بطء الهجوم المضاد يقابل بواقعية بأوكرانيا وأسئلة في الغرب

تقارير تتحدث عن قلق متنامٍ في واشنطن وعواصم غربية وانتقادات لاستراتيجية كييف الميدانية

أوكرانيون يسيرون أمام مركبات عسكرية روسية متضررة استولى عليها الجيش الأوكراني في كييف قبل احتفالات يوم الاستقلال المقررة في 24 أغسطس (إ.ب.أ)
أوكرانيون يسيرون أمام مركبات عسكرية روسية متضررة استولى عليها الجيش الأوكراني في كييف قبل احتفالات يوم الاستقلال المقررة في 24 أغسطس (إ.ب.أ)
TT

بطء الهجوم المضاد يقابل بواقعية بأوكرانيا وأسئلة في الغرب

أوكرانيون يسيرون أمام مركبات عسكرية روسية متضررة استولى عليها الجيش الأوكراني في كييف قبل احتفالات يوم الاستقلال المقررة في 24 أغسطس (إ.ب.أ)
أوكرانيون يسيرون أمام مركبات عسكرية روسية متضررة استولى عليها الجيش الأوكراني في كييف قبل احتفالات يوم الاستقلال المقررة في 24 أغسطس (إ.ب.أ)

تصطف مدرعات روسية تآكلها الصدأ غنمتها أوكرانيا خلال الحرب في أحد شوارع كييف استعدادا للاحتفال بذكرى استقلالها، لتبرز بذلك نجاحات ميدانية حققتها، دون أن يحجب ذلك تعثّر هجومها المضاد لاستعادة أراضٍ تسيطر عليها موسكو، وهو ما بدأ يثير أسئلة في الغرب.

بعد أشهر من التحضير الميداني والدعائي، أطلقت أوكرانيا مطلع يونيو (حزيران) هجوما مضادا ضد القوات الروسية في شرق البلاد وجنوبها بعد الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر الغربية. لكن التقدم الميداني يبقى متواضعا ودون ما كانت تأمله أوكرانيا ويتوقعه حلفاؤها.

وتواجه القوات الأوكرانية خطوط دفاع وتحصينات روسية وحقول ألغام على خطوط الجبهة. وتمكنت إلى الآن من استعادة بعض القرى في جنوب البلاد والتقدم في محيط مدينة باخموت (شرق) التي سيطرت عليها روسيا في مايو (أيار) بعد قصف عنيف تسبب بدمار هائل.

وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا (أ.ف.ب)

في شوارع كييف، يرى الأوكرانيون في العتاد الروسي المهترئ مؤشرا على قدرة جيشهم على تحقيق الانتصار في الحرب التي بدأت في فبراير (شباط) 2022، رغم أنه بعيد المنال.

وتقول آنا (35 عاما) وهي من سكان كييف، لوكالة «فرنس برس»: «من الواضح أن الأمور لا تجري بالسرعة التي كان يتوقعها الجميع». وتضيف السيدة التي رفضت ذكر اسمها بالكامل «ربما في الغرب حيث لا يعرف الناس حقيقة ما يجري، يعتقدون أنهم أمام أحد برامج الواقع التلفزيونية».

وأكد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا لـ«فرنس برس» الأسبوع الماضي أن حلفاء كييف لا يضغطون عليها لتسريع وتيرة هجومها المضاد، مشددا على أن الهدف منه هو «النصر» باستعادة الأراضي الأوكرانية كافة «مهما طال الوقت».

 

توقع «في غير مكانه»

على الرغم من ذلك، نشرت وسائل إعلام أميركية في الآونة الأخيرة تقارير صحافية تتحدث عن قلق متنامٍ في واشنطن وعواصم غربية من بطء مكاسب الهجوم الأوكراني، إضافة إلى انتقادات لاستراتيجية كييف الميدانية، ما يطرح أسئلة عن المدة التي يمكن فيها للحلفاء، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، الاستمرار في دعم أوكرانيا. وترافق ذلك مع نشر تقديرات استخبارية أميركية تشير إلى أن الجيش الأوكراني تكبّد تكلفة بشرية هائلة بخسارته زهاء 70 ألف قتيل وما بين 100 و120 ألف جريح، مقابل حصيلة تقدّر بنحو 300 ألف للقوات الروسية بينهم 120 ألف قتيل. وعد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو هذا الشهر أن الموارد العسكرية الأوكرانية «شبه مستنفدة» في الحرب. ويرى محللون أن التحضيرات الدفاعية الروسية والقدرة النارية التي تتمتع بها موسكو، كفيلة بجعل أي هجوم مضاد عملية معقدة وصعبة وتتطلب وقتاً.

