بعد مرور يومين على إعلان هيئة (وزارة) الأمن الفيدرالي الروسي عن اتخاذ تدابير إضافية لمواجهة ما وصف بأنه «تصاعد الخطر الإرهابي» في مناطق جنوب روسيا، أعلنت المؤسسة الأمنية عن اعتقال «مخرب» كلفته الأجهزة الخاصة الأوكرانية بتنفيذ سلسلة هجمات على منشآت حساسة في شبه جزيرة القرم. وكشفت الهيئة أن وحداتها نجحت في إحباط مخطط تفجيري كان يستهدف الإضرار بمسارات السكك الحديدية في شبه الجزيرة.
ووفقاً للبيان الأمني فقد اعتقل عناصر الجهاز في مدينة سيمفيروبول عميلاً للمخابرات العسكرية الأوكرانية قام بزرع عبوات ناسفة على مسارات خطوط السكك الحديدية في شبه جزيرة القرم في فبراير (شباط)، وهو الهجوم الذي أسفر عن تعطيل جزئي لحركة القطارات في المنطقة.
واتضح أن المعتقل مواطن روسي من مواليد 1998، نشط بالتعاون مع شبكة من العملاء، بناءً على «تعليمات من أجهزة الخدمات الخاصة الأوكرانية».
ولم توضح الجهات الأمنية تفاصيل عن نشاط الشبكة، لكنها نشرت تفاصيل عن المعتقل الذي قالت إنه «غادر الأراضي الروسية بعد بدء العملية الخاصة في فبراير 2022، متوجهاً إلى أوديسا، حيث جُند من قبل موظفي مديرية المخابرات الرئيسية بوزارة الدفاع الأوكرانية، وخضع لدورة استطلاع وتدريب تخريبي، وبعد ذلك أُرسل إلى شبه جزيرة القرم... وبناءً على تعليمات الجانب الأوكراني، قام بتقويض مسار السكك الحديدية في قطاع تشيستينكو - بوتشتوفوي في منطقة باخشيساراي في القرم باستخدام عبوة ناسفة؛ ما ألحق أضراراً بحركة القطارات في المنطقة.
وأشار البيان إلى أن المعتقل أعد لسلسلة هجمات مماثلة، و«أدلى باعترافات بشأن التعاون مع الخدمات الخاصة لأوكرانيا وارتكاب أعمال تخريبية وإرهابية». وجرى وفقاً للجهاز الأمني فتح قضية جنائية ضده بموجب مادة مكافحة التخريب التي تتراوح فيها العقوبة بالسجن ما بين 10 إلى 20 سنة. هذا الإعلان جاء بعد مرور يومين على تحذير الهيئة الأمنية من تصاعد خطر الهجمات الإرهابية في كل مناطق جنوب روسيا، وقالت في بيان إنها اتخذت تدابير إضافية لملاحقة المتورطين في الهجمات.
واللافت في التحذير أن البيانات الأمنية الروسية تحدثت بالدرجة الأولى عن خطر «شبكات تضم مواطنين روساً يعملون بالتعاون مع الأجهزة الخاصة الأوكرانية».
وفي الوقت نفسه، كشف سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، عن تصاعد حجم ونوعية الهجمات التي تشنها أوكرانيا بشكل مباشر على منطقة شبه جزيرة القرم.
ووفقاً له فقد تزايدت الهجمات التي «شنها نظام كييف باتجاه القرم باستخدام المسيرات خلال العام الحالي».
وقال باتروشيف خلال اجتماع في مدينة كراسنودار القريبة من الحدود مع أوكرانيا، كرس لمناقشة آليات ضمان الأمن القومي في أقاليم المنطقة الفيدرالية الجنوبية، إن كييف نفذت هذا العام فقط، باتجاه القرم أكثر من 70 هجوماً باستخدام الطائرات المسيرة.
وأضاف باتروشيف: «تمثل محاولات الهجمات باستخدام المسيرات الجوية والمائية، وكذلك القصف الصاروخي والمدفعي من قبل القوات المسلحة الأوكرانية، تهديداً خاصاً لأمن السكان. وكقاعدة عامة، الأهداف هي منشآت الطاقة والبنية التحتية الصناعية، والتي يهدد تدميرها أو الضرر بها حياة المدنيين وصحة الناس».
وحذر باتروشيف من أن «نظام كييف الذي يعد لهجمات إرهابية وعمليات تخريب على الأراضي الروسية، يستخدم أساليب استخبارات (الزعيم النازي أدولف هتلر)».
