تركيا تؤكد الاستمرار في جهود وساطة لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا

تبادل الأسرى واتفاقية الحبوب وعضوية «الناتو» تقدمت مباحثات إردوغان وزيلينسكي

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (ا.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (ا.ب)
TT

تركيا تؤكد الاستمرار في جهود وساطة لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (ا.ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (ا.ب)

كشفت تركيا عن مساعٍ جديدة لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا اللتين تربطها بهما علاقات جيدة على الرغم من الحرب الدائرة بينهما منذ العام الماضي والقيام بوساطة لتبادل الأسرى والسجناء. كما أكدت أن أوكرانيا تستحق الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). وأشارت في الوقت ذاته إلى ضرورة تمديد اتفاقية الممر الآمن للحبوب في شرق البحر المتوسط حتى ثلاثة أشهر على الأقل.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مصافحاً نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عقب مباحثاتهما في إسطنبول ليل الجمعة - السبت، إن تركيا تعد أكثر بلد يبذل جهوداً لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية عبر المفاوضات ووفقاً لأسس القانون الدولي.

وأضاف: «في مارس (آذار) العام الماضي استضفنا اجتماعاً بالغ الأهمية بين وفدي التفاوض من روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، وفي يوليو (تموز) الماضي أطلقنا مبادرة ممر الحبوب بالبحر الأسود، التي تم توقيع اتفاقية بشأنها في إسطنبول نتيجة جهود الوساطة التي قمنا بها مع الأمم المتحدة».

دعم لأوكرانيا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إسطنبول أمس (أ.ف.ب)

وتابع أن «تركيا دعمت وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 في انتهاك للقانون الدولي، وأظهرنا تضامننا مع أوكرانيا فعلياً من خلال المساعدة الملموسة التي قدمناها في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية والتقنية». وأضاف إردوغان: «سندعم إعادة البناء في أوكرانيا ومستعدون لتعمل شركات المقاولات التركية في هذا الإطار».

بدوره، قال زيلينسكي: «نحن منفتحون على التعاون مع تركيا في مجال الدفاع، وإنتاج المسيَّرات واستيرادها، ونحن ممتنون للدعم التركي لأوكرانيا في هذه الأزمة»، وأضاف: «نؤكد ضرورة استمرار التعاون مع تركيا في الصناعات الدفاعية».

جهود للسلام

وأكد إردوغان أنه «لا خاسر في السلام العادل، رغم الخلافات في التفاهم بين الأطراف فإن رغبتنا الصادقة هي العودة إلى البحث عن السلام في أسرع وقت ممكن».

وقال إن «أحد أهم الأسباب التي تجعلنا ننظر إلى مستقبل أوكرانيا بثقة هو أن أتراك القرم التتار يقاتلون بشدة من أجل تحرير بلدهم، أود أن أشكر السيد زيلينسكي مرة أخرى على جهوده في ضمان حقوق وقوانين أشقائنا وتعزيز وضعهم في الحكم الذاتي». ولفت الرئيس التركي إلى أنه في الوقت الذي تقف فيه تركيا متضامنة مع أوكرانيا، ستواصل جهودها لإنهاء الحرب على أساس المفاوضات. وأكد إردوغان أن «أوكرانيا تستحق بلا شك عضوية حلف الناتو».

من جانبه، قال زيلينسكي إن بلاده تريد تنفيذ خطة السلام، وإن تركيا على استعداد لتولي دور القيادة بهذا الصدد. وأضاف: «أنا هنا (في إسطنبول) لأشكر كل من يريد السلام لبلدنا وشعوبنا... أعبّر عن امتناني للدعم التركي الثابت لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، وأتقدم بالشكر للرئيس رجب طيب إردوغان لدعمه اتفاقية ممر الحبوب بالبحر الأسود».

بوتين يزور تركيا

وقال إردوغان وزيلينسكي إنهما ناقشا قضية مهمة خلال المباحثات، هي: تبادل السجناء والأسرى، التي أوضح زيلينسكي أنها كانت أول بند في المباحثات، وأنه تمت مناقشة تفاصيل حول إعادة جميع الأسرى بما في ذلك الأطفال الذين تم ترحيلهم إلى روسيا ومجموعات أخرى. وعبَّر إردوغان عن أمله في الحصول على نتيجة من هذا قريباً.

