الاتحاد الأوروبي في زمن العواصف... بين حلم «المؤسسين» وواقع «السيادة»

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لايين (رويترز)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لايين (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي في زمن العواصف... بين حلم «المؤسسين» وواقع «السيادة»

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لايين (رويترز)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لايين (رويترز)

في خطاب ألقته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لايين، عن حال الاتحاد الأوروبي في سبتمبر (أيلول) 2023، عبّرت السيدة الألمانية التي تولت عدداً من المناصب الوزارية في عهد المستشارة أنغيلا ميركل آخرها منصب وزيرة الدفاع (2013 – 2019)، عن أملها في أن تكون الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو (حزيران) المقبل «الوقت المناسب لاتخاذ القرار بشأن المستقبل الذي يتمناه الناخبون وأوروبا التي يريدونها». وأكدت أن «اتحادنا اليوم يعكس رؤية أولئك الذين حلموا بمستقبل أفضل بعد الحرب العالمية الثانية»...

لا جدال في شأن الحلم الأوروبي - الذي بدأ مع المؤسسين - بمستقبل آمن وسلام دائم وازدهار وافر بعد حربين عالميتين قاسيتين وما سبقهما من حروب على مدى قرون في قارة فسيفسائية معقدة. أما قول فون در لايين إن الاتحاد الأوروبي يعكس تلك الرؤية اليوم ففيه الكثير من المبالغة والقليل من الواقع. ويكفي هنا أن نتذكر حرب البوسنة التي خلخلت استقرار منطقة البلقان وأوروبا كلها، وحرب أوكرانيا وروسيا التي ستكمل بعد أقل من شهر عامها الثاني من دون أن يكون في الأفق ما يشير إلى خط النهاية فيها. وإذا كان صحيحاً أن هاتين الحربين لا تدخلان ضمن النطاق الجغرافي للاتحاد الأوروبي، فإن الصحيح أيضاً أنهما طالتاه بتداعياتهما العميقة، والأصح أنهما أثبتتا عجز التكتل عن التعامل معهما استباقياً بمعنى الحؤول دون وقوعهما، واستلحاقياً بواقع العجز عن إنهائهما.

واليوم يقف الاتحاد الأوروبي بدوله السبع والعشرين وسط لجج متلاطمة، أولاها جيوسياسي وآخرها اقتصادي، مع سلسلة متنوعة من المشكلات الممتدة بينهما.

جنود أوكرانيون قرب الحدود مع بيلاروسيا (أ.ف.ب)

 

معضلة دعم أوكرانيا

يقول كارل بيلدت، رئيس الوزراء السويدي سابقاً (1991 – 1994)، إن العام 2024 مليء بالتحديات للاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها حكماً الحرب في أوكرانيا حيث «سيطيل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النزاع لأطول فترة ممكنة»، على حد تعبيره.

ولا شك في أن أوروبا كلها تتلظى بين نارين هنا، نار انقطاع الغاز الروسي عنها بقرار من الاتحاد نفسه مدفوعاً بضغط أميركي، مع ما يرتبه ذلك من أكلاف باهظة على موازنات الدول وجيوب الأفراد، ونار استمرار الدعم العسكري لكييف الذي استنزف مليارات اليوروهات من خزائن عواصم الاتحاد ومخازن أسلحة جيوشها.

وعلى الرغم من الخلافات بين الدول الأعضاء على حجم المساعدة المطلوبة لأوكرانيا، فإنها كلها منضوية تحت لواء استمرار الدعم، مدركةً أن الرئيس الروسي صار قادراً أكثر على خوض حرب طويلة المدى، مراهناً على التعب الأوروبي من الاستنزاف الاقتصادي، وكذلك على الاحتمال الكبير لفوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تقام الخريف المقبل وبالتالي تراجع دعم واشنطن لكييف كون ترمب يؤكد مراراً وتكراراً أنه لو كان رئيساً لما اندلعت هذه الحرب...

في ظل هذا الواقع، لا يجد الأوروبيون «الاتحاديون» مفراً من مواصلة ما غرقوا فيه: دعم أوكرانيا. وهنا يقول كارل بيلدت: «لإنهاء الحرب، يجب على الأوروبيين أن يثبتوا لبوتين أن تصميمهم ثابت وأن يتخذوا خطوات واضحة لإعداد أوكرانيا لمستقبل من السلام، بغض النظر عما يحدث في واشنطن».

