مغامرة متردّدة إلى عالم الذكاء الاصطناعيّ!

صورة توضيحية للذكاء الاصطناعي (رويترز)
صورة توضيحية للذكاء الاصطناعي (رويترز)
TT

مغامرة متردّدة إلى عالم الذكاء الاصطناعيّ!

صورة توضيحية للذكاء الاصطناعي (رويترز)
صورة توضيحية للذكاء الاصطناعي (رويترز)

كتب المفكّر الأميركي الراحل ألفن توفلر في عام 1980، كتاباً تحت عنوان «الموجة الثالثة». كان قد سبق هذا الكتاب، وللمفّكر نفسه، كتاب آخر تحت عنوان «صدمة المستقبل». فهل ابتكر توفلر نظريّة جديدة؟ يُجيب البعض بكلَّا. فهو -أي الكاتب- كان قد رصد مسار التاريخ، ومراحل التطوّر البشريّ، واستنتج الأنماط التي سار عليها هذا التاريخ، وذلك من ضمن نظريّة الدائرة والسهم. فما هي هذه النظريّة؟

تدلّ الدائرة على التكرار التاريخي للأحداث في تاريخ البشريّة، كونها حلقة مغلقة. أما السهم الذي يرافق الدائرة، فهو سهم الوقت والتغيير، والذي يُفسّر كيف يحدث التكرار، وما هي ظروفه، إن كانت سياسيّة أو اقتصاديّة أو اجتماعيّة.

إذن، حسب هذه النظريّة، كل شيء يتكرّر ضمن الدائرة؛ لكن مع ظروف اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة مختلفة.

يتحدّث توفلر في كتاب «الموجة الثالثة» عن 3 ثورات أساسيّة حدثت في تاريخ البشريّة، هي الزراعيّة والصناعيّة والتكنولوجيّة. يعيش عالم اليوم الثورة الثالثة، أي الثورة التكنولوجيّة، وهي الأخطر على مستقبل الإنسان، كما يقول الخبراء. لكلّ ثورة من هذه الثورات خصائص مختلفة عن الأخرى؛ لكنها لا تزال تسير وتتزامن بعضها مع بعض حتى في القرن الـ21. فنحن لا نزال نزرع؛ لكن بمساعدة الآلة التي أصبحت ذكيّة في عالم اليوم.

عندما ابتكر غوتينبيرغ الطباعة، تقدّم دور العين على اللسان والأذن. فبتنا ننظر، نقرأ بدل أن نتحدّث ونتسامر بعضنا مع بعض. مع الطباعة، أصبحت القراءة ضروريّة، فابتكر الإنسان النظارات الطبية. ومع النظارات الطبية امتدّت سنوات العمل للإنسان حتى عمر متقدّم. وبذلك زاد الإنتاج، وتقدّم ونما الاقتصاد؛ خصوصاً في أوروبا. وانتقل مركز ثقل العالم الاقتصادي من الشرق الأقصى إلى الغرب خلال الثورة الصناعيّة في أوروبا.

نشرت الطباعة الوعي والعقلانيّة في المجتمعات. كما نشرت المعرفة داخل وخارج أوروبا. ساهمت في «القارة العجوز» في عصر النهضة، والإصلاح، والثورة العلميّة، كما أدت إلى عصر التنوير.

إذن، المعرفة هي المحور الذي تقوم عليه الحضارات. لكن المعرفة بحاجة إلى البيانات (داتا). و«الداتا» بحاجة إلى التحليل لاستخراج المعرفة منها واستنتاج الأنماط. وبعد استخراج المعرفة، تأتي مرحلة التنفيذ والتطبيق. وبعد التنفيذ، نعود إلى المربّع الأول؛ لأن التنفيذ يُنتج بيانات جديدة، نجمعها ونحلّلها من دون كلل أو ملل.

في هذه المعادلة، يربح من هو أسرع في جمع «الداتا»، وتحليلها، واستعمالها. ألم يقل الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو: «لم تعد سرعة الضوء تغيّر العالم فقط، لا؛ بل أصبحت هي العالم»؟

لكن جمع «الداتا» الكبيرة يستلزم مستوعباً كبيراً لها. وهذا أمر يفوق القدرة البشريّة. فابتكرنا طرقاً عديدة لحفظ البيانات. لكن تحليل «الداتا» الكبيرة لاستخلاص المعرفة، يفوق أيضاً القدرة البشريّة. فابتكرنا طرقاً ووسائل متعدّدة للتحليل؛ لكن الحصول على المعرفة دون التطبيق يبقي العملية منقوصة، فابتكرنا أيضاً الوسائل المناسِبة.

