أدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (الأحد) زيارة إلى ألمانيا، هي الأولى له منذ بدء الحرب الأوكرانية - الروسية، وذلك من أجل حشد مزيد من الدعم العسكري لبلاده. وبينما أشاد زيلينسكي بحزمة مساعدات عسكرية جديدة أعلنتها برلين لكييف بقيمة 3 مليارات دولارات، فإنه حرص على تأكيد أن تلك الأسلحة لن تُستخدم لاستهداف الأراضي الروسية، وإنما «لتحرير الأراضي الأوكرانية».
وقال زيلينسكي، في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس من مقر المستشارية في برلين، إنه يعمل على بناء تحالف دولي لتزويد بلاده بالمقاتلات الحربية؛ لكي تتمكن من التصدي لروسيا «المتفوقة جواً في الوقت الحالي»، مضيفاً أمام مستضيفه الذي لم يعلق على كلام الرئيس الأوكراني حول المقاتلات: «نريد أن نُغيّر هذه المعادلة». وعلى الرغم من أن شولتس أكد أن ألمانيا ستستمر في دعم أوكرانيا كلما احتاجت، مذكراً بحزمة المساعدات العسكرية الجديدة التي تصل قيمتها إلى 3 مليارات دولار، فإنه لا يؤيد إرسال مقاتلات تطالب بها أوكرانيا منذ فترة. وتتخوف ألمانيا من أن إرسال مقاتلات عسكرية لأوكرانيا قد تعتبره روسيا تدخلاً مباشراً في الحرب، وتتخذ منه ذريعة لجر ألمانيا ودول «الناتو» إلى الحرب.
أول زيارة منذ بدء الحرب
ووصل زيلينسكي بعد منتصف ليل السبت - الأحد إلى برلين في زيارة هي الأولى له إلى العاصمة الألمانية منذ بداية الحرب، علماً بأن الزيارة الأخيرة قبل ذلك له إلى ألمانيا كانت في فبراير (شباط) العام الماضي، قبل أيام قليلة من بداية الهجوم الروسي. وتوجه زيلينسكي آنذاك إلى ميونيخ، حيث تحدث إلى الزعماء الغربيين في مؤتمر الأمن، ودعاهم لفرض عقوبات استباقية على روسيا لردعها عن بدء الهجوم. ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقة الثنائية بين كييف وبرلين توترات كبيرة بسبب ما اعتبرته أوكرانيا تلكؤاً ألمانياً في دعمها. وتسبّب في زيادة التوتر، رفض كييف في الأشهر الأولى للحرب، استقبال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي تعدّه مقرباً من روسيا بسبب سياساته عندما كان وزيراً للخارجية. ولكن شتاينماير زار في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي كييف؛ ما مهد لزيارة الرئيس الأوكراني العاصمة الألمانية. وأكدت زيارة زيلينسكي إلى ألمانيا أن كييف طوت صفحة التوترات مع برلين. وقد حرص الرئيس الأوكراني على إظهار «امتنانه» لألمانيا وللأسلحة التي ترسلها إلى قواته، قائلاً «إنها تساعد على إنقاذ أرواح الأوكرانيين». وقبيل وصول زيلينسكي إلى برلين، أعلنت وزارة الدفاع الألمانية حزمة مساعدات إضافية هي الأكبر لأوكرانيا تضم 4 أنظمة صواريخ دفاعية من طراز «إيريس» كانت أرسلت 2 منها في السابق لكييف، إضافة إلى 30 دبابة «ليوبارد ١» تضاف إلى الـ18 السابقة التي كانت أعلنت عنها في مارس (آذار) الماضي، ومدرعات وذخائر وأسحة أخرى مختلفة. وعلى الرغم من أن زيلينسكي تقدم بالشكر لألمانيا على هذه الأسلحة، فإنه ما زال يدفع للحصول على مزيد، خصوصاً لجهة المقاتلات التي يُروّج للحصول عليها. وعلّق خلال المؤتمر الصحافي بأن ألمانيا هي حالياً ثاني أكبر مانح عسكري لأوكرانيا (بعد الولايات المتحدة)، ليضيف مبتسماً وناظراً إلى شولتس: «نطمح أن تصبح الأولى». وسألت صحافية أوكرانية زيلينسكي في المؤتمر الصحافي المشترك مع شولتس، ما إذا كانت الدفعة الجديدة من الأسلحة التي أعلنتها ألمانيا كافية لبدء العملية الهجومية التي تعدّ لها كييف من أشهر، وكان من المفترض أن تبدأ في الربيع، فنظر زيلينسكي إلى شولتس وقال له بالإنجليزية وهو يبتسم: «سأجيب بشكل مقتضب»، ليضيف: «بعد بضع زيارات إضافية، ستكون كافية». وفي رد زيلينسكي إشارة إلى استمرار ضغط كييف على برلين للحصول على مزيد من الأسلحة النوعية. ولكن في المقابل، حرص زيلينسكي على التأكيد أيضاً أن هذه الأسلحة لن تُستخدم للهجوم على روسيا، بل للدفاع عن أوكرانيا، وبأن كييف ملتزمة بالقانون الدولي. وقد أكد شولتس ذلك قائلاً إن هدف هذه المساعدات العسكرية هو تمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها وأراضيها ورد الهجوم الروسي. ولم يعلق شولتس على طلب أوكرانيا مقاتلات حربية، بل اكتفى بالتذكير بحجم المساعدات التي تقدمها ألمانيا، التي بلغت قيمتها منذ بداية الحرب حتى اليوم قرابة الـ18 مليار يورو، بحسب ما أعلن المستشار. وكرر دعوته لمحاسبة روسيا على جرائمها في أوكرانيا، مضيفاً أنه لا يمكن لدولة أن تهاجم أخرى من دون مواجهة العواقب. وحرص شولتس أيضاً على الإشارة إلى أن الدول الغربية لن تفرض شروط سلام على أوكرانيا، وقال إن على روسيا أن تنسحب من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها قبل أن يكون هناك سلام عادل. وتحدث زيلينسكي كذلك عن شروط السلام عندما سئل عن مبادرة تقدمت بها البرازيل، وقال إن أوكرانيا تريد إنهاء الحرب هذا العام «ولكن بسلام عادل». وكان الرئيس الألماني استقبل زيلينسكي صباحاً في قصر «بيل فو» في برلين قبل توجهه إلى مقرب المستشارية، حيث استقبله شولتس استقبالاً رسمياً قبل بدء المحادثات التي شارك فيها وزيرا الخارجية والدفاع من كل طرف من بين مسؤولين آخرين.