وقال الباحث في «المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية» في كييف ميكولا بيلييسكوف لـ«فرنس برس»: «لا أفهم ما الذي كان يتوقعه الناس».

وشدد على أن «توقع قدرة كييف على كسر الدفاع الروسي والاختراق بشكل سريع في غياب تفوق ناري، كان في غير مكانه»، مشيرا إلى أن وتيرة التقدم تعود أيضاً إلى استراتيجية أوكرانيا بالحفاظ قدر الإمكان على العدة والعتاد في الحرب.

جنود أوكرانيون يقصفون مواقع للقوات الروسية بالقرب من باخموت (أ.ب)

 

«طالت مدّته»

وأقر جندي أوكراني يمضي إجازة قصيرة في العاصمة، بأن الجيش موزّع على جبهات متعددة بشكل يحول دون شنّه هجوما مضاداً مركّزاً على هدف واحد. وقال فيتالي (21 عاما) لـ«فرنس برس»: «أوافق على ذلك، لقد طالت مدته»، في إشارة إلى القلق الغربي من عدم تحقيق الهجوم المضاد نتائج متناسبة مع الفترة التي مضت على انطلاقه. وأضاف «يبدو بالنسبة إلي أن عدد المقاتلين والمعدات غير كافٍ».

وهذا الأسبوع، نال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تعهدا بتزويد جيشه بطائرات «إف - 16» الأميركية الصنع، وهو ما كان يطالب به منذ أشهر لتعزيز القدرات الجوية لقواته. وتعهدت هولندا والدنمارك بتزويد أوكرانيا عشرات من هذه الطائرات المقاتلة بعد الانتهاء من تدريب طياريها على استخدامها. إلا أن حصول أوكرانيا وبدء استخدامها سيتطلب وقتا، ما يدفع المحللين إلى التقليل من شأن تأثيرها الآني على الميدان.

مقاتلة من طراز «إف - 16» ضمن سلاح الجو الدنماركي (أ.ف.ب)

وكتب المحلل المؤيد لأوكرانيا إدوارد لوكاس في نشرة لمركز CEPA البحثي «هذه الأنباء تلقى ترحيبا بقدر ما يثير التأخير (في تزويد أوكرانيا بالمقاتلات) الغضب. تدريب الطيارين سيتطلب أشهرا، وكان يمكن اتخاذ القرار قبل 18 شهرا أو قبل ذلك حتى».

من جهته، شدد الباحث بيلييسكوف على حاجة أوكرانيا إلى صواريخ كروز وصواريخ بالستية ومزيد من قذائف المدفعية لمواصلة الهجوم والتقدم. وستحيي كييف في 24 أغسطس (آب) ذكرى استقلال أوكرانيا بلا احتفالات عامة. وأعلن رئيس بلدية العاصمة فيتالي كليتشكو إلغاء سلسلة من الأحداث المقررة خشية التعرض لقصف روسي.

وأثناء تجوّلها بين العتاد الروسي الصدئ، لم تخف أناستازيا (21 عاما) أملها في تحقيق قوات بلادها مزيدا من التقدم على الجبهة، رغم صعوبة ذلك. ورأت أن المطلوب لتحقيق ذلك هو تقديم الحلفاء الغربيين مزيداً من الأسلحة والعتاد للجيش الأوكراني، وإلا «ليأتوا هم وليقوموا بذلك بأنفسهم» ليتمكنوا من اختبار صعوبة الأمر.