إذن هي منافسة، وصراع بيننا وبين الآخر، على من يسبق في عمليّة اتخاذ القرار والتنفيذ. لكن تسريع الأمور التقليديّة التي اعتاد عليها العقل البشري لملايين السنين، وبشكل يفوق قدراته على الاستيعاب، أدّى إلى تغيير جذري في علاقة الإنسان مع الوقت والمسافة.

الذكاء الاصطناعيّ

إن تعريف الذكاء الاصطناعي باختصار، هو: «حقل علمي جديد، يجمع علم الحاسوب، مع (الداتا) الكبيرة، لتسهيل عمليّة اتخاذ القرار». هو أيضاً حقل من علوم الحاسوب الذي يسمح للآلة بتنفيذ عمل يتطلّب ذكاءً بشريّاً.

باختصار: إنه آلة فيها بيانات كبيرة جدّاً، تُحلّل من قبل برنامج «Algorithm» باستعمال الذكاء الاصطناعي، وتتّخذ القرار دون تدخّل بشريّ.

يقول الكاتب الأميركي المتخصّص في علم الدماغ، جيف هوكنز، في كتاب مهمّ له، هو «ألف دماغ»، إنه من المستحيل أن يحل الذكاء الاصطناعي في المدى المنظور، بالكامل، مكان الإنسان، لأسباب علمية عديدة ومستعصية يشرحها في كتابه؛ لكن الأمر المهّم لنا حالياً هو ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي في هذا الوقت، وبالقدرات التي توصّل إليها هذا العلم، وهي عديدة. والأخطر يتمثّل في سرعة التغيير. وبدل أن تتقدّم العين على النطق والسمع كما حصل مع إنجاز غوتينبيرغ، يأخذنا الذكاء الاصطناعي إلى شيء أخطر، ألا وهو: «لا تفكّر، نحن نفكّر عنك. لا تكتب، فنحن نكتب عنك. لا تقاتل، فنحن نقاتل عنك. لا تُصنّع فنحن نُصّنع عنك».

الـ«Chatgpt» مثالاً

إنه منصّة تجمع «الداتا» والبرنامج والذكاء الاصطناعيّ. يُدرّب على حجم كبير من «الداتا»، ويُوصّل على الإنترنت لاستعمال «الداتا» العامة المتوفّرة. ويُقال إن أول نسخة منه كانت قد دُرّبت على حجم من «الداتا» يُقدّر بـ570 غيغابايت؛ لكن حجم «الداتا» لا يعني الدقّة في الجواب. فهل كل «الداتا» المتوفّرة على الإنترنت صحيحة؟ وهل «الداتا» المتوفّرة على الإنترنت هي كلّ «الداتا» الممكنة؟ أم هي ناقصة؟ وبذلك سيكون جواب منصّة الـ«Chatgpt» على سؤال ما مرتبطاً بكميّة «الداتا» التي استعملتها المنصّة.

ونعود إلى الفيلسوف الفرنسي بول فيريليو الذي قال: «الحرب هي جامعتي، ومن هناك كل شيء يبدأ»، وهذا الأمر هو الذي يهمّنا هنا، كوننا في معرض التحليل العسكريّ. فهل سنصل إلى مرحلة تُخاض فيها الحرب بين أجهزة تستعمل الذكاء الاصطناعيّ؟ ممكن. ألم يقل أحدهم إن إنجازات اليوم كانت أحلام البارحة؟ ألا نشهد اليوم في الحرب الأوكرانيّة الموجات الثلاث التي تحدّث عنها توفلر في كتابه «الموجة الثالثة»؟ ألا تقطع الرؤوس؟ ألا تُخاض حرب الخنادق؟ وألا نشهد الحرب السيبرانيّة والأسلحة التي تستعمل الذكاء الاصطناعيّ؟

رعب على مستوى العالم

عند كل تحوّل تكنولوجي جديد، وعند إدخال هذه التكنولوجيا في أسلحة جديدة مبتكرة، وعند البدء في سباق التسلّح بين القوى العظمى، وعند وصول مستوى التسلّح إلى مرحلة يدبّ فيها الرعب في قلوب المسؤولين والمفكّرين، تسعى القوى العظمى إلى التلاقي، لضبط الأمور ضمن معاهدات واتفاقات دوليّة، تهدف إلى تخفيف مستوى الرعب، وتقليص المخاطر على البشريّة. حصل هذا الأمر مع السلاح النوويّ. حتى الآن، لم يصل خطر الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة الرعب الكونيّ؛ لكنه سيكون حتماً أسرع بكثير من مرحلة الرعب النوويّ. وحتى ذلك الحين، سيبقى التحليل سيّد الموقف.

