مركز أبحاث نرويجي: حان الوقت لتجميد الصراع في أوكرانيا

بشكل مماثل لإنهاء الحرب الكورية عن طريق التفاوض

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
TT

مركز أبحاث نرويجي: حان الوقت لتجميد الصراع في أوكرانيا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

​قال المستشار الألماني أولاف شولتز، الأربعاء، إنه حضّ الرئيس الروسي على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا خلال أول اجتماع لمجموعة العشرين عبر الفيديو يشارك فيه فلاديمير بوتين منذ بداية النزاع. وقال شولتز لصحافيين خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، في برلين: «دعوت الرئيس بوتين إلى إنهاء هجومه على أوكرانيا وسحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية حتى تنتهي هذه الحرب أخيراً».

وقالت ميلوني التي شاركت أيضاً في الاجتماع الافتراضي، إن مشاركة بوتين كانت «سهلة» لأنه لم يُضطر إلى مغادرة موسكو.

أولاف شولتز وجورجيا ميلوني (رويترز)

ورحبت ميلوني بعرض بوتين للتحرك من أجل السلام في أوكرانيا، مضيفةً: «علينا ألّا ننسى أن في أوكرانيا معتدياً و(طرفاً) تعرّض للاعتداء». وتابعت: «يكفي ببساطة أن تسحب روسيا قواتها من الأراضي التي غزتها».

وقبل أشهر قليلة، أصدر المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) تقريراً يؤكد الإجماع المتشدد بشأن الحرب الروسية-الأوكرانية: «لا تسوية مع موسكو... بل تجب هزيمتها بشدة ومعاقبتها». الآن يبدو أن التفاؤل بالانتصار في الحرب الذي ساد وسائل الإعلام الغربية طوال عام 2022 قد تلاشى. ويناقش عدد متنامٍ احتمالات وقف إطلاق النار، ويتعرض الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، نفسه لضغوط لبدء مفاوضات مع روسيا.

وقال ماثيو بلاكبيرن، الباحث البارز في مجموعة «أبحاث روسيا وآسيا والتجارة الدولية» بالمعهد النرويجي للشؤون الدولية، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إن الخبراء الذين توقعوا بجرأة هزيمة روسيا التي وصفوها بالضعيفة والتي لا تتمتع بالكفاءة يُغيّرون موقفهم بحصافة. ففي الوقت الحالي، تسود مزاعم بأن الحرب وصلت إلى طريق مسدود وحالة جمود ولا يستطيع أيٌّ من الطرفين الفوز فيها.

زيلينسكي وفون در لاين (أ.ف.ب)

ولهذا السبب، فقد حان الوقت لتجميد الصراع بشكل مماثل لإنهاء الحرب الكورية عن طريق التفاوض. وقد جرى اقتراح هذه الفكرة لأول مرة في مايو (أيار) 2023 في مقال بصحيفة «بوليتيكو». والآن، بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني، تجري مناقشة تجميد الصراع مجدداً. لكن هل هذا موقف واقعي؟

وقال بلاكبيرن إن شروط تجميد الصراع وإنهاء الحرب الكورية لا تنطبق حالياً على الحرب في أوكرانيا. ورأى أنه من الخطأ وصف حالة الحرب بأنها في جمود أو طريق مسدود والاعتماد في ذلك فقط على ملاحظة أن هناك القليل من الأراضي التي تخضع لسيطرة متغيرة.

الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (رويترز)

ففي حرب الاستنزاف، يكون الهدف هو إنهاك العدو وإجباره على الموافقة على الشروط. والأراضي التي تجري السيطرة عليها بعيدة كل البعد عن المؤشر الرئيسي للنجاح. ويمكن أيضاً قياس الإنجاز العسكري بأعداد الخسائر البشرية وكمية المعدات المدمرة. وفي هذا الصدد، تخلَّت أوكرانيا للتوّ عن هجوم فاشل تَسبب في تكبّدها خسائر فادحة في القوى البشرية والمعدات.