وقد رأينا وزير الخارجية الفرنسي الجديد ستيفان سيجورنيه يجزم من كييف قبل أيام بأن فرنسا ستواصل الدعم العسكري لأوكرانيا، واعداً أيضاً بتشجيع شركات فرنسية على الاستثمار في الدولة الغارقة في الحرب.

لكن لب المشكلة يبقى في كلفة الدعم ومدته، وكيف ستستطيع أوروبا أن تتعامل مع واقع ما بعد الحرب من حيث مصير أوكرانيا بنظامها وجغرافيتها، والأهم من حيث العلاقة مع روسيا.

مقاتلة بريطانية من طراز «تايفون» في قاعدة أكروتيري بقبرص قبل إقلاعها لضرب أهداف للحوثيين (أ.ب)

غزة والشرق الأوسط

قبل أيام، حض وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إسرائيل على القبول بحل الدولتين مع الفلسطينيين بعد الحرب في غزة.

هذه الحرب أغرقت الشرق الأوسط في اضطرابات جديدة وأثارت مخاوف من صراع أوسع نطاقاً، ولا حاجة هنا إلى سرد ما يحصل في لبنان والعراق وبالطبع البحر الأحمر.

مرة جديدة، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام معضلة التأييد «الطبيعي» لما يعتبره «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس» وفي الوقت نفسه حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وبالتالي في العيش ضمن حدود دولة مستقلة.

والواقع المرّ أن بروكسل لا تستطيع الدفع في اتجاه سلام حقيقي لأن المفتاح لذلك موجود في مكان آخر. وبالتالي تجد الحكومات الأوروبية أنفسها ملزمة بمواصلة دعم الموقف الإسرائيلي، في موازاة استهوال ما يحصل من مجازر بحق الفلسطينيين في غزة، والاكتفاء بدور الداعم المالي الأكبر للشعب القابع تحت الاحتلال والقيام بحراك دبلوماسي لا يسمن ولا يغني من جوع.

والحال الأوروبي لا يختلف حيال ما يجري في البحر الأحمر من تصعيد يقوده الحوثيون. ويبدو موقف بروكسل شبيهاً بموقف المراقب. وها هو فالديس دومبروفسكيس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، الذي يراقب اقتصاد التكتل، يقول إن حركة الشحن عبر البحر الأحمر انخفضت 22% في شهر واحد بسبب هجمات الحوثيين المدعومين مع إيران. ويضيف: «لم يكن هناك تأثير يذكر على أسعار الطاقة أو تأثير بشكل عام على أسعار السلع حتى الآن. لكننا نرى تأثيرا على أسعار النقل التي ارتفعت... إنه بالتأكيد عامل خطر». ويلاحظ السياسي اللاتفي أن «التأثير الاقتصادي الأوسع على أسعار المستهلكين واقتصاد الاتحاد الأوروبي بوجه عام سيعتمد بدرجة كبيرة على مدة هذه الأزمة... وبالتالي، من الضروري اتخاذ إجراء سريع».

لكن ما هو هذا الإجراء؟

تحدث مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق «من حيث المبدأ» على تشكيل «مهمة بحرية لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر»... وفي انتظار عمل ملموس، يأتي الرد الميداني من الولايات المتحدة وبريطانيا التي خرجت من الاتحاد في 31 يناير (كانون الثاني) 2020.

مقاتلة «ج 15» صينية تقلع من حاملة الطائرات «شاندونغ» خلال تدريب في بحر الصين الجنوبي (أ.ب)

شرق آسيا

لا يستطيع الاتحاد الأوروبي عدم التفاعل مع ما يجري في محيط الصين.

«لدينا مصلحة عميقة في تحقيق الاستقرار في شرق آسيا أيضاً. وفي ما يتعلق بمسألة مستقبل تايوان، فإن كل كلمة لها أهميتها، ويظل الحذر هو السياسة الأكثر حكمة. يجب على تايبيه وبكين تشكيل علاقتهما المستقبلية مع مرور الوقت في سلام ودون أي نوع من الإكراه. إن الصراع حول مستقبل تايوان سرعان ما قد يتحول إلى صراع بين الولايات المتحدة والصين، وستكون له عواقب عالمية عميقة»، كما يقول كارل بيلدت.

أما جوزيب بوريل فيقول: «آسيا هي المنطقة الأكثر ديناميكية في العالم، والأزمات الدولية الرئيسية تؤثر في جنوب شرق آسيا. وبالتالي على الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر حضوراً وانخراطاً في هذه المنطقة المحورية. والعمل مع رابطة آسيان وتعميق شراكتنا الاستراتيجية أمر أساسي للقيام بذلك».

