ماذا سيحدث إذا اتضح أن النصر الكامل لأي من طرفي النزاع الأوكراني لا يمكن تحقيقه عسكرياً؟

مراقبون يرون أن التفاوض مع روسيا كما طرحته باريس لا يعني مكافأة العدوان وإنما استغلال ضعفها

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا أنه بينما يجب أن يضمن الغرب أمن أوكرانيا «يتعين عليه أيضا تصور عدم المواجهة مع روسيا وإعادة بناء توازن مستدام للقوى» (إ.ب.أ)
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا أنه بينما يجب أن يضمن الغرب أمن أوكرانيا «يتعين عليه أيضا تصور عدم المواجهة مع روسيا وإعادة بناء توازن مستدام للقوى» (إ.ب.أ)
TT

ماذا سيحدث إذا اتضح أن النصر الكامل لأي من طرفي النزاع الأوكراني لا يمكن تحقيقه عسكرياً؟

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا أنه بينما يجب أن يضمن الغرب أمن أوكرانيا «يتعين عليه أيضا تصور عدم المواجهة مع روسيا وإعادة بناء توازن مستدام للقوى» (إ.ب.أ)
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا أنه بينما يجب أن يضمن الغرب أمن أوكرانيا «يتعين عليه أيضا تصور عدم المواجهة مع روسيا وإعادة بناء توازن مستدام للقوى» (إ.ب.أ)

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا أنه بينما يجب أن يضمن الغرب أمن أوكرانيا «يتعين عليه أيضا تصور عدم المواجهة مع روسيا وإعادة بناء توازن مستدام للقوى».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصر دائما أن تبقى الخطوط مفتوحة مع بوتين (أ.ف.ب)

وانتقد العديد من المعلقين السياسيين ماكرون بسبب تصريحاته التي عدوها ساذجة وغير واقعية. والأفضل من ذلك، وفقا للرأي المضاد، أنه يجب إعطاء أوكرانيا ما تحتاجه لتحقيق النصر وإصابة الجيش الروسي بالشلل لدرجة ألا يصبح قادرا على تهديد جيرانه في أي وقت قريب.

مقاتلات روسية من طراز ميغ-31 محملة بصواريخ تحمل رؤوسا نووية (أ.ب)

وقد رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» أي إمكانية لإجراء محادثات مع روسيا، قائلا: «أعتقد أنه لا جدوى من التفاوض مع (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».

وتساءل المحلل السياسي الأميركي كايل هاينز أستاذ العلوم السياسية بجامعة بوردو والزميل غير المقيم في مؤسسة أولويات الدفاع، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، قائلا: ولكن ماذا سيحدث إذا اتضح أن النصر الكامل لا يمكن تحقيقه عسكريا؟ وماذا لو كان البديل الوحيد للمفاوضات صراعا دمويا مجمدا وطويل الأمد؟

رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» أي إمكانية لإجراء محادثات مع روسيا قائلا: «أعتقد أنه لا جدوى من التفاوض مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين»

ويرى هاينز أن الكراهية العامة للمفاوضات توحي بأنه إذا أجريت المفاوضات، فإنها يجب أن تقتصر في نطاقها على تجنب «مكافأة» العدوان الروسي. ويقول إن هذا يعيد الحسابات الاستراتيجية إلى الوراء. فبدلا من مفاوضات ضيقة، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها انتهاج أوسع أسلوب ممكن إزاء أي مفاوضات تجري في نهاية الأمر مع روسيا. وهذا سيؤدي إلى تعظيم نفوذ الغرب على المدى القصير الناجم عن الضعف الروسي ويمكن أن يسهل السلام من خلال منح شخص ما غير أوكراني لفلاديمير بوتين «نصرا» يحفظ ماء الوجه في روسيا.

سوف تسمح المفاوضات الأوسع نطاقا لواشنطن وحلف الناتو تقديم حوافز تجعل السلام أكثر جاذبية لروسيا لكي لا تضطر أوكرانيا إلى القيام بذلك (أ.ب)

وقال هاينز إن الحرب تسببت في تدمير روسيا. جيشها تحطم، واقتصادها، رغم مرونته بشكل مدهش في مواجهة العقوبات، سيستمر في التدهور بسبب تصفية الاستثمارات الدولية والفساد الداخلي. وهذه التأثيرات تتفاقم نتيجة لشيخوخة السكان والهجرة واسعة النطاق للشباب الروس المتعلمين. وعد هاينز أن هذه مأساة ذاتية جلبتها روسيا لنفسها. وهي أيضا فرصة للغرب.