وقال إن أعداد القوات الأوكرانية تتراجع، ويفكر زيلينسكي في تعبئة جديدة سوف تؤدي بالتأكيد إلى إرهاق القدرة الاقتصادية والروح المعنوية للبلاد. ويواجه المدنيون في أوكرانيا شتاءً قاسياً، إذ من المؤكد أن تستهدف روسيا خلاله نظام الطاقة مرة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يكافح داعمو أوكرانيا الغربيون لتقديم إمدادات الذخيرة المنتظمة وغيرها من المعدات والأسلحة الأخرى مثل الطائرات المسيّرة والعربات المدرعة. ومن المرجح أن يضطرب الدعم الأميركي بسبب انهيار الدعم الحزبي للتمويل والمطالب الجديدة في الشرق الأوسط.

زيلينسكي وسط جنود أوكرانيين في زيارة للجبهة (أ.ف.ب)

من ناحية أخرى، فإن الإنتاج العسكري الروسي من المدفعية والطائرات المُسيّرة، التي تشكل أهم معدات هذه الحرب، ليس كافياً فحسب، وإنما تجري تكملته بمشتريات الطائرات المُسيّرة الإيرانية والقذائف الكورية الشمالية. وتبلغ الخسائر الروسية، التي غالباً ما يبالَغ فيها إلى حد كبير، 35780 جندياً على الأقل، وفقاً لموقع «ميديازونا» الإخباري المستقل، الذي تتبَّع الحصيلة بناءً على بيانات من مصادر مفتوحة.

وقد أضافت حملات التجنيد الجديدة نحو 335 ألف متطوع إلى الجيش الروسي منذ يناير (كانون الثاني) 2023، مما قلل الحاجة إلى عملية تعبئة ثانية. وفي حين أنه من المتوقع أن يصل تعداد الجيش الروسي إلى 750 ألف جندي، فإن الاقتصاد الروسي ينمو، مع عدم وجود مؤشرات على استياء النخبة أو المواطنين داخل البلاد. وتُذكّر العملية الحالية في أندرييفكا بمعركة باخموت، وهو نصر روسي لم يحظَ باهتمام كبير في الغرب ولكنه يعد نموذجاً لنهج روسيا البطيء، ولكنه ناجح في حرب الاستنزاف.

ورأى بلاكبيرن أن هذه الصورة بعيدة كل البعد عن الجمود. في الواقع، ربما تكون هناك حاجة قريباً إلى مستوى جديد من التدخل من حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتأمين حالة الجمود وتجنب هزيمة أوكرانيا.

الآن، لا أحد يعلم إلى متى ستستطيع أوكرانيا الصمود وما إجراءات الناتو التي يمكن أن تساعدها. وفي ظل هذه الديناميكيات، لا توجد أي حوافز على الإطلاق لروسيا لكي توافق على وقف إطلاق النار والذي سيؤدي فقط إلى تقويض استراتيجيتها العسكرية بأكملها ويمنح أوكرانيا الوقت للتعافي وإعداد نفسها للقتال في وقت ما في المستقبل.

وأضاف بلاكبيرن أن القوى العظمى لم تتفق على إنهاء الحرب. ولم تعد أوكرانيا تحارب وكلاء عن روسيا، كما كانت تفعل في الفترة بين عامي 2014 و2022، لكنها تقاتل روسيا مباشرةً. ومن غير الواضح ما إذا كانت الصين يمكن أن تُقنع روسيا بالتوصل إلى اتفاق، أو حتى ما إذا كان هذا في مصلحتها. وتبدو روسيا مستعدة للقتال لسنوات إلى أن تصل إلى خط مباشر مع واشنطن أو تحقق انهيار الدولة الأوكرانية.

وأشار بلاكبيرن إلى أن هناك نقطة أخرى شائكة وهي ما إذا كان الغرب قادراً على تقديم ضمانة أمنية مقبولة لروسيا. فمن ناحية، عارضت موسكو بشدة عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، وكان هدفها الرئيسي في الحرب هو «نزع سلاح» أوكرانيا، وهو ما يعني عدم نشر أي قوات تابعة لحلف الناتو أو أسلحة ثقيلة في البلاد.