تتألف رابطة آسيان من الدول الآتية: بروناي، بورما (ميانمار)، كمبوديا، إندونيسيا، لاوس، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، فيتنام. وتضم الدول العشر 647 مليون نسمة مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 2.9 تريليون دولار.

لا عجب أن تواجه منطقة تشهد نمواً اقتصادياً مطّرداً، ديناميكيات جيوسياسية كبيرة، خصوصاً في ظل التنافس المتعاظم بين الولايات المتحدة والصين. وفي الوقت نفسه، تتصاعد التوترات الأمنية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، حيث تؤدي المطالبات الإقليمية المتداخلة، وإجراء التدريبات البحرية إلى توترات بين الجيران. وتتفاوض رابطة «آسيان» والصين على مدونة قواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي، لكن يبدو من غير المرجح أن تنتهي هذه المحادثات في وقت قريب. وبالتوازي مع ذلك، أصبحت الولايات المتحدة أكثر نشاطا في المنطقة، مع التمسك بمبدأ حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي.

للدلالة على أهمية هذه المنطقة بالنسبة إلى بروكسل، أن الاتحاد الأوروبي هو ثالث أكبر شريك تجاري لـ«آسيان» بعد الصين والولايات المتحدة، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 280.6 مليار دولار أميركي عام 2019. منذ عام 1998، تسجل منطقة «آسيان» فائضاً تجارياً مع الاتحاد الأوروبي، بلغ ذروته عند 54.6 مليار دولار عام 2017. وكان الاتحاد الأوروبي أيضًا ثالث أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة عام 2019 بتدفقات بلغت 16.2 مليار دولار، وهو ما يمثل 10.1في المائة من الاستثمار الأجنبي المباشر هناك.

يلتقي وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي نظراءهم من دول «آسيان» في الثاني من فبراير (شباط) المقبل في بروكسل، ويرأس الاجتماع جوزيب بوريل. وسيتركز البحث على تعزيز «الشراكة الاستراتيجية» التي أطلقاها عام 2020، والاتفاق على عقد مؤتمرات قمة منتظمة على مستوى القادة.

هذا يقود إلى السؤال عن مدى التاثير «الميداني» للاتحاد الأوروبي هناك، والجواب أنه شبه معدوم في ظل تصادم العملاقين الأميركي والصيني، صاحبي الاقتصادين الأول والثاني عالمياً.

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز)

العائلة الاتحادية

هذه التحديات الجيوسياسية والجيو – اقتصادية الكبرى وسواها، تنعكس بقوة على داخل العائلة الأوروبية. ولئن كان الاتحاد الأوروبي قد نجح بعض الأحيان في تجنب العواصف التي تحملها أزمات كبيرة، فإنه يبدو مشوباً بكثير من الهشاشة هذه المرة.

ولعل أول التحديات المقبلة المتأثرة بكل ما سبق مسألة توسيع الاتحاد ليشمل دولاً مثل أوكرانيا ومولدوفا، وأخرى في غرب البلقان مثل ألبانيا ومقدونيا الشمالية ومونتينيغرو وكوسوفو.

لكن المسألة ليست بهذه البساطة، ففي زمن الحروب نرى الدول تعود إلى لغة السيادة الوطنية وكذلك التدابير الحمائية للاقتصاد، وهو ما يناقض فلسفة الاتحاد الأوروبي. لذلك نرى تصاعد الاتجاهات السيادية المشككة في صواب توسيع الاتحاد وتحقيق مزيد من الاندماج بين أعضائه. وهي لغة تعلو أصواتها في هولندا والمجر وبولندا وسلوفاكيا مع القوى الحاكمة، وفي صفوف الأحزاب المعارضة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وفنلندا...

لكن المشكلة الكبرى تكمن في الأمن، فكل أعضاء الاتحاد الأوروبي من الاندماجيين والمتحفظين والمشككين يحتاجون إلى الغطاء الأمني الذي يوفره حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبالتالي لا يبدو المستقبل الأوروبي متعلقاً بديناميكيات الاتحاد بمقدار تعلقه بما سيجري على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي بعد أشهر...

