المحلل الأميركي بوبي جوش: تمرد «فاغنر» في روسيا فرصة لمحاصرتها بأفريقيا

صورة نشرها الجيش الفرنسي لمرتزقة روس في شمال مالي (أ.ب)
صورة نشرها الجيش الفرنسي لمرتزقة روس في شمال مالي (أ.ب)
TT

المحلل الأميركي بوبي جوش: تمرد «فاغنر» في روسيا فرصة لمحاصرتها بأفريقيا

صورة نشرها الجيش الفرنسي لمرتزقة روس في شمال مالي (أ.ب)
صورة نشرها الجيش الفرنسي لمرتزقة روس في شمال مالي (أ.ب)

في الوقت الذي يستكشف فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كيفية التعامل مع قائد مجموعة «فاغنر» المسلحة والطاهي السابق له يفيغيني بريغوجين، وجماعته المتمردة، يسعى وزير خارجية روسيا لطمأنة الدول التي تستعين بخدمات مرتزقة «فاغنر» إلى أن الأمور ستسير كالمعتاد.

وفي مقابلة تلفزيونية استهدفت الجمهور الأجنبي، قال وزير الخارجية سيرجي لافروف إن أحداث مطلع الأسبوع، في إشارة إلى تمرد مجموعة «فاغنر على السلطات الروسية» لن تؤثر على العلاقات مع «الشركاء والأصدقاء».

رئيس السنغال وليان روتو مستقبلاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في نيروبي يوم 29 مايو 2023 (رويترز)

ويرى المحلل السياسي الأمريكي بوبي جوش في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، أن رسالة لافروف استهدفت بشكل أساسي قادة دولتي مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، الذين يعتمدون على مقاتلي «فاغنر» لحماية أنظمة حكمهم.

لكن حكام الدولتين سيحتاجون إلى ما هو أكثر من الكلمات المهدئة لكي يشعروا بالاطمئنان. فهؤلاء القادة يدركون أن بوتين سيقوم بعملية تطهير لجيش بريغوجين الخاص بعد التمرد الأخير.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع مع كبار الضباط العسكريين بموسكو (أ.ب)

في الوقت نفسه، فإن التطورات الأخيرة تقدم للدول الغربية فرصة ذهبية لاقتلاع مجموعة «فاغنر» وعناصرها من الدول الأفريقية التي تنشط فيها، خصوصاً مالي وأفريقيا الوسطى.

ويواجه الكولونيل أسيمي جويتا رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي، وفاوستين أرشينغ تواديرا رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، حالة من الغموض، في مرحلة إعادة ضبط العلاقة بين الكرملين ومجموعة «فاغنر».

وسيكون جويتا الأشدّ قلقاً. فمنذ استيلائه على السلطة في انقلابين متتاليين الأول في أغسطس (آب) 2020 والثاني في مايو (أيار) 2021، تزايد اعتماد المجلس العسكري المالي على مسلحي «فاغنر».

وفي وقت سابق من العام الحالي، طالب جويتا، القوات الفرنسية المنتشرة في مالي، بمغادرة البلاد، وهو الطلب الذي رحب به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان حريصاً على إخراج نفسه من عملية مكافحة الإرهاب الدائرة في منطقة الساحل والشمالي، ويشارك فيها حوالي 5000 جندي فرنسي. وفي الشهر الماضي طلب المجلس العسكري سحب قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وقوامها 13 ألف جندي.

صورة نشرها الجيش الفرنسي لمرتزقة روس في شمال مالي (أ.ب)

وتنشر «فاغنر» في مالي حوالي 1000 مسلح بقيادة إيفان ماسلوف، المدرج على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، بتهمة محاولة تهريب الأسلحة من مالي لاستخدامها في حرب روسيا بأوكرانيا. وتصف وزارة الخزانة الأمريكية، عمليات «فاغنر» في أفريقيا، بأنها «مزيج من العمليات شبه العسكرية لروسيا ودعم لأنظمة الحكم المستبدة واستغلال الموارد الطبيعية للدول الأفريقية».

