«الناتو» لطمأنة أوكرانيا والرد على مخاوفها المستقبلية

أمينه العام يشدد على ارتفاع المخصصات الدفاعية للدول الأوروبية رداً على تحذيرات ترمب

من اجتماع وزراء دفاع «الناتو» في بروكسل (إ.ب.أ)
من اجتماع وزراء دفاع «الناتو» في بروكسل (إ.ب.أ)
TT

«الناتو» لطمأنة أوكرانيا والرد على مخاوفها المستقبلية

من اجتماع وزراء دفاع «الناتو» في بروكسل (إ.ب.أ)
من اجتماع وزراء دفاع «الناتو» في بروكسل (إ.ب.أ)

ثلاثة عناصر رئيسية ميزت اجتماع وزراء دفاع المجموعة الأطلسية، الخميس، في بروكسل، المخصص أصلاً لمراجعة الدعم الذي يقدمه الحلف لأوكرانيا. ويتمثل العنصر الأول في عجز الإدارة الأميركية، عن استصدار قانون من مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ) بالموافقة على اقتراح توفير دعم إضافي لأوكرانيا بقيمة تزيد على ستين مليار دولار. والثاني تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يوم السبت الماضي، وفيها يهدد الدول الأطلسية التي لا تخصص الأموال الكافية لميزانيتها الدفاعية، بالامتناع عن الدفاع عنها وعدم الالتزام بالفقرة الخامسة من معاهدة الدفاع الأطلسية المشتركة.

الأمين العام لـ«الناتو» ينس ستولتنبرغ (أ.ف.ب)

والثالث، الشكوى الأوكرانية من ضعف وصول الدعم العسكري لقواتها، سواء أكان من جهة الذخيرة (قنابل المدفعية والصواريخ) أو الالتزام بالدعم طويل الأمد لمنع روسيا من تحقيق انتصار ميداني.

ويمكن إضافة عنصر رابع يتناول المعلومات التي سربتها وزارة الدفاع الأميركية، بشأن رغبة روسية بنشر أسلحة نووية في الفضاء مضادة للأقمار الاصطناعية، وهو ما نفته موسكو واتهمت واشنطن بـ«فبركة أخبار زائفة».

بناء على ما سبق، عدّ اجتماع الخميس استثنائياً بسبب التحديات العديدة التي تعين على وزراء الدفاع وعلى الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ مواجهتها.

وعمد الأخير الذي زار واشنطن بحر هذا الأسبوع وأجرى محادثات مطولة مع مسؤولي الدفاع الأميركيين، إلى تمهيد الأرضية من أجل اجتماع ناجح. وكان همه الأول أن يبرز تحول أعضاء الحلف لجهة التزامهم بقاعدة تكريس 2 في المائة من ناتجهم الداخلي الإجمالي كمخصصات دفاعية. وأكد ستولتنبرغ أن 21 دولة (من أصل 31) ستبلغ هذه النسبة خلال العام الحالي، من بينها دول رئيسية؛ مثل ألمانيا وفرنسا. وتفيد المعلومات المتوافرة بأن 11 دولة فقط بلغت هذه النسبة، في عام 2023.

وزير الدفاع الاوكراني رستم أوميروف يخاطب الاجتماع عن بعد عبر الشاشة (إ.ب.أ)

فضلاً عن ذلك، فقد أكد ستولتنبرغ، فيما يبدو أنه رد على دونالد ترمب، أن الدول الأوروبية وكندا قد زادوا من ميزانيات دفاعهم بنسبة 11 في المائة، وهو «ارتفاع غير مسبوق». وبالتوازي، لم يتردد في التنديد بالمماطلة الأميركية في إقرار الدعم لأوكرانيا، لا بل ذهب إلى عدّ أن هذا التأخر «بدأت تداعياته تظهر للعيان». وفي رسالة موجهة للطرف الأميركي، قال ستولتنبرغ إن «دعم أوكرانيا استثمار في أمننا».