 


مقالات ذات صلة

طهران: مستعدون للتفاوض مع واشنطن

شؤون إقليمية المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني (موقع جماران)

طهران: مستعدون للتفاوض مع واشنطن

أكدت الحكومة الإيرانية، أمس (الثلاثاء)، استعدادها للتفاوض مع واشنطن ودول غربية، لكنها حددت لذلك شرطي «إثبات الثقة» و«الالتزام بأوامر المرشد» علي خامنئي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك يتحدث قبل «مؤتمر الصناعة 2024» (د.ب.أ)

وزير الاقتصاد الألماني يطالب بتغيير قواعد ديون الاتحاد الأوروبي

قال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، إنه يسعى لتغيير قواعد الديون التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس داخل الاتحاد الأوروبي، واصفاً إياها بـ«الخطر الأمني».

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية صورة عامة لمفاعل بوشهر النووي في إيران على بعد 1200 كيلومتر جنوب طهران في 21 أغسطس 2010 (رويترز)

طهران مستعدة للتفاوض مع واشنطن «بناء على الثقة»

قالت الحكومة الإيرانية، (الثلاثاء)، إن المفاوضات المرتقبة في جنيف حول مصير البرنامج النووي، ستعتمد على «أوامر المرشد علي خامنئي ومصالح الإيرانيين».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

في خطوة عدّها الاتحاد الأوروبي «علامة فارقة في الشراكة الثقافية مع ليبيا»، يواصل مهرجان للأفلام الأوروبية عرض الأعمال المشاركة في العاصمة طرابلس حتى الخميس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد لقائهما في أثينا الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أمين عام «الناتو»: الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» في دعمه أوكرانيا

قال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الثلاثاء، إن الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» لدعم أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (أثينا)

اجتماع لمجلس «الناتو - أوكرانيا» لبحث دعم كييف والضربة الصاروخية الروسية

الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمس» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمس» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
TT

اجتماع لمجلس «الناتو - أوكرانيا» لبحث دعم كييف والضربة الصاروخية الروسية

الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمس» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)
الجيش الأميركي يختبر نظام صواريخ «أتاكمس» في نيومكسيكو (أ.ف.ب)

يعقد حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأوكرانيا الثلاثاء اجتماعا في بروكسل على مستوى السفراء، لبحث التصعيد على الجبهة وإطلاق صاروخ روسي باليستي فرط صوتي على أوكرانيا، الأمر الذي تسبب في توتر متزايد بين أعضاء الحلف وموسكو، والذي تزامن مع تقدم القوات الروسية بأسرع وتيرة منذ الأيام الأولى للغزو عام 2022، إذ سيطرت على مناطق كبيرة خلال الشهر الماضي، حسب مصادر طرفي النزاع.

وأشاد الرئيس الروسي بالصاروخ المعروف باسم «أوريشينك» باعتباره فريدا من نوعه في العالم، معلنا إنتاج سلسلة منه. ووفقا لموسكو، يمكن للصاروخ التحليق بسرعات تفوق سرعة الصوت ولن تتمكن الأنظمة المضادة للطائرات من رصده. ويفترض خبراء أن الصاروخ يمكن من الناحية التقنية تزويده أيضا برؤوس حربية نووية.

وتدخل الحرب في أوكرانيا ما يصفه بعض المسؤولين الروس والغربيين بأنه المرحلة الأكثر خطورة بعد أن حققت قوات موسكو جانبا من أكبر المكاسب فيما يتعلق بالسيطرة على الأراضي وبعد أن سمحت الولايات المتحدة لكييف بالرد باستخدام صواريخ أمريكية.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه يعتقد أن الأهداف الرئيسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي احتلال منطقة دونباس بأكملها، التي تشمل منطقتي دونيتسك ولوهانسك، وطرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك التي تسيطر على أجزاء منها منذ أغسطس (آب).

وذكرت مجموعة «أجنتستفو» الإخبارية الروسية المستقلة في تقرير أن «روسيا سجلت أرقاما قياسية أسبوعية وشهرية جديدة من حيث مساحة الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا». وأوضحت أن القوات الروسية سيطرت على نحو 235 كيلومترا مربعا في أوكرانيا خلال الأسبوع المنصرم، وهي مساحة قياسية أسبوعية لعام 2024.

وأضافت أن القوات الروسية سيطرت على 600 كيلومتر مربع في نوفمبر (تشرين الثاني)، نقلا عن بيانات من مجموعة «ديب ستيت» التي تربطها صلات وثيقة بالجيش الأوكراني وتدرس صورا ملتقطة للقتال وتوفر خرائط للخطوط الأمامية. وقالت المجموعة عبر «تلغرام» الاثنين إن القوات الروسية موجودة بالقرب من كوراخوف.

