تصاعدت الضغوط والانتقادات التي يتعرض لها الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته، بسبب سياساته الحذرة «المبالغ» فيها، تجاه الحرب الروسية ضد أوكرانيا، على الرغم من تمكن كييف من كسر «الخطوط الحمراء» الروسية. وفيما تحقق أوكرانيا مكاسب جديدة «ثابتة»، رغم تواضعها، على خطوط الجبهة في هجومها المضاد المستمر، تمكنت هجماتها الأخيرة بطائراتها المسيرة، من كسر «حاجز الخوف» الذي كان مفهوماً في بداية الحرب، لكنه لم يعد له ما يبرره، بحسب صحيفة «واشنطن بوست»، التي تحدثت عن ضرورة إعادة النظر بتلك السياسات.
وقالت الصحيفة إن مخاوف بايدن، التي كانت مفهومة في السابق، مبالغ فيها الآن، وينبغي لضربات الطائرات من دون طيار الأوكرانية داخل روسيا أن تخفف منها بشأن العواقب المترتبة على تجاوز «خطوط بوتين الحمراء» المفترضة. وقالت إن تقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا لن يزيد بشكل كبير من خطر نشوب حرب أوسع نطاقاً، لكنه قد يؤدي إلى تقصير مدة الصراع القائم.
ضربات «روتينية» على موسكو
وبعدما أصبحت تلك الضربات على موسكو التي لم يكن بالإمكان تصورها في السابق، «روتينية» الآن، ورغم أنها لم تسبب أضراراً كبيرة لكنها عطلت حركة الطيران في مطارات العاصمة الروسية، وساهمت في نقل الحرب إلى داخل روسيا. وتشير تلك الضربات إلى أن الرئيس الروسي، وعلى الرغم من كل تهديداته، بما فيها استخدام الأسلحة النووية، أصبح «أكثر عقلانية» بقدر كافٍ، لعدم تصعيد حربه المحدودة التي يخسرها بالفعل، إلى حرب أوسع مع حلف الناتو، «لا يمكنه الفوز فيها».
ورغم ذلك، تضيف الصحيفة: يبدو الرئيس بايدن قلقاً أكثر من أي وقت مضى بشأن استفزاز بوتين. وإلا فكيف نفسر تردد إدارته في توفير طائرات «إف-16» لأوكرانيا، والفشل في توفير نظام الصواريخ التكتيكي بعيد المدى (إيه تي إيه سي إم إس)، أو في تحدي الحصار الروسي على البحر الأسود؟ وهي قضايا تحاول إدارة بايدن اللعب فيها بطريقة آمنة، ولكنها في الواقع تطيل الصراع وتقوض فرص نجاح كييف، حتى في الوقت الذي يلوم فيه المسؤولون الأميركيون، الأوكرانيين على تقدمهم البطيء على الأرض.
وعلى الرغم من قرار تسليم أكثر من 70 طائرة «إف-16»، من الدنمارك وهولندا والنرويج، بإذن من الولايات المتحدة، فإن تدريب الطيارين الأوكرانيين سوف يستغرق وقتاً طويلاً، حتى إن أولى الطائرات لن تكون جاهزة للطيران قبل الصيف المقبل على أقرب تقدير.
ويقول محللون عسكريون، إن هذا الأمر مثير للسخرية؛ لأن تدريب الطيارين لا يحتاج لأكثر من 4 أشهر فقط، وكان بالإمكان أن يبدأ العام الماضي. ويمكن للولايات المتحدة أن تعزز هذه العملية من خلال جلب المزيد من الطيارين الأوكرانيين إلى الولايات المتحدة. كما يستطيع البنتاغون، الذي يتمتع بموارد أكبر بكثير من الموارد الهولندية أو الدنماركية، تسريع عملية توفير الطائرات وأنظمة صيانتها. ولن يحدث أي فرق بالنسبة لبوتين، إذا جاءت الطائرات من الدنمارك أو الولايات المتحدة. ولكن بدلاً من ذلك، يقلل المسؤولون الأميركيون من أهمية الطائرة، ويكررون القول إنها لن تكون «سلاحاً سحرياً»، بسبب الدفاعات الجوية الروسية القوية. وهو ما يرفضه العديد من الخبراء العسكريين، الذين يشددون على أن تسليم تلك الطائرات، جنباً إلى جنب مع أنظمة أخرى، بما فيها أنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة (هيمارس)، وخصوصاً أنظمة «إيه تي إيه سي إم إس» بعيدة المدى، يمكّن الأوكرانيين من إضعاف الدفاعات الجوية الروسية تدريجياً، للسماح لطائرات «إف-16» بالتحليق بحرّية أكبر، ليس فقط للدفاع عن المجال الجوي الأوكراني، بل أيضاً لدعم القوات البرية الأوكرانية.
