«من حرب إلى أخرى»... لاجئون أوكرانيون يعودون من إسرائيل

كييف تقول إن 4000 من مواطنيها عادوا منذ 7 أكتوبر

الأوكرانية آنا لياشكو عادت إلى بلادها من إسرائيل التي كانت قد لجأت إليها بعد الغزو الروسي لبلادها (أ.ف.ب)
الأوكرانية آنا لياشكو عادت إلى بلادها من إسرائيل التي كانت قد لجأت إليها بعد الغزو الروسي لبلادها (أ.ف.ب)
TT

«من حرب إلى أخرى»... لاجئون أوكرانيون يعودون من إسرائيل

الأوكرانية آنا لياشكو عادت إلى بلادها من إسرائيل التي كانت قد لجأت إليها بعد الغزو الروسي لبلادها (أ.ف.ب)
الأوكرانية آنا لياشكو عادت إلى بلادها من إسرائيل التي كانت قد لجأت إليها بعد الغزو الروسي لبلادها (أ.ف.ب)

هربت تيتيانا كوشيفا من منزلها في مدينة خاركيف في شمال شرقي أوكرانيا بعد الغزو الروسي العام الماضي، ولجأت إلى مدينة عسقلان الإسرائيلية الساحلية قرب غزة.

عمل زوجها في إسرائيل في الماضي، ولذا اعتقدت بأن الفرار إليها مع أطفالهما الثلاثة سيضمن لهم حياة آمنة بعيداً عن الهجمات الروسية. لكن جاء يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما هاجمت حركة «حماس» إسرائيل، لتشتعل حرب أدت إلى مقتل الآلاف مذّاك. وعلى غرار آلاف اللاجئين الأوكرانيين الآخرين، اضطُرت كوشيفا للهرب من الحرب مجدداً. وقالت المرأة البالغة 39 عاماً: «إذا قُتلت فسأكون على الأقل في وطني الأم».

عندما هاجمت روسيا أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، قضت كوشيفا 10 أيام مختبئة في قبو في خاركيف التي كادت تسقط في أيدي الجيش الروسي. وبعد 5 شهور على الغزو، فرّت العائلة إلى إسرائيل؛ حيث بدأوا حياة جديدة في عسقلان الواقعة على بعد نحو 10 كيلومترات عن غزة. وعندما شنّت «حماس» هجومها المباغت الذي أودى بحياة نحو 1200 شخص، حسب السلطات الإسرائيلية، شعرت بأن عليها المغادرة. وقالت: «بدأت يداي ترتجفان، وعاد إليَّ الشعور ذاته الذي انتابني عندما بدأ كل شيء في بلدنا».

وردّت إسرائيل على الهجوم بإطلاق عملية عسكرية ضد قطاع غزة تقول حركة «حماس» بأنها أودت بحياة أكثر من 11 ألف شخص حتى الآن.

«عليَّ العودة»

عادت كوشيفا لقضاء لياليها في الملجأ، لتستذكر دوي صفارات الإنذار والانفجارات مرة أخرى. وعندها قررت أن عليها الهرب. وقالت: «عندما تصاعد الوضع بدأت أشعر بالهلع»، مضيفة: «شعرت بالخوف. أدركت أن عليَّ العودة».

أُجليت العائلة إلى وسط إسرائيل؛ حيث بقيت بضعة أيام قبل العودة إلى خاركيف. وما زالت الحرب جزءاً من الحياة اليومية في خاركيف؛ إذ رغم بسط أوكرانيا سيطرتها الكاملة عليها، فإن المدينة تتعرّض لهجمات روسية متكررة. وباتت صفارات الإنذار جزءاً من الحياة اليومية. لكن كوشيفا تشعر بالارتياح لعودتها. وقالت: «عندما أمشي هنا، إنها بلدي الأم وعلَمي. لا أعرف كيف أُعبّر عن الأمر لكنني أشعر بالسعادة».