باخرة روسية محملة بالبترول الخام ترسو في ميناء كراتشي... الاقتصاد الروسي رغم مرونته في مواجهة العقوبات سيستمر في التدهور بسبب تصفية الاستثمارات الدولية (أ.ب)

إن إلقاء نظرة واسعة على المفاوضات النهائية مع روسيا سيوفر العديد من المزايا والفرص. أولا، روسيا اليوم في أضعف حالاتها خلال عقود. وهذا يمنح أوكرانيا والولايات المتحدة والغرب نفوذا واسعا غير مسبوق وحرية للتحرك. وسوف يعظم استغلال الفرصة للتفاوض على أوسع شروط ممكنة هذه الميزة التفاوضية الهائلة ولكن المؤقتة. وبعيدا عن مكافأة روسيا، سيعني التفاوض الآن استغلال ضعفها الهائل. وفي حين أن أمن أوكرانيا يمثل أولوية مهمة، يجب أن تسعى الولايات المتحدة أيضا إلى استغلال هذا النفوذ بشكل أوسع نطاقا في تشكيل بنية أمنية إقليمية أكثر استدامة واستقرارا.

ثانيا، يمنح النطاق الأوسع للمفاوضات مزايا مهمة محتملة لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط ملائمة.

ويبدو أن كييف وموسكو غير مستعدتين لتقديم تنازلات بشأن الأراضي في الوقت الحالي. وفي ظل غياب نصر عسكري كامل، سيعني هذا صراعا مجمدا طويل الأمد لا يحقق مصالح أحد. وسوف تسمح المفاوضات الأوسع نطاقا لواشنطن وحلف شمال الأطلسي (الناتو) تقديم حوافز تجعل السلام أكثر جاذبية لروسيا، لكي لا تضطر أوكرانيا إلى القيام بذلك.

أمين عام الناتو ينس ستولتنبيرغ... ويبدو أن توسع حلف الناتو ليضم دولا أخرى غير فنلندا والسويد أمر غير محتمل للغاية في الوقت الحالي (إ.ب.أ)

وعد هاينز أن ضعف روسيا المؤقت يسمح بمثل هذه المرونة من دون تقويض الأمن الغربي بدرجة خطيرة. وعند التفاوض مع منافسين أقران، فإنه حتى الهوامش الصغيرة يمكن أن تكون مهمة. ومع ذلك، فإن التفاوض مع خصم ضعيف للغاية يمكن أن يسمح بمرونة أكبر دون إعطاء الجانب الآخر ميزة حاسمة محتملة. وهناك ببساطة هامش أكبر للخطأ وتكاليف أقل للمجازفة سعيا وراء نظام إقليمي مستقر.

وللتوضيح يقترح هاينز أن تدرس الولايات المتحدة وحلفاؤها، على المدى الطويل وفقط ردا على انسحاب روسي كبير من أوكرانيا، تقديم تنازلات أبعد مما تكفله قوة روسيا، ناهيك عما تستحقه. وقد يشمل هذا، على سبيل المثال، وقف توسع الناتو. ويبدو هذا كريها من الناحية الأخلاقية، نظرا لعدوان روسيا السافر وغير المبرر. ولكن في عالم السياسة الدولية القائم على مبدأ «القوة تصنع الحق»، فإن الوعظ في وجه حقائق ساحة المعركة يمكن أن يكون خطيرا ويؤدي إلى نتائج عكسية.

يبدو أن كييف وموسكو غير مستعدتين لتقديم تنازلات بشأن الأراضي في الوقت الحالي (إ.ب.أ)

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن توسع حلف الناتو ليضم دولا أخرى غير فنلندا والسويد أمرا غير محتمل للغاية في الوقت الحالي، لذلك فإن مثل هذه التنازلات لن تكون حقا تنازلا عن الكثير من الأمور.

وأشار المحلل كايل هاينز إلى أن مصدر القلق الأكثر أهمية وواقعية هو أن التنازلات ستكون «مكافأة لروسيا» على سلوكها الفظيع وتشجع عدوانها في مكان آخر. بشكل عام، ستكون المكافآت أقل كثيرا من التكاليف التي دفعتها روسيا في هذه الحرب. في الواقع، السبب الرئيسي الذي يجب أن يدفع الولايات المتحدة لدراسة إجراء محادثات واسعة النطاق هو بالضبط لأن الحرب كانت مدمرة للغاية لروسيا. إن التفاوض في ظل ضعف روسيا يقلل التنازلات التي تستطيع أن تأمل في الحصول عليها، وهو ما يضمن أن التكاليف الضخمة لعدوانها ستفوق كثيرا فوائده. وأكد هاينز أن روسيا، سواء كان هذا يروق للغرب أم لا، لديها رأي قوي في استمرار أي نظام أمني أوروبي. وقد كان ماكرون، لذلك، محقا بدرجة كبيرة.

بوتين مع أحد المراسلين الحربيين (أ.ب)

إن النهج العقابي فقط الذي لا يأخذ في الاعتبار مكانة روسيا في النظام الإقليمي سيضعف روسيا بشكل أكبر ولكن سيقربها من الصين ويضمن أن أيا كانت القدرات التي يمكن أن تحصل عليها موسكو، فإنها ستوجه ضد الغرب.

