يواجه الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، مهمة شبه مستحيلة في واشنطن التي زارها للمرة الثالثة منذ اندلاع الحرب في بلاده، في محاولةٍ لإقناع المشرِّعين بضرورة تمرير المساعدات لكييف.
فإصرار الجمهوريين على عدم المساومة على مواقفهم الرافضة لأي مساعدات من دون تسوية على أمن الحدود، بدا واضحاً في تصريحاتهم العلنية التي أكدوا فيها أن زيارة زيلينسكي، رغم أهميتها فإنها لن تُغيّر من مواقفهم. فقال السيناتور الجمهوري جون ثون: «الجمهوريون لن يُغيّروا موقفهم. نريد أن نساعد زيلينسكي لكننا نريد أن يتعامل الديمقراطيون بجدية مع الحدود... الأمر بهذه البساطة»، وهذا ما شدد عليه السيناتور الجمهوري جيمس لانكفورد، الذي يقود جهود التفاوض مع الحزب الديمقراطي على أمن الحدود والتمويل.
لانكفورد شدد على أن أعضاء الكونغرس «يريدون أن يسمعوا من زيلينسكي تفاصيل ما يجري في أوكرانيا» لكنّه أضاف بلهجة مشكِّكة: «لكنْ إنْ طلب منّا الاهتمام ببلاده من دون التركيز على بلادنا، فهذا لن يحصل»، واستبعد لانكفورد أن يتوصل الكونغرس إلى أي تسوية لإقرار التمويل قبل العام المقبل، مشيراً إلى عدم وجود حلحلة في المفاوضات.
ارتباك ديمقراطي وهجوم جمهوري
وسعى الديمقراطيون إلى مواجهة هذا التشاؤم الجمهوري، فرأوا أن التوصل إلى تسوية لا يزال وارداً، رغم الصعوبات، فقال زعيم الديمقراطيين في الشيوخ تشاك شومر: «لم نتوصل إلى حلٍّ بعد، لكنّ الديمقراطيين سوف يستمرون في المحاولة كبادرة حُسن نية» وتابع شومر محذراً: «إذا استمر الجمهوريون في الإصرار على تطبيق سياسات دونالد ترمب حول الحدود، حينها سيتحملون المسؤولية لدى انهيار أي اتفاق بشأن المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل والمساعدات الإنسانية لغزة».
يتحدث شومر هنا عن حزمة التمويل الطارئ التي أرسلها بايدن إلى الكونغرس الشهر الماضي والتي بلغت قيمتها أكثر من 106 مليارات دولار منها قرابة 60 ملياراً لأوكرانيا و14 ملياراً لإسرائيل.
من ناحيته حذّر السيناتور الديمقراطي ديك دربن، من خطورة عدم إقرار المساعدات لأوكرانيا، فقال عن زيلينسكي: «إنها قضية حياة أو موت... رأيت ما يجري هناك واليأس الذي يشعر به، إنه مستعد للموت في سبيل قضيته...». وختم دربن: «إنها قضية دفعته أميركا للاستمرار فيها...».
لكنّ لهجة التعاطف هذه لم تتردد على لسان أغلبية الجمهوريين، على العكس، فقد هاجم البعض منهم زيلينسكي واتهموه بالتدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، وقال السيناتور الجمهوري جاي دي فانس: «زيلينسكي أسقط نفسه في الجدل الداخلي السياسي حول حدودنا. هو ليس هنا ليقول لنا أيَّ أمر جديد لم نسمعه من قبل، إنه هنا ليوبِّخ وليُرهب رئيس مجلس النواب والجمهوريين لإسقاط مفاوضاتهم حول الحدود وإعطائه شيكاً آخَرَ على بياض...».
إلا أن رئيس مجلس النواب بعيد كل البعد عن كتابة هذا الشيك على بياض، إذ قال في مقال كتبه في صحيفة «وول ستريت جورنال»: «أفهم ضرورة الحرص على عدم تفوق بوتين في أوكرانيا وأوروبا... لكني أقول لزيلينسكي إنه رغم أني أفهم هذا فإن موقفي واضح منذ اليوم الذي تسلمت فيه رئاسة المجلس، وهو أنه علينا أن نهتم بحدودنا أولاً وببلادنا...».
تصريح واضح وصريح، نتيجته شبه محسومة: مصير المساعدات لأوكرانيا معلّق حتى إشعار آخر، والأرجح أن زيلينسكي، رغم مساعيه الحثيثة لإقناع المشرعين بضرورة إقرار التمويل، يعلم أن مهمته لن تُكلَّل بالنجاح من دون اتفاق على أمن الحدود، وهو قال في خطاب بـ«جامعة الدفاع الوطني» في واشنطن قبيل اجتماعاته بأعضاء الكونغرس وبالرئيس الأميركي جو بايدن، إن تأخير المساعدات العسكرية لبلاده هو «تحقيق لأحلام» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك في أول موقف علني له حول الجدل الأميركي المرتبط بإقرار التمويل. وختم زيلينسكي برسالة مبطنة للأميركيين: «يجب أن يخسر بوتين... يمكنكم الاعتماد على أوكرانيا، ونأمل أن نتمكن من الاعتماد عليكم بالدرجة نفسها».