 

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

«الناتو» يطالب بتوفير دعم كافٍ لأوكرانيا «لتغيير مسار» الحرب

أوروبا وزير الخارجية الروسي خلال اجتماع الأسبوع الماضي في العاصمة الكازاخية أستانة (رويترز)

«الناتو» يطالب بتوفير دعم كافٍ لأوكرانيا «لتغيير مسار» الحرب

حضّ مارك روته الأربعاء أعضاء «الناتو» على تزويد أوكرانيا ما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب فيما تحقق القوات الروسية مكاسب على طول الجبهة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (رويترز)

قديروف: هجوم مسيّرة أطلقتها أوكرانيا يسقط مدنيين في عاصمة الشيشان

نقلت «وكالة الإعلام الروسية» عن رمضان قديروف رئيس الشيشان قوله اليوم الأربعاء إن طائرة مسيّرة أطلقتها أوكرانيا هاجمت العاصمة غروزني وتسببت في سقوط مدنيين.

«الشرق الأوسط» (غروزني)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (رويترز)

«الناتو» يدعو الغرب لتوفير «دعم كافٍ» لأوكرانيا لـ«تغيير مسار» الحرب

حضّ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، الأربعاء، أعضاء الناتو على تزويد أوكرانيا بما يكفي من أسلحة لـ«تغيير مسار» الحرب.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
العالم فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

نداء أممي لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا مبنى كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية التي أجرت الدراسة (رويترز)

تقرير: طائرات الكرملين نقلت أطفالا أوكرانيين قسراً للتبني في روسيا

أظهر تقرير صادر عن كلية الصحة العامة بجامعة ييل الأميركية أن طائرات رئاسية روسية استُخدمت ضمن برنامج لنقل أطفال من الأراضي الأوكرانية المحتلة وتجريدهم من هويتهم

«الشرق الأوسط» (لاهاي)

مصير رئيس الحكومة الفرنسية حُسم وسيناريوهات متعددة لما بعد إسقاطه

رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة إلى الحكومة في الجمعية الوطنية (رويترز)
رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة إلى الحكومة في الجمعية الوطنية (رويترز)
TT

مصير رئيس الحكومة الفرنسية حُسم وسيناريوهات متعددة لما بعد إسقاطه

رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة إلى الحكومة في الجمعية الوطنية (رويترز)
رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة إلى الحكومة في الجمعية الوطنية (رويترز)

أطلق جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، رصاصة الرحمة على ميشال بارنييه، رئيس الحكومة الفرنسية، بتأكيد المؤكد وذلك بإعلانه صباح الأربعاء أن نواب حزبه سيصوّتون لصالح سحب الثقة من بارنييه؛ ما يعني إسقاطه وإسقاط حكومته بشكل «فوري».

وأوضح بارديلا أن نواب اليمين المتطرف البالغ عددهم 141 نائباً سيضمون أصواتهم إلى أصوات «الاتحاد الشعبي الجديد»، أي تحالف أحزاب اليسار والخضر (193 نائباً) الذي أعلن عزمه إسقاط بارنييه وقدَّم لهذه الغاية عريضة نيابية إلى جانب العريضة التي قدمها اليمين المتطرف. والمثير للعجب أن بارديلا أعطى بارنييه مهلة تنتهي في الساعة الثالثة ليتراجع رئيس الحكومة عن قراره رفض زيادة المعاشات التقاعدية وإصراره على تمرير قانون تمويل الضمان الاجتماعي من خلال طرح الثقة بالحكومة.

رئيس الحكومة ميشال بارنييه يتشاور بعد ظهر الأربعاء مع اثنين من النواب قبل بدء جلسة البرلمان رسمياً (أ.ب)

والحال، أن المهلة الزمنية مرَّت ولم يصدر عن القصر الحكومي أي إعلان جديد. وإذا سارت الأمور على هذا النحو، فإن الجمع بين أصوات الطرفين سيوفر العدد اللازم والمريح لإعادة بارنييه إلى بيته في بادرة لم تحصل سوى مرة واحدة في تاريخ الجمهورية الخامسة تعود لعام 1962 عندما سقطت حكومة جورج بومبيدو خلال ولاية الرئاسية الأولى للجنرال شارل ديغول.

الحكم المبرم بحق بارنييه

إزاء الحكم المبرم المنتظر، لم يبق بارنييه مكتوف اليدين، بل حاول خلال مقابلة تلفزيونية مطولة ليلة الثلاثاء أن يعبئ ناخبي اليمين المتطرف ضد قرار الحزب، محذراً من العواقب الخطيرة المترتبة على إسقاطه بالنسبة لمصير الميزانية العامة لعام 2025 أو لتدهور القوة الشرائية وزيادة الضرائب على 18 مليون فرنسي وتراجع الاقتصاد، فضلاً عن الأزمة السياسية والنفق المجهول الذي ستدخله فرنسا.