وفي السياق عينه، قال وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، إن الحلف قلق «باستمرار» من أن الذخيرة قد تنفد من أوكرانيا وطالب بفعل كل شيء لمساعدة أوكرانيا على صد الغزو الروسي.

وذهب نظيره وزير الدفاع الفنلندي، أنتي هياكيانين، في الاتجاه نفسه، بتأكيده أن الدعم لأوكرانيا يجب أن يستمر «ما دامت هناك حاجة له»، مشيراً إلى قرار بلاده مضاعفة إنتاج الذخيرة لتعزيز عمليات التسليم.

شعار «الناتو»

حقيقة الأمر، كما تقول مصادر أوروبية في باريس، أن القلق الأوكراني مرده ليس فقط استشعار القلق بالنسبة لتناقص الذخائر اليوم وانخفاض الدعم، بل التخوف من «سأم» الرأي العام الغربي من حرب لا تنتهي، ولا يبدو في الأفق، أنها ستنتهي في أجل معروف. تبرز هذه الظاهرة في استطلاعات الرأي المتواترة. أما التخوف الأكبر فإنه يأتي من الولايات المتحدة، ومن احتمال أن يفوز الرئيس السابق دونالد ترمب بالرئاسة مجدداً. وتكفي متابعة تصريحات ترمب الذي أجهض أنصاره في مجلس النواب، حتى اليوم، مشروع المساعدات الضخمة لأوكرانيا، لتفهم المخاوف الأوكرانية. من هنا، فإن زيلينسكي يتحرك في كل اتجاه وخصوصاً باتجاه الحلفاء الأوروبيين؛ رغبة منه في إيجاد «بديل» عن الدعم الأميركي في حال خسرته بلاده. لكن الخبراء كافة مجمعون على أن أوروبا «غير قادرة على الحلول محل الولايات المتحدة، خصوصاً في المجالات العسكرية والاستخبارية واللوجيستية...».

عدد من وزراء الدفاع المشاركين في الاجتماع (إ.ب.أ)

وأثارت تهديدات ترمب مخاوف ليس فقط أوكرانية، ولكن أيضاً أوروبية. فحتى اليوم، كانت الدول الأوروبية تعيش في ظل الحماية الأطلسية (البند الخامس) وخصوصاً المظلة النووية الأميركية، باعتبار أن ترسانة واشنطن هي الكبرى في العالم. والسؤال يتناول مصير هذه الحماية إذا انسحبت الولايات المتحدة من الحلف، أو رفض رئيسها تفعيل البند الخامس. من هنا، العودة إلى الالتفات إلى فرنسا وبريطانيا، وهما الدولتان النوويتان في أوروبا، والبدء بطرح موضوع المظلة النووية الأوروبية. لكنّ أمراً كهذا، يثير كمّاً لا يحصى من الأسئلة، وأولها: بيد من سيكون قرار اللجوء إلى السلاح النووي، وهل ستقبل باريس ولندن تسخير ترسانتيهما لصالح أطراف الحلف الأخرى؟

البحث لا يزال في بداياته. والشيء نفسه يصح عن المزاعم الأميركية بخصوص إمكانية نشر روسيا أسلحة نووية في الفضاء مضادة للأقمار الاصطناعية، ما يطرح إشكالية تسليح الفضاء نووياً...ولا شك في أن النقاش بشأن هاتين المسألتين سيشغل الحلف الأطلسي ومعه بقية العالم، لأشهر طويلة.


مقالات ذات صلة

بوتين يُحذر الولايات المتحدة من نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (قناة الكرملين عبر «تلغرام»)

بوتين يُحذر الولايات المتحدة من نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه إذا نشرت الولايات المتحدة صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا، فإن روسيا ستنشر صواريخ في مناطق تُمكِّنها من الوصول إلى الغرب.

