استطلاع روسي يكشف فجوة بين الأجيال في قضايا التحالف وحسن الجوار

غالبية تؤيد الصداقة مع الصين... الشباب يميل إلى الغرب والنساء للتطبيع مع أوكرانيا

إعلان يظهر فيه جندي روسي بجانب عبارة تقول «هناك مهنة تدعى الدفاع عن الوطن» بمدينة موسكو يوم الخميس (إ.ب.أ)
إعلان يظهر فيه جندي روسي بجانب عبارة تقول «هناك مهنة تدعى الدفاع عن الوطن» بمدينة موسكو يوم الخميس (إ.ب.أ)
TT

استطلاع روسي يكشف فجوة بين الأجيال في قضايا التحالف وحسن الجوار

إعلان يظهر فيه جندي روسي بجانب عبارة تقول «هناك مهنة تدعى الدفاع عن الوطن» بمدينة موسكو يوم الخميس (إ.ب.أ)
إعلان يظهر فيه جندي روسي بجانب عبارة تقول «هناك مهنة تدعى الدفاع عن الوطن» بمدينة موسكو يوم الخميس (إ.ب.أ)

حملت نتائج استطلاع للرأي، أجرته أخيراً مؤسسة مستقلة في روسيا، دلالات لافتة إلى وضع المزاج الشعبي الروسي، في ظروف الحرب والحصار الاقتصادي والمواجهة الكبرى المتفاقمة مع الغرب.

وبدا أن جزءاً مهماً من النتائج شكّل انعكاساً مباشراً لتأثير الحرب الإعلامية الشرسة، والحملات الدعائية المتواصلة في وسائل الإعلام الحكومية، وهو ما دل عليه ميل غالبية الروس إلى عدّ الصين الحليف الموثوق به الأول لروسيا، تليها بلدان القارة الأفريقية التي غدت بين «حلفاء روسيا المفضلين»، ثم في المرتبة الثالثة حلّت الجمهوريات السوفياتية السابقة في منطقة آسيا الوسطى. هذا الترتيب مثير للاهتمام. ففي سنوات سابقة كانت الأولوية دائماً للفضاء السوفياتي السابق، وليس لبلدان بعيدة لا يكاد أكثر من نصف الروس يعرفون شيئاً عنها.

لكن في الوقت نفسه برزت إشارات في النتائج لم تكن متوقعة في هذه الظروف، بينها ميل جزء مهم من الفئات الشابة إلى عدّ بلدان الاتحاد الأوروبي حليفاً طبيعياً لروسيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يزور مركزاً لدعم «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا بمنطقة فليكي نوفغورود يوم الخميس (أ.ف.ب)

والاستطلاع له أهمية خاصة في توقيته، وفي مضامينه، لجهة أن استطلاعات الرأي المستقلة غدت نادرة في روسيا، بعد غياب مراكز دراسات الرأي العام عن المشهد الداخلي، وإدراج بعضها مثل مركز «ليفادا» على لائحة «العملاء الأجانب»؛ ما أوجد صعوبات جدية أمام نشاطها.

أما المراكز المقربة من الكرملين وأبرزها مركز دراسات الرأي العام، فقد انشغلت خلال الفترة الماضية بإعداد مسح شهري يؤكد تقليدياً أن غالبية الروس يدعمون بنسبة مرتفعة سياسات الكرملين وأداء الرئيس فلاديمير بوتين.

هذه المرة، جاءت الأسئلة المطروحة على الجمهور مختلفة بعض الشيء. وأجرت الاستطلاع مجموعة «الأبحاث الميدانية الروسية» بتكليف من مؤسسة «دوبارافسكي للاستشارات». نُظِّم الاستطلاع هاتفياً، واستهدف فئات عمرية مختلفة في شتى أنحاء روسيا.

كان السؤال الأول المطروح لافتاً في صياغته، فهو لم يطلب من الجمهور تحديد موقف تجاه سياسات بوتين، بل غُلّف السؤال بطريقة ملتوية ليغدو عن الطرف الأساسي الذي يجب على «الرئيس المقبل بعد انتخابات 2024 أن يعزز العلاقات معه».

قد يكون هذا المدخل مناسباً لأن الجزء الأكبر من الروس يرفضون، لأسباب مختلفة، المشاركة في استطلاعات تتحدث مباشرة عن مواقف سياسية.

إعلان يشجع على الخدمة العسكرية وفق عقود مع القوات المسلحة الروسية بمدينة سانت بطرسبرغ يوم الخميس (رويترز)

في النتيجة، أعرب أكثر من نصف الفئات المشاركة عن قناعة بأنه على الرئيس الروسي، الذي سيُنتخب في استحقاق العام المقبل، أن يبني علاقات ودية مع الصين. صوّت لصالح هذا الخيار 54 في المائة من المشاركين.

