هل حان الوقت لأن تخطط أوروبا لما بعد بوتين في روسيا؟

خبيرة أميركية: يُحتمل أن تتسم روسيا بعده بنهج قومي يميني متشدد أو بفوضى أو بكليهما

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخاطب قوات من وزارة الدفاع (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخاطب قوات من وزارة الدفاع (أ.ف.ب)
TT

هل حان الوقت لأن تخطط أوروبا لما بعد بوتين في روسيا؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخاطب قوات من وزارة الدفاع (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخاطب قوات من وزارة الدفاع (أ.ف.ب)

كان عدم الاستقرار الداخلي في روسيا يمثل قلقا دائما للأوروبيين بسبب موقعهم الجغرافي القريب منها. وقبل غزو روسيا لأوكرانيا، كان كثير من صناع السياسات الأوروبيين متفقين على تصور أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون رئيسا ديكتاتوريا فظا، لكنه على الأقل يوفر الاستقرار في روسيا بينما البدائل له يمكن أن تكون أسوأ. وبعد الغزو، واصل صناع السياسة، خاصة في أوروبا الغربية، افتراض أن أي تحد مباشر للنظام هو مجرد أمانٍ.

بوتين لدى مخاطبته الشعب الروسي بخصوص تمرد «فاغنر» السبت الماضي (أ.ب)

وتقول ليانا فيكس الخبيرة بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي في تقرير نشره المجلس إن التمرد الذي قام به يفجيني بريغوجين أوضح تماما هشاشة نظام بوتين. وهذه دعوة لليقظة بالنسبة للأوروبيين. فلم تعد أوروبا تواجه خيارا ما بين بوتين وعدم الاستقرار. فبوتين هو عدم الاستقرار، داخليا وخارجيا. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن التمرد كشف الهشاشة والانقسامات داخل روسيا، ودعا إلى توخي الحذر.

يفغيني بريغوجين (أ.ب)

وأوضحت فيكس أن الدول الأوروبية سوف تكون من بين أول من يواجهون تداعيات عدم الاستقرار في روسيا. وهذه الدول في حاجة إلى خطة لمواجهة احتمال حقيقي بأن تتسم روسيا فيما بعد بوتين بنهج قومي يميني متشدد أو فوضى بدلا من التحرر أو بكليهما. وينبغي القيام بعملية التخطيط هذه داخل الاتحاد الأوروبي وكذلك حلف شمال الأطلسي (ناتو). ويجب أن تتجاوز تصورات السيناريوهات، وأن يتم بدلا من ذلك وضع خطط مواجهة طارئة تتعامل مع تداعيات الاضطراب السياسي وأي فراغ سلطة في روسيا.

سكان محليون يتحدثون إلى أحد مقاتلي «فاغنر» في روستوف (أ.ف.ب)

ووفرت مناقشات وزراء الخارجية الأوروبيين في 26 يونيو (حزيران) نقطة بداية، وتعد قمة الناتو في فيلنيوس يومي 11 و12 يوليو (تموز) المقبل فرصة أخرى لإجراء حوار سري بشأن التداعيات وردود الفعل المحتملة.

وينبغي أن تتصدر عدد من النقاط قائمة مناقشاتهم. أولها تدفقات اللاجئين؛ فقد أدى بالفعل غزو أوكرانيا ونزوح مئات الآلاف من المواطنين الروس والأوكرانيين نتيجة للاجتياح إلى فرض ضغوط كبيرة للغاية على حدود الاتحاد الأوروبي. والتعامل الحالي مع اللاجئين الروس متفاوت وبيروقراطي، حيث تفرض بعض دول الاتحاد الأوروبي قيودا أكثر صرامة بسبب المخاوف الأمنية. ومن المحتمل أن يؤدي عدم استقرار يتسم بالعنف في روسيا إلى أن يكون هناك تدفق للاجئين من روسيا أكبر كثيرا وستكون أوروبا هي وجهتهم الأولى، إلى جانب تركيا، وجنوب القوقاز، وآسيا الوسطى.

قوات بيلاروسية (أ.ب)

أيضا اندلاع الصراعات في الدول المجاورة: من الممكن أن يسفر أي فراغ في السلطة في روسيا عن اندلاع صراعات في مولدوفا، وهي دولة مرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي، وفي جورجيا، التي تربطها اتفاقية شراكة ونظام سفر من دون تأشيرة مع الاتحاد الأوروبي. ومن السيناريوهات الأخرى إمكانية اندلاع صراعات مع إقليم ترانسنيستريا الانفصالي في مولدوفا الذي تدعمه روسيا وكذلك منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي المحاور الرئيسي لإدارة العلاقات النووية مع روسيا، ينبغي أن يكون انتشار أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، محل اهتمام من جانب صانعي السياسات الأوروبيين، في ضوء حدود أوروبا البرية الطويلة للغاية مع روسيا.

مقاتلون من «فاغنر» في مدينة روستوف (أ.ب)

ومن الممكن أن تمثل أي نهاية لاحتكار الدولة لاستخدام القوة داخل روسيا، وكذلك احتمال ظهور قيادة روسية جديدة متطرفة، تهديدا لحلفاء الناتو المجاورين لروسيا وزيادة خطر التصعيد. هنا، سيكون مطلوبا رسالة ردع قوية من جانب الولايات المتحدة والناتو.