وانضم نواب من تحالف الوسط واليمين الداعم له منبهين من المنزلق الذي تسير إليه البلاد. ولم يبقَ الرئيس إيمانويل ماكرون الموجود منذ الاثنين في زيارة دولة إلى السعودية صامتاً إذا شكك بحتمية إسقاط الحكومة، واتهم زعيمة اليمين المتطرف والمرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبن بـ«ممارسة خبث لا يحتمل»؛ لأنها ضمت أصوات نواب حزبها إلى أصوات اليسار المتطرف ممثلاً بحزب «فرنسا الأبية» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون.

رئيسة مجموعة نواب اليمين المتطرف مارين لوبن التي تسبب تصويت حزبها إلى جانب نواب تحالف في إسقاط ميشال بارنييه (رويترز)

كذلك حرص ماكرون على قطع الطريق لمن ينادون باستقالته بوصفها مخرجاً «وحيداً» من الأزمة السياسية التي قد تتحول أزمة «مؤسساتية» معتبراً أن دعوة كهذه تندرج في إطار ما سماه «التخيل السياسي». وقال، الثلاثاء، لعدد من الصحافيين الذين رافقوه في زيارته إلى السعودية: «أنا أقف أمامكم (بصفة رئيس) لأن الشعب الفرنسي انتخبني مرتين. أنا فخور جداً بذلك وسأحترم هذه الثقة بكل طاقتي حتى الثانية الأخيرة لأكون مفيداً للبلاد».

عودة إلى المربع الأول

حقيقة الأمر أن مسؤولية ما يجري حالياً في فرنسا تقع على كاهل ماكرون؛ وذلك لسببين رئيسين: الأول، أنه، شخصياً، مَن قرر حل المجلس النيابي وهو حق يعطيه إياه الدستور. إلا أنه لجأ إليه من غير أسباب واضحة أو مقنعة. وكانت النتيجة أن البرلمان الجديد المنبثق من انتخابات يونيو (حزيران) الماضي جاء من غير أكثرية مطلقة ولا نسبية. كذلك، فإن حزبه خسر ما لا يقل عن سبعين نائباً. والآخر، أن ماكرون الذي يخوله الدستور اختيار شخصية لتشكيل الحكومة، ولا يفرض عليه أي قيود، لم يتصرف وفق العرف المعمول به في فرنسا، بل استدعى بارنييه المنتمي إلى حزب حلّ في المرتبة الرابعة ولا يتمتع إلا بـ47 نائباً، بينما تحالف اليسار حصل على 193 مقعداً.

كتلة اليسار في البرلمان (رويترز)

ويتذكر الجميع كيف ناور ماكرون لأسابيع لاستبعاد مرشحة اليسار لوسي كاستيه بحجة أنها غير قادرة على توفير أكثرية نيابية تدعم عملها على رأس الحكومة. وبالمقابل، سمى بارنييه وأقنع اليمين الكلاسيكي بالانضمام إلى الأحزاب الثلاثة الداعمة له التي تمتلك 163 نائباً. وأكثر من ذلك، تفاهم مع لوبن حتى تعطي الحكومة الجديدة فرصة للعمل وأن تمتنع عن الدفع لإسقاطها وبذلك يكون قد وضعها «رهينة» بين يدي اليمين المتطرف.

ورغم الخلافات السياسية العميقة بين اليمين المتطرف واليسار المتشدد، فإن لوبن التي تعاني صعوبات مع القضاء، اختارت إرباك المشهد السياسي والإقدام على إبراز عضلاتها وإفهام مَن لم يفهم أنها من تصنع الحكومات وأنها من يطيح بها.