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)

ووفقا لخرائط مفتوحة المصدر، كما نقلت عنها «رويترز»، بدأت روسيا التقدم بشكل أسرع في شرق أوكرانيا في يوليو (تموز)، بمجرد أن تمكنت القوات الأوكرانية من الاستيلاء على جزء من منطقة كورسك غرب روسيا. ومنذ ذلك الحين تسارع التقدم الروسي. وقال محللون في معهد دراسة الحرب، الذي يتخذ من واشنطن مقرا، في تقرير: «تتقدم القوات الروسية في الآونة الأخيرة بمعدل أسرع بكثير مما سجلته في عام 2023 بأكمله».

وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية في تحديث صادر الاثنين إن 45 معركة متفاوتة الشدة دارت بمحاذاة كوراخوف على خط المواجهة في فترة المساء.

اجتماع الثلاثاء لمجلس الناتو - أوكرانيا، وهو هيئة تم إنشاؤها في 2023 لتسهيل الحوار بين كييف وحلف شمال الأطلسي، جاء بطلب من كييف. وأشار مسؤول في الحلف إلى أن الاجتماع سيكون فرصة للبحث في «الوضع الراهن في أوكرانيا وسيتضمن إحاطات من المسؤولين الأوكرانيين عبر الفيديو».

وقال وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيغا في مؤتمر صحافي الجمعة إن أوكرانيا تنتظر قرارات «ملموسة ومهمة» ضد روسيا بعد اجتماعها مع دول حلف شمال الأطلسي. وأوضح الوزير أن كييف ستطرح «كيفية الحد من قدرة روسيا على إنتاج هذا النوع من الأسلحة».

خبراء أوكرانيون يعاينون بقايا صاروخ روسي الاثنين في خاركيف (إ.ب.أ)

وهاجمت روسيا مدينة دنيبرو الأوكرانية بصاروخ جديد متوسط المدى صباح الخميس الماضي. ويأتي ذلك ردا على ضرب كييف أهدافا عسكرية في الأراضي الروسية بصواريخ «أتاكمس» الأميركية و«ستورم شادو» البريطانية التي يتخطى مداها بضع مئات من الكيلومترات. وهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرب الدول التي تزود الأوكرانيين هذه الصواريخ، معتبرا أن الحرب في أوكرانيا اتخذت «طابعا عالميا».

وأعلنت الولايات المتحدة في نهاية الأسبوع أنها تتوقع أن آلافا من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريبا» في القتال ضد القوات الأوكرانية.

قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن المملكة المتحدة لن ترسل قوات إلى أوكرانيا، وذلك عقب ورود تقرير إخباري يشير إلى أن بريطانيا وفرنسا تناقشان هذه الاحتمالية. وذكرت صحيفة «لوموند» الاثنين نقلا عن مصادر لم تسمها أن فرنسا وبريطانيا «لا تستبعدان» إرسال قوات وشركات دفاعية خاصة لأوكرانيا.

وقال لامي لدى سؤاله بشأن التقرير في حوار إن موقف بريطانيا الثابت بشأن عدم إرسال قوات برية في أوكرانيا لم يتغير. وأضاف لامي لصحف «لا ريبوبليكا» و«لوموند» و«دي فيلت» خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في إيطاليا: «نحن واضحون للغاية بشأن استعدادنا واستمرارنا في دعم الأوكرانيين بالتدريب على وجه خاص، ولكن هناك موقف ثابت منذ فترة طويلة وهو أننا لن نرسل قوات بريطانية إلى الجبهة الأمامية». وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء كير ستارمر إنه لا توجد «خطط» لإرسال قوات إلى أوكرانيا.

وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس (أ.ف.ب)

ويأتي ذلك وسط مخاوف تثيرها عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض لدى أوكرانيا وأوروبا من إجبار كييف على قبول تنازلات عن الأرض، ما يمنح نصرا عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا لروسيا، ويغذي طموحات بوتين الجيوسياسية.

واجتمع مسؤولو الدفاع من ألمانيا وفرنسا وبولندا وإيطاليا والمملكة المتحدة في برلين الاثنين لمناقشة التدابير اللازمة لتعزيز الأمن والدفاع في أوروبا. وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بعد الاجتماع إن ألمانيا ودولا أخرى في حلف «الناتو» تعتزم تعزيز إنتاج الأسلحة داخل أوكرانيا ردا على التصعيد الروسي في الحرب.