لقاء بوتين وإردوغان على هامش قمة ثلاثية في طهران العام الماضي (د.ب.أ)

وكشف إردوغان عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيجري زيارة رسمية لتركيا في أغسطس (آب) المقبل، قائلاً: «سأجري محادثات مع الرئيس بوتين، عبر الهاتف، وخلال لقائنا وجهاً لوجه الشهر المقبل، بشأن ملف تبادل الأسرى، وتمديد اتفاق الحبوب لفترة أخرى تكون 3 أشهر وليس لشهر أو شهرين، وغيرها من الملفات».

وقبل ساعات من لقاء إردوغان وزيلينسكي، كتبت صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة التركية أن إردوغان يعتزم طرح وساطة في حل الصراع في أوكرانيا، على الرئيس الأوكراني، وأن تركيا، كما في السابق، مستعدة لتقديم مساعدتها في هذا الشأن.

وسبق أن اقترح إردوغان عقد اجتماع بين بوتين وزيلينسكي في تركيا. وقالت مصادر تركية إن الموضوع نوقش مرة أخرى خلال المباحثات مع زيلينسكي وسيطرح خلال زيارة بوتين لأنقرة الشهر المقبل.

وقال الكرملين، الجمعة، إنه «سيراقب المحادثات بين إردوغان وزيلينسكي من كثب، وإن بوتين يقدر بشدة وساطة إردوغان في محاولة حل الصراع في أوكرانيا».

وأضاف المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قبل المباحثات في إسطنبول: «فيما يتعلق بالاتصالات المقبلة بين بوتين وإردوغان لا نستبعدها في المستقبل القريب».

اتفاقية الحبوب

وبشأن تمديد اتفاقية الحبوب التي ينتهي العمل بها في 17 يوليو (تموز) الحالي، قال إردوغان إنه حثَّ روسيا على تمديدها لثلاثة أشهر على الأقل، وليس لشهرين، قائلاً إن تمديد الاتفاقية سيكون أحد أهم القضايا على جدول مباحثاته مع بوتين في تركيا الشهر المقبل.

السفن المحملة بالحبوب الأوكرانية تنتظر عمليات التفتيش في خليج البسفور (رويترز)

وأضاف: «نأمل أن يتم تمديد الاتفاقية لثلاثة أشهر على الأقل، وليس كل شهرين. سنبذل جهداً في هذا الصدد ونحاول زيادة مدتها إلى عامين»، مشيراً إلى أن الاتفاقية ساهمت في نقل 33 مليون طن من الحبوب من الموانئ الأوكرانية إلى العالم وكان لها دور في تجنب أزمة غذاء عالمية.

من جانبه، قال زيلينسكي: «يعتمد تعاوننا هنا على أشياء كثيرة. يعتمد علينا الأمن الغذائي في أفريقيا وآسيا وأوروبا والأمن الغذائي للعديد من الشعوب. الشيء المهم هنا هو المساعدة معاً للتغلب على الجوع والفوضى الاجتماعية في العالم».

وأضاف أن «العالم كله يريد استمرار العمل باتفاقية تصدير الحبوب، التي تحمل قيمة الحياة للعالم فيما يتعلق بالأمن الغذائي».

واتهم روسيا بعرقلة مسار السفن في البحر الأسود، مما أدى إلى تعقيد العملية، مؤكداً أنه «لا ينبغي أن يعتمد ممر الحبوب على رغبات الدولة فقط».

وهددت روسيا، التي تشعر بالغضب حيال عدم تنفيذ الشق الخاص بها في اتفاقية الحبوب حتى الآن، بعدم الموافقة على التمديد بعد 17 يوليو.

وقال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري مدفيديف، إن موسكو لا تحتاج لصفقة الحبوب بشكلها الحالي، مؤكداً على ضرورة إنهائها.

وأكد مدفيديف أن العالم كله أدرك اعتماده على المنتجات الزراعية الروسية، لهذا فإن مثل هذه المناقشات تدور الآن حول صفقة الحبوب، مضيفاً: «روسيا يمكنها أن تساعد شركاءها على أي حال، لكن إطعام الأوروبيين (ذوي وجوه البرغر السمينة) ليست مهمة روسيا».

وقال وزير الخارجية الأوكراني، ديمتري كوليبا، إن كييف لن تقدم تنازلات لروسيا من أجل تمديد صفقة الحبوب، وإن روسيا هي التي يجب أن تفي بالتزاماتها.

وأكد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، تمسك بلاده بتمديد صفقة الحبوب التي من المقرر أن تنتهي في 17 يوليو.

