مع تواصل أعمال الإنقاذ على جانبي خطوط التماس لتخفيف آثار انهيار سد كاخوفكا في محيط خيرسون وزابوريجيا، واصل الجانبان الروسي والأوكراني، الجمعة، شنّ هجمات على محاور دونيتسك وخيرسون، وأعلنت موسكو أنها واجهت هجوماً جديداً بالمسيرات استهدف مناطق داخل الحدود الروسية وأسفر عن إصابات.
وأفادت خدمات الطوارئ الروسية بازدياد عدد المباني السكنية التي غمرتها المياه بعد تفجير محطة كاخوفسكايا الكهرومائية في منطقة خيرسون، في وقت ارتفع عدد قتلى الانهيار في الجهة التي تسيطر عليها موسكو من المقاطعة إلى ثمانية.
ونقلت وكالة أنباء «تاس» الرسمية عن مصدر في خدمات الطوارئ الروسية قوله إن 17 تجمعاً سكنياً تضررت بشكل كبير في المدينة، بينما انخفض منسوب المياه خلال الساعات الـ24 الماضية في مدينة نوفايا كاخوفكا نحو مترين ليصل إلى 10 أمتار.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي أناتولي سوبرونوفكسي قد أعلن في حصيلة أولى أن تفجير السد أسفر عن وضع صعب للغاية في 15 تجمعاً سكنياً بمنطقة خيرسون. وأضاف أن عملية إجلاء المواطنين من المناطق المنكوبة لا تزال مستمرة. ووفقاً له، فقد تم إجمالاً إجلاء أكثر من 5 آلاف شخص بمن فيهم 178 طفلاً و62 شخصاً من ذوي الحركة المحدودة من مناطق نوفايا كاخوفكا وأليوشكينو وغولايا بريستان.
وبدا المشهد مماثلاً على الجهة الأوكرانية، إذ تواصلت أعمال نقل المدنيين ومواجهة تداعيات الكارثة في عشرات البلدات والقرى.
وتتبادل روسيا وأوكرانيا الاتهامات بتدمير السد، ويصف كل جانب ما حدث بأنه «هجوم إرهابي» وكارثة غير مسبوقة بالنسبة للبيئة.
وقال جهاز الأمن الداخلي الأوكراني، اليوم (الجمعة)، إنه رصد مكالمة هاتفية تثبت أن «مجموعة تخريبية» روسية فجرت السد ومحطة كاخوفكا لتوليد الطاقة الكهرومائية. ونشر الجهاز على قناته على «تلغرام» مقطعاً صوتياً مدّته دقيقة ونصف الدقيقة للمحادثة المزعومة التي بدا فيها أن رجلين يناقشان تداعيات الكارثة باللغة الروسية. وقال رجل منهما وصفه جهاز الأمن الداخلي الأوكراني بأنه جندي روسي: «إنهم (الأوكرانيون) لم يضربوه. كانت هذه مجموعتنا التخريبية... أرادت تخويف (الناس) بهذا السد». وأردف قائلاً، كما جاء في تقرير «رويترز»: «لكن الأمر لم يمضِ وفق الخطة، و(قاموا) بأكثر مما خططوا له». وأبدى الرجل الثاني دهشته في المحادثة من تأكيد الجندي أن القوات الروسية دمّرت السد ومحطة الطاقة الكهرومائية.
ولم يكشف الجهاز تفاصيل أخرى للمحادثة أو المشاركين فيها. وذكر في بيان أن «رصد الجهاز (للمكالمة) يؤكد أن محطة كاخوفسكايا (للطاقة الكهرومائية) فجرتها مجموعة تخريبية من المحتلين... الغزاة أرادوا ابتزاز أوكرانيا بتفجير السد وأحدثوا كارثة من صنع الإنسان في جنوب بلادنا». وفي شبه جزيرة القرم برزت معطيات متباينة حول نتائج انهيار السد على إمدادات المياه إلى المنطقة، وقال نائب رئيس الوزراء الروسي، مارات خوسنولين، الجمعة، إن جميع خزانات المياه في شبه جزيرة القرم ممتلئة بالمياه، مضيفاً أن احتياطاتها ستكون كافية لمدة 500 يوم.
وأوضح: «لن يتأثر الوضع حول محطة كاخوفسكايا الكهرومائية على إمدادات مياه الشرب، لأن شبه جزيرة القرم يتم تزويدها بشكل مستقل بالمياه. على مدار العامين الماضيين قمنا بأمر من الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بعمل نشيط للغاية: لقد أنشأنا قنوات اتصال إضافية بين الخزانات وحفرنا جميع المصادر المحتملة تحت الأرض وقدمنا تدفقاً إضافياً من المياه من مصادر تحت الأرض. بالإضافة إلى ذلك، بصراحة، فقد ساعدنا الطقس».
في المقابل، كان رئيس «جمهورية القرم» الموالي لموسكو سيرغي أكسيونوف قد قال إنه لا يوجد خطر وقوع فيضانات في شبه الجزيرة بسبب تدمير محطة كاخوفسكايا الكهرومائية، لكنه أشار إلى وجود «خطر جفاف قناة شمال القرم» ما يعرض المنطقة لنقص كبير في إمدادات المياه.
ميدانياً، واصل الطرفان شنّ هجمات متبادلة على مناطق عدة على جانبي خطوط التماس، وأعلنت أوكرانيا صباح الجمعة، إسقاط 4 صواريخ «كروز» و10 طائرات مسيّرة هجومية خلال ضربة جوية روسية ليلاً.