صورة أرشيفية للرئيس الفرنسي الأسبق جورج بومبيدو الوحيد الذي سقطت حكومته في البرلمان في عام 1962 (أ.ف.ب)

مع سقوط بارنييه، تكون فرنسا قد عادت إلى المربع الأول، حيث لا أكثرية نيابية وحيث لا جهة قادرة على فرض مرشحها لرئاسة الحكومة. وفي حين كان ماكرون يراهن على إعادة تدشين كاتدرائية نوتردام بعد الانتهاء من ترميميها بعد الحريق الكبير الذي التهم الكثير من أجزائها، وذلك بجعلها حدثاً عالمياً سيحضره ما لا يقل عن 60 ملكاً ورئيس دولة وحكومة، أبرزهم دونالد ترمب، العائد قريباً إلى البيت الأبيض، لكن بغياب البابا الذي وجهت إليه الدعوة واعتذر عن تلبيتها، فإن الأزمة السياسية الراهنة ستلقي بظلها على الحدث. والمؤسف أن الانقسامات السياسية لن تتغير والوضع الذي ساد وأفضى إلى تكليف بارنييه ما زال حيث هو، وسيكون على ماكرون ان يناور ويفاوض ويستشير للمجيء بحكومة من غير أكثرية.

سيناريوهات للأسابيع المقبلة

إذا حصل ما هو متوقع وسُحبت الثقة من بارنييه، فعليه أن يقدّم استقالته سريعاً إلى رئيس الجمهورية الذي سيكلفه تسيير شؤون الدولة بانتظار تشكيل حكومة جديدة. وثمة سيناريوهان مستبعدان: الأول، استقالة ماكرون وقد رفض الإقدام عليها بشكل قاطع، والآخر اللجوء إلى المادة 16 من الدستور التي توفر له كلفة السلطات ولـ«فترة محدودة» في حالات عدة، منها إذا كان استقلال البلاد مهدداً أو المؤسسات معطلة أو وجود تهديد خارجي.

وأجمع خبراء القانون الدستوري على أن أياً من هذه الحالات غير متوافر اليوم، وبالتالي فإن هذا السيناريو «خيالي». ولا شك أن التجربة التي جرت مؤخراً في كوريا الجنوبية تشكل مثالاً يتعين عدم الاحتذاء به. كذلك، يتعين استبعاد حل مجلس النواب مجدداً لأن الدستور يمنع اللجوء إليه إلا بعد مرور عام كامل على حله مرة أولى، أي حتى يونيو المقبل.

أعضاء في البرلمان يتوسطهم رئيس الوزراء السابق (إ.ب.أ)

من هنا، يتعين على ماكرون أن يتعامل مع ما هو ممكن، ومنه المقترح الذي طرحه عضو مجلس الشيوخ يانيك جادو والقائل بإيكال رئاسة الحكومة لشخصية من اليسار تضم وزراء يساريين بالطبع، لكن أيضاً شخصيات مما يسمى تحالف الوسط واليمين التقليدي أو «الكتلة المركزية». لكن قيام حكومة «مؤقتة» تعمل على إقرار «التدابير الضرورية» لمسيرة الدولة يفترض فرط تحالف اليسار وتحديداً إبقاء «فرنسا الأبية» خارجاً وإقناع الحزب الاشتراكي والخضر بقبوله. والحال، أن تطوراً كهذا يعني أن الحزب الاشتراكي يخاطر بخسارة الكثير من مقاعده في الانتخابات القادمة واتهامه بـ«بيع التحالف مقابل مقاعد وزارية».

يبدو أن ماكرون في عالم آخر؛ إذ تفيد معلومات متداولة بأنه يفكر بتكليف وزير الدفاع سيباستيان لو كورنو المقرب منه تشكيل الحكومة باعتبار أن أمراً كهذا يمكن أن يحظى بقبول مارين لوبن التي يقيم معها لوكورنو علاقات «طبيعية»؛ ما يعني ركوب مخاطر جديدة شبيهة بما عرفه بارنييه. أما المرشح الآخر فهو فرنسوا بايرو، رئيس حزب «الحركة الديمقراطية» والسياسي الوسطي المخضرم و«عرَّاب» ماكرون، وقد طرح اسمه المرة الماضية. ويقترب هذا الطرح مما يقترحه يانيك جادو مع اختلاف جوهري أن الأول يريد رئيساً من اليسار...

سيناريوهات عدّة والكلمة الفصل فيها تعود للرئيس ماكرون. فهل يبادر سريعاً أم سيتريث بانتظار أن تنضج «الطبخة الوزارية» على نار هادئة؟