إن السلام الذي يحقق القبول الروسي يوفر آفاقا أفضل لنظام إقليمي مستدام ومستقر. وتوفر إعادة التفاوض بشأن النظام الإقليمي الأوسع نطاقا على الأقل فرصة لتحقيق هذا الاستقرار. ويوفر ضعف روسيا المؤقت فرصة لتحقيق ذلك بتكلفة أقل كثيرا.

واختتم هاينز تحليله بالقول إن ضعف روسيا يقدم فرصة فريدة للعمل من أجل تحقيق نظام أمني إقليمي مناسب بدرجة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها وأوكرانيا، ومع ذلك يظل جذابا بالنسبة لروسيا في ظل ضعفها. وقال: «يجب أن نكون مستعدين لاغتنام الفرصة إذا سنحت».


مقالات ذات صلة

كيم يستقبل بيلوسوف ويؤكد دعم كوريا الشمالية وجيشها لروسيا

آسيا الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون (يمين) وهو يتحدث في مأدبة مع وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف (يسار) في دار الثقافة 25 أبريل في بيونغ يانغ (أ.ف.ب - وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية)

كيم يستقبل بيلوسوف ويؤكد دعم كوريا الشمالية وجيشها لروسيا

أبلغ الزعيم الكوري الشمالي وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف بأن من حق موسكو القتال دفاعاً عن النفس في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (سيول )
أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
تحليل إخباري قوات روسية في سوريا (أرشيفية)

تحليل إخباري روسيا المنخرطة في أوكرانيا... كيف تواجه معارك سوريا؟

دخلت موسكو على خط المعارك الساخنة في سوريا بعد اندلاع أوسع مواجهات تشهدها البلاد منذ عام 2020؛ فما خيارات روسيا المنخرطة في الحرب الأوكرانية؟

رائد جبر (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع الروسي أندري بيلوسوف مع نظيره الكوري الشمالي نو كوانغ تشول (أ.ب)

أوكرانيا تقصف مستودعاً للنفط ومحطة رادار للدفاع الجوي الروسي

أوكرانيا تقصف ليلاً مستودعاً للنفط بروستوف في روسيا ومحطة رادار للدفاع الجوي الروسي في منطقة زابوريجيا بجنوب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (باريس) «الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور (رويترز - أرشيفية)

المخابرات البريطانية: روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا

قال مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور، إن روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا، وإن بوتين لن يتوقف عند حد تحويل أوكرانيا إلى دولة خاضعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بوتين: بايدن يحاول خلق صعاب لترمب

ترمب وكيلوغ خلال لقاء سابق عام 2017 (أ.ف.ب)
ترمب وكيلوغ خلال لقاء سابق عام 2017 (أ.ف.ب)
TT

بوتين: بايدن يحاول خلق صعاب لترمب

ترمب وكيلوغ خلال لقاء سابق عام 2017 (أ.ف.ب)
ترمب وكيلوغ خلال لقاء سابق عام 2017 (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس (الخميس)، بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وعبر عن اعتقاده أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تحاول خلق صعاب له مع روسيا.

ووصف بوتين في تصريحات للصحافيين بعد قمة في كازاخستان، ترمب بأنه سياسي محنك وذكي، وتساءل عما إذا كان آمناً بعد محاولات اغتياله.

وذكر بوتين، من جهة أخرى، أن بلاده ستستخدم كل الأسلحة المتاحة لديها في مواجهة أوكرانيا إذا حصلت كييف على سلاح نووي. وجاء هذا التصريح بعدما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي بأن بعض المسؤولين الغربيين الذين لم تحدد أسماءهم، أشاروا إلى أن الرئيس بايدن قد يمنح أوكرانيا أسلحة نووية قبل تركه الرئاسة.

ميدانياً، انقطعت الطاقة عن أكثر من مليون أوكراني في ظلّ تدنّي درجات الحرارة إلى حدّ التجمّد بعدما أطلقت روسيا نحو 200 صاروخ «كروز» وطائرة مسيّرة على بنى تحتية مرتبطة بالطاقة في أنحاء أوكرانيا. وندّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، بما سمّاه «التصعيد الحقير» لموسكو، متهماً الجيش الروسي باستهداف شبكة الطاقة داخل بلاده بـ«الذخائر العنقودية» في هجوم ليلي كبير. ودعا زيلينسكي حلفاء بلاده إلى «ردّ حازم» على «ابتزاز» نظيره الروسي الذي هدّد قبل ساعات من ذلك بضرب كييف بصاروخ «أوريشنيك» الاستراتيجي الجديد. وقال زيلينسكي إنّ «أيّ ابتزاز من جانب روسيا يجب أن يُقابَل بردّ حازم».