في المركز الثاني حلّت بلدان القارة الأفريقية بوصفها حليفاً أساسياً لروسيا بأصوات 34 في المائة. ثم جاءت بلدان آسيا الوسطى بنسبة 30 في المائة من المشاركين.

يقول القائمون على الاستطلاع إن هذه النتائج تبدو منطقية بسبب الحملات الإعلامية المكثفة التي ركزت في الأشهر الأخيرة على العلاقات مع الصين ومع أفريقيا. وبنفس درجة المنطقية تلك، جاء ترتيب الهند متأخراً للغاية في ذيل لائحة الحلفاء، وبنسبة تصويت لا تزيد على 5 في المائة. وتفسير ذلك ليس لأن الهند تتبنى سياسات معادية، بل بسبب غيابها المطلق تقريباً عن تغطيات وسائل الإعلام الحكومية.

لكن مع هذه النتائج «المنطقية» ثمة تفاصيل تبدو أقل اقتراباً من منطق الأمور الحالي في روسيا؛ فقد شملت لائحة الحلفاء المحتملين من وجهة نظر الفئات المشاركة في الاستفتاء بعض الأطراف المدرجة حالياً على لائحة «أعداء روسيا».

الرئيس الروسي بوتين مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي في سانت بطرسبرغ يوم الأربعاء (أ.ف.ب)

وصوّت 25 في المائة من المشاركين لتأييد ضرورة تطبيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي الذي ينبغي، وفقاً لوجهة نظرهم، أن يغدو حليفاً رئيسياً لروسيا في عهد «رئيسها المنتخب العام المقبل». بينما منح 24 في المائة أصواتهم لأوكرانيا. وحتى الولايات المتحدة، «العدو الأخطر» كما تُقدّم في وسائل الإعلام الروسية، فقد وجدت 19 في المائة يدعمون تطبيع العلاقات معها، وبناء آليات التحالف والصداقة.

لكن اللافت أكثر كان في تحليل النتائج لجهة توزيع نسب التصويت وفقاً للفئات العمرية. هنا ظهرت مفارقات تعكس حجم الفجوة المتنامية داخل المجتمع الروسي حول فهم التحالفات والتعامل مع قضايا الصداقة والجوار.

بدا من الطبيعي أن يرغب الروس من جميع الأعمار في أن تكون بلادهم حليفة للصين. لكن اللافت أن نسبة من يتطلعون نحو أوروبا والولايات المتحدة هي في الغالبية الكبرى من فئات الشباب.

24 في المائة في الفئة العمرية 18-29 سنة في روسيا تؤيد علاقة جيدة مع الولايات المتحدة (أ.ف.ب)

عموماً أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً أكثر ميلاً إلى تفضيل العلاقات الودية مع الاتحاد الأوروبي (30 في المائة في المجموعة التي تتراوح أعمارها بين 30 و44 عاماً) والولايات المتحدة (24 في المائة في الفئة العمرية 18 - 29 سنة)، لكن الأشخاص الناضجين وكبار السن اختاروا بعد الصين، الدول الأفريقية بوصفهم شركاء (39 في المائة في المجموعة التي تزيد أعمار أفرادها على 60 عاماً).

أما العنصر الآخر المفاجئ، فقد ظهر من خلال تصويت العنصر النسائي، إذ أبدت غالبية المشاركات ميلاً نحو تطبيع العلاقات مع أوكرانيا، واستعادة الصداقة مع البلد الجار.

عموماً، يشير خبراء اجتماع إلى أن نسب التصويت، كما تظهر في نتائج هذا الاستطلاع، تعكس بشكل أو بآخر نسب تأييد سياسات الكرملين الحالية. وبعبارة أخرى، فإن من يبدي استعداداً للتصويت لبوتين مستقبلاً يختار الصين وأفريقيا تلقائياً حلفاء رئيسيين.

تظاهرة في باماكو بمالي تدعم روسيا وتدين فرنسا في ذكرى 60 سنة على استقلال مالي في 22 سبتمبر 2020 (أرشيفية - أ.ب)

ومع أن الإجماع على الصين يكاد يكون كبيراً؛ لأنه حتى أولئك الذين يفضلون «مرشحاً بديلاً» عن بوتين صوتوا بغالبية 43 في المائة لصالح العلاقة مع الصين، لكن الفارق برز تجاه العلاقة مع أوروبا والولايات المتحدة. ومن بين من يفضّلون رؤية رئيس جديد لبلادهم كانت نسب التصويت لصالح التحالف مع أوروبا 38 في المائة، ومع الولايات المتحدة 29 في المائة.