وشدَّد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، على دور تركيا «المؤثر» بخصوص الاتفاقية، قائلاً: «آمل أن يتوجه الجميع إلى تركيا بخصوص هذا الأمر، ونتحدث مع أنقرة بهذا الصدد مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع».

وحذَّر من أن الإخفاق في تمديد الاتفاقية قد تكون له «عواقب وخيمة»، حيث إنها توفر جزءاً كبيراً من احتياجات الحبوب في العالم. وشدَّد على أهمية تمديد الاتفاقية لتأمين الغذاء لشعوب أفريقيا.

وأضاف: «لا نريد أن نعيش الوضع نفسه كل 3 شهور، فهذا يضر بشكل كبير بالثقة التجارية، وله تأثير ضار على أسعار الأغذية».

قمة فيلنيوس

وذكر زيلينسكي أنه والرئيس إردوغان ناقشا أيضاً قمة الناتو، التي ستعقد في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، الثلاثاء، وأعرب عن شكره لإردوغان لتأكيده أن أوكرانيا تستحق عضوية الناتو.

وقبل وصوله إلى تركيا، التي زار قبلها بلغاريا والتشيك، ضمن جولة في دول شرق أوروبا الأعضاء بالحلف، ذكر زيلينسكي، في قناته على «تلغرام»: «نحن نستكمل يوماً حافلاً في تركيا. مفاوضات مع الرئيس رجب طيب إردوغان... قضايا مختلفة سيتم بحثها “بما في ذلك القضايا المتعلقة بتنسيق مواقف البلدين قبل قمة الناتو في فيلنيوس والضمانات الأمنية لأوكرانيا وصفقة الحبوب والتعاون الدفاعي بين الشركات».

وأكد الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، في بروكسل الجمعة، أن زعماء الناتو سيوافقون، الثلاثاء المقبل في قمتهم في فيلنيوس على حزمة دعم لأوكرانيا تشكل علاقات كييف المستقبلية مع الناتو، كما توقع أن يوافق قادة الناتو الـ31 على أن أوكرانيا ستصبح عضواً فيه في المستقبل، دون أن يحدد موعداً. وقال: «سنجعل أوكرانيا أقوى، وسنضع رؤية لمستقبلها».

لكن زيلينسكي، قال إن كييف تريد «الصدق» في العلاقات مع الحلف، مضيفاً في مؤتمر صحافي مع الرئيس التشيكي بيتر بافيل: «نحن بحاجة إلى الصدق في علاقاتنا»، لإظهار «شجاعة هذا الحلف وقوته». وقال إن أوكرانيا تريد تلقي «دعوة» للانضمام إلى الحلف.

وبينما تدعم دول شرق أوروبا طلب أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة وألمانيا تبديان تحفظات بشأن المضي أبعد من الوعد الذي قطع لأوكرانيا عام 2008 بأنها ستصبح عضواً في الحلف بالمستقبل. ويستبعد الناتو، بشكل عام، قبول انضمام بلد يعاني من نزاع إقليمي مستمر.


مقالات ذات صلة

محللون: تركيا قد تكون شريكاً رئيسياً في ظل سعي أوروبا وأوكرانيا لإطار أمني جديد

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث بينما يستمع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك في أنقرة فبراير الماضي (رويترز)

محللون: تركيا قد تكون شريكاً رئيسياً في ظل سعي أوروبا وأوكرانيا لإطار أمني جديد

يقول محللون إن تركيا برزت كشريك رئيسي محتمل في إعادة هيكلة الأمن الأوروبي في وقت تسعى فيه القارة جاهدة لتعزيز دفاعها والبحث عن ضمانات لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
أوروبا تُظهر صورةٌ التقطتها طائرةٌ دون طيار مركزَ مدينة سودزا في سياق الصراع الروسي الأوكراني (رويترز) play-circle

الكرملين يعلن دخول المرحلة الأخيرة من عملية «طرد القوات الأوكرانية» من كورسك

أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن العملية الروسية لطرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك غربي روسيا دخلت مرحلتها الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزراء دفاع خمس دول أوروبية كبرى في حلف الناتو خلال اجتماعهم في باريس (أ.ف.ب)

وزراء دفاع 5 دول أوروبية يناقشون الضمانات الأمنية لأوكرانيا في باريس

اجتمع وزراء دفاع خمس دول أوروبية كبرى في حلف الناتو، يوم الأربعاء في باريس، لبحث الضمانات الأمنية العسكرية لأوكرانيا، بما في ذلك احتمال نشر قوات حفظ سلام.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم نائبة مدير البروتوكول والاتصال الكندية لينا توبين تستقبل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أثناء نزوله من طائرة عسكرية لدى وصوله إلى مطار جان لوساج الدولي في مدينة كيبيك لحضوره اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في كيبيك -كندا 12 مارس 2025 (رويترز)