وقال إن تطوير وشراء طائرات مسيرة يتم التحكم فيها بالذكاء الاصطناعي يمثل أولوية، وكذلك تحسين التعاون للمساعدة في إنتاج الذخيرة. وتابع بيستوريوس: «يجب أن تكون أوكرانيا قادرة على التحرك من موقع قوة». وقال، حسب «وكالة الأنباء الألمانية»، إن غزو روسيا لأوكرانيا «اتخذ بعدا دوليا»، في إشارة إلى ما يقدر بنحو 10 آلاف جندي من كوريا الشمالية أحضرهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى روسيا للتدريب والقتال في أوكرانيا.

واتصل وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف بالاجتماع لمدة نصف ساعة. واكتسب هذا الاجتماع أهمية خاصة في ضوء تنصيب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة مجددا في يناير (كانون الثاني) المقبل. ويطالب ترمب أوروبا باستثمار المزيد من الأموال بشكل كبير في أمنها.

وذكرت شبكة «آر بي سي» الإعلامية الروسية الثلاثاء نقلا عن مصادر لم تذكرها بالاسم أن اللفتنانت جنرال ألكسندر سانشيك تم تعيينه قائدا مؤقتا لوحدة عسكرية روسية تسمى «وحدة الجنوب». ويأتي ذلك بعد إقالة القائد السابق للوحدة، وهي واحدة من الوحدات العسكرية الكبيرة المشاركة في الغزو الروسي لأوكرانيا.

قال سيرجي ناريشكين مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية الثلاثاء إن روسيا تعارض تجميد الصراع في أوكرانيا لأن موسكو بحاجة إلى «سلام راسخ وطويل الأمد» يعالج الأسباب الجذرية للأزمة. وأضاف أن روسيا في موقع قوة في ميدان المعركة. وتابع قائلا إن روسيا تعارض بشكل قاطع «تجميد الصراع»، مضيفا أنها ترغب في سلام طويل الأمد وأنها منفتحة على إجراء محادثات.

وحذر المسؤول الروسي البارز دميتري ميدفيديف الثلاثاء من أنه إذا زود الغرب أوكرانيا بأسلحة نووية فقد ترى موسكو في هذا ما يمكن أن يمثل هجوما على روسيا ويوفر الأساس لرد نووي. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي أن مسؤولين غربيين لم تكشف هوياتهم أشاروا إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يمد أوكرانيا بأسلحة نووية على الرغم من الخوف من أن يكون لمثل هذه الخطوة عواقب وخيمة. وقال ميدفيديف، الذي شغل منصب رئيس روسيا بين عامي 2008 و2012، على «تلغرام»: «يعكف سياسيون وصحافيون أميركيون على مناقشة عواقب نقل أسلحة نووية إلى كييف». وأضاف أن مجرد التهديد بنقل مثل هذه الأسلحة النووية قد يعتبر استعدادا لحرب نووية ضد روسيا. ومضى يقول: «النقل الفعلي لمثل هذه الأسلحة يعادل في الأمر الواقع شن هجوم على بلادنا» بموجب العقيدة النووية الروسية المعدلة حديثا.

رجال إطفاء أوكرانيون يعملون في مكان ما بعد هجوم جوي في دنيبرو وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

أعلنت القوات الجوية الأوكرانية، في بيان عبر تطبيق «تلغرام»، الثلاثاء، أن الدفاعات الجوية الأوكرانية أسقطت 76 من أصل 188 طائرة مسيرة أطلقتها روسيا على الأراضي الأوكرانية الليلة الماضية. وقال البيان إن القوات الروسية شنت هجمات على أوكرانيا، خلال الليل، باستخدام صواريخ باليستية من طراز «إسكندر-إم» تم إطلاقها من منطقتي فورونيج وكورسك، حسبما ذكرت «وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية» (يوكرينفورم). وأضاف البيان أن موسكو أطلقت عددا قياسيا من الطائرات المسيرة من طراز «شاهد» وأخرى من طرازات مجهولة الهوية، وتم إطلاقها من مناطق أوريول وبريانسك وكورسك وبريمورسكو-أختارسك.

وأعلنت القوات الجوية الأوكرانية تضرر مبان سكنية والبنية التحتية الحيوية مثل شبكة الكهرباء الوطنية جراء الهجمات، حسبما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس».

من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان الثلاثاء، أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت خلال الليلة الماضية 39 طائرة مسيرة أوكرانية، فوق أراضي مقاطعات روسية عدة.