وأفادت كييف بأن نحو 4000 أوكراني غادروا إسرائيل منذ هجوم «حماس»، حسبما أفادت وكالة «الصحافة الفرنسية» في تقرير لها.

«الشعور ذاته تماماً»

وفي العاصمة كييف، عادت آنا لياشكو وابنتها ديانا البالغة 8 سنوات من إسرائيل التي هربتا إليها في مارس (آذار) العام الماضي، بعد أسابيع على بدء الغزو الروسي. وتقول الأم البالغة 28 عاماً إنهما كانتا تعيشان قرب مناطق في كييف سقطت في أيدي القوات الروسية في بداية الهجوم، «من دون كهرباء ولا مياه ولا اتصالات». وأضافت: «كانت ابنتي خائفة كثيراً وقررت المغادرة».

قررت الانتقال مع ابنتها إلى إسرائيل؛ حيث لديها أقارب. لكن عندما وقع هجوم «حماس» الشهر الماضي، عادت بها الذاكرة إلى يوم الغزو الروسي لأوكرانيا. وقالت: «كانت أولى المشاعر التي انتابتني هي ذاتها التي شعرت بها في 24 فبراير 2022 في أوكرانيا». وأضافت: «اتصل بي أحدهم صباحاً وقال: آنا، بدأت الحرب. كان الشعور ذاته تماماً الذي انتابني في أوكرانيا». وأشارت إلى أن الخوف بدا جلياً في عينَي ابنتها و«فهمت أنه لا يمكنني البقاء».

غادرت لياشكو مع ابنتها من تل أبيب بعد أسبوع بمساعدة السفارة الأوكرانية. وتؤكد اليوم أنها تشعر وابنتها بالسعادة للعودة وبلم شملها وابنتها مع بقية أفراد العائلة.

«كييف أهدأ من إسرائيل»

ومن مكتبها على الضفة الأخرى من نهر دنيبرو في كييف، تؤكد أوسكانا سوكولوفسكا أنها اعتقدت أن إسرائيل ستكون «البلد الأكثر أماناً في العالم» عندما فرّت إليها هرباً من الغزو الروسي. وعلى غرار كثير من النساء اللواتي كنّ بصحبة أطفالهن، غادرت المحامية البالغة 39 عاماً أوكرانيا مع أطفالها الثلاثة، عندما بدأت الحرب العام الماضي. وقالت: «لم يكن من حقي تعريض حياتهم للخطر».

وبما أنها تتحدّث العبرية، اختارت إسرائيل وأقامت مع أطفالها في ريشون لتسيون قرب تل أبيب. لكنها قضت على غرار الأخريات يوم السابع من أكتوبر في ملجأ برفقة أطفالها. وقالت: «بدأ قصف هائل»، وبالتالي قررت سريعاً مغادرة إسرائيل. وأضافت لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «من الصعب الهرب من حرب إلى أخرى».

لكنها أكدت أنها تشعر بالسعادة للعودة. وقالت: «الوضع في كييف حالياً أهدأ من إسرائيل»، بعد عامين تقريباً على الغزو الروسي، مضيفة: «هذا هو السبب الوحيد الذي دفعني للعودة».


مقالات ذات صلة

هاريس: تنازل أوكرانيا عن أراض هو صيغة للاستسلام وليس السلام

العالم فولوديمير زيلينسكي يصافح كامالا هاريس (رويترز)

هاريس: تنازل أوكرانيا عن أراض هو صيغة للاستسلام وليس السلام

أكّدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس التي تتنافس مع دونالد ترمب في انتخابات نوفمبر، للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن «دعمها للشعب الأوكراني راسخ».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ف.ب)

واشنطن: تهديدات بوتين النووية الجديدة «غير مسؤولة على الإطلاق»

عدَّ وزير الخارجية الأميركي، الخميس، التهديدات الجديدة للرئيس الروسي بشأن الأسلحة النووية «غير مسؤولة على الإطلاق»، بعد إعلانه خططاً لتوسيع استخدامها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تفقده مصنعاً للمسيّرات في مدينة سانت بطرسبرغ الأسبوع الماضي (رويترز)

