جهود فرنسية لاحتواء الأزمة الدبلوماسية الناشئة مع روما

إيطاليا طالبت باعتذار «على أعلى المستويات»... واليمين الفرنسي ينتقد وزير الداخلية دارمانان

وزير الخارجية الإيطالي مخاطبا صحافيين بروما في 26 أبريل (أ.ب)
وزير الخارجية الإيطالي مخاطبا صحافيين بروما في 26 أبريل (أ.ب)
TT

جهود فرنسية لاحتواء الأزمة الدبلوماسية الناشئة مع روما

وزير الخارجية الإيطالي مخاطبا صحافيين بروما في 26 أبريل (أ.ب)
وزير الخارجية الإيطالي مخاطبا صحافيين بروما في 26 أبريل (أ.ب)

لم تفلح جهود باريس حتى اليوم في تطويق الأزمة الدبلوماسية بينها وبين روما، عقب التصريحات التي أدلى بها، الخميس، وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، التي هاجم فيها بالاسم رئيسة الحكومة الإيطالية، مندداً بسياسة الهجرة التي تتبعها والتي اعتبرها «فاشلة». وللتذكير، فقد عدّ دارمانان أن جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشكلات الهجرة» التي تواجهها بلادها، والتي وصفها بأنها «بالغة الخطورة». والأسوأ من ذلك، فقد أخذ عليها تقديم وعود انتخابية في ملف الهجرات، إلا أنها فشلت، منذ وصولها إلى السلطة خريف العام الماضي في تنفيذها. ولم يتردد وزير الداخلية في تحميل ميلوني جانباً من مسؤولية تدفق المهاجرين غير الشرعيين، خصوصاً من القاصرين، إلى فرنسا عبر الحدود المشتركة بين البلدين، في مناطق جنوب شرق البلاد.

جاء الرد من الجانب الإيطالي على انتقادات دارمانان سريعاً، إذ أعلن وزير الخارجية أنطونيو تاجاني إلغاء الزيارة التي كانت مقررة عصر اليوم نفسه إلى باريس للقاء وزيرة الخارجية كاترين كولونا، التي شغلت منصب سفيرة بلادها لدى إيطاليا. وأتبع قراره بتغريدة جاء فيها: «لن أذهب إلى باريس للقاء وزيرة الخارجية»، ذلك أن «الإهانات التي أطلقها (جيرالد) دارمانان ضد الحكومة وضد إيطاليا لا يمكن قبولها، إذ إنها لا تعكس الروحية التي علينا التحلي بها لمواجهة التحديات الأوروبية المشتركة». ولم يكتفِ الوزير الإيطالي بما سبق، بل أضاف إليه في تصريح لصحيفة «كوريري ديلا سيرا»، الجمعة، أن ما قاله دارمانان «يعد إهانة مجانية ومبتذلة صدرت عن بلد حليف وصديق»، مضيفاً أنه «عندما يهين أحدهم مجاناً شخصاً آخر، فأقل ما يتعين عليه فعله هو أن يقدم الاعتذار».

والحال أن دارمانان، المقرب من الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يعد أحد المرشحين للفوز بمقعد رئيسة الحكومة إليزابيث بورن في حال اختار الإليزيه الافتراق عنها، بقي صامتاً ولم يصدر عنه أي كلام إضافي. في المقابل، فإن وزارة الخارجية الفرنسية سارعت إلى احتواء الأزمة ببيان شددت فيه على أن العلاقة بين فرنسا وإيطاليا «تقوم على الاحترام المتبادل بين بلدينا وبين المسؤولين فيهما»، وأن «الحكومة الفرنسية ترغب في العمل مع إيطاليا لمواجهة تحدي الزيادة السريعة لتدفق الهجرات القادمة عبر وسط البحر المتوسط».

ووفق باريس، فإن مواجهة الهجرات غير الشرعية «مسؤولية مشتركة لكل الدول (الأوروبية)، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكننا تحقيق النجاح إلا من خلال التنسيق والحوار». وخلاصة باريس أن البعد الخارجي للهجرات يفترض تعزيز التعاون بين بلدان المنشأ وبلدان المرور، وأن ذلك يشكّل «أحد أعمدة الاستراتيجية الأوروبية، وهو يعد مادة لتبادل الرأي بين الحكومتين الفرنسية والإيطالية».