وأضاف: «ما زلنا نتلقى الكثير من الحقائق التي تؤكد الطبيعة النازية الجديدة، بما في ذلك التحضير لشن هجمات إرهابية وأعمال تخريب ضد المدنيين على أراضينا».
وكانت موسكو قد حذرت من تصعيد واسع في حجم النشاطات الهجومية باتجاه الأراضي الروسية إما باستخدام المسيرات الانتحارية وإما عن طريق عمليات تخريب وتفجير عبر مجموعات مسلحة تتلقى تعليماتها من الاستخبارات الأوكرانية.
فيما أعلنت فصائل روسية منشقة تتخذ من المناطق الحدودية الأوكرانية منطلقاً لهجماتها أكثر من مرة مسؤوليتها عن هجمات تفجيرية داخل العمق الروسي. وكان جهاز الأمن الفيدرالي الروسي قد أعلن قبل أيام أنه أحبط محاولة اغتيال رئيس شبه جزيرة القرم، سيرغي أكسيونوف. ووفقاً لبيان صادر عن جهاز الأمن الفيدرالي فقد اعتُقل مواطن روسي جندته أجهزة المخابرات الأوكرانية، ودُرّب في أوكرانيا على استخدام المتفجرات والألغام.
وخطط الرجل لتفجير سيارة أكسيونوف، وقُبض عليه وبحوزته العبوة الناسفة قبل أن ينفذ المخطط، وفُتحت قضية ضده بتهمة محاولة ارتكاب عمل إرهابي وحيازة متفجرات بشكل غير قانوني.
وعلى صعيد آخر، نقلت وكالة أنباء «تاس» الحكومية عن مصادر توقعت بأن يكون ملف استئناف المفاوضات الروسية الأوكرانية على أجندة محادثات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى تركيا الجمعة.
كما سيناقش مع نظيره التركي، كما صرحت مصادر تركية أمس الأربعاء «آفاق حل الأزمة الأوكرانية وتمديد صفقة الحبوب إلى جانب موضوعات أخرى»، مثل انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأفادت نقلاً عن مصادر تركية بأن جولة المحادثات سوف تعقد «وجهاً لوجه» في لقاء ثنائي يجمع الرئيسين، ثم خلال لقاء موسع تحضره وفود البلدين. اللافت في توقيت الزيارة أنها تأتي بعد تلويح موسكو بأنها لن تمدد صفقة الحبوب التي ينتهي مفعولها بعد أيام، إلا إذا نُفذت الشروط الروسية التي تنص على تفعيل الشق المتعلق برفع القيود عن حركة السفن الروسية، وإنهاء الحظر على تعاملات بنوك روسية في نظام «سويفت» المالي الدولي. لكن كييف استبقت الزيارة بتأكيد أنها «لن تقدم تنازلات لموسكو في شأن صفقة الحبوب»، كما قال وزير الخارجية ديمتري كوليبا الذي يرافق زيلينسكي في جولته الحالية.
لكن العنصر الثاني الذي برز على جدول أعمال الزيارة يرتبط بمحاولة تركية لدفع مسار استئناف المفاوضات السياسية بين موسكو وكييف. وكان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو قد قال قبل يومين إنه يتوقع استئنافاً للحوار السياسي قبل حلول الخريف المقبل على خلفية تطورات الوضع الميداني. ودعا رئيس بيلاروسيا نظيره الأوكراني إلى «الجلوس إلى طاولة المفاوضات» و«استغلال الفرصة المتاحة حالياً في ظل الهجوم المضاد».
وقال لوكاشينكو أمام صحافيين: «اليوم (قادة كييف) يحتاجون إلى التفكير مرة أخرى. بينما هناك مجموعة من الملفات مطروحة على الطاولة، مجموعة كاملة من القضايا يمكن الاتفاق عليها. غداً سيكون الأمر مستحيلاً. فبعد ما يسمى بالهجوم المضاد، سيتغير الوضع». وأضاف: «يجب التوقف الآن، والجلوس إلى طاولة المفاوضات. دون شروط مسبقة. يجب تقرير وبحث كل شيء على طاولة المفاوضات».
وزاد لوكاشينكو أن زيلينسكي «أدرك أخيراً أنه لن يفوز، وأن هذا الهجوم المضاد لن ينتهي بشيء، باستثناء موت الآلاف والآلاف من الناس. لذلك، بدأ زيلينسكي بالفعل باتخاذ خطوات للخروج من هذا الوضع تدريجياً». وأضاف لوكاشينكو أنه «من المرجح أن تبدأ المفاوضات بحلول فصل الخريف».