أفلا يصنع الإنسان مستقبلاً لا يعرفه؟ وألا تغيّر الاستراتيجيات التي يضعها الإنسان صورة هذا المستقبل؟


مقالات ذات صلة

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتنبأ بموعد وفاتك؟

تكنولوجيا يحاول العلماء الاستعانة بالذكاء الاصطناعي للتنبؤ بموعد الوفاة (رويترز)

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتنبأ بموعد وفاتك؟

يحاول تطبيق «ساعة الموت» المدعوم بالذكاء الاصطناعي التنبؤ بتوقيت وفاة شخص ما، بناءً على مجموعة من المعطيات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا لدى خدمة «ChatGPT Plus» التي تعتمد على الاشتراك نحو 7.7 مليون مستخدم على مستوى العالم (أدوبي)

ما خصائص «البحث بالوقت الفعلي» في «تشات جي بي تي»؟

تشكل الخاصية الجديدة نقلة في كيفية التفاعل مع المعلومات عبر إجابات أكثر ذكاءً وسرعة مع سياق الأسئلة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا فهم طريقة عمل الذكاء الاصطناعي أمر مهم لكنه ليس المهارة الوحيدة اللازمة للنجاح في العمل (رويترز)

باحثون يختبرون نموذج ذكاء اصطناعي يتلقى أسئلة دينية في سويسرا

أصدر باحثون وقادة دينيون، الأربعاء، نتائج تجربة استمرت شهرين في كنيسة كاثوليكية في سويسرا، حيث كان الذكاء الاصطناعي يتلقى أسئلة الزوار الدينية.

الاقتصاد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه خلال كلمته في المؤتمر (الشرق الأوسط)

وزير الاتصالات السعودي في ملتقى الميزانية: تصدير التقنية في المرحلة المقبلة

قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه إن المملكة تتجه في المرحلة المقبلة نحو تصدير التقنية بهدف فتح آفاق جديدة للأسواق العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شعار شركة «أوبن إيه آي» مالكة تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» (رويترز)

«أوبن إيه آي» تسمح لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار إلى «سوفت بنك»

سمحت شركة «أوبن إيه آي» لموظفيها ببيع أسهم بقيمة 1.5 مليار دولار تقريباً، في عرض شراء جديد لمجموعة «سوفت بنك» اليابانية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

اتهام 3 في السويد بتدبير جريمة إرهابية مرتبطة بتنظيم «داعش»

جانب من مداهمة الشرطة السويدية مقر جمعية إسلامية (أرشيفية)
جانب من مداهمة الشرطة السويدية مقر جمعية إسلامية (أرشيفية)
TT

اتهام 3 في السويد بتدبير جريمة إرهابية مرتبطة بتنظيم «داعش»

جانب من مداهمة الشرطة السويدية مقر جمعية إسلامية (أرشيفية)
جانب من مداهمة الشرطة السويدية مقر جمعية إسلامية (أرشيفية)

قال الادعاء العام في السويد، الاثنين، إنه وجّه اتهاماً إلى ثلاثة أشخاص بتدبير جريمة إرهابية مرتبطة بتنظيم «داعش».

وذكرت هيئة الادعاء العام السويدية، في بيان، أنها وجهت أيضاً إلى الثلاثة وإلى شخص آخر تهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية، وأن الجرائم المشتبه بها وقعت بين سبتمبر (أيلول) 2023 ومارس (آذار) 2024.

جنود من الشرطة السويدية (متداولة)

وأضافت: «أظهر التحقيق أن الجرائم الإرهابية لها صلات دولية بتنظيم (داعش)، وخاصة في الصومال، وأيضاً بأشخاص يخضعون للتحقيق بالخارج في قضايا تتعلق بالإرهاب».

كما أشارت لوائح الاتهام إلى أن المتهمين الثلاثة امتلكوا مسدساً يُعتقد أنه كان مخصصاً لارتكاب أو تسهيل جريمة إرهابية، بالإضافة إلى سلاح صاعق كهربائي جى تصنيفه على أنه أداة مساعِدة للجريمة.

وكان الهدف من الجريمة إثارة الخوف الشديد بين السكان، وزعزعة وتدمير البنى السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية بالسويد، باسم تنظيم «داعش» الإرهابي، وفقاً للوائح الاتهام.