ومن ناحية أخرى، كانت موسكو مستعدة للموافقة على حياد أوكرانيا إلى جانب الحصول على «ضمانات أمنية» من الناتو في مفاوضات مارس (آذار) 2022، وعلى أي حال، لن توافق روسيا، التي لها اليد العليا عسكريا، مطلقاً على خطة كييف للسلام التي تتكون من عشر نقاط. وسوف تنتظر موسكو أن تقوم واشنطن بحثّ أوكرانيا على اتخاذ موقف مختلف يقبل شكلاً من أشكال نزع السلاح والحياد، وهي نتيجة قد تؤجلها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.

وقد اعترف الجنرال فاليري زالوجني، قائد القوات الأوكرانية، بأنه كلما استمرت الحرب كان هذا أفضل لروسيا. ويتسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالواقعية، لكنه لن يخون مصالحه الأساسية عندما تكون الديناميكيات العسكرية في صالح روسيا. ولا يوجد ما يدعو إلى توقع أن يدافع أي شخص في النظام السياسي الروسي عن موقف مختلف بشكل جذري. وأي تسوية في أوكرانيا تنتهي بدمجها في حلف الناتو أو حصولها على أسلحة من الحلف غير مقبولة تماماً للدولة الأمنية الروسية والجيش الروسي، وكذلك بالنسبة إلى عشرات الملايين داخل روسيا الذين يؤيدون الحرب بقوة.

القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني يتحدث مع وزير الدفاع الأوكراني السابق أوليكسي ريزنيكوف خلال حفل الاحتفال بيوم استقلال أوكرانيا في 24 أغسطس 2023 (رويترز)

واختتم بلاكبيرن تقريره بالقول إنه يجب الحذر من تعليقات التراخي والتقاعس بشأن تجميد الصراع. الحرب ليست في حالة جمود، ومن المرجح أن يكون هناك المزيد من التصعيد. ويشير درس الحرب الكورية إلى أن بدء المحادثات الآن مفيد حتى إذا كان هناك احتمال ضعيف للتوصل إلى اتفاق بشكل فوري، وهو نهج «القتال والتحدث» الذي استمر عامين إلى أن جُمِّد الصراع في كوريا. وفي حين أن الكثير من الأصوات ستُدين هذه المفاوضات بوصفها مهادنة أو خيانة، فإن هناك حاجة إلى أن تبدأ هذه العملية لتوضيح النقاط الصعبة وتوضيح كيفية تحقيق أهداف كل جانب. ويعد التوصل إلى وقف إطلاق نار هش ومعيب -خصوصاً مثل ذلك الذي جرى التوصل إليه في كوريا وظل صامداً لمدة سبعين عاماً- أفضل من زيادة زعزعة الاستقرار في شرق أوروبا والمزيد من الدمار والموت في أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

محادثات «صريحة ومثمرة» بين وزيري خارجية أميركا والصين

آسيا وزيرا خارجية الصين وأميركا خلال لقائهما على هامش اجتماع «آسيان» في عاصمة لاوس فينتيان السبت (أ.ف.ب)

محادثات «صريحة ومثمرة» بين وزيري خارجية أميركا والصين

أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن محادثات «صريحة ومثمرة» أجراها مع نظيره الصيني، وانغ يي، في لاوس.

«الشرق الأوسط» (فينتيان (لاوس))
أوروبا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مشاركته باجتماع «آسيان» في عاصمة لاوس فينتيان الجمعة (رويترز)

لافروف: تصريحات كييف في شأن مفاوضات السلام «متناقضة»

رأت روسيا أن تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزير خارجيته ديمتري كوليبا حول مفاوضات السلام تنم عن تناقض.