وزراء خارجية مجموعة السبع يناقشون في كندا دعم أوكرانيا وأوضاع الشرق الأوسط

تستضيف كندا اجتماعاً لوزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في كيبيك لبحث دعم أوكرانيا والوضع في الشرق الأوسط

«الشرق الأوسط» (كيبيك)
أوروبا بوتين مرتدياً الزي العسكري خلال زيارته منطقة كورسك الروسية اليوم

بوتين يزور كورسك ويأمر الجيش بـ«تحريرها» بالكامل

دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم (الأربعاء)، القوات الروسية العاملة في منطقة كورسك إلى «دحر العدو» وتحرير المنطقة الروسية بالكامل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

سكان غرينلاند يدعمون «استقلالاً تدريجياً» عن الدنمارك

موظفون انتخابيون يفرزون الأصوات في نوك يوم 11 مارس (إ.ب.أ)
موظفون انتخابيون يفرزون الأصوات في نوك يوم 11 مارس (إ.ب.أ)
TT

سكان غرينلاند يدعمون «استقلالاً تدريجياً» عن الدنمارك

موظفون انتخابيون يفرزون الأصوات في نوك يوم 11 مارس (إ.ب.أ)
موظفون انتخابيون يفرزون الأصوات في نوك يوم 11 مارس (إ.ب.أ)

حقّقت المعارضة فوزاً مفاجئاً بالانتخابات التشريعية في غرينلاند؛ الإقليم الدنماركي الذي يثير مطامع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مع تقدم لحزب «ناليراك» القومي المطالب باستقلال الجزيرة في أسرع وقت. وأظهرت النتائج الرسمية أن «الحزب الديمقراطي» (يمين وسط)، الذي يصف نفسه بأنه «ليبرالي اجتماعي» ويدعو كذلك إلى الاستقلال «التدريجي»، حصل على 29.9 في المائة من الأصوات، مضاعفاً حصته بأكثر من 3 مرات مقارنة بانتخابات عام 2021، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وتضاعفت نسبة تأييد حزب «ناليراك» القومي لتصل إلى 24.5 في المائة.

اهتمام دولي واسع

ولم يسبق أن حظيت انتخابات في غرينلاند بمثل هذا الاهتمام الدولي، وهو يأتي عقب إعلان ترمب مطامعه في الاستحواذ على هذه المنطقة الشاسعة الغنية بالموارد بالمنطقة القطبية الشمالية.

أنصار «الحزب الديمقراطي» يحتفلون بعد صدور نتائج الانتخابات يوم 11 مارس (أ.ف.ب)

وأعلن رئيس الوزراء المنتهية ولايته، ميوت إيغده، زعيم حزب السكان الأصليين «إنويت أتاكاتيجيت»، اليساري الناشط في حماية البيئة: «نحترم نتيجة الانتخابات»، بينما أقرّ زعيم حزب «سيوموت»؛ الشريك في الائتلاف الحاكم، بالهزيمة، بعد أن حلّ الحزبان في المركزين الثالث والرابع توالياً. ونظراً إلى عدم فوز أيّ حزب بأغلبية مقاعد البرلمان وعددها 31، فإنه ستُجرى مفاوضات لتشكيل ائتلاف في الأيام المقبلة. ومن المتوقّع أن تحدد الحكومة المقبلة جدولاً زمنياً للاستقلال الذي تدعمه أغلبية كبيرة من سكان غرينلاند، البالغ عددهم 57 ألف نسمة. وقال زعيم «الحزب الديمقراطي»، ينس فريدريك نيلسن (33 عاماً)، وهو بطل غرينلاند السابق في رياضة البادمنتون، إن «(الديمقراطيين) منفتحون على الحوار مع جميع الأحزاب ويسعون إلى الوحدة، لا سيّما في ظل ما يحدث بالعالم». وأعرب عن دهشته لفوز حزبه بقوله: «لم نتوقع أن تُسفر الانتخابات عن هذه النتيجة، ونحن سعداء جداً بها».

ويبدو أن ترمب، الذي أكّد تصميمه على ضم الجزيرة «بطريقة أو بأخرى»، أثّر على مستويات الإقبال على التصويت. وكانت نسبة المشاركة في انتخابات الثلاثاء أعلى من المعتاد، وفق مسؤولين عن تنظيمها.