وكالة استخبارات أوروبية: برنامج سري روسي لتصنيع مسيّرات عسكرية بالصين

وضعت روسيا برنامجاً للأسلحة في الصين لتطوير وإنتاج طائرات مسيّرة هجومية بعيدة المدى؛ لاستخدامها في الحرب ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا زيلينسكي متحدثا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك اليوم (أ.ف.ب)

زيلينسكي: أوكرانيا «لن تقبل أبداً» باتفاق سلام يُفرض عليها

أكد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الأربعاء)، أن بلاده التي تخوض حرباً مع روسيا «لن تقبل أبداً» باتفاق سلام «تفرضه» عليها القوى الكبرى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شؤون إقليمية إردوغان التقى زيلينسكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (الرئاسة التركية)

تركيا تجدد استعدادها للوساطة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا

جددت تركيا دعمها وحدة وسيادة أوكرانيا، واستعدادها للوساطة لوقف الحرب الدائرة مع روسيا، مؤكدة ضرورة استئناف العمل بـ«اتفاقية الممر الآمن للحبوب» في البحر الأسود.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)

تعديل العقيدة النووية الروسية... بوتين يصعّد لهجة تحذيراته للغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
TT

تعديل العقيدة النووية الروسية... بوتين يصعّد لهجة تحذيراته للغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلقي كلمة في منتدى «أسبوع الطاقة الروسي» (إ.ب.أ)

رفعت موسكو سقف تهديداتها للغرب، في إطار مواجهة ما وصف بأنه «تهديدات جديدة» تتعرض لها روسيا. وفي أول خطوة عملية للرد على زيادة معدلات الانخراط الغربي في الحرب الأوكرانية، وضعت التعديلات التي استحدثها الرئيس فلاديمير بوتين في العقيدة النووية الروسية مجالات أوسع لاستخدام محتمل للسلاح غير التقليدي، وخفضت سقف الشروط التي كانت تقيّد اللجوء إلى الترسانة النووية للدفاع عن مصالح روسيا وحماية وحدة أراضيها وسيادتها.

الرئيس الروسي ترأس اجتماعاً الأربعاء لمجلس الأمن القومي خُصّص لمناقشة ملف «الردع النووي» (رويترز)

عقب إعلان الرئيس الروسي اتهمت أوكرانيا القيادة في موسكو بـ«الابتزاز النووي». وقال أندري يرماك، كبير مسؤولي مكتب الرئيس الأوكراني، عبر تطبيق «تلغرام»: «لم يتبق لروسيا سوى الابتزاز النووي. ليس لديها أي وسيلة أخرى لترويع العالم»، مضيفاً أن محاولة الترويع لن تجدي نفعاً.

ولم يخفِ الكرملين أن الرسالة الأولى والأهم في التعديلات على العقيدة النووية موجهة مباشرة إلى الغرب الذي تتهمه موسكو بالانخراط المباشر في الأعمال العدائية على جبهات القتال. وهو أمر أوضحه بشكل جلي الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف عندما قال، الخميس، إن «التغييرات في العقيدة النووية الروسية تحمل إشارة مباشرة للدول غير الصديقة».

وأوضح: «هذه إشارة تحذير لتلك الدول من العواقب إذا شاركت في هجوم على بلادنا بوسائل مختلفة، وليس بالضرورة بالوسائل النووية فقط».

ونبَّه إلى أن «رؤساء الدول العقلاء» كانوا يدركون في السابق خطورة تصريحات بوتين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بـ«مثل هذه المواجهة غير المسبوقة» التي أثارتها المشاركة المباشرة للدول الغربية في الصراع الأوكراني.

المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف (إ.ب.أ)

وأضاف بيسكوف أن إمكانات روسيا النووية ودورها الرادع معروفان في جميع أنحاء العالم. ووفقاً له، يجري الآن «تعديل مقومات الردع النووي»، مع الوضع في الحسبان التوتر المتفاقم على طول محيط حدود البلاد. وشدد ممثل الكرملين على أن «ضامن الردع هو الثالوث النووي الروسي» (الحاملات للرؤوس النووية والمقصود هنا الغواصات والطائرات والصواريخ الاستراتيجية).

وكما أوضح بيسكوف، فإن العقيدة النووية تتكون من وثيقتين: «العقيدة العسكرية النووية» و«أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي». وقد صاغ الرئيس الروسي تعديلات على الوثيقة الثانية، الأربعاء، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي الروسي، وهي الوثيقة التي تنظم آليات وشروط استخدام الترسانة النووية. على أن يتم اصدار مرسوم رئاسي في هذا الشأن قريباً، يكون ملزماً بشكل فوري ولا يحتاج إلى تدابير داخلية مثل مصادقة الهيئات التشريعية في البلاد عليه.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يستمع إلى الخطاب الافتتاحي للجمعية العمومية (د.ب.أ)

ماذا عدلت روسيا في وثيقتها؟

أعلن بوتين في مستهل اجتماع لمجلس الأمن المخصص لملف الردع النووي، عن قرار تحديث «أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي». وحدَّد أبرز ملامح التعديلات من خلال التأكيد على أن «العدوان على روسيا من قِبل أي دولة غير نووية بدعم من قوة نووية سيعدّ بمثابة هجوم مشترك؛ ما يمنح روسيا الحق في استخدام الأسلحة النووية حتى لو كان العدوان الذي تواجهه روسيا يتم باستخدام أسلحة تقليدية، بشكل يهدد سيادتها».

عملياً، تم تخفيض عتبة استخدام جميع الأسلحة الموجودة في الترسانة النووية الروسية التي وصفها بوتين بأنها «الأكبر والأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم».

بعبارة أخرى، فقد تم سدّ الثغرة التي واجهتها روسيا لفترة طويلة، خصوصاً منذ اندلاع الأعمال الحربية في أوكرانيا. وهي التي، وفقاً لبوتين «سمحت للقوى الغربية بمحاربة روسيا بالوكالة، باستخدام القوة البشرية للأوكرانيين». مع التعديل بات لدى بوتين سند قانوني وفقاً لتشريعات بلاده يسمح باتخاذ قرار استخدام أسلحة نووية ضد دول غير النووية إذا شنت عدواناً على روسيا بمساعدة قوى نووية.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصافح الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (أ.ف.ب)

هذه هي الرسالة التحذيرية الصارمة التي حملتها التعديلات للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وهي البلدان النووية المنخرطة في الحرب وفقاً لوجهة نظر الكرملين. كما أن التهديد ينسحب بشكل مباشر على أوكرانيا وبولندا ورومانيا وبلدان حوض البلطيق وهي بلدان غير نووية تشارك بوتائر مختلفة في الجهد الحربي.

العنصر الثاني اللافت في التعديلات، تمثل في تحديد أنواع الخطر الذي يمكن تفسيره بأنه يسمح باللجوء إلى السلاح النووي. وهكذا نصت التعديلات على إمكانية استخدام الأسلحة النووية رداً على هجمات بالطائرات والصواريخ والطائرات من دون طيار. وهذه طرازات الأسلحة والمعدات التي تستخدمها أوكرانيا بنشاط في شن هجمات داخل الأراضي الروسية. هنا، لم تعد القيود على استخدام الترسانة النووية تقف عند مواجهة طرازات المعدات القادرة على حمل رؤوس نووية، الآن تستطيع روسيا الرد بشكل حاسم على أي محاولة لتحقيق اختراقات كبرى عبر الحدود باستخدام معدات جوية بما في ذلك المسيّرات.