كذلك، عمدت كولونا إلى الاتصال بنظيرها الإيطالي، بعد أن أعربت «الخارجية» عن «أملها» بموعد جديد لزيارة تاجاني. وكتبت كولونا، في تغريدة، أنها أكدت لنظيرها أن «العلاقة بين إيطاليا وفرنسا تقوم على الاحترام المتبادل». وبالمقابل، قال تاجاني في تغريدة مماثلة إن كولونا عبّرت له عن «أسفها» وكانت «ودودة جداً»، إلا أن توضيحاتها «ما زالت غير كافية». وذهب إلى اعتبار أن إيطاليا «تعرضت لهجوم بارد ولطعنة في الظهر»، مضيفاً أن «بقية أعضاء حكومة ماكرون لا يفكرون مثل دارمانان».

بيد أن «الخارجية» الإيطالية اعتبرت، وفق ما نقلت عنها صحيفة «لو موند» في عددها ليوم الجمعة، أن ما صدر عن باريس «لا يبدو، بعد تحليله، كافياً»، وأن إنقاذ الزيارة يفترض صدور كلام «من أعلى المستويات». وأفاد مكتب تاجاني بأنه تم إبلاغ كولونا بأنه «من أجل حصول اجتماع ثنائي، يتعين إعادة بناء مناخ من الاحترام والصفاء، وهو ما أطاحت به تصريحات وزير مهم»، في إشارة إلى دارمانان.

وهبت مجموعة من الوزراء لمساعدة زميلهم، الجمعة، وفق استراتيجية إعلامية منسقة. وقال الوزير أوليفيه فيران، الناطق باسم الحكومة، إن دارمانان «لم يقصد قط التنديد بإيطاليا، التي تعد ثاني أكبر شريك اقتصادي لفرنسا، والتي نقيم معها علاقات أخوية»، مضيفاً أن «ثمة عبارات قيلت (في إشارة لما صدر عن دارمانان)، لكن الخارجية أعادت التذكير بالصداقة القائمة بين إيطاليا وفرنسا، ونحن مستمرون في العمل مع الجانب الإيطالي».

من جانبه، قال غبريال أتال، وزير الخزانة، إن «الحادثة سيتم تناسيها وستكون وراءنا سريعاً جداً، لأن فرنسا تحتاج كثيرا إلى إيطاليا، ولأن إيطاليا تحتاج أيضاً إلى فرنسا». كذلك، فإن أنياس بانيه ــ روناشيه، وزيرة التحول في قطاع الطاقة، قلّلت من وقع الحادثة، معتبرة أنها «لن تتسبب بمشكلة مع إيطاليا».

أما باب نديه، وزير التربية، فقد رأى أنه «ليس لفرنسا أن تقدم اعتذاراً، بل عليها أن تعيد نسج خيوط الحوار الهادئ مع إيطاليا»، مذكراً بأن «بوصلة» العلاقات بين الطرفين «يجب أن تبقى (معاهدة الكيرينال) الموقعة خريف عام 2021، التي ما زالت صالحة».

يبدو واضحاً أن تصريحات دارمانان أحدثت هزة دبلوماسية على جانبي جبال الألب، إلا أنها أيضاً أثارت عاصفة سياسية داخلية بالنظر لحساسية ملف الهجرات. وتعتبر مصادر سياسية أن كلام دارمانان ألحق خسارة كبيرة بالدبلوماسية الفرنسية وبالوزيرة كولونا، خصوصاً أن زيارة نظيرها الإيطالي كانت الأولى من نوعها وكانت ستوفر الفرصة للبلدين لمناقشة ملفات كثيرة مشتركة يتعين البحث بها، كالتحديات التي يواجهانها معاً في المتوسط، ليس فقط بخصوص الهجرات التي تكاثرت بشكل غير مسبوق هذا العام، ولكن أيضاً بشأن الأوضاع في تونس وليبيا والتعاون بين جانبي المتوسط، إضافة إلى العلاقات الثنائية.

وكان يعول على هذا التواصل لتخفيف الاحتقان السياسي بين الطرفين، الذي برز منذ وصول ميلوني إلى السلطة في إيطاليا في الخريف الماضي. وهذا اليمين هو نفسه الذي يحاربه ماكرون في بلاده. وتجدر الإشارة إلى أن منافسة ماكرون في الانتخابات الرئاسية في دورتي عامي 2017 و2022 ليست إلا مارين لوبن، زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف.

وفي كلامه الجدلي، أقام دارمانان عقد بين لوبن وميلوني، ليعتبر أن فشل الثانية سيكون شبيهاً بفشل الأولى في حال وصولها إلى السلطة. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الفرنسية عمدت إلى تأجيل البدء بمناقشة مشروع قرار خاص بالهجرات وتشديد التعامل معها. وقالت بورن، بهذا الصدد، إن «لا أكثرية» في البرلمان يمكن أن تقر المشروع المذكور.

