فرنسا عازمة على مواصلة دعمها لأوكرانيا دون طائرات ولا صواريخ بعيدة المدى

ثلاث ساعات من المباحثات بين ماكرون وزيلينسكي وباريس تريد الاستجابة لحاجات أوكرانيا الملحة

الرئيس الفرنسي ونظيره الأوكراني في الإليزيه (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي ونظيره الأوكراني في الإليزيه (أ.ف.ب)
TT

فرنسا عازمة على مواصلة دعمها لأوكرانيا دون طائرات ولا صواريخ بعيدة المدى

الرئيس الفرنسي ونظيره الأوكراني في الإليزيه (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي ونظيره الأوكراني في الإليزيه (أ.ف.ب)

ثلاث ساعات من المباحثات، منها ساعة مغلقة، بين الرئيسين الفرنسي والأوكراني في إطار عشاء عمل، وذلك في ثاني زيارة للأخير إلى باريس بعد زيارته الأولى في شهر فبراير (شباط) الماضي. وباريس كانت محطة فولوديمير زيلينسكي الثالثة بعد روما وبرلين وقبل سفره صباح الاثنين إلى لندن.

ورغم أن ما أعلن عن مساعدات عسكرية فرنسية لكييف لا يمكن مقارنته بما أعلنت عنه ألمانيا: دبابات «ليوبارد 1»، وصواريخ ومنظومات دفاع جوي بقيمة 2.7 مليار يورو، بما يوصل إجمالي ما قدمته برلين إلى 17 مليار يورو، فإن زيلينسكي لم يترك باريس فارغ اليدين.

فقد أشار البيان المشترك، الذي وزعه قصر الإليزيه في ساعة متأخرة من ليل الأحد - الاثنين، إلى أن باريس ستعمد إلى تسليم القوات الأوكرانية عشرات الدبابات الخفيفة والمركبات المدرعة، وتكثيف تدريب وحدات من القوات الأوكرانية على الأراضي الفرنسية، وفي قواعد في بولندا.

وجاء في البيان المشترك أن باريس سوف «تواصل الدعم العسكري لأوكرانيا، وأنها بصدد التحضير لإرسال شحنات جديدة للاستجابة لحاجاتها الملحة والفورية وتعزيز قدراتها الدفاعية». وأضاف أن باريس «تركز جهودها على دعم قدرات الدفاع الجوي الأوكرانية».

وأفاد مصدر رئاسي بأن فرنسا وفرت للقوات الأوكرانية صواريخ «ميسترال» و«كروتال»، وأنها بصدد النظر في توفير منظومات دفاع جوي جديدة من طراز «مامبا» التي طورتها فرنسا بالتعاون مع إيطاليا. لكن فرنسا تعتبر أن تقديم طائرات قتالية فرنسية الصنع، «ميراج» أو «رافال»، مسألة «سابقة لأوانها»، وأنه قبل ذلك يجب حل مسألة تدريب الطيارين الأوكرانيين وهي «مسألة معقدة».

كذلك لم تظهر أية إشارة إلى توفير دبابات ثقيلة من طراز «لو كلير» الفرنسية للقوات الأوكرانية، بعكس ما عمدت إليه ألمانيا. وسبق لباريس أن أشارت إلى أن أمراً كهذا لن يكون مفيداً؛ لأنه يحتاج لقدرات لوجيستية كبيرة، ولأن دبابة «لو كلير» ليست منتشرة في أوروبا على غرار الدبابة الألمانية «ليوبارد 1 أو 2».

وتؤكد المصادر الفرنسية أن «علاقة تتصف بالثقة العمياء» تجمع الرئيسين ماكرون وزيلينسكي. وقدم الأخير، بناء على رغبة ماكرون، عرضاً للوضع الميداني.

وأفاد مصدر عسكري رئاسي بأن زيلينسكي «شرح خطط بلاده العسكرية» في إشارة إلى ما ينتظره الغربيون من إطلاق الهجوم المعاكس الواسع الذي تخطط له كييف لاستعادة أراضيها التي احتلتها روسيا. وشدد الرئيس الأوكراني على الهجمات الروسية التي تستهدف المدن والمدنيين والمنشآت الحيوية والمدنيين، وطالب بدعم قدرات الدفاع الجوي الذي يعد «أولوية».