ورغم أن المجلس العسكري المالي يقول إن الروس الموجودين في مالي «مدربون عسكريون»، هناك أدلة واضحة على أن مقاتلي «فاغنر» يشاركون في العمليات العسكرية إلى جانب قوات مالي.

وتتهم الأمم المتحدة، عناصر «فاغنر» في مالي، بالتورط في عمليات تعذيب واغتصاب. وأشار تقرير صادر عن منظمة «سنتري» الأمريكية غير الهادفة للربح إلى تورط عناصر «فاغنر» في جرائم مماثلة في أفريقيا الوسطى، استناداً إلى ادعاءات جمعتها المنظمة من خلال نشطاء محليين ومنظمات حقوقية دولية وحكومات غربية على مدى سنوات.

ويرى بوبي جوش، أن تمرد «فاغنر» قصير الأجل في روسيا، جاء في أسوأ وقت بالنسبة للكولونيل جويتا، حيث تكثف الجماعات الإسلامية المتطرفة عملياتها في مالي متشجعة بانسحاب القوات الفرنسية، فقتلت المئات وشردت الآلاف. كما أن انسحاب بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة سيؤجج الفوضى في شمال مالي التي ينشط فيها المسلحون المرتبطون بتنظيم «القاعدة» الإرهابي والانفصاليين الطوارق.

بالطبع يدرك قادة المجلس العسكري المالي أن اعتمادهم على «فاغنر» لا يحقق لهم ميزة عسكرية في أرض المعركة، كما لن يدركوا هزائم مرتزقة «فاغنر» أمام المتطرفين الإسلاميين في موزمبيق، وكذلك في أفريقيا الوسطى.

لكن تركيز جويتا ورفاقه في المجلس العسكري في مكان آخر، وهو الاستفتاء على الدستور الجديد الذي يضمن لأعضاء المجلس الحماية من أي ملاحقة قضائية بتهم الانقلاب العسكري، ويسمح لجويتا بخوض الانتخابات الرئاسية بصلاحيات أوسع. وتم إجراء الاستفتاء يوم 19 يونيو (حزيران) الماضي بنسبة مشاركة بلغت 39 في المائة فقط من إجمالي الناخبين.

وتعهد المجلس العسكري المالي بإجراء انتخابات وفقاً للدستور الجديد في العام المقبل، لكن تزايد خطر المتطرفين الإسلاميين يمنح جويتا مبرراً لتأجيل أي انتخابات. في الوقت نفسه، فإنه في أمس الحاجة للمساعدة العسكرية لكي يظل في الحكم. ولكن على جويتا انتظار ما سيحدث في روسيا بعد انتهاء تمرد «فاغنر»، وما إذا كان ماسلوف ورفاقه من قادة المجموعة سينجون من عمليات التطهير التي ستعقب التمرد.

دبابات تابعة لمجموعة «فاغنر» تستعد لمغادرة مدينة روستوف (إ.ب.أ)

فحتى لو لم يكن لهم أي دور في التمرد، فإن مجرد اختيار بريغوجين لهم قادة في مجموعته يجعلهم موضع شك بالنسبة لموسكو. وإذا تم استنزاف قدرات «فاغنر» في مالي بسبب عمليات التطهير المنتظرة لصفوفها، سيزداد قلق جويتا، ويصبح نظامه العسكري أكثر عرضة لهجمات الإسلاميين.

يفغيني بريغوجين قائد مجموعة «فاغنر»... (أ.ب)

هذه التطورات تعطي الغرب فرصة للضغط من أجل تغيير قواعد اللعبة في باماكو. وعلى فرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة الضغط على المجلس العسكري للتراجع عن طلبه سحب بعثة السلام التابعة للأمم المتحدة، وإلزامه بطلب توسيع نطاق تفويضها. وعلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفائها الأوروبيين تقديم ما هو أكثر مما تحصل عليه القوات المالية من «فاغنر» في مجال مكافحة الإرهاب.

