يزودها شركاؤها الغربيون بالأسلحة المناسبة.

زيلينسكي خلال زيارته الأخيرة إلى الكونغرس مع زعيمي الديمقراطيين والجمهوريين في «الشيوخ» في 12 ديسمبر 2023 (أ.ب)

وقال دينيس سولتيس، أستاذ السياسة المقارنة الكندي المتقاعد والمتخصص في منطقة الاتحاد السوفياتي السابق، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية إن الحدث الأول هو الوفاة المُسبَّبَة لزعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني في سجن صارم تابع للنظام شمال الدائرة القطبية الشمالية.

وفي السابق، كان الكرملين ينفى المسؤولية عن جرائم القتل السياسي أو الشروع في القتل التي ترتكب في الخارج، مثل تسميم أليكسندر ليتفينينكو وسيرجي سكريبال في بريطانيا.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماعه مع القائد الجديد للجيش ووزير الدفاع في كييف (د.ب.أ)

داخل روسيا نفسها، تم إطلاق تحقيقات صورية بعد جريمتي اغتيال آنا بوليتكوفسكايا وبوريس نيتمسوف. إلا أن قضية نافالني توضح الطبيعة الجريئة لآخر جريمة قتل لنظام بوتين. وسيكون للرمزية المنذرة بالشر للسجن الذي يرجع إلى عصر ستالين، والمصمم لكسر وتحطيم السجناء السياسيين تأثير كبير على الشعب الروسي. في الوقت نفسه، شعر نظام بوتين بالثقة الكافية للاستهانة بتجاهله للمبادئ الإنسانية الأساسية أمام الجمهور الدولي.

أما الحدث الثاني فقد كان تهديد الكرملين باستخدام أسلحة نووية في الفضاء الخارجي ومهاجمة الأقمار الاصطناعية الغربية الخاصة بالاتصالات. ويمثل التسليح النووي للفضاء من جانب نظام يرغب في قتل المعارضين بشكل تعسفي وشن حرب إبادة جماعية خطرا واضحا.

مزج زيلينسكي في كلمته بين الامتنان للدعم وحث الحلفاء على المزيد (أ.ف.ب)

إن الحدثين معا يظهران بوضوح التهديدات الروسية المستمرة للنظام القانوني الدولي وعدم جدوى أي نوع من التسوية السياسية. وأفضل طريقة مؤكدة لإزالة التهديدات هي مساعدة أوكرانيا على الانتصار في حربها التي تشنها للدفاع عن النفس.

وقال سولتيس، كما نقلت عنه «وكالة الأنباء الألمانية»، إنه على أساس التطورات على الجبهة الأوكرانية أكدت شخصيات غربية أنه تم الوصول إلى حالة جمود عسكري. وبدلا من تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة، عدّت هذه الشخصيات أنه يتعين على كييف والغرب أن يعترفا بـ«حقيقة» واستمرار المكاسب التي حققتها روسيا على الأرض في أوكرانيا. وكان المنطق الرئيسي في هذا الرأي هو فشل الجيش الأوكراني في تحقيق اختراق في هجومه الذي شنه في صيف عام 2023.

المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد توقيع الاتفاق الأمني (أ.ف.ب)

إلا أن فشل الهجوم لم يكن ناجما عن ضعف أداء الجيش الأوكراني، لكنه نجم ببساطة عن الافتقار إلى الأسلحة الكافية والمناسبة، مثل الصواريخ طويلة المدى ومقاتلات إف16، وذلك بسبب التراخي والمماطلة السياسية في الغرب. وقد كانت الأسلحة التي تم تسليمها مجرد جزء صغير من الكميات التي تم التعهد بها.

وعد سولتيس أن الرافضين مخطئون أيضا في التفكير في أن الاستيلاء على الأراضي هو أفضل معيار لتقييم النجاح في القتال. في الواقع، لا تؤكد الاستراتيجية الأوكرانية على إعادة الاستيلاء على الأراضي وإنما تدمير جنود العدو وقدراته اللوجيستية والصناعية. ومن خلال خوض معركة دفاعية طويلة في مدينة باخموت التي عرفت باسم «مفرمة اللحم» على الجبهة الشرقية، دمر الأوكرانيون مجموعة التعبئة الروسية التي تمت في الشتاء الماضي.

وقد تكررت مفرمة اللحم هذه على مستوى أكبر في مدينة أفدييفكا القريبة، حيث قال الرئيس الأوكراني إن نسبة القتلى فيها كانت جنديا أوكرانيا إلى سبعة جنود روس، إلا أنه لا يمكن التحقق من هذا الإعلان بشكل مستقل. وفي ضوء هذه الخسائر، ليس من المؤكد أن تتمكن روسيا من تعبئة «الملايين» المزعومين من الذكور الذين هم في سن التجنيد.

