فرنسا تراهن على انتشار أمني واسع لمنع العنف والشغب في العيد الوطني

ماكرون: سنتعامل بأقصى درجات الحزم مع المخلين بالأمن

مروحية عسكرية تحلّق في سماء باريس استعداداً لليوم الوطني الفرنسي (أ.ب)
مروحية عسكرية تحلّق في سماء باريس استعداداً لليوم الوطني الفرنسي (أ.ب)
TT

فرنسا تراهن على انتشار أمني واسع لمنع العنف والشغب في العيد الوطني

مروحية عسكرية تحلّق في سماء باريس استعداداً لليوم الوطني الفرنسي (أ.ب)
مروحية عسكرية تحلّق في سماء باريس استعداداً لليوم الوطني الفرنسي (أ.ب)

يحل العيد الوطني الفرنسي هذا العام في ظروف بالغة الصعوبة، إذ يأتي بعد أقل من أسبوعين على انطفاء أعمال العنف والشغب التي ضربت باريس وغالبية المدن الفرنسية، كبيرة أو صغيرة، فضلاً عن ضواحيها عقب مقتل الشاب المراهق نائل المرزوقي، الجزائري الأصل والفرنسي المولد، على يد شرطي في مدنية نانتير، بمناسبة تدقيق مروري.

ولأن السلطات الفرنسية تتخوف تقليدياً من اندلاع أعمال شغب بمناسبة العيد الوطني، أكانت هناك مسببات أم لا، فإنها هذه المرة قررت التعامل بحزم أكبر وإنزال ما هو متوفر من قوات الشرطة والدرك والأجهزة الأمنية الأخرى. ومن فيلنيوس، حيث كان يشارك في قمة الحلف الأطلسي، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أن السلطات سوف تتدخل في حال حصول تجاوزات «بأكبر قدر ممكن من الحزم من أجل أن يعيش كل مواطنينا بهدوء».

إليزابيت بورن لدى استقبالها مودي في مطار أورلي الخميس (أ.ف.ب)

ليس أمام السلطات الفرنسية من سبيل لإعادة الأمن والطمأنينة، بعد انقضاء مهلة قصيرة على أعمال العنف والشغب الأخيرة التي أضعفت الحكومة في الداخل وأساءت لصورة فرنسا في الخارج، سوى إظهار العضلات وإظهار أنها تمسك بالوضع الأمنيّ تماماً. يضاف إلى ما سبق أن العيد الوطني الذي يُحتفل به مساء الخميس والجمعة، بما يرافقه من عرض عسكري كبير يجري تقليدياً في جادة الشانزليزيه في باريس واحتفالات شعبية تعمّ الغالبية العظمى من المدن والقرى، يحظى بتغطية إعلامية عالمية، وبالتالي فإن إمساك السلطات بالوضع يعد أكثر من ضروري. وضيف الشرف لهذا العام هو رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، الذي يجري زيارة رسمية لفرنسا تدوم ثلاثة أيام.

خطة أمنية محكمة

وعقد جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، مؤتمراً صحافياً عرض فيه خطة وزارته للمحافظة على الأمن، ونشر 45 ألف رجل أمن (شرطة، ودرك، ووحدات مكافحة الشغب والتدخل السريع...) على الأراضي الفرنسية كافة، منهم عشرة آلاف في باريس وضواحيها القريبة. وبعض الوحدات ستكون مجهّزة بمدرعات خفيفة، بالإضافة إلى المروحيات والمسيرات. وهذا الانتشار سيبقى على حاله من مساء الخميس حتى نهار السبت، ما يعني أن أكثر من 130 ألف رجل أمن سيكون في ساحات وشوارع فرنسا خلال هذه الفترة. ولأن التخوف الأول هو من اندلاع الحرائق التي تستهدف بالدرجة الأولى السيارات وسلال القمامة المنتشرة في الشوارع والمنشآت العمومية فضلاً عن المحلات، وهو ما حصل على نطاق واسع خلال ليالي الشغب الستة الأخيرة، فإن السلطات جهَّزت أربعين ألف رجل إطفاء للتدخل السريع حال اندلاع الحرائق.