وقد أوضح الرئيس الروسي أن الوضع الجديد يجب أن يكون واضحاً لكل «خصومنا الاستراتيجيين». محدداً أن «شروط انتقال روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية يبرز بوضوح أيضاً، وسننظر في هذا الاحتمال بمجرد أن نتلقى معلومات موثوقة حول إطلاق ضخم للأسلحة الهجومية الجوية وعبورها حدود دولتنا». وأوضح مجدداً أن هذا يشمل «صواريخ كروز والطائرات من دون طيار والطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وغيرها من الطائرات».

بوتين يزور مصنعاً للطائرات المسيّرة (رويترز)

العنصر الثالث الذي برز في التعديلات أن روسيا سوف تستخدم أيضاً الردع النووي لحماية أقرب حلفائها، بيلاروسيا. ومعلوم أن موسكو نقلت في وقت سابق أسلحة نووية تكتيكية إلى البلد الجار وهددت باستخدامها في حال تعرّض الحليف البيلاروسي أو المناطق الحدودية المجاورة له إلى خطر أو تهديد. وهكذا باتت التعديلات الجديدة تضع سنداً قانونياً لكبس الزر الأحمر في هذه الحالة.

الخيار النووي.. أخير

لكن التعديلات المطروحة لا تعني انتقال روسيا تلقائياً إلى استخدام الأسلحة النووية، فهي تحمل طابعاً تحذيرياً وعنصراً ضاغطاً على السياسات الغربية من دون أن تستثني اللجوء إلى «الخيار الأخير» في حالات التهديد الخطر والمباشر.

وقد لفت نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف الانتباه إلى نقطة مبدأ العدوان من قِبل دولة غير نووية. ووفقاً له، الجميع يفهم ما هي البلدان التي نتحدث عنها. وأكد أن «التغيير ذاته في الشروط التنظيمية لاستخدام بلادنا المكون النووي يمكن أن يهدئ حماسة هؤلاء للانخراط أكثر في عدوانهم المتواصل».

وهذا الأمر ركز عليه بوتين أيضاً في خطابه عندما شدد على أن التطور يهدف «أولاً وقبل كل شيء، إلى تحديد المبدأ الأساسي لاستخدام الأسلحة النووية، وهو أن استخدام القوات النووية هو إجراء متطرف لحماية سيادة البلاد». مجدداً التأكيد على أن بلاده «تعاملت دائماً مع مثل هذه القضايا بأقصى قدر من المسؤولية. وإذ ندرك جيداً القوة الهائلة التي تمتلكها هذه الأسلحة، فقد سعينا إلى تعزيز الإطار القانوني الدولي للاستقرار العالمي ومنع «انتشار» الأسلحة النووية ومكوناتها».

ووصف الثالوث النووي بأنه «أهم ضمانة للأمن» بالنسبة لروسيا، و»أداة للحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي وتوازن القوى في العالم». ومع ذلك، تابع بوتين، أن الوضع العسكري السياسي آخذ في التغير، وتظهر مصادر جديدة للتهديدات العسكرية لروسيا وحلفائها، وبالتالي يجب تكييف العقيدة «مع الحقائق الحالية»، مع توضيح شروط استخدام الأسلحة النووية.

زيلينسكي يزور مصنعاً للذخيرة في الولايات المتحدة (أ.ب)

تجب الإشارة إلى الفوارق الرئيسية التي أحدثتها التعديلات عن النسخة السابقة للعقيدة النووية؛ إذ كانت الشروط التي يمكن بموجبها لموسكو استخدام الأسلحة النووية منصوصاً عليها في أساسيات سياسة الدولة للاتحاد الروسي في مجال الردع النووي لعام 2020 تقوم على أربعة شروط رئيسية:

حصول روسيا على معلومات موثوقة حول إطلاق صواريخ باليستية تهاجم أراضيها و/أو أراضي حلفائها؛ يستخدم العدو أسلحة نووية أو أنواعاً أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا و/أو حلفائها؛ إذا شن الخصم هجوماً بأي وسيلة ضد منشآت حكومية أو عسكرية بشكل يمكن أن يعطل رد فعل القوات النووية الروسية؛ وتعرّض روسيا لهجوم واسع بالأسلحة التقليدية؛ مما يهدد وجود الدولة ذاته.