في الوقت نفسه، على واشنطن وحلفائها فرض المزيد من العقوبات على مجموعة «فاغنر» وعناصرها، والشركات التي تعمل معها، مع فرض غرامات باهظة على الأنظمة التي تواصل الاستعانة بالمرتزقة. وحسناً فعلت إدارة بايدن بإعلانها مؤخراً فرض عقوبات على أربع شركات متورطة في عمليات «فاغنر» لاستخراج الذهب وتوزيعه. كما عاقبت موظفاً آخر لـ«فاغنر» في مالي بتهمة العمل لصالح بريغوجين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

العالم بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

يرسم تقرير أممي صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، فقد شكّلن 40 % من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف النسبة في 2022.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا مظاهرات أوكرانية في كييف تطالب بتبادل الأسرى (أ.ف.ب)

أوكرانيا: القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب

قال مفوض البرلمان الأوكراني لحقوق الإنسان، ديميترو لوبينيتس، اليوم الأحد، إن القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب الأوكرانيين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أحد عناصر الإطفاء يحاول إخماد حريق في روسيا (خدمة الطوارئ الروسية عبر تلغرام)

روسيا تشهد موجة من الحرائق المتعمدة

شهدت روسيا سلسلة محاولات لإشعال حرائق بشكل متعمد استهدفت مصارف ومراكز تسوق ومكاتب بريد ومباني حكومية خلال الأيام الثلاثة الماضية وفق وسائل إعلام

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشارك في حفل افتتاح منشآت البنية التحتية للنقل عبر رابط فيديو بموسكو (رويترز) play-circle 00:33

بوتين يتوعَّد أوكرانيا بمزيد من «الدمار»... ويتحدث عن «الحرب العالمية الثالثة»

توعَّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم (الأحد)، بإلحاق مزيد من «الدمار» بأوكرانيا، عقب هجوم بطائرات مُسيَّرة طال برجاً سكنياً في مدينة قازان.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي يعيّن زعيماً لتتار القرم كان سجيناً في موسكو سفيراً في تركيا

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليل الجمعة، تعيين سياسي من تتار القرم كان مسجونا في روسيا لمدة حوالى ثلاث سنوات، سفيرا لدى تركيا.

«الشرق الأوسط» (كييف )

رئيس الوزراء الفنلندي: روسيا تشكل «تهديداً دائماً» للاتحاد الأوروبي

أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
TT

رئيس الوزراء الفنلندي: روسيا تشكل «تهديداً دائماً» للاتحاد الأوروبي

أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)

عَدَّ رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو، اليوم الأحد، أن روسيا تشكل «تهديداً دائماً وخطراً» للاتحاد الأوروبي، مشدداً على الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي ودعم أوكرانيا، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

واستضاف أوربو قمة حول الأمن والهجرة، بمشاركة مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.

وقال رئيس الحكومة الفنلندي، للصحافيين بعد القمة، إن «الوضع الأمني تغيّر»، مضيفاً «روسيا تشكّل تهديداً دائماً وخطراً للاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية».

وأكد أوربو وجوب تعزيز القوة العسكرية للدفاع عن أوروبا «بكل الوسائل الممكنة»، مع «استكشاف جميع الخيارات المالية»، دون ذكر أي خطط ملموسة لزيادة الميزانيات الدفاعية.

ووافقته كالاس قائلة إن «روسيا تشكل تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي»، لافتة إلى أن «الأمن يشمل عناصر مختلفة».

وتابعت: «نشهد في جميع أنحاء أوروبا هجمات هجينة مختلفة، سواء أكانت أعمال تخريب أم هجمات إلكترونية، إضافة إلى أسطول ظل خطراً وتشويشاً على نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، وإلحاق أضرار بالكابلات، وأيضاً استخدام الهجرة سلاحاً».

واتهمت فنلندا موسكو بتدبير موجة هجرة في خريف عام 2023، بعد وصول نحو ألف مهاجر دون تأشيرات إلى حدودها الشرقية مع روسيا، والتي يبلغ طولها 1340 كيلومتراً.

وقال أوربو إن ضمان أمن حدود فنلندا مع روسيا، والتي أشار إليها بكونها أيضاً حدود الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، «مسألة وجودية لفنلندا ولدول الاتحاد الأوروبي وحلفاء الناتو».

كما أشار إلى أن الدول «يجب أن تستمر في تقديم الدعم لأوكرانيا ما دامت هناك حاجة، ومهما طال ذلك».