جائزة أوروبية
وبعد المؤتمر الصحافي، توجه شولتس وزيلينسكي إلى مدينة آخن بطائرات عسكرية، حيث تسلم الرئيس الأوكراني جائزة «شارلمان» الأوروبية العريقة التي تسلم منذ عام 1950 للشخصيات التي تحقق إنجازات لتوحيد أوروبا. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي أعلنت منظمة الجائزة تسليمها لزيلينسكي هذا العام عن دوره في رد الهجوم الروسي، وأيضاً لتشجيعه شعبه للصمود خلال الحرب. وشاركت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في احتفال الجائزة الأوروبية التي مُنحت في الماضي لشخصيات مثل المستشارة السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبابا الفاتيكان فرنسيس، والعام الماضي مُنحت لثلاث نساء من زعماء المعارضة في بيلاروسيا هن سفتلانا تسيخانوسكايا، وماريا كالينسيكافا، وفيرونيكا تسيبكالو. وفي الأسابيع الماضية، زار شولتس عدداً من الدول الغربية كان آخرها إيطاليا قبل يوم من قدومه إلى برلين، لحشد الدعم العسكري لأوكرانيا والحصول على تعهدات سياسية باستمرار الدعم حتى ولو طالت الحرب. وكان مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيي بوريل، قد حث الدول الأوروبية على إبقاء الدعم العسكري لأوكرانيا وزيادته، حتى وإرسال معدات عسكرية وذخائر من المخزون الموجود لدى الجيوش المحلية كسباً للوقت واستبداله لاحقاً.
وأعلن السفير الأوكراني السابق لدى ألمانيا على قناة «فيلت تي في» أنه «أمر مؤسف أن معظم أنظمة الدفاع الموعودة قديمة (...) ومن المخيب للآمال أيضاً أن تصر الحكومة الألمانية على رفضها (...) تسليم مقاتلات. يجب التخلص من هذا الحظر وبسرعة». كما أعلنت المملكة المتحدة للتو، إمداد أوكرانيا بصواريخ «ستورم شادو» لتصبح أول دولة تقدم هذا النوع من الأسلحة بعيدة المدى والقادرة على إصابة هدف حتى مسافة 250 كيلومتراً. وكان زيلينسكي قد أعلن (الخميس) على شبكة «بي بي سي» أنه «لا يزال بحاجة إلى القليل من الوقت الإضافي» لشن هجوم الربيع، لتجنب خسائر فادحة في الأرواح واختراق الخطوط الروسية. وتريد كييف استعادة أراضٍ في منطقتي دونيتسك ولوغانسك (شرق) وخيرسون وزابوريجيا (جنوب) التي أعلنت موسكو ضمها. والتقى الرئيس الأوكراني (السبت) في الفاتيكان البابا فرنسيس، وشكره على «الاهتمام الذي يوليه» لـ«مأساة ملايين الأوكرانيين».
والأحد، اتهم زعيم مجموعة «فاغنر» الروسية العسكرية يفغيني بريغوجين مرة أخرى الجيش الروسي بالتقاعس في محيط باخموت؛ حيث تدور المعارك. وفي رسالة نشرها مكتبه الإعلامي، اتهم بريغوجين «القوات الروسية المحمولة جواً» بعدم دعم رجاله كما تدعي وزارة الدفاع الروسية. وقال: «لم أرهم (...) لا أعرف أين هم ومن يساعدون»، بينما قالت كييف إنها تقدمت على جبهات الدفاع الروسي في محيط باخموت.وعلى الأرض، أكد الجيش الأوكراني (السبت) «التقدم» في محيط باخموت؛ حيث تدور المعارك مع القوات الروسية في شرق أوكرانيا، بينما أكدت موسكو مواصلة تقدمها في المدينة التي باتت تحت سيطرتها بشكل رئيسي، والتي دُمرت إلى حد كبير. وتعد معركة باخموت الأكثر دموية والأطول منذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير 2022.