اللوجيستية في الحرب... أوكرانيا مثالاً

دبابة أوكرانية تتقدم في جبهات القتال في منطقة زابوريجيا (رويترز)
دبابة أوكرانية تتقدم في جبهات القتال في منطقة زابوريجيا (رويترز)
TT

اللوجيستية في الحرب... أوكرانيا مثالاً

دبابة أوكرانية تتقدم في جبهات القتال في منطقة زابوريجيا (رويترز)
دبابة أوكرانية تتقدم في جبهات القتال في منطقة زابوريجيا (رويترز)

يقول المفكّر البروسيّ الشهير كارل فون كلاوسفيتز: «كلّ شيء في الحرب بسيط جدّاً، لكن أبسط شيء فيها صعب».

فالحرب بطبيعتها فعل معقّد جدّاً. وهي تحتوي على مُتغيّرات (Variables) كثيرة، غير متجانسة إلى حدّ التناقض. خوضها مماثل لعمل المخرج السينمائيّ الذي يجمع بين الممثلّ، النص، الديكور، الإضاءة، الصوت والموهبة، كما الموسيقى، وغيرها من المتغيّرات. كلّ هذا بهدف إنتاج التحفة. وإلا فما معنى جائزة الأوسكار التي تمنح لأفضل مخرج، ممثل، موسيقى وغيرها؟ من هنا نقول الفنّ السينمائيّ، كما نقول فنّ الحرب.

في عام 1914، طمأن القيصر الألماني فيلهلم الثاني جيشه، بأن الحرب ستكون قصيرة جدّاً. أخطأ القيصر فسقط.

الحرب بين القوى العظمى، وحسب المفكّر الأميركي روبيرت غيلبن، هي عادة حرب طويلة. فالقوى العظمى لديها الإرادة للاستمرار في القتال، كما لديها الإمكانات. وعادة، تتحوّل الحرب بين هذه القوى بعد المرحلة الأولى، أي بعد الطلقة الأولى، حرب استنزاف، للعدد كما للعتاد.

في عام 2003، وبعد اجتياح العراق من قِبل الولايات المتحدة الأميركية. أطلق الرئيس جورج بوش، ومن على متن حاملة الطائرات «يو إس إس ابراهام لنكولن» عبارته الشهيرة: «نُفّذت المهمّة».

أخطأ بوش؛ إذ استمرت الحرب حتى قرار سلفه أوباما بالخروج من العراق في عام 2011، ليعود إليها في عام 2014 لقتال تنظيم «داعش». ولا تزال القوات الأميركية ولو رمزيّاً في العراق حتى الآن.

عندما قرّر الرئيس فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا، وُزّع على بعض العسكر اللباس الرمزيّ للاحتفالات العسكريّة؛ إذ كانت الخطّة تقول بسقوط كييف، وكلّ أوكرانيا خلال عشرة أيّام من بدء الحرب.

لم تسقط كييف، ولم يسقط الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وشارفت الحرب على عامها الثاني، لكن الأكيد أن هذه الحرب، خلخلت أسس النظام العالميّ القديم، ونحن في مرحلة رسم صورة النظام العالميّ الجديد، لكن بالدم.

 

العامل اللوجيستيّ

يقول المفكّر الإنجليزي الراحل مايكل هاورد: إن للاستراتيجيّة بُعداً خامساً يُهمله عادة القادة، العسكريّون كما السياسيّون، ألا وهو البُعد اللوجيستيّ. حتى أن المفكّر البروسي الشهير المذكور أعلاه، لم يتطرّق إليه بعمق في كتابه «في الحرب».

في حرب الخليج الأولى، أي عملية تحرير الكويت، نقلت أميركا إلى منطقة الخليج، وذلك بقيادة الجنرال وليام باغونيس ما يقارب 550 ألف جنديّ، مع العتاد اللازم وكامل اللوجيستيّة. وتمّت مقارنة هذه العملية، وكأنها نقل كلّ سكان ولاية وايومنغ، مع سياراتهم وممتلكاتهم. وحسب باغونيس، تُربح الحروب بسبب اللوجيستيّة.

 

الحالة الأوكرانيّة

هزّت الحرب الأوكرانية أسس النظام العالميّ، كما هزّت منظومة الأمن الأوروبي، بالإضافة إلى الأمن الغذائيّ وأمن الطاقة. وبدأت الدول تبحث عن الهشاشة في أمنها القوميّ، وتختبر جهوزيّة جيوشها. فكانت ردّة فعل الدول على الزلزال الأوكراني تتعلّق مباشرة بمدى القرب، أم البُعد الجغرافيّ عن المسرح الأوكراني. فردّة فعل بولندا، هي ليست كردّة فعل ألمانيا. وردّة فعل ليتوانيا، ليس بالتأكيد كردّة فعل فرنسا أو بريطانيا.

أظهرت الحرب الأوكرانية، عدم جهوزيّة كل المنظومات الصناعيّة العسكريّة للدول المعنيّة، إن كان في روسيا، أو حتى داخل الولايات المتحدّة الأميركية وخاصة أوروبا. كما أظهرت خطأ حسابات بعض الدول، على أن الحروب المستقبليّة ستكون حروباً سريعة، لا ضحايا فيها، وهي حتماً ليست كحروب القرن الماضيّ. فالحرب الأوكرانيّة، تجمع في الوقت نفسه، الصورة الدمويّة للحروب الكبرى، وتعكس التكنولوجيا الحديثة المستعملة. لكنها ستفتح الباب على مصراعيه أمام موجة الذكاء الاصطناعيّ الجارفة، وكيفيّة استعمالها في الحروب.