وبعكس بريطانيا التي فتحت ترسانتها العسكرية لتزويد أوكرانيا بصواريخ «ستورم شادو» بعيدة المدى التي هي ثمرة تعاون فرنسي - بريطاني مشترك، فإن باريس لا تبدو راغبة في السير على الطريق نفسها. بيد أن المصدر العسكري الرئاسي أشار إلى أن فرنسا «لا تقول كل شيء عن الدعم العسكري» الذي توفره لأوكرانيا، ربما رغبة منها في رفض الدخول في «مزايدات» حول تحديد الجهة الأكثر سخاء. وبالمقابل، فقد كشف المصدر المشار إليه أن باريس أرسلت 200 جندي متخصص إلى بولندا، بغرض تأهيل 4000 مقاتل أوكراني متخصص على الأراضي البولندية، و2000 مقاتل في القواعد الفرنسية.

واحتلت الجوانب الدبلوماسية حول خطط السلام حيزاً واسعاً من محادثات الرئيسين. وجاء في البيان المشترك أن باريس «تدعم مبادرة السلام الأوكرانية من أجل سلام عادل ودائم أساسه (استعادة) أوكرانيا لسيادتها وسلامة أراضيها»، مضيفاً أن باريس «مستعدة للتعاون مع أوكرانيا من أجل توفير أوسع مشاركة دولية في قمة السلام العالمية التي سيتم تنظيمها في الأشهر القادمة، على أساس خطة السلام الأوكرانية، وأيضاً بناء لمقترحات صادقة أخرى ومحتملة»، في إشارة إلى خطة السلام الصينية التي تمت مناقشتها الأسبوع الماضي بين وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ونظيرها الصيني، بمناسبة زيارة الأخير لباريس.

وتعتبر مصادر الإليزيه أن ماكرون لعب دوراً حاسماً في إيجاد صلة وصل بين الصين وأوكرانيا، وهو ما شدد عليه خلال زيارته الأخيرة للصين الشهر الماضي، وتجلى ذلك بأمرين: الأول الاتصال الهاتفي بين زيلينسكي والزعيم الصيني شي جينبينغ، والثاني تعيين مبعوث صيني خاص للملف الأوكراني. وأشار مصدر رئاسي رفيع المستوى، أمس، إلى أن الحرب الأوكرانية ستكون أحد المواضيع الرئيسية التي سيتناولها قادة مجموعة السبع في اجتماعاتهم التي ستبدأ يوم الجمعة القادم، في مدينة هيروشيما اليابانية، حيث ترأس طوكيو المجموعة للعام الجاري.

يبقى أن باريس عازمة -وفق ما ورد في البيان المشترك- على دعم أوكرانيا في كافة المجالات: فرض عقوبات جديدة على روسيا، وتشديد تطبيق العقوبات السابقة، ودعم كييف في رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؛ لأن «مستقبل أوكرانيا وشعبها هو داخل الأسرة الأوروبية»، علماً بأن الاتحاد منح أوكرانيا صفة الدولة المؤهلة للانضمام.

ولم يذهب البيان المشترك إلى حد مطالبة فرنسا بانضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي؛ بل جاء فيه أن باريس «تواصل التركيز على أهمية دعم أوكرانيا في إطار الحلف الأطلسي، وتؤكد أن لأوكرانيا الحق في تحديد ما تريده من إجراءات (ضمانات) لتوفير أمنها، كما أنها تدعم بشكل تام عمل اللجنة المشتركة أوكرانيا - الأطلسي التي تتيح توسيع وزيادة التعاون الحاصل من أجل مساعدة أوكرانيا في السير نحو العائلة الأورو - أطلسية، وفقا لبيان بوخارست».