«الشرق الأوسط» (فينتيان (لاوس))
أوروبا القوات الروسية دمرت 7 مسيّرات أوكرانية فوق أراضي مقاطعة ريازان (رويترز)

روسيا: تدمير 21 مسيّرة أوكرانية خلال الليل وصباح اليوم

أعلنت وزارة الدفاع الروسية اليوم (السبت) تدمير 21 طائرة دون طيار أوكرانية خلال ساعات الليل والصباح في عدد من مقاطعات البلاد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (قناة الكرملين عبر «تلغرام»)

الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد

لفت الكرملين النظر إلى أن الحالة الديموغرافية «كارثية على مستقبل الأمة»، في حين عجزت السياسات المختلفة المنفّذة في روسيا منذ ربع قرن عن زيادة معدل المواليد.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أوراق نقدية من فئة 20 و50 يورو (د.ب.أ)

الاتحاد الأوروبي يحول لأوكرانيا 1.5 مليار يورو من عائدات الأصول الروسية

أعلن الاتحاد الأوروبي تأمين 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار) لدعم أوكرانيا، وهي أول دفعة من الأموال المكتسبة من الأرباح على الأصول الروسية المجمدة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

القضاء الفرنسي حَفظَ قضية ضبط أسلحة في منزل آلان ديلون

الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
TT

القضاء الفرنسي حَفظَ قضية ضبط أسلحة في منزل آلان ديلون

الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)

حَفظَ القضاء الفرنسي قضية ضبط 72 قطعة سلاح ناري في منزل الممثل آلان ديلون، أحد آخر عمالقة السينما الفرنسية، وكفَّ التعقبات في شأنها، على ما أعلنت النيابة العامة، الجمعة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

واتُخذ هذا القرار من دون التمكن من سماع إفادة النجم البالغ 88 عاماً «نظراً إلى ضعفه»، و«بناءً على رأي طبي»، فيما أشارت النيابة العامة إلى إصدار «أمر بإتلاف كل الأسلحة النارية والذخيرة».

وعثر المحققون على ترسانة كاملة خلال دهمهم منزل ديلون، تضم 72 قطعة سلاح، معظمها من الفئتين: «أ» (بعض الأسلحة النارية والمواد الحربية)، و«ب» (الأسلحة المستخدمة في الرماية الرياضية وتلك المستخدمة في حالات الخطر المهني)، وأكثر من ثلاثة آلاف طلقة ذخيرة.

كذلك لاحظوا وجود منصة للرماية في العقار التابع لمنزل الممثل الذي يهوى جمع الأسلحة النارية.

وأوضحت النيابة العامة، في بيان، أن التحقيق أظهر أن الممثل «لم يسبق أن صرّح للشرطة عن هذه الأسلحة ولم يطلب الترخيص بحيازتها».

وأضافت أن إفادات أبناء النجم والعاملين لديه بيّنت «أن هذه الأسلحة النارية كانت تُستخدَم من مختلف أفراد الأسرة لغرض الترفيه، في منصة الرماية بالعقار».

وشرحت النيابة العامة أن شهادات عدة أفادت بأن «ديلون اشترى هذه الأسلحة وكان يحتفظ بها منذ سنوات، بل طرح بعضها في مزاد علني عام 2014».

وطرح ديلون في هذا المزاد مجموعته التي كانت تضم 76 قطعة، من بندقية «وينتشستر» التي استخدمت في مسلسل «وانتد: ديد أور ألايف» Wanted: Dead or Alive وقدمها إليه الممثل الأميركي ستيف ماكوين، ومنها مسدس من فيلم «ريد صن Red Sun».

وفي مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وُضع الممثل الذي يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية وأصيب بجلطة دماغية عام 2019 تحت «القوامة المعززة على عاجز».

وسبق أن وُضع في يناير (كانون الثاني) تحت الحماية القضائية مع تعيين وكيل قضائي لمعاونته فيما يتعلق «بمتابعته طبياً»، وسط نزاع إعلامي وقضائي محتدم بين أبنائه الثلاثة، أنتوني وأنوشكا وآلان فابيان.