ترك تمرّد مرتزقة مجموعة «فاغنر» آثارا في الداخل الروسي على مسافة مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، حيث تظهر حفر قنابل ومنازل متضررة في مناطق ريفية لا يزال سكانها تحت وقع الصدمة.
وتقدمت آليات مجموعة «فاغنر» السبت الماضي بأمر من قائدها يفغيني بريغوجين من جنوب غربي روسيا باتجاه موسكو بهدف إطاحة القيادة العسكرية لاتهامها بالتقاعس وعدم الكفاءة في أوكرانيا.
وشكل التمرد أسوأ أزمة واجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكثر من عقدين قضاهما في السلطة، غير أنه كان عابرا إذ أمر بريغوجين عناصره بعد مفاوضات لم تدم أكثر من 24 ساعة بالعودة أدراجهم وانتقل إلى المنفى في بيلاروسيا.
وخلال هذا التحرك الخاطف، دارت مواجهات لا تزال ظروفها غامضة بين عناصر «فاغنر» والقوات الروسية في منطقة فورونيج على مسافة 450 كلم إلى جنوب العاصمة الروسية، وهي منطقة زراعية معروفة بـ«تربتها السوداء» الخصبة.
وروت ليوبوف الممرضة البالغة 65 عاما في مستشفى أنا على مسافة ساعة ونصف ساعة برا من فورونيج «سمعنا هدير طائرة عابرة، لكننا لم نشاهدها. حلقت عدة مرات ثم سمعنا هسيسا ودويا قويا، تلاه دوي ثان».
وأضافت متحدثة لوكالة الصحافة الفرنسية في موقف الحافلات: «يقول البعض إن زجاجهم تحطم، لدينا منزل على مسافة (من المدينة)، تساقط بعض الجصّ من السقف».
وختمت ضاحكة: «لسنا بحاجة إلى الحرب هنا، لسنا بحاجة إلى شيء... لكن أعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام، لأن لدينا بوتين في هذا البلد، إنني أحترمه، أعبده، إنه رجل ذكيّ».
«قصف»
عند مدخل المدينة تظهر عدة حفر إلى أسفل الطريق أحدثتها قنابل دمرت بعض الأشجار وعمودا كهربائيا.
ويؤكد بريغوجين أن مجموعته أسقطت طائرات للجيش الروسي، معلنا مقتل أحد عناصره وإصابة عدد منهم بجروح. من جانبه، اعترف بوتين بمقتل عدة طيارين من دون تحديد عددهم.
وفي قرية إليزافيتوفكا في منطقة فورونيج، دمر 19 منزلا جراء إطلاق النار.
وروى أحد السكان طالبا عدم كشف اسمه «سمع إطلاق نار ودوي قصف... كان الوقت مبكرا جدا (السبت) وكان الناس نائمين».
وفي فورونيج، كبرى مدن المنطقة البالغ عدد سكانها مليون نسمة، اشتعلت النيران في مستودع للوقود قرب طريق رئيسي، ما تسبب بحريق هائل ولا يزال بالإمكان رؤية الخزانات المتفحمة.
«خطأ بوتين»
وأبدى السكان الذين التقتهم «وكالة الصحافة» آراء متباينة، فأشاد البعض بعمل الكرملين معتبرين أن الأزمة لقيت تسوية، فيما أكد آخرون أنهم لا يشعرون بأمان، وذهب البعض إلى حد مساندة بريغوجين في تمرده.
وقالت امرأة من سكان فورونيج طالبة عدم ذكر اسمها خوفا من القمع الذي يطال منتقدي السلطة «إنه على حق، الكل يسانده، لكنهم يخشون الإفصاح عن ذلك».
وتابعت» «نتكلم عن الموضوع في السيارة، في المطبخ، لكن لا أحد يقول شيئا (في العلن)، ولا حتى على الإنترنت، لأنهم يخافون كثيرا. قد يذهبون إلى السجن بسبب ذلك».
وقالت إينا الطبيبة النفسية الستينية المتقاعدة إنها فور علمت بتمرد «فاغنر»، هرعت إلى المتجر لشراء مواد غذائية وتخزينها تحسبا لاضطرابات.
وأكدت جالسة على مقعد في وسط فورونيج أنه «ليس هناك ما يطمئن» حتى لو أن الأزمة انتهت، موضحة «لا يزال الغموض مخيما، لا تزال الريبة مخيمة حيال ما يجري».
وقالت امرأة لوكالة الصحافة إنها معارضة تماما لغزو أوكرانيا، مضيفة «كل ما أريده هو السلام. أنه خطأ بوتين برأيي. أظهر كل ما هو قاتم في الحياة».