وستوفر المحطات والقمم القادمة: مجموعة السبع، والقمة الأوروبية، وقمة حلف شمال الأطلسي، وقمة المجموعة السياسية الأوروبية، وقمة المجلس الأوروبي، الفرص من أجل زيادة الدعم لأوكرانيا وتمكينها من تحقيق أهدافها، علماً بأن باريس ترى أن ثمة ترابطاً بين الجوانب العسكرية الميدانية من جهة والحراك السياسي الدبلوماسي من جهة أخرى، بمعنى أن ما يحصل ميدانياً (أي مصير الهجوم الأوكراني المعاكس) ستكون له انعكاساته على الضفة الأخرى.


مقالات ذات صلة

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يمين) والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

أمين الناتو يحذر ترمب من «تهديد خطير» لأميركا إذا دفعت أوكرانيا إلى اتفاق سلام سيئ

حذر الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز» ترمب من أن الولايات المتحدة ستواجه «تهديداً خطيراً».

«الشرق الأوسط» (لندن )
المشرق العربي أشخاص ورجال إنقاذ سوريون يقفون بالقرب من أنقاض مبنى في موقع غارة جوية على حي في مدينة إدلب التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في شمال سوريا، 2 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تحمّل روسيا وإيران مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا

قالت أوكرانيا، الاثنين، إن روسيا وإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، حيث سيطرت «هيئة تحرير الشام» وفصائل حليفة لها على مساحات واسعة من الأراضي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في أثينا 26 أكتوبر 2020 (رويترز)

لافروف يتهم الغرب بالسعي إلى وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الدول الغربية، الاثنين، بالسعي إلى تحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا بهدف إعادة تسليح كييف بأسلحة متطورة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف في صورة مع أحد الجنود الأوكرانيين الذين أصيبوا في الحرب (د.ب.أ)

شولتس في كييف بعد طول غياب... واتهامات باستغلاله الزيارة لأغراض انتخابية

زار المستشار الألماني أوكرانيا بعد عامين ونصف العام من الغياب وفي وقت تستعد فيه بلاده لانتخاب عامة مبكرة، واتهمته المعارضة باستغلال الزيارة لأغراض انتخابية.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس لدى وصوله إلى أوكرانيا (حسابه عبر منصة إكس)

شولتس في زيارة مفاجئة لأوكرانيا... ويعلن عن مساعدات عسكرية جديدة

وصل المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أوكرانيا، الاثنين، في زيارة لم تكن معلنة مسبقاً للتأكيد على دعم برلين لكييف في حربها ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

فرنسا تواجه أزمة سياسية حادة وأصوات تطالب برحيل ماكرون عن الإليزيه

رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة
رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة
TT

فرنسا تواجه أزمة سياسية حادة وأصوات تطالب برحيل ماكرون عن الإليزيه

رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة
رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة

عندما غادر الرئيس إيمانويل ماكرون باريس متوجهاً إلى المملكة السعودية يوم الاثنين، ترك وراءه حكومة تحكم. وعندما سيعود إلى بلاده سيجد أنها أصبحت بلا حكومة بسبب التصويت على الثقة بها في البرلمان. فقد سارع رئيسها ميشال بارنييه إلى طرح الثقة بحكومته يوم الاثنين، ليستطيع تمرير ميزانية الضمان الاجتماعي من غير مناقشة. إلا أن اليمين المتطرف، ممثلاً بالتجمع الوطني، واتحاد أحزاب اليسار والخضر (الذي يضم الاشتراكيين والشيوعيين وحزب فرنسا الأبية والخضر) سارعا، كلّ من جانبه، إلى طلب التصويت على الثقة. الأمر الذي سيحصل في الرابعة من بعد ظهر الأربعاء.

إيمانويل ماكرون (إلى اليمين) يحيي عن بعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري بمناسبة مؤتمر اقتصادي في الرياض الثلاثاء (أ.ف.ب)

ورغم أنه لا شيء يجمع بين هذين التشكيلين اللذين يقعان على طرفي الخريطة السياسية الفرنسية، فإنهما اجتمعا على إسقاط ميشال بارنييه وحكومته لأسباب متضاربة. والمعروف أن إسقاط الحكومة يفترض الحصول على 289 صوتاً من أصوات النواب، فيما الجمع بين أصوات المجموعتين يوفر ما لا يقل عن 314 صوتاً. وأكدت مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف، أن نواب حزبها سيصوتون مع تحالف اليسار لإسقاط بارنييه، ما يعني أن الأخير قضي عليه.