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك خلال اجتماعه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

وفي الوقت نفسه، يحقق الأوكرانيون نجاحات واضحة في القرم والمناطق المجاورة لها، حيث تعرضت الدفاعات الجوية الروسية لتهديدات خطيرة وتم إغراق أو تعطيل ثلث أسطول البحر الأسود الروسي. وقد تم تحقيق هذه النجاحات بدرجة كبيرة بالمسيرات المنتجة محليا وصواريخ كروز قليلة من طراز «نيبتون»، بمساعدة عدد محدود من صواريخ أرض جو قصيرة المدى فقط من طراز «ستورم شادو» البريطانية و«سكالب» الفرنسية.

وكما هو معروف، أجبر الأوكرانيون أسطول البحر الأسود الروسي على الخروج من قاعدته الرئيسية في شبه جزيرة القرم في سيفاستوبول ليعود إلى الساحل الروسي. كما تم استئناف شحنات حبوب كبيرة إلى الدول الفقيرة من ميناء أوديسا.

إيمانويل ماكرون وفولوديمير زيلينسكي يتصافحان بحرارة بعد التوقيع على الاتفاقية الأمنية المشتركة (أ.ف.ب)

وقد تحققت هذه النجاحات البحرية جزئيا بمسيرة بحرية مراوغة تحمل اسم «ماجورا في 5» والتي لم يتمكن أسطول البحر الأسود الروسي من وقفها. كما طور الأوكرانيون نماذج أولية لثلاث مسيرات بحرية تعمل تحت المياه، وستكون أكبر هذه المسيرات قادرة على الوصول إلى أي نقطة في البحر الأسود.

كما أظهرت الضربات الأخيرة التي شنتها مسيرات أوكرانية على البنية التحتية الاقتصادية حتى مدينة سان بطرسبورغ في الشمال ومدينة توابسي في الجنوب على ساحل البحر الأسود أن هذه المسيرات لديها المدى الذي يمكنها من ضرب 18 مصفاة نفط كبيرة، ومنشآت طاقة في الجزء الأوروبي من الاتحاد الروسي، حيث يوجد العدد الأكبر من مصافي النفط الروسية.

وأضاف سولتيس أن نسبة تتراوح بين 15 في المائة و20 في المائة من النفط والصادرات الروسية تمر عبر البحر الأسود. وإذا حدث منع جزئي لصادرات النفط فإنه سيقلص الميزانية العسكرية الروسية، كما أن تعطيل كثير من مصافي النفط الروسية يمكن أن يؤدي إلى أزمة للاقتصاد المحلي الروسي. وفي ضوء هذه العوامل، فإن قدرة روسيا على الحفاظ على صناعة الأسلحة في مستوى مرتفع على المدى الطويل ستكون موضع شك.

ومع ذلك، فإن المسيرات الأوكرانية لا تستطيع حمل حمولة ثقيلة وعددها قليل للغاية لكي تتسبب في ضرر شامل لأهداف روسية بعيدة، باستثناء ضربات قليلة ناجحة.

وبعد أربعة أشهر من الهجمات الروسية المكثفة، اضطر الجيش الأوكراني إلى إخلاء موقعه المحصن بقوة والمناسب جغرافيا في أفدييفكا. ومنح النقص في ذخيرة المدفعية والافتقار إلى الغطاء الجوي روسيا انتصارا تكتيكيا ودعائيا.

صورة عامة لمصنع أفدييفكا للكيماويات وفحم الكوك (أ.ف.ب)

وبكلمات أخرى، رأى سولتيس أن انسحاب الجيش الأوكراني يظهر بوضوح أن أوكرانيا تحتاج إلى صواريخ بعيدة المدى وطائرات. وبالإضافة إلى ذلك، من الصعب فهم السياسة الغربية في حرمان أوكرانيا من الصواريخ طويلة المدى التي تستطيع ضرب أهداف عسكرية مهمة في روسيا وحتى داخل الأجزاء المحتلة من أوكرانيا نفسها، خاصة أن هذه السياسة تترك روسيا حرة لقصف الأهداف الأوكرانية من دون رد. هذه الاستراتيجية ستفشل بالتأكيد.

في غضون ذلك، تضطر أوكرانيا إلى التخلي عن مواقع استولت عليها بصعوبة في أرض المعركة وتدفع ثمنا باهظا غير ضروري من الخسائر البشرية بين المدنيين وقوات الجيش.

واختتم سولتيس تقريره بالقول إن الجنود الأوكرانيين يمكن أن يتعرضوا للقتل مرة واحدة. وفي ظل المعدل الحالي للإمدادات، تواجه أوكرانيا خطر تلقي الأسلحة الكافية عندما لا تكون هناك قوات متبقية لاستخدامها. لذلك يتعين على الكونغرس الأميركي التحرك سريعا لتصحيح الأخطاء السياسية والاستراتيجية التي ارتكبها في الماضي. وفضلا عن ذلك، يجب على الناخبين الأميركيين أن يفهموا أن التهديدات التي تواجه المصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية يمكن تجنبها بتقديم مساعدات ملائمة في الوقت المناسب إلى أوكرانيا، التي أظهرت أنها تستطيع أن تستخدمها لتحقق نتيجة.