مع التعديلات لم تعد روسيا في حاجة إلى تحري معلومات أو انتظار هجوم، فهي بات بمقدورها شن هجوم استباقي حتى لو شعرت بخطر عبر استخدام مسيّرات أو هجمات جوية تقليدية.

كيف سار العمل على تغيير العقيدة؟

بدأت القيادة الروسية الحديث عن تغييرات في العقيدة النووية منذ بداية يونيو (حزيران) 2024. ولأول مرة، أدلى بوتين ببيان حول هذه المسألة خلال مشاركته في أعمال نادي «فالداي» للحوار الاستراتيجي أمام عشرات الخبراء من مختلف دول العالم. في تلك الجلسة أثير الحديث عن «فاعلية العقيدة النووية الروسية بنسختها الحالية في مواجهة التهديدات الجديدة»، خصوصاً المتمثلة في «عدوان واسع تشنّه بلدان نووية بشكل غير مباشر».

في ذلك الوقت قال بوتين: «علينا المضي بشكل أكثر صرامة على سلم التصعيد والاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية». إلى ذلك، أشار بوتين إلى بند العقيدة النووية القائل بأن روسيا ستستخدم مثل هذه الأسلحة في حالات استثنائية - إذا كان هناك تهديد مباشر لسيادتها وسلامتها الإقليمية. وخلص إلى أنه «لا أعتقد أن مثل هذه الحالة قد نشأت - ليست هناك حاجة إلى مثل هذه الحالة بعد (...)، لكن هذه العقيدة أداة حية، ونحن نراقب بعناية ما يحدث في العالم، من حولنا، ولا نستبعد إجراء بعض التغييرات على هذه العقيدة».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يمين) يزور مصنع ذخيرة الجيش في سكرانتون بولاية بنسلفانيا (إ.ب.أ)

في تلك الفترة تحديداً، أمر بوتين بإجراء تدريبات واسعة على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وبعد أسابيع من تلك التدريبات التي شملت إجراءات عملية مباشرة، بينها تدريبات على نقل الرؤوس النووية وتخزينها على مقربة من خطوط التماس ثم تفجيرها ضد مواقع العدو الافتراضي، أعلنت قيادة القوات النووية التكتيكية في رسالة وجهت إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة (بوتين) أنها باتت على أهبة الاستعداد.

السلاح النووي التكتيكي

لم تنص التعديلات التي تم الحديث عنها في العقيدة النووية على بند خاص يحدد آليات وظروف استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، على الأقل في الشق المعلن من هذه الوثيقة. لكن بوتين كان قد أشار أكثر من مرة في السابق إلى أن التطور المرتبط باستخدام محتمل للسلاح النووي التكتيكي بات على طاولة النقاش الروسي الداخلي.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يخاطب «قمة المستقبل» في «الأمم المتحدة» (إ.ب.أ)

وأوضح في وقت سابق أن سبب التركيز على هذا الموضوع «يرجع إلى ظهور عناصر جديدة - على أي حال، نحن نعلم أن الخصم المحتمل يعمل على ذلك - عناصر تتعلق بخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية. على وجه الخصوص، يجري تطوير أجهزة نووية متفجرة ذات طاقة منخفضة للغاية، ونحن نعلم أنه في دوائر الخبراء في الغرب هناك أفكار تتداول حول إمكانية استخدام مثل هذه الأسلحة وليس هناك أي شيء فظيع في هذا الأمر».

ونبّه خلال زيارة نادرة إلى فيتنام قبل أسابيع «قد لا يكون الأمر فظيعاً، لكن يجب أن ننتبه لذلك». ولم يحدد في حينها كيف ستتغير العقيدة في مجالات الاستخدام المحتمل للسلاح النووي التكتيكي. والشيء الوحيد الذي قاله هو أننا «لسنا في حاجة إلى ضربة وقائية بعد... لأنه في الضربة الانتقامية سيتم تدمير العدو بشكل مضمون».