تعتمد أوكرانيا على الغرب في لوجيستيّتها. والغرب يعانيّ من قّلة الاحتياط العسكريّ لديه. وهو يحاول تعزيز إنتاجه العسكريّ، لكن الأمر دونه صعوبات نشمل القرار السياسيّ، التصميم العسكريّ، التجربة والاختبار للمنظومة الجديدة. وإذا تمّت الموافقة على هذه المنظومة، عندها يبدأ التصنيع الكمّيّ. وهذا مسار يتطلّب وقتا طويلاً لا يملكه الغرب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تستهلك أوكرانيا يوميّاً ما يُقارب 6000 قذيفة مدفعيّة من عيار 155 ملم. في المقابل، تنتج أميركا من هذه القذائف نحو 24 ألفاً. من هنا استعانة أميركا بكوريا الجنوبيّة، كما استعمال المخازن المُعدّة مسبقاً في منطقة الشرق الأوسط لسدّ النقص.

في المقابل؛ ولأن المدفعيّة تُعدّ لروسيا على أنها «آلهة المعركة» كما سمّاها الزعيم جوزف ستالين، استهلكت روسيا ما يُقارب 10 ملايين قذيفة مدفعيّة حتى الآن. وهذا رقم يصعب تعويضه بسرعة. لذلك؛ لجأت موسكو إلى كوريا الشماليّة للتعويض. كما استعانت بالمسيّرات الايرانيّة كبديل لمدفعيّة الميدان.

إذاً، تحوّلت المعركة في أوكرانيا اليوم حرب استنزاف للطرفين، اللهم إلا إذا.


مقالات ذات صلة

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

أوروبا المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

قال ممثل لوزارة الدفاع الأوكرانية، إن روسيا تقوم ﺑ«ممارسات تنم عن إبادة» من خلال استخدام الألغام المضادة للأفراد في أوكرانيا، وذلك خلال قمة دولية في كمبوديا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد لقائهما في أثينا الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أمين عام «الناتو»: الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» في دعمه أوكرانيا

قال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الثلاثاء، إن الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» لدعم أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
أوروبا أضرار في موقع هجوم صاروخي روسي ضرب مبنى إدارياً لبنك متوقف عن العمل جنوب غربي أوكرانيا 25 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تستهدف البنية التحتية الأوكرانية بأكبر هجوم مسيّرات منذ بدء الحرب

قال مسؤولون أوكرانيون، الثلاثاء، إن القوات الروسية شنّت أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيّرة على أوكرانيا الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جينبينغ (رويترز)

تقرير: الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على شركات صينية تدعم روسيا

كشف تقرير صحافي أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على عدة شركات صينية يُزعم أنها ساعدت شركات روسية في تطوير طائرات مسيرة هجومية تم استخدامها ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين (أرشيفية - رويترز)

مدير المخابرات الروسية: نرغب في «سلام راسخ وطويل الأمد» في أوكرانيا

قال مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية إن بلاده تعارض تجميد الصراع في أوكرانيا؛ لأن موسكو بحاجة إلى «سلام راسخ وطويل الأمد».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

تقوم روسيا ﺑ«ممارسات تنم عن إبادة» من خلال استخدام الألغام المضادة للأفراد في أوكرانيا على ما أفاد به ممثل لوزارة الدفاع الأوكرانية خلال قمة دولية في سيام ريب في كمبوديا.

وقال أولكسندر ريابتسيف إن موسكو نشرت «هذه العبوات الناسفة في مدن ومزارع ومحطات نقل عام»، مؤكداً أنها تهدد مناطق يقيم فيها نحو 6 ملايين أوكراني، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت كييف قد أعلنت في وقت سابق، الثلاثاء، أنّها ستتخلّى عن التزاماتها في إطار اتفاق أوتاوا، بتدمير ما تبقى من مخزونها البالغ نحو 6 ملايين لغم مضاد للأفراد ورثتها من الحقبة السوفياتية.

وفي هذا الإطار، قال ممثل آخر لوزارة الدفاع الأوكرانية وهو يفيني كيفشيك، خلال المؤتمر نفسه: «للأسف، ليس من الممكن تنفيذ هذا الالتزام في الوقت الحالي».

وأضاف أنّ «العدوان الضخم وغير المبرّر من قبل الاتحاد الروسي على أوكرانيا أدى إلى إدخال تعديلات على خطط تدمير المخزون».

ولم يشر كيفشيك في خطابه إلى العرض الأميركي بتزويد كييف بألغام مضادة للأفراد والذي كان المقصود منه وفقاً لواشنطن إبطاء تقدّم قوات موسكو في شرق أوكرانيا.

ولم يحدّد حجم المخزون الأوكراني، غير أنّه أشار إلى أنّه من بين 6 ملايين لغم أرضي موجود منذ حقبة الاتحاد السوفياتي، تمّ «تدمير أكثر من 2.5 مليون لغم بالكامل».