مقالات ذات صلة

روسيا: تدمير 21 مسيّرة أوكرانية خلال الليل وصباح اليوم

أوروبا القوات الروسية دمرت 7 مسيّرات أوكرانية فوق أراضي مقاطعة ريازان (رويترز)

روسيا: تدمير 21 مسيّرة أوكرانية خلال الليل وصباح اليوم

أعلنت وزارة الدفاع الروسية اليوم (السبت) تدمير 21 طائرة دون طيار أوكرانية خلال ساعات الليل والصباح في عدد من مقاطعات البلاد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (قناة الكرملين عبر «تلغرام»)

الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد

لفت الكرملين النظر إلى أن الحالة الديموغرافية «كارثية على مستقبل الأمة»، في حين عجزت السياسات المختلفة المنفّذة في روسيا منذ ربع قرن عن زيادة معدل المواليد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أوراق نقدية من فئة 20 و50 يورو (د.ب.أ)

الاتحاد الأوروبي يحول لأوكرانيا 1.5 مليار يورو من عائدات الأصول الروسية

أعلن الاتحاد الأوروبي تأمين 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار) لدعم أوكرانيا، وهي أول دفعة من الأموال المكتسبة من الأرباح على الأصول الروسية المجمدة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يدعو إلى «معاقبة» الساعين لـ«تقسيم» روسيا

شجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحققين الروس على التصدي لأي خطر يتسبب بانقسام المجتمع في روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزير خارجية الصين يمد يده لمصافحة نظيرة الروسي في عاصمة لاوس فينتيان الخميس (أ.ف.ب)

الكرملين يؤكد الاستعداد للتفاوض مع كييف لـ«تحقيق أهدافنا»

أكدت روسيا انفتاحها بشكل عام على عملية التفاوض مع أوكرانيا مع حاجتها لفهم ما إذا كان الجانب الأوكراني مستعداً لذلك.

سعيد عبد الرازق (أنقرة) «الشرق الأوسط» (موسكو)

القضاء الفرنسي حَفظَ قضية ضبط أسلحة في منزل آلان ديلون

الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
TT

القضاء الفرنسي حَفظَ قضية ضبط أسلحة في منزل آلان ديلون

الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)

حَفظَ القضاء الفرنسي قضية ضبط 72 قطعة سلاح ناري في منزل الممثل آلان ديلون، أحد آخر عمالقة السينما الفرنسية، وكفَّ التعقبات في شأنها، على ما أعلنت النيابة العامة، الجمعة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

واتُخذ هذا القرار من دون التمكن من سماع إفادة النجم البالغ 88 عاماً «نظراً إلى ضعفه»، و«بناءً على رأي طبي»، فيما أشارت النيابة العامة إلى إصدار «أمر بإتلاف كل الأسلحة النارية والذخيرة».

وعثر المحققون على ترسانة كاملة خلال دهمهم منزل ديلون، تضم 72 قطعة سلاح، معظمها من الفئتين: «أ» (بعض الأسلحة النارية والمواد الحربية)، و«ب» (الأسلحة المستخدمة في الرماية الرياضية وتلك المستخدمة في حالات الخطر المهني)، وأكثر من ثلاثة آلاف طلقة ذخيرة.

كذلك لاحظوا وجود منصة للرماية في العقار التابع لمنزل الممثل الذي يهوى جمع الأسلحة النارية.

وأوضحت النيابة العامة، في بيان، أن التحقيق أظهر أن الممثل «لم يسبق أن صرّح للشرطة عن هذه الأسلحة ولم يطلب الترخيص بحيازتها».

وأضافت أن إفادات أبناء النجم والعاملين لديه بيّنت «أن هذه الأسلحة النارية كانت تُستخدَم من مختلف أفراد الأسرة لغرض الترفيه، في منصة الرماية بالعقار».

وشرحت النيابة العامة أن شهادات عدة أفادت بأن «ديلون اشترى هذه الأسلحة وكان يحتفظ بها منذ سنوات، بل طرح بعضها في مزاد علني عام 2014».

وطرح ديلون في هذا المزاد مجموعته التي كانت تضم 76 قطعة، من بندقية «وينتشستر» التي استخدمت في مسلسل «وانتد: ديد أور ألايف» Wanted: Dead or Alive وقدمها إليه الممثل الأميركي ستيف ماكوين، ومنها مسدس من فيلم «ريد صن Red Sun».

وفي مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وُضع الممثل الذي يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية وأصيب بجلطة دماغية عام 2019 تحت «القوامة المعززة على عاجز».

وسبق أن وُضع في يناير (كانون الثاني) تحت الحماية القضائية مع تعيين وكيل قضائي لمعاونته فيما يتعلق «بمتابعته طبياً»، وسط نزاع إعلامي وقضائي محتدم بين أبنائه الثلاثة، أنتوني وأنوشكا وآلان فابيان.