وحمل الاستطلاع جوانب أخرى لافتة مثل درجة تأثير مصادر المعلومات على مزاج التصويت، وهنا ظهر أن غالبية من يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات «يوتيوب» مصادر للمعلومات يميلون للعلاقة مع الغرب، في مقابل أن الأكثرية المعتمدة على وسائل الإعلام الحكومية تصوت تقليدياً للتفضيلات التي تتكرر كثيراً على شاشات التلفزة الرسمية.


مقالات ذات صلة

منطقة روسية تلغي تعويضاً يصرف للجنود إثر إصابتهم في الحرب

أوروبا جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)

منطقة روسية تلغي تعويضاً يصرف للجنود إثر إصابتهم في الحرب

قامت السلطات بمنطقة ترانسبايكال الروسية في سيبيريا، بإلغاء التعويض الذي يصرف لمرة واحدة للجنود الذين تعرضوا لإصابة دائمة خلال مشاركتهم في الحرب بأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
أوروبا رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو (أ.ب)

زيلينسكي يتّهم رئيس الوزراء السلوفاكي برغبته في «مساعدة بوتين»

اتّهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم (الاثنين)، رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، بالرغبة في «مساعدة» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الاقتصاد سكان محليون يشترون طعاماً من سوق أمام مبنى سكني تضرر ببلدة بوردينكا في بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا (رويترز)

أوكرانيا تتلقى 1.1 مليار دولار من صندوق النقد الدولي

أعلن رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميهال، أن بلاده تلقت دفعة جديدة بقيمة 1.1 مليار دولار من صندوق النقد الدولي ستخصَّص لتغطية النفقات الحيوية في الموازنة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يتحدث خلال حفل Turning Point في فينيكس بولاية أريزونايوم الاحد (ا.ف.ب)

ترمب يتحدث عن لقاء محتمل مع بوتين ويثير الجدل حول «استعادة قناة بنما»

أبدى دونالد ترمب استعداده للقاء فلاديمير بوتين في أقرب وقت، مؤكداً قدرته على إنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وقدرته على إنهاء الحروب بسرعة في الشرق الأوسط.

هبة القدسي (واشنطن)
أوروبا رجال شرطة لواء «خيزاك» يستعدون لإطلاق قذيفة «هاون» باتجاه القوات الروسية في موقعها على خط المواجهة بالقرب من بلدة توريتسك في دونيتسك (رويترز)

روسيا تعلن السيطرة على بلدة أخرى في الشرق الأوكراني

قالت روسيا اليوم (الاثنين) إنها سيطرت على بلدة ستوروجيف الواقعة في شرق أوكرانيا والقريبة من قرية فيليكا نوفوسيلكا التي تحاول قواتها على ما يبدو محاصرتها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

بريطانيا تختبر سلاحاً يعتمد على «موجات الراديو» للتصدي للمسيرات

طائرة مسيرة (أرشيفية-رويترز)
طائرة مسيرة (أرشيفية-رويترز)
TT

بريطانيا تختبر سلاحاً يعتمد على «موجات الراديو» للتصدي للمسيرات

طائرة مسيرة (أرشيفية-رويترز)
طائرة مسيرة (أرشيفية-رويترز)

اختبر جنود في بريطانيا سلاحاً جديداً يستخدم موجات الراديو ذات التردد العالي لإسقاط المسيرات المعادية.

وذكرت وكالة «بي إيه ميديا» البريطانية، أن سلاح الطاقة الموجه بترددات الراديو صمم لاكتشاف وتتبع وتدمير مجموعة من التهديدات عبر البر والجو والبحر على مسافة تصل إلى كيلومتر واحد.

وقالت وزيرة المشتريات الدفاعية، ماريا إيجل، إن هذا السلاح «قد يكون محوريا في تغيير قواعد اللعبة».

وأظهرت الحرب في أوكرانيا والهجمات التي شنها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر كيف، أن المسيرات منخفضة التكلفة يمكن أن تكون لها تأثيرات مدمرة.

وتكمن ميزة السلاح في أن الأسلحة التقليدية مثل الصواريخ المضادة للطائرات يمكن أن تكلف أضعافاً عديدة من تكلفة المسيرات التي تحاول إسقاطها، بينما لا يتجاوز سعر إطلاق سلاح الطاقة الموجه بترددات الراديو سوى 10 بنسات فقط.

وتعمل الموجات عالية التردد على تعطيل أو تدمير المكونات الإلكترونية الحيوية داخل الأهداف مثل المركبات غير المأهولة، مما يؤدي إلى توقفها أو سقوطها من السماء.