تأمل كييف، ورئيسها فولوديمير زيلينسكي، في أن يؤدي الهجوم المضاد الذي طال انتظاره، وأصبحت أوكرانيا «مستعد له»، إلى تغيير مسار الحرب التي اندلعت مع الاجتياح الروسي لأراضيها قبل 15 شهراً.
سمّي سابقاً بـ«هجوم الربيع»، وانتهى فصل الربيع قبل انطلاقه، على الرغم من أن أوكرانيا حصلت من أجله على أكثر من 90 في المائة من شتى أنواع الأسلحة التي طالبت بها من حلفائها الغربيين، كما صرح أخيراً أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مقابلة نشرت اليوم (السبت)، إن بلاده مستعدة لشن الهجوم المضاد لاستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا، مضيفاً في تصريحات لصحيفة «وول ستريت جورنال»: «نعتقد بقوة أننا سننجح... لكن لا أعرف كم من الوقت سيستغرق. لأكون صادقاً، يمكن أن يسير بطرق عدة مختلفة تماماً. لكننا سنقوم بذلك، ونحن مستعدون».
وقال الأمين العام لحلف (الناتو) إن أوكرانيا على استعداد لشن هجوم مضاد ناجح ضد روسيا، مضيفاً في مؤتمر صحافي في أوسلو: «أنا على ثقة أن القوات الأوكرانية الآن لديها الإمكانيات التي تحتاجها لتحرير مزيد من الأرض المحتلة».
وقال ستولتنبرغ إنه مع ذلك «على الناتو الاستمرار في دعم أوكرانيا لفترة طويلة». كما أشار مجدداً إلى أنه يتم الإعداد لحزمة تمويل ومساعدات عسكرية تمتد لأعوام من أجل أوكرانيا. وأوضح: «هذا سوف يضمن دفاع أوكرانيا على المدى الأطول».
وقال القومي الروسي المتطرف وضابط المخابرات السابق إيجور جيركين، دفاعاً عن الجيش الروسي، الذي تعرّض لانتقادات حادة من قبل رئيس «فاغنر»، «ليس لدينا أي جيش آخر، وعلينا أن نجعله أداة قادرة على القتال»، محذراً من أنه إذا تعرّضت موسكو لهزيمة في الهجوم المضاد الذي تخطط له كييف، ستصبح روسيا مهددة بالفوضى بحلول نهاية الصيف.
وكان زيلينسكي قد قال الشهر الماضي إن بلاده بحاجة إلى انتظار وصول مزيد من العربات المدرعة الغربية قبل شن الهجوم المضاد. وبذل مساعٍ دبلوماسية للحفاظ على الدعم الغربي، وطلب مزيداً من المساعدات العسكرية والأسلحة، وهو أمر أساسي لنجاح أوكرانيا في خططها، إذ تسيطر روسيا على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية في الشرق والجنوب والجنوب الشرقي.
وأثارت موجة طويلة من الطقس الجاف في بعض أجزاء من أوكرانيا توقعات بأن الهجوم المضاد قد يكون وشيكاً. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، كثفت أوكرانيا من ضرباتها على مخازن الذخيرة وطرق الإمدادات اللوجيستية الروسية.