استياء من الدنمارك

يقول سكان الجزيرة، الذين ينتمي 90 في المائة منهم إلى شعب الـ«إنويت» الأصلي، إنهم سئموا معاملة الدنمارك لهم على أنهم «مواطنون من الدرجة الثانية». ويتّهمون القوة الاستعمارية السابقة بأنها عملت تاريخياً على خنق ثقافتهم، وإجراء عمليات تعقيم قسرية لهم، وفصل أطفالهم عن عائلاتهم. وتدعم جميع الأحزاب السياسية الرئيسية في غرينلاند الاستقلال، لكنها تختلف بشأن الإطار الزمني.

أشخاص يحملون لافتة انتخابية بالقرب من مكتب تصويت بالعاصمة نوك (إ.ب.أ)

ويتوق حزب «ناليراك» لنيل الاستقلال بسرعة. وقال رئيسه بيلي بروبرغ لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يمكننا فعل ذلك بالطريقة نفسها التي خرجنا بها من (الاتحاد الأوروبي) (عام 1985). استغرق ذلك 3 سنوات. واستغرق خروج بريطانيا من (الاتحاد الأوروبي) 3 سنوات. لماذا سيستغرق (الاستقلال) وقتاً أطول؟». لكن آخرين يفضلون الانتظار حتى تستقل الجزيرة مالياً. فغرينلاند، التي يغطي الجليد 80 في المائة منها، تعتمد اعتماداً كبيراً على مصايد الأسماك، وهو قطاع يُمثل جميع صادراتها تقريباً، وعلى الدعم الدنماركي السنوي الذي يزيد على 565 مليون دولار، أي ما يعادل خُمس ناتجها المحلي الإجمالي. ويعتقد حزب «ناليراك» أن غرينلاند ستتمكن قريباً من الاعتماد على نفسها بفضل احتياطاتها المعدنية غير المستغلة؛ بما فيها المعادن النادرة الضرورية للتحول الأخضر. لكن قطاع التعدين ما زال في بداياته، ويواجه صعوبات بسبب ارتفاع التكاليف؛ جرّاء قسوة مناخ غرينلاند والنقص في البنية التحتية.

ورقة ضغط

طرح ترمب فكرة شراء غرينلاند خلال ولايته الأولى، وهو عرض رفضته السلطات الدنماركية والمحلية. وكرّر ذلك مع عودته إلى البيت الأبيض بإصرار أكبر، رافضاً استبعاد استخدام القوة، ومُتذرّعاً بحماية الأمن القومي الأميركي، وسط ازدياد الاهتمام الصيني والروسي بالمنطقة القطبية الشمالية. والأحد، قبل ساعات قليلة من الانتخابات، دعا ترمب سكان غرينلاند إلى أن «يكونوا جزءاً من أعظم أمة في العالم؛ الولايات المتحدة الأميركية»، واعداً إياهم بأنهم سيصبحون أثرياء.

موظفون انتخابيون يحملون صناديق اقتراع للفرز بعد انتهاء التصويت في نوك يوم 11 مارس (إ.ب.أ)

ولكن أحدث استطلاع للرأي بشأن هذه القضية، كان نُشر في يناير (كانون الثاني) الماضي، أظهر أن 85 في المائة من سكان غرينلاند يعارضون فكرة ترمب. وقال الناخب آندرس مارتينسن (27 عاماً)، وهو موظف في مصلحة الضرائب، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «كثيراً من سكان غرينلاند ينظرون إلى الولايات المتحدة بشكل مختلف مع ترمب رئيساً، وهم أقل ميلاً إلى التعاون حتى لو كان هذا ما يرغبون فيه حقاً». وأحدثت تصريحات ترمب صدمة خلال الحملة الانتخابية. وقال حزب «ناليراك» إنها منحتهم ورقة ضغط قبل مفاوضات الاستقلال مع الدنمارك. لكنها أثارت أيضاً قلق بعض مؤيدي الاستقلال؛ مما جعل استمرار العلاقات مع كوبنهاغن أفضل في نظرهم؛ على الأقل في الوقت الحالي. وقال ناخب؛ عرّف عن نفسه باسم «إيتوكوسوك»، إن «البقاء جزءاً من الدنمارك أهم من أي وقت مضى الآن؛ لأنني أعتقد أن الدنمارك كانت في المحصلة جيدة معنا. إذا حصلنا على الاستقلال، فقد يزداد ترمب شراسة، وهذا ما يُخيفني».