الرئيس ماكرون ينزل مساء الاثنين من الطائرة الرئاسية التي نقلته إلى السعودية التي يزورها لـ3 أيام (أ.ف.ب)

إذا تحقق هذا السيناريو، وهو الأكثر ترجيحاً، يكون بارنييه، المفوض الأوروبي السابق الذي تفاوض مع البريطانيين من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) قد حقّق رقمين قياسيين: الأول، أن عمر حكومته هو الأقصر من بين كافة حكومات الجمهورية الخامسة التي أرسى دعائمها الجنرال شارل ديغول عام 1958. والثاني أنها الحكومة الوحيدة التي تسقط في البرلمان بسبب عجزها عن تجديد الثقة بها منذ ستينات القرن الماضي.

رئيس الحكومة الفرنسية ميشال بارنييه (وسط الصورة) في البرلمان الثلاثاء محاطاً بوزراء حكومته (رويترز)

بارنييه: رهينة لوبن

لا يعني سقوط بارنييه أن الرجل السبعيني الذي يجرّ وراءه تاريخاً سياسياً حافلاً، لم يكن رجل المهمة الشاقة التي أسندها إليه ماكرون. وحقيقة الأمر أن ما يحصل حالياً ليس سوى أحد تداعيات حلّ المجلس النيابي السابق الذي أقدم عليه ماكرون دون سبب واضح.

وأفضت نتيجة الانتخابات النيابية في يونيو (حزيران) الماضي إلى قيام 3 مجموعات نيابية لا تمتلك أي منها الأكثرية المطلقة التي تمكنها من تسلم زمام الحكومة. وبعد أسابيع من المماحكات والتردد، أوكل ماكرون المهمة لبارنييه الذي ينتمي إلى حزب سياسي (اليمين الجمهوري أو الجمهوريون سابقاً) حلّ في المرتبة الرابعة ولم يحصل إلا على 47 نائباً، بينما حصل تحالف اليسار على 193 نائباً، وتحالف الأحزاب الداعمة للرئيس ماكرون على 164 نائباً، واليمين المتطرف على 141 نائباً. ولأن التقليد يقضي بتكليف الحزب أو التجمع الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد، فإن ماكرون ناور لأسابيع لاستبعاد اليسار عن السلطة، ونجح في ربط نواب «اليمين الجمهوري» بعربة حزبه من خلال اختيار شخصية تنتمي إلى صفوفه، وحصل على تعهد من زعيمة اليمين المتطرف بألا تطيح سريعاً بالحكومة الجديدة.

مارين لوبن رئيسة المجموعة النيابية لحزب التجمع الوطني وزعيمة اليمين المتطرف داخل قاعة مجلس النواب الثلاثاء (رويترز)

هكذا ولدت الحكومة الجديدة مع لاعبين متلاصقين: الأول، أنها لا تمتلك الأكثرية النيابية، والثاني أنها رهينة ما ستقرره زعيمة اليمين المتطرف. ولأن الوعود في السياسة لا تلزم إلا من يتلقاها، فقد انقلبت لوبن على بارنييه وعلى تعهداتها واتهمت الأخير بأنه صمّ أذنيه عن مطالب حزبها، بينما الحقيقة مغايرة تماماً، إذ تجاوب مع اثنين من 3 طلبات، بل سعى، في ربع الساعة الأخير، إلى الاتصال بها ليعلمها بالتراجع عن رفضه آخر طلباتها الذي يتناول الربط بين مؤشر الغلاء وبين المعاشات التقاعدية.

وقبل ذلك، خضع بارنييه لمطالب القاعدة التي مبدئياً تدعم حكومته. وباختصار، فإن الأخير وجد نفسه في وضع يستحيل معه الاستمرار والمحافظة على ماء الوجه سياسياً، ما دفعه لخيار طرح الثقة، علماً بأن ميزان القوى في البرلمان لا يميل إلى صالحه.