وكان أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف، قد صرح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قبل أسبوع، بأن أوكرانيا مستعدة لشن هجومها المضاد، ولم يذكر موعداً، لكنه قال إن «الهجوم لاستعادة الأراضي من قوات الاحتلال التابعة للرئيس فلاديمير بوتين يمكن أن يبدأ غداً أو بعد غد، أو بعد أسبوع». وحذر من أن الحكومة الأوكرانية «ليس لها الحق في ارتكاب أي خطأ» في القرار؛ لأن هذه «فرصة تاريخية لا يمكننا أن نخسرها». وذكرت «بي بي سي» أنه خلال المقابلة التي وصفتها بـ«النادرة» مع دانيلوف تلقى رسالة هاتفية من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تستدعيه لحضور اجتماع لمناقشة الهجوم المضاد. أما ميخائيلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني، فقال إن الهجوم الأوكراني قيد التنفيذ حالياً. وذكر بودولياك خلال مقابلة مع التلفزيون الإيطالي قبل أسبوع، أن «الهجوم المضاد متواصل منذ أيام». وأضاف بودولياك، بحسب الترجمة الإيطالية أن «هذه حرب عنيفة على طول حدود ممتدة لـ1500 كيلومتر. لقد بدأت عملياتنا بالفعل». وفي الوقت ذاته، نفى شن كييف هجمات في منطقة بيلغورود الروسية. وقال بودولياك، بعد أن قامت مجموعات موالية لكييف بالتوغل في مناطق حدودية، إن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين غير قادرين على الدفاع عن أراضيهما، في إشارة إلى القتال في المنطقة، «ما يحدث في المنطقة الحدودية يمثل صدمة لبوتين وسيؤدي إلى نهايته». وأضاف المستشار أن أوكرانيا لا ترغب في مهاجمة الأراضي الروسية. وقال للصحافي الإيطالي: «نحن نستخدم الأسلحة التي منحتموها لنا لتدمير المواقع الروسية في المناطق التي تحتلها موسكو، بما في ذلك دونباس والقرم». وأوضح بودولياك أنه إذا تم إرسال طائرات مقاتلة من طراز «إف - 16» يمكن «في نهاية المطاف» إغلاق المجال الجوي الأوكراني.
أما وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف، فقال في مقابلة مع صحيفة فرنسية: «نملك فرصاً جدية لتحقيق اختراق خلال الصيف» بفضل هجوم مضاد وشيك لجيش بلاده على القوات الروسية. وأوضح الوزير في مقابلة مع صحيفة «ويست فرنس»: «نريد كسر عزيمة الروس على الانتصار في هذه الحرب»، مؤكداً أن هذا الهجوم المضاد يهدف إلى العودة إلى «حدود 1991 المعترف بها دولياً» لأوكرانيا، بما يشمل شبه جزيرة القرم. وتوقع الوزير الأوكراني أن يؤدي الهجوم المضاد الواسع هذا «إلى حركة تراجع جديدة للروس من أراضينا. لقد قاموا بعملية تعبئة جديدة، إلا أن كثيراً من الجنود من المبتدئين، ولا خبرة لديهم، ولا يحسنون استخدام الأسلحة بشكل جيد».
وقال الجيش الأوكراني، اليوم (السبت)، إن القتال يتركز في مارينكا بمنطقة دونيتسك في الشرق. وأضاف أن القوات الأوكرانية صدّت هجمات القوات الروسية جميعها، التي بلغ عددها 14 هجوماً هناك.
وفيما يتعلق بالهجمات في بيلغورود، تحدث حاكم المنطقة، فياتشيسلاف جلادكوف، عن تعرضه شخصياً لإطلاق نار. وبعد تساؤل مواطنين فارين ومرعوبين عن سبب قيام الدولة الروسية بشن حرب في أوكرانيا دون حماية أراضيها من الهجمات، قال جلادكوف إنه نفسه لديه أسئلة أكثر من ذلك لوزارة الدفاع، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية.
وأشار الخبير السياسي الروسي، عباس جالياموف، إلى أن جهاز السلطة ظل على مدى عقود يعلن بملء الفم أن روسيا محاطة بالأعداء، وبالتالي فإن البلاد توسع وتقوي دفاعاتها. وقال الكاتب السابق لخطابات بوتين: «الآن بعد أن أصبح الأمر واقعاً، يضطر الناس فجأة للدفاع عن أنفسهم ضد العدو». وفي ضوء الوضع الصعب في الحرب، وبسبب العدد الكبير من الجماعات المسلحة، يرى جالياموف البلد الآن على شفا ثورة.