«إف-16» وصواريخ «إيه تي إيه سي إم إس»
ويقول الجنرال المتقاعد فيليب بريدلوف، القائد السابق للقوات الأميركية وقوات حلف «الناتو» في أوروبا: «ليس من الضروري أن تحلق طائرة (إف-16) فوق الأراضي الروسية لإسقاط الطائرات من دون طيار والمروحيات الروسية». «ليس عليك الذهاب إلى هناك لتقاتل. يمكنك القتال من مسافة بعيدة. وهذا لن يتم من دون توفير أنظمة أخرى». ويشدد بريدلوف على أن الأمر الأكثر إلحاحاً من طائرات «إف-16» هو توفير نظام «إيه تي إيه سي إم إس» الذي يمكن إطلاق صواريخه من منصات «هيمارس» نفسها، التي يمتلكها الأوكرانيون بالفعل. وأضاف: «توفر هذه الذخيرة ضربة بعيدة المدى ودقيقة برأس حربي أثقل. ومن شأنه أن يعرض شبه جزيرة القرم بأكملها للخطر، وإذا تم استخدامه بشكل صحيح، فإنه سيجعل شبه جزيرة القرم غير قابلة للدفاع عنها بالنسبة للقوات الروسية».
وفيما زعمت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، الأسبوع الماضي، أنها دمرت نظام الدفاع الجوي الروسي «إس - 400» في شبه جزيرة القرم، أكدت أوكرانيا تحقيق تقدم جنوب البلاد وشرقها، حيث استعادت قرية روبوتين، بالقرب من جبهة زابوريجيا المحورية، مع تواصل مساعيها للتقدم نحو الأراضي التي تحتلها روسيا.
وبحسب محللين عسكريين، فإن الاستيلاء على القرية، يعني أن القوات الأوكرانية «اخترقت الطبقة الأولى» من حقول الألغام وفخاخ الدبابات والخنادق والمخابئ التي أقامها الروس منذ غزوهم، مما قد يخلق فرصاً استراتيجية جديدة لأوكرانيا، ويمكنها من توجيه ضربات بعيدة المدى، ويسمح لمدفعيتها وصواريخها بضرب عمق الأراضي التي تسيطر عليها موسكو، إضافة إلى استهداف القوات والإمدادات وشبكات النقل التي يستخدمها الجيش الروسي. وتقول صحيفة «الغارديان» البريطانية، إن الهدف الاستراتيجي الرئيسي لأوكرانيا يبقى قطع الجسر البري إلى شبه جزيرة القرم من خلال التقدم جنوباً نحو ميليتوبول من روبوتين ومن فيليكا نوفوسيلكا إلى الشرق باتجاه بيرديانسك، وهي المناطق التي كانت روسيا تتحصن فيها منذ شهور. وهو ما يبرز الحاجة إلى المزيد من المساعدات والمعدات، حيث تحاول أوكرانيا الحصول بشكل عاجل على معدات إضافية لإزالة الألغام من الحلفاء الغربيين، لتمهيد الطريق أمام القوات الأوكرانية، أو عبر تقديم تلك الأنظمة الصاروخية بعيدة المدى، التي لم تعد الحجة لعدم تسليمها مقنعة، بحسب المحللين العسكريين الأميركيين.
ومع ذلك، تقول «واشنطن بوست» إن إدارة بايدن لا تزال ترفض توفير أنظمة «إيه تي إيه سي إم إس»، بسبب الخوف من استفزاز بوتين، والادعاء بأن هناك عدداً قليلاً جداً من هذه الأنظمة في الترسانة الأميركية. وفي الواقع، يمتلك الجيش الأميركي ما يصل إلى 3 آلاف نظام منها، وإرسال بضع مئات إلى أوكرانيا لن يستنزف الدفاعات الأميركية. وغرد الجنرال المتقاعد بن هودجز، القائد السابق للجيش الأميركي في أوروبا على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، قائلاً: «هذا هراء. إذا لم يكن لدينا ما يكفي، لماذا لم نقم بزيادة الإنتاج؟ الأمر يتعلق بنقص في الإرادة السياسية، وليس بنقص في أنظمة «إيه تي إيه سي إم إس».
كسر حصار البحر الأسود
كما يتجلى نقص الإرادة السياسية، بحسب الصحيفة، في عدم رغبة الإدارة بتحدي الحصار الروسي على ساحل البحر الأسود بقوة أكبر بعد انهيار صفقة تصدير الحبوب الشهر الماضي. ويقول الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، وهو قائد سابق آخر للقوات الأميركية وحلف الناتو في أوروبا: «إننا نشهد سابقة محتملة خطيرة في عدم التنافس بقوة أكبر مع السيطرة البحرية الروسية الفعلية على مساحة كبيرة من المياه الدولية في البحر الأسود». ويرى أن سفن «الناتو» يجب أن تبدأ بمرافقة السفن التجارية التي تحمل الغذاء والوقود، وأن تبقي طائراتها المقاتلة في دوريات مستمرة فوق البحر الأسود، وتوفر صواريخ مضادة للسفن وطائرات من دون طيار لأوكرانيا لإبقاء الأسطول الروسي في مأزق.