منع بيع المفرقعات

وتفيد أرقام وزير الداخلية التي أعلن عنها في مؤتمره الصحافي (الأربعاء)، أن احتفالات العيد الوطني العام الماضي شهدت إحراق 749 سيارة وإصابة 55 عنصراً أمنياً بجروح. بيد أن المعالجة الأمنية تفترض إجراءات استباقية، وهو ما عمدت إليه «الداخلية» من خلال بيع المفرقعات على جميع الأراضي الفرنسية لأنها تُستخدم كـ«أسلحة» ضد رجال الأمن، كما أنها تتسبب بحصول حرائق. وأفاد مصدر في وزارة الداخلية بأن المشاغبين الذين «استنفدوا مخزونهم من المفرقعات خلال ليالي الشغب الماضية يسعون للحصول على كميات جديدة». وخلال الأيام القليلة الماضية، صادرت الشرطة، في منطقة باريس وحدها، كميات كبيرة (1.5 طن) من الألعاب النارية المستوردة من بولندا والتشيك عبر ألمانيا. ومن جانبها، وضعت وحدة من الدرك اليد على 2.7 طن من المفرقعات خلال عملية تفتيش شاحنة قادمة من بولندا.

استعراض عسكري جوي في باريس استعداداً لاحتفالات اليوم الوطني (أ.ف.ب)

وبالتوازي، تعمل الجمارك على مراقبة ما يحصل عبر المشتريات البريدية لمنع وصول المفرقعات النارية، علماً بأن بعض المشترين يلجأون إلى منصات مثل «سناب شات» وما يشابهها. ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن السلطات أصدرت تعميماً يمنع شراء وبيع ونقل المفرقعات حتى 15 يوليو (تموز)، أي حتى انتهاء الاحتفالات. وقالت إليزابيت بورن، رئيسة الحكومة، إن «المهنيين المولّجين وحدهم بإجراء الألعاب النارية في البلدات متاح لهم شراء المفرقعات».

من جانبه، قال دارمانان إن هذه المفرقعات «يمكن أن تتسبب بجروح بليغة وتقطع الأيدي وتشعل الحرائق كما حصل في مدينة فيلأوربان مؤخراً حيث اشتعل مبنى بسبب إطلاق المفرقعات».

وبالنظر إلى المخاوف المرتبطة باحتفالات العيد الوطني التي من أبرزها الحفلات الموسيقية خصوصاً الألعاب النارية التي تجتذب مئات الآلاف من الناس، فإن الكثير من المدن قررت إلغاءها هذا العام وعلى رأسها مدينة نانتير، الواقعة على مدخل باريس الغربي. كذلك، صدر عن مديرية الشرطة في باريس قرار بمنع مظاهرة مقررة (السبت) للاحتجاج على عنف رجال الأمن. إلا أن رئيسة بلدية العاصمة آن هيدالغو قررت إبقاء الحفل الموسيقي ليل الأربعاء قريباً من برج إيفل، وكذلك على إطلاق الألعاب النارية منتصف ليل الجمعة إلى السبت.

ونقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية قولها: «نحن في أمسّ الحاجة إلى مناسبات تجمع العائلات والأصدقاء، هذه هي الصورة التي تريد فرنسا عكسها في العالم قبل سنة من دورة الألعاب الأولمبية في باريس».

خلال الليلتين المقبلتين، سيكون اهتمام وزارة الداخلية مسلّطاً على ما سيجري في باريس وضواحيها، ولكن أيضاً في مدن رئيسية أخرى مثل ليون ومرسيليا (ثاني وثالث أكبر مدينتين)، وكذلك ستراسبورغ ورين، وضواحي هذه المدن. ولأن وسائل النقل العام كالحافلات والترامواي، وحتى القطارات، تعرّضت للاعتداء وبعضها للإحراق، فإن السلطات قررت وقف خدماتها في ساعة مبكرة لتجنيبها اعتداءات إضافية. وأمر دارمانان القوى الأمنية بـ«التدخل السريع والقبض، بشكل منهجي، على الأشخاص الذين يمثّلون تهديداً للأمن من أجل تمكين الفرنسيين من الاحتفال بالعيد الوطني من غير أن يكونوا ضحايا مجموعة من المارقين».

وتراهن السلطات كذلك على تدخل العائلات لمنع أبنائها من المشاركة في أعمال عنف وشغب، خصوصاً أن نقاشاً يجري حول معاقبة العائلات التي لا تتحمل مسؤولياتها وأولاها منع أبنائها من المشاركة في أعمال مخلّة بالأمن.