أوروبا سفينة تتبع حرس الحدود الفنلندي (صفحته على «فيسبوك»)

فنلندا تشتبه باختراق سفينة روسية مياهها الإقليمية

قالت فنلندا إنها تشتبه باختراق سفينة روسية مياهها الإقليمية، في خضم توترات متصاعدة بين البلدين الجارين على خلفية انضمام هلسنكي إلى حلف شمال الأطلسي.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
العالم كير ستارمر يصرّ على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة (أ. ف. ب)

رئيس وزراء بريطانيا: العالم لن يتغافل عن معاناة المدنيين في غزة

أصرّ رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على ضرورة توقيع وقف فوري لإطلاق النار بغزة، وحذّر من أن «العالم لن يتغافل» عن المعاناة التي يواجهها «المدنيون الأبرياء».

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري صورة أرشيفية لترمب وستولتنبيرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)

تحليل إخباري ترمب وأوروبا: غموض حول مستقبل «الناتو»... و«سلام عادل» في أوكرانيا

يراقب قادة أوروبا الانتخابات الأميركية باهتمام كبير ممزوج بقدر من القلق، وسط مخاوف من تداعيات عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على حلف شمال الأطلسي.

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا جنود في الجيش النرويجي (رويترز)

أوروبا تتجه للتجنيد الإجباري خوفاً من اتساع نطاق الحرب الروسية - الأوكرانية

تتجه الدول الأوروبية إلى التجنيد الإجباري مع ازدياد المخاوف من تحول الحرب الروسية على أوكرانيا إلى صراع أوسع يشمل عديداً من الدول الغربية الكبرى.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

لافروف: تصريحات كييف في شأن مفاوضات السلام «متناقضة»

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مشاركته باجتماع «آسيان» في عاصمة لاوس فينتيان الجمعة (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مشاركته باجتماع «آسيان» في عاصمة لاوس فينتيان الجمعة (رويترز)
TT

لافروف: تصريحات كييف في شأن مفاوضات السلام «متناقضة»

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مشاركته باجتماع «آسيان» في عاصمة لاوس فينتيان الجمعة (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مشاركته باجتماع «آسيان» في عاصمة لاوس فينتيان الجمعة (رويترز)

رأى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، السبت، أن تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزير خارجيته حول مفاوضات السلام تنم عن تناقض، مؤكداً أنه «لا يستمع إليهما».

ولافروف الموجود في فينتيان بلاوس، كان يتحدث بعد زيارة للصين قام بها هذا الأسبوع وزير الخارجية الأوكراني، ديمتري كوليبا، وإثر تصريحات لزيلينسكي رأى فيها أن بكين وجهت «إشارة دعم واضحة» لوحدة أراضي أوكرانيا.

ورداً على أسئلة طرحها صحافيون على هامش اجتماع رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، كان لافروف يشير إلى تعليقات أخيرة لزيلينسكي وكوليبا انطوت في رأيه على شيء من الازدراء.

ففي مقابلة مع قناة «تي إس إن» الأوكرانية خصصت لزيارته لبكين، الجمعة، أعلن كوليبا أنه لا يمكن إجبار كييف على التفاوض مع موسكو، وأن بكين التي ترغب في أداء دور الوسيط بين البلدين تحترم وحدة أراضي أوكرانيا.

مصافحة بين وزيري خارجية الصين وانغ يي وروسيا سيرغي لافروف في عاصمة لاوس فينتيان الخميس (أ.ف.ب)

وعلق لافروف بالقول إن كوليبا «لا يقول ذلك للمرة الأولى، وقد أعلن أحياناً موقفاً مناقضاً تماماً». أضاف: «قبل وقت غير بعيد، تحدث (الأوكرانيون) عن مفاوضات. أبدى زيلينسكي استعداده للجلوس إلى طاولة مفاوضات مع ممثلين لروسيا. ولأكون صادقاً، لا أستمع إليهم».