كتلة اليسار في البرلمان (رويترز)

في آخر كلمة له في البرلمان، أطلق بارنييه آخر رصاصاته ساعياً إلى وضع النواب أمام مسؤولياتهم. وقال: «لقد وصلنا إلى ساعة الحقيقة التي تضع كلاً منا أمام مسؤولياته. والآن، تعود إليكم، أنتم نواب الأمة، أن تقرروا ما إذا كان بلدنا بحاجة إلى هذه النصوص المالية الضرورية (ميزانية الرعاية الاجتماعية) المفيدة لمواطنينا أو أنكم تفضلون ولوج أرض مجهولة». وأضاف مقرعاً النواب: «لن يسامحكم الفرنسيون لأنكم فضلتم مصالحكم الشخصية على مصلحة مستقبل الأمة». وكان متوقعاً أن يكرر الأمر نفسه في كلمة له متلفزة، مساء الثلاثاء.

المطالبة باستقالة ماكرون

حقيقة الأمر أن فرنسا، كما ألمانيا، ولجت مرحلة من المطبات الهوائية الحادة. والرئيس ماكرون الذي احتاج لأسابيع طويلة قبل تكليف بارنييه تشكيل الحكومة، سيجد نفسه بمواجهة الصعوبات نفسها، بل إنه في طريق مسدود. فالتوازنات السياسية في البرلمان لن تتغير، ومواقف الكتل الثلاث الرئيسية ثابتة، بمعنى أن أياً منها لا يمكن أن يقبل بالتعاون مع الكتلتين الأخريين.

أعضاء في البرلمان يتوسطهم رئيس الوزراء السابق (إ.ب.أ)

ثم إن تجربة إرضاء لوبن، التي راهن عليها ماكرون وبارنييه، لم تعد متوفرة، إذ «المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين». من هنا، فإن ماكرون الذي لا شيء يمنعه من إعادة تكليف رئيس الحكومة الحالي، قد لا يجد أمامه سوى مخرج ضيق، عنوانه تشكيل «حكومة تكنوقراطية»، بمعنى أن يكون رئيسها وأعضاؤها غير منتمين إلى أي تيار سياسي.

رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه يتحدث خلال جلسة الأسئلة الموجهة إلى الحكومة في الجمعية الوطنية (رويترز)

وليس سراً أن حكومة من هذا النوع ستكون بالغة الضعف وستعمل «بالقطعة» بمعنى أنه سيكون عليها أن تسعى، إزاء أي قرار أو إجراء أو قانون، إلى البحث عن أكثرية أو عن شيء ليس بالضرورة الإجماع أو الموافقة العلنية، بل القبول الضمني فقط. والمعلوم أن حكومات من هذا النوع لا تعمر طويلاً، وليس بمستطاع ماكرون أن يحل البرمان مجدداً إلا في شهر يونيو المقبل، إذ يمنع الدستور رئيس الجمهورية من حلّه للمرة الثانية قبل مرور عام كامل بين الإجراءين، حتى إن وصل إلى قصر الإليزيه رئيس جمهورية آخر.

زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن (إ.ب.أ)

الجديد اليوم أن أصواتاً أكثر فأكثر أخذت تطالب باستقالة ماكرون كمخرج من الأزمة. وحتى اليوم، كانت المطالبة تأتي من جان لوك ميلونشون، زعيم اليسار المتطرف، ومن حزبه «فرنسا الأبية». والحال أن زعيمة اليمين المتطرف انضمت إلى المطالبين بالاستقالة. ويعزو المحللون والمراقبون ذلك للصعوبات التي تواجهها مع القضاء والمحاكم بسبب فضيحة استغلال حزبها، لسنوات، الأموال الممنوحة لنوابه في البرلمان الأوروبي، لأغراض حزبية، وليس لتسهيل عملهم وأنشطتهم كنواب أوروبيين. وطلب الادعاء الفرنسي بإرسالها إلى السجن 5 سنوات، منها سنتان فعليتان يمكن تحويلهما إلى ارتداء السوار الإلكتروني وحرمانها من الترشح 5 سنوات نافذة، ما يعني القضاء على مستقبلها السياسي.