وأضاف سلاح الجو الأوكراني أن القوات الروسية أطلقت 16 طائرة مسيرة و6 صواريخ «كروز» خلال الهجوم، وأن صاروخين آخرين أصابا هدفاً مدنياً في وسط أوكرانيا خلال هجوم وقع في وقت سابق مساء الخميس.
في المقابل، أعلن حاكم مقاطعة فورونيج الروسية الحدودية ألكسندر غوسيف، أن مدينة فورونيج واجهت هجوماً بمسيرة أوكرانية اصطدمت بمبنى سكني ما تسبب بإصابة 3 مدنيين.
وقال الحاكم في منشور: «وفقاً للبيانات الأولية، تحطمت طائرة من دون طيار (إثر اصطدامها بمبنى سكني) في شارع بيلينسكي في فورونيج. وإثر ذلك أصيب 3 أشخاص بشظايا زجاجية نتيجة سقوط المسيرة... وتقوم خدمات الطوارئ بتقديم كل المساعدة اللازمة ومعاينة مكان الحادث». ونشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً من مكان الحادث تظهر الدمار الذي خلفته المسيرة.
في الوقت ذاته، أعلن فياتشيسلاف غلادكوف، حاكم مدينة بيلغورود، أن القوات الأوكرانية قصفت بالمدفعية 6 مناطق في المدينة الحدودية خلال الليلة الماضية، ما أسفر عن إصابات بين السكان.
كما هاجمت 4 مسيرات أوكرانية منطقتين داخل الحدود الروسية في المقاطعة، وقال المسؤول إن واحدة منها أسقطتها الدفاعات الروسية فيما تم تعطيل مسار المسيرات الأخرى.
وأبلغ كبار قادة الجيش، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، أن روسيا تمكنت من صد هجوم مضاد كبير تشنه أوكرانيا منذ يوم الأحد. ورفضت أوكرانيا التعليق على الهجوم المضاد الذي طال انتظاره واتهمت روسيا بنشر أكاذيب بشأنه. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين كبار قولهم إن الهجوم الأوكراني المضاد جارٍ بالفعل.
وقال متحدث باسم مجموعة قوات فوستوك الروسية إنه تم تدمير 13 دبابة أوكرانية في معارك بمنطقة زابوريجيا و8 في منطقة دونيتسك. وأعلنت المجموعة اندلاع معارك بالمدفعية والطائرات المسيرة شارك فيها جنود المشاة. وذكر مدونون عسكريون روس أن هناك معارك ضارية على جبهة زابوريجيا بالقرب من مدينة أوريكيف. وبعد أن حصلت أوكرانيا على أسلحة غربية تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات لمحاربة القوات الروسية، سيحدد نجاح أو فشل الهجوم المضاد شكل العلاقات الدبلوماسية والدعم العسكري الذي سيقدمه الغرب لأوكرانيا في المستقبل.
على صعيد آخر، حذّر نائب وزير الخارجية ميخائيل غالوزين من مساعٍ غربية لجر مولدافيا المجاورة إلى الصراع المتفاقم في أوكرانيا، وقال خلال مقابلة تلفزيونية إن الغرب «يحاول تحويل مولدوفا إلى أوكرانيا ثانية، وسلطات كيشيناو تسير في هذا الاتجاه».
وكانت روسيا ومولدوفا تبادلتا خلال الأيام الماضية اتهامات بتصعيد الوضع بعد استقبال كيشيناو قمة أوروبية تحدثت خلالها الرئيسة مايا ساندو عن حاجة بلادها لدعم غربي. وقالت إن العلاقات مع موسكو «لم تكن تتسم بالاحترام المتبادل في أي وقت»، واتهمت موسكو السلطات المولدوفية في المقابل بأنها تعمل بتشجيع من الغرب. وقال الدبلوماسي الروسي إن «الغرب يتصرف بشكل غير مسؤول على الإطلاق، وهو يتطلع إلى مولدوفا ليجعل منها أوكرانيا الثانية، وللأسف، فإن القيادة المولدوفية الحالية تشارك بنشاط في هذا الأمر».
وبحسب نائب الوزير، فإن موسكو لم تقم بأي تصعيد مع البلد الجار.
وأوضح نائب الوزير أن «النقطة المهمة هي أن القيادة المولدوفية الحالية تسير على طريق سياسة موالية للغرب، وتشارك في السياسة المعادية لروسيا للولايات المتحدة وتوابعها، وتتبع نفس مسار التصعيد في العلاقات مع روسيا».
وكانت مولدوفا قد اتهمت موسكو، في وقت سابق، بأنها تسعى إلى جر إقليم بريدنوستروفيه الانفصالي المحاذي لمدينة أوديسا الأوكرانية إلى الحرب القائمة؛ بهدف تصعيد الضغط العسكري على مناطق غرب أوكرانيا. وأعربت موسكو مرات عدة عن قلق بشأن زيادة تعاون كيشيناو مع «الناتو» والاتحاد الأوروبي في المجال العسكري السياسي.
ورأت أن هدف الاتحاد الأوروبي هو تعزيز المسار الموالي للغرب الذي تنتهجه القيادة الحالية لمولدوفا و«إعداد هذه الجمهورية لتوسيع المواجهة مع روسيا»، وفقاً لنائب الوزير الذي أضاف أن «السلطات المولدوفية تتجاهل مصالح وأمزجة السكان، الذين يهتمون تقليدياً بعلاقات جيدة مع روسيا ولا يصدقون الروايات المرعبة عن التهديد الروسي المزعوم».