من الممكن أن يوفر أي عدم استقرار داخلي في روسيا فرصا جديدة لأوكرانيا في أرض المعركة، ويتعين على أوروبا استغلال تلك الفرص بتزويد أوكرانيا بالدعم الذي ستحتاجه لاستغلال أي ضعف محتمل للجيش الروسي. وربما أدى تمرد بريغوجين إلى الحد من القلق إزاء إمكانية أن يتجاوز بوتين الدعم الغربي لأوكرانيا وبالتالي تصبح الحرب في صالحه.

والآن، يبدو أن الساعة تدق ضد روسيا (وتلاحمها الداخلي)، بدلا من أن تدق ضد أوكرانيا.

أعضاء من مجموعة فاغنر يستعدون للانسحاب من مقر المنطقة العسكرية الجنوبية للعودة إلى قاعدتهم في روستوف أون دون (أ.ف.ب)

واختتمت فيكس تقريرها بالقول إن الاهتمام الرئيسي للغرب ينصب على إخراج روسيا من أوكرانيا، وليس حدوث تغيير للنظام في موسكو. ولهذا السبب، تبنت الولايات المتحدة وأوروبا تصريحات شديدة الانضباط بالنسبة للتمرد، تمثلت في وصفه بأنه شأن روسي داخلي، في حذر لتجنب أي اتهامات بأن هناك تدخلا غربيا. وأدى التنسيق الوثيق، مثل اتصالات الرئيس جو بايدن مع كبار المسؤولين في لندن، وباريس، وبرلين، والاتصالات من جانب كبار الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين مع نظرائهم الأوروبيين إلى ضمان توفر رسالة موحدة عبر الأطلسي في لحظة أزمة مع روسيا. ومع ذلك فإن الرسائل المشتركة لن تكون كافية إذا تكرر مثل هذا السيناريو. فهناك حاجة إلى استعداد تفصيلي لمستقبل يكون فيه أي تحد آخر للنظام الروسي أكثر نجاحا من تحدي بريغوجين الأخير - وهو ما يمكن أن يحدث أسرع مما هو متوقع.

 

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
المشرق العربي قوات روسية في سوريا (أرشيفية)

روسيا المنخرطة في أوكرانيا... كيف تواجه معارك سوريا؟

دخلت موسكو على خط المعارك الساخنة في سوريا بعد اندلاع أوسع مواجهات تشهدها البلاد منذ عام 2020؛ فما خيارات روسيا المنخرطة في الحرب الأوكرانية؟

رائد جبر (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع الروسي أندري بيلوسوف مع نظيره الكوري الشمالي نو كوانغ تشول (أ.ب)

أوكرانيا تقصف مستودعاً للنفط ومحطة رادار للدفاع الجوي الروسي

أوكرانيا تقصف ليلاً مستودعاً للنفط بروستوف في روسيا ومحطة رادار للدفاع الجوي الروسي في منطقة زابوريجيا بجنوب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (باريس) «الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور (رويترز - أرشيفية)

المخابرات البريطانية: روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا

قال مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور، إن روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا، وإن بوتين لن يتوقف عند حد تحويل أوكرانيا إلى دولة خاضعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

ناشدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أوكرانيا وداعميها التفكير بالتوازي في حلول دبلوماسية، في خضم معترك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

فرنسا ترفض توضيح موقفها من توقيف بوتين بموجب مذكرة «الجنائية الدولية»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحافي في كازاخستان (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحافي في كازاخستان (رويترز)
TT

فرنسا ترفض توضيح موقفها من توقيف بوتين بموجب مذكرة «الجنائية الدولية»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحافي في كازاخستان (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمر صحافي في كازاخستان (رويترز)

أحجمت فرنسا، اليوم الخميس، عن الإفصاح عن استعدادها لاعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بموجب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية من عدمه، في وقت تتعرض فيه باريس لضغوط بسبب موقفها من مذكرة اعتقال مماثلة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الأسبوع الماضي، مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، والقائد العسكري في حركة «حماس» محمد دياب إبراهيم المصري، المعروف باسم محمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الصراع في قطاع غزة.

وجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك فرنسا، من الموقعين لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لكن باريس قالت، الأربعاء، إنها تعتقد أن نتنياهو يتمتع بحصانة من إجراءات المحكمة؛ لأن إسرائيل لم توقع نظام المحكمة.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أيضاً مذكرة بحق بوتين، واتهمته بارتكاب جريمة حرب تتمثل في ترحيل مئات الأطفال بشكل غير قانوني من أوكرانيا، وذلك على الرغم من أن روسيا ليست من الدول الموقعة لظام روما الأساسي.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية كريستوف لوموان، الخميس، إن الموقف القانوني لفرنسا بشأن مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق بوتين ونتنياهو يظل واحداً بشكل أساسي، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكر لوموان، للصحافيين: «ربما كنا أقل تحديداً عند التعليق على قضية بوتين مقارنة بالقضية الحالية، لكن موقفنا يظل متطابقاً على أي حال».

ورداً على سؤال عما إذا كان هذا يعني أن فرنسا لن توقف بوتين إذا وطئت قدماه الأراضي الفرنسية، أجاب لوموان: «في ما يتعلق بفلاديمير بوتين، فإن كل من ارتكب جرائم لا يمكن أن يفلت من العقاب. تجب محاسبتهم على أفعالهم، وقلنا دائماً إننا سنطبق القانون الدولي في جميع جوانبه».

لكنه أضاف أن مسألة الحصانة، التي ذكر أنها منصوص عليها في نظام روما الأساسي، «معقدة»، وأن وجهات نظر الدول تختلف أحياناً بشأن هذه القضية.