مقالات ذات صلة

باكستان تغلق الطرق الرئيسية وتنشر قوات الأمن لمنع احتجاجات معيشية

آسيا قوات الأمن تعتقل ناشطين من «حزب الجماعة الإسلامية» في أثناء احتجاجهم على التضخم بإسلام آباد في 26 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

باكستان تغلق الطرق الرئيسية وتنشر قوات الأمن لمنع احتجاجات معيشية

أغلقت السلطات الباكستانية، الجمعة، الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة إسلام آباد، ونشرت آلافاً من قوات الأمن لمنع الاحتجاجات ضد زيادة التضخم.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
آسيا مسيرة في بنغلاديش اليوم للاحتجاج على عمليات القتل العشوائية والاعتقال الجماعي في دكا (أ.ف.ب)

شرطة بنغلاديش تعتقل قادة الحركة الطلابية

اعتقلت الشرطة في بنغلاديش زعيم الحركة الرئيسية التي تنظّم الاحتجاجات المناهضة لحصص توزيع الوظائف الحكومية في بنغلاديش ناهد إسلام واثنين آخرين من مستشفى في دكا.

«الشرق الأوسط» (دكا)
الولايات المتحدة​ اتساع المظاهرات المؤيدة لغزة في الجامعات الأميركية

مظاهرات ضد برنامج تلفزيوني نظم احتجاجاً مزيفاً بجامعة أميركية

اجتمعت مجموعة من المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في حرم كلية «كوينز»، احتجاجاً على تصوير مشهد درامي وهمي نظمته دراما بوليسية تُبث على قناة «CBS».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا الشيخة حسينة باكية بين مرافقيها لدى تفقدها محطة المترو التي لحقت بها أضرار كبيرة خلال الاحتجاجات في دكا (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تطالب بالتحقيق في «قمع» المظاهرات ببنغلاديش

دعت الأمم المتحدة الخميس بنغلاديش إلى الكشف فوراً عن تفاصيل قمع المظاهرات الأسبوع الماضي وسط تقارير عن «أعمال عنف مروعة».

«الشرق الأوسط» (دكا)
الولايات المتحدة​ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدى إلقاء خطابه أمام الكونغرس في واشنطن أمس (أ.ف.ب)

إلقاء يرقات داخل فندق نتنياهو في واشنطن (فيديو)

أطلق ناشطون مؤيدون لفلسطين آلاف اليرقات وديدان الطحين والصراصير داخل فندق ووترغيت في واشنطن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
TT

الاضطراب مستمر في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة أعمال تخريب

عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)
عمال يصلحون خط سكة الحديد قرب بلدة شارتر جنوب غرب باريس (أ.ف.ب)

تواصل السبت الاضطراب في حركة القطارات السريعة الفرنسية غداة إعلان الشركة الوطنية لسكك الحديد عن تعرّضها «لهجوم ضخم» أتى قبل ساعات من افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الصيفية «باريس 2024».

وسجّلت حركة القطارات السريعة تحسناً لكن الاضطرابات ما زالت قائمة. وسيشهد الخطان الشمالي الغربي والجنوبي الغربي تشغيل قطارين سريعين من ثلاثة، بينما سيشهد الخط الشمالي 80 في المائة من الحركة المعتادة للقطارات السريعة، وفق تقديرات شركة لسكك الحديد التي أوضحت أن الحركة عبر الخط الشرقي ستجري كالمعتاد، مرجحة أن تستمر الاضطرابات الأحد على الخط الشمالي وأن يشهد الخط الأطلسي تحسّناً.

الا أن الشركة أكدت أن «كل عمليات النقل للفرق والمعتمدين» للمشاركة في أولمبياد باريس مؤمنة.

وتعرضت الشركة لـ«هجوم ضخم» ليل الخميس الجمعة مما تسبب باضطراب كبير في حركة القطارات أثّر على 800 ألف مسافر قبل حفلة الافتتاح. وقالت الجمعة إن «العديد من الأعمال الخبيثة المتزامنة» أثرت على خطوطها الأطلسية والشمالية والشرقية.

وفتحت النيابة العامة في باريس تحقيقاً في الهجمات. وأفاد مصدر مقرب من التحقيق بأن العملية كانت «محضّرة بشكل جيد» وتقف خلفها «الهيكلية ذاتها»، بينما أكد مصدر مقرّب من الملف أن أي طرف لم يعلن مسؤوليته.

وأوضحت الشركة الجمعة أن حرائق متعمدة عطّلت محطات الإشارات في كورتالين على مسافة نحو 140 كيلومترا جنوب غرب باريس، وفي كرواسي على مسافة 200 كيلومتر شمال العاصمة، وبايني-سور-موزيل على مسافة 300 كيلومتر إلى الشرق.

وعلى خط الجنوب الشرقي تمكن عمال السكك الحديد من «إحباط عمل خبيث» أثناء قيامهم بعمليات صيانة ليلية في فيرجيني، على مسافة 140 كيلومترا جنوب شرق باريس. ورصد العمال أشخاصا وأبلغوا قوات الدرك، ما دفع المخرّبين إلى الهروب، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.