تصطف مدرعات روسية تآكلها الصدأ غنمتها أوكرانيا خلال الحرب في أحد شوارع كييف استعدادا للاحتفال بذكرى استقلالها، لتبرز بذلك نجاحات ميدانية حققتها، دون أن يحجب ذلك تعثّر هجومها المضاد لاستعادة أراضٍ تسيطر عليها موسكو، وهو ما بدأ يثير أسئلة في الغرب.
بعد أشهر من التحضير الميداني والدعائي، أطلقت أوكرانيا مطلع يونيو (حزيران) هجوما مضادا ضد القوات الروسية في شرق البلاد وجنوبها بعد الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر الغربية. لكن التقدم الميداني يبقى متواضعا ودون ما كانت تأمله أوكرانيا ويتوقعه حلفاؤها.
وتواجه القوات الأوكرانية خطوط دفاع وتحصينات روسية وحقول ألغام على خطوط الجبهة. وتمكنت إلى الآن من استعادة بعض القرى في جنوب البلاد والتقدم في محيط مدينة باخموت (شرق) التي سيطرت عليها روسيا في مايو (أيار) بعد قصف عنيف تسبب بدمار هائل.
في شوارع كييف، يرى الأوكرانيون في العتاد الروسي المهترئ مؤشرا على قدرة جيشهم على تحقيق الانتصار في الحرب التي بدأت في فبراير (شباط) 2022، رغم أنه بعيد المنال.
وتقول آنا (35 عاما) وهي من سكان كييف، لوكالة «فرنس برس»: «من الواضح أن الأمور لا تجري بالسرعة التي كان يتوقعها الجميع». وتضيف السيدة التي رفضت ذكر اسمها بالكامل «ربما في الغرب حيث لا يعرف الناس حقيقة ما يجري، يعتقدون أنهم أمام أحد برامج الواقع التلفزيونية».
وأكد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا لـ«فرنس برس» الأسبوع الماضي أن حلفاء كييف لا يضغطون عليها لتسريع وتيرة هجومها المضاد، مشددا على أن الهدف منه هو «النصر» باستعادة الأراضي الأوكرانية كافة «مهما طال الوقت».
توقع «في غير مكانه»
على الرغم من ذلك، نشرت وسائل إعلام أميركية في الآونة الأخيرة تقارير صحافية تتحدث عن قلق متنامٍ في واشنطن وعواصم غربية من بطء مكاسب الهجوم الأوكراني، إضافة إلى انتقادات لاستراتيجية كييف الميدانية، ما يطرح أسئلة عن المدة التي يمكن فيها للحلفاء، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، الاستمرار في دعم أوكرانيا. وترافق ذلك مع نشر تقديرات استخبارية أميركية تشير إلى أن الجيش الأوكراني تكبّد تكلفة بشرية هائلة بخسارته زهاء 70 ألف قتيل وما بين 100 و120 ألف جريح، مقابل حصيلة تقدّر بنحو 300 ألف للقوات الروسية بينهم 120 ألف قتيل. وعد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو هذا الشهر أن الموارد العسكرية الأوكرانية «شبه مستنفدة» في الحرب. ويرى محللون أن التحضيرات الدفاعية الروسية والقدرة النارية التي تتمتع بها موسكو، كفيلة بجعل أي هجوم مضاد عملية معقدة وصعبة وتتطلب وقتاً.
وقال الباحث في «المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية» في كييف ميكولا بيلييسكوف لـ«فرنس برس»: «لا أفهم ما الذي كان يتوقعه الناس».
وشدد على أن «توقع قدرة كييف على كسر الدفاع الروسي والاختراق بشكل سريع في غياب تفوق ناري، كان في غير مكانه»، مشيرا إلى أن وتيرة التقدم تعود أيضاً إلى استراتيجية أوكرانيا بالحفاظ قدر الإمكان على العدة والعتاد في الحرب.
«طالت مدّته»
وأقر جندي أوكراني يمضي إجازة قصيرة في العاصمة، بأن الجيش موزّع على جبهات متعددة بشكل يحول دون شنّه هجوما مضاداً مركّزاً على هدف واحد. وقال فيتالي (21 عاما) لـ«فرنس برس»: «أوافق على ذلك، لقد طالت مدته»، في إشارة إلى القلق الغربي من عدم تحقيق الهجوم المضاد نتائج متناسبة مع الفترة التي مضت على انطلاقه. وأضاف «يبدو بالنسبة إلي أن عدد المقاتلين والمعدات غير كافٍ».
وهذا الأسبوع، نال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تعهدا بتزويد جيشه بطائرات «إف - 16» الأميركية الصنع، وهو ما كان يطالب به منذ أشهر لتعزيز القدرات الجوية لقواته. وتعهدت هولندا والدنمارك بتزويد أوكرانيا عشرات من هذه الطائرات المقاتلة بعد الانتهاء من تدريب طياريها على استخدامها. إلا أن حصول أوكرانيا وبدء استخدامها سيتطلب وقتا، ما يدفع المحللين إلى التقليل من شأن تأثيرها الآني على الميدان.
وكتب المحلل المؤيد لأوكرانيا إدوارد لوكاس في نشرة لمركز CEPA البحثي «هذه الأنباء تلقى ترحيبا بقدر ما يثير التأخير (في تزويد أوكرانيا بالمقاتلات) الغضب. تدريب الطيارين سيتطلب أشهرا، وكان يمكن اتخاذ القرار قبل 18 شهرا أو قبل ذلك حتى».
من جهته، شدد الباحث بيلييسكوف على حاجة أوكرانيا إلى صواريخ كروز وصواريخ بالستية ومزيد من قذائف المدفعية لمواصلة الهجوم والتقدم. وستحيي كييف في 24 أغسطس (آب) ذكرى استقلال أوكرانيا بلا احتفالات عامة. وأعلن رئيس بلدية العاصمة فيتالي كليتشكو إلغاء سلسلة من الأحداث المقررة خشية التعرض لقصف روسي.
وأثناء تجوّلها بين العتاد الروسي الصدئ، لم تخف أناستازيا (21 عاما) أملها في تحقيق قوات بلادها مزيدا من التقدم على الجبهة، رغم صعوبة ذلك. ورأت أن المطلوب لتحقيق ذلك هو تقديم الحلفاء الغربيين مزيداً من الأسلحة والعتاد للجيش الأوكراني، وإلا «ليأتوا هم وليقوموا بذلك بأنفسهم» ليتمكنوا من اختبار صعوبة الأمر.