كذلك، أوضح لافروف أنه تطرق خلال محادثاته مع نظيره الصيني، وانغ يي، في فينتيان إلى التصريحات التي صدرت خلال زيارة كوليبا، مؤكداً أن الروس «شعروا بأن الموقف الصيني لم يتغير».

وفي رأيه يرى أن بكين تشدد على وجوب أن يكون شكل مفاوضات السلام «مقبولاً لدى جميع الأطراف».

وأعلن زيلينسكي أخيراً أنه يجب أن تمثَّل موسكو في قمة ثانية حول السلام، بخلاف ما حصل خلال قمة أولى استضافتها سويسرا في يونيو (حزيران) الفائت، الأمر الذي دفع الصين إلى عدم المشاركة فيها.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتفقد جنوداً جرحى في أحد مستشفيات كييف السبت (أ.ف.ب)

وتناول لافروف أيضاً الموقف الذي يمكن أن يتبناه الرئيس الأميركي السابق الجمهوري، دونالد ترمب، حيال أوكرانيا في حال فاز في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية، وقال: «فيما يتعلق بترمب، سمعت أنه اقترح إقراض أوكرانيا 500 مليار دولار، بدلاً من مجرد إعطائها المال»، لافتاً إلى أن ذلك يعكس براغماتية «رجل أعمال». أضاف: «لا يمكنني أن أعلق على أفكار عديدة ليست جدية فعلاً... حين يتم طرح شيء جدي، مثلما قال الرئيس (فلاديمير بوتين)، نحن جاهزون دائماً لإجراء حديث صادق، مع أخذ الحقائق الراهنة في الاعتبار».

ميدانياً، قال مصدر بالمخابرات العسكرية الأوكرانية لوكالة «رويترز» إن طائرات مسيّرة أوكرانية ألحقت ضرراً بقاذفة قنابل استراتيجية روسية من طراز «تو - 22 إم 3» في مطار عسكري بشمال روسيا.

وأضاف المصدر أنه تمت إصابة قاذفة القنابل فرط الصوتية بعيدة المدى، في مطار أولينيا العسكري قرب أولينيغورسك بشمال روسيا.

وذكرت صحيفة «أوكراينسكا برافدا» أن المطار الذي تُقلع منه الطائرات الاستراتيجية الروسية لشن هجمات صاروخية على أوكرانيا، يبعد 1800 كيلومتر عن الحدود الأوكرانية.

وأضافت الصحيفة أنه تم شن هجمات أخرى على روسيا شملت مطاراً عسكرياً في مدينة إنعلز بمنطقة ساراتوف، ومطار دياغيليفو في منطقة ريازان. كما أصابت طائرة مسيّرة مصفاة نفط في ريازان.

نيران تتصاعد من مسيرة روسية أسقطتها الدفاعات الأوكرانية في خيرسون الجمعة (رويترز)

ولم يتسن لـ«رويترز» التحقق من التقارير على نحو مستقل.

وفي المقابل، أعلنت روسيا، السبت، سيطرتها على بلدة جديدة شرق أوكرانيا حيث تواصل تقدمها البطيء منذ أشهر من دون تحقيق خرق كبير في هذه المرحلة.

وقالت وزارة الدفاع الروسية في تقريرها اليومي إن «وحدات من مجموعة القوات المركزية حررت بلدة لوزوفاتسكي».

تقع هذه البلدة شرق مدينة بوكروفسك، في قطاع أوتشريتين حيث تقدمت القوات الروسية بسرعة نسبياً في الأشهر الأخيرة.

بدأت روسيا تكتسب المزيد من الأرض منذ فشل الهجوم الأوكراني المضاد الكبير في صيف 2023، وسقوط أفدييفكا في فبراير (شباط).

وتواجه القوات الروسية جيشاً أوكرانياً يفتقر إلى الأسلحة والذخيرة مع تفكك المساعدات الغربية، ويواجه صعوبات في التجنيد.