داخلياً، اعتبر إريك سيوتي، رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي، أن وزير الداخلية «ارتكب خطأ دبلوماسياً»، وأن كلماته «جاءت في غير محلها». ونبّه سيوتي إلى أن «استهداف الطرف القادر على حماية فرنسا (أي إيطاليا) من تدفق أكبر للمهاجرين عديم الفائدة، ويأتي بنتائج عكسية لأنه إذا قررت إيطاليا التوقف عن التحكم بدفق الهجرات على أبواب أوروبا، فإن ذلك سيؤدي إلى غرق فرنسا في بحرها».

أما جوردان بارديلا، رئيس حزب «التجمع الوطني»، فقد غرّد، الجمعة، مهاجماً دارمانان، ومتّهماً إياه بأنه «ليس مؤهلاً» لانتقاد إيطاليا بسبب السياسات التي اتبعها في فرنسا والتي يعتبرها سبباً لتدفق مزيد من المهاجرين إلى أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أن 42 ألف مهاجر وصلوا إلى الشواطئ الإيطالية في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، مقابل 11200 مهاجر في الفترة عينها من العام الماضي. وقد فرضت السلطات الإيطالية «حالة طوارئ» خاصة بالهجرات. لكن، حتى اليوم، لا يبدو أنه إجراء فعال.

ما يجري اليوم يعيد إلى الأذهان الخلاف المستحكم الذي نشأ بين الطرفين في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي بخصوص مصير 234 لاجئاً من بلدان أفريقية وآسيوية عدة، أنقذتهم من مياه المتوسط الباخرة «أوشان فايكنيغ»، التي رفضت روما استقبالها والتي انتهى بها المطاف في مرفأ تولون الفرنسي. وتواجه الحكومتان في باريس وروما ضغوطاً داخلية لمزيد من التشدد، وتريد إيطاليا التي تعد الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في جناحه المتوسطي، كما حال اليونان ومالطا وقبرص، مزيداً من التضامن الأوروبي معها باعتبار أنها «الوجهة المختارة» لتدفق الهجرات في وسط المتوسط لأنها لا تبعد سوى 140 كلم من الشاطئ التونسي. هكذا تتبدى اليوم صورة العلاقات المتقلبة بين جارتين تعانيان من تحديات مشتركة، إلا أن السياسات والتحديات الداخلية لكل منهما تستولد أزمات وخلافات ومنافسات دورية تنشب، ثم تهدأ، ثم تبرز من جديد. وليس ملف الهجرات سوى أحدها.


مقالات ذات صلة

وفاة 25 فلسطينياً في غزة جراء سوء الأحوال الجوية منذ بداية ديسمبر

المشرق العربي فلسطينيون نازحون يقفون بجوار بركة من مياه الأمطار وسط ملاجئ مؤقتة في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة في ظل ظروف شتوية باردة تشهدها المنطقة في 29 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

وفاة 25 فلسطينياً في غزة جراء سوء الأحوال الجوية منذ بداية ديسمبر

قال تلفزيون «فلسطين»، الاثنين، إن 25 مواطناً في قطاع غزة لقوا حتفهم جراء سوء الأحوال الجوية منذ بداية ديسمبر الجاري.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ أحد المؤيدين لترمب يحمل لافتة مكتوباً عليها «ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الآن» خلال تجمع انتخابي العام الماضي (أ.ف.ب)

واشنطن تبحث نقل رعايا دول ثالثة إلى بالاو

قالت الولايات المتحدة إن نائب وزير الخارجية كريستوفر لانداو أجرى اتصالاً هاتفياً مع سورانغيل ويبس، رئيس بالاو، بحثا خلاله نقل رعايا دول ثالثة إليها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أفراد من الجيش الأميركي يرافقون أعضاءً مزعومين في عصابة ترين دي أراغوا الفنزويلية وعصابة إم إس-13 رحّلتهم الحكومة الأميركية إلى مركز احتجاز في السلفادور (رويترز)

«سي بي إس» تمنع بث تقرير عن عمليات ترحيل جماعي نفذتها إدارة ترمب

منعت رئيسة التحرير الجديدة لشبكة «سي بي إس» الأميركية بث تقرير نهاية هذا الأسبوع حول تبعات عمليات الترحيل الجماعي التي نفذتها إدارة دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

تقديرات «المفوضية» أن أكثر من 4 ملايين سوري سيعودون خلال فترة عامين، ما يجعل الدعم المالي الدولي مسألة عاجلة لضمان الاستقرار ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي برهم صالح المفوض السامي لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (ا.ب)

ردود فعل عراقية على انتخاب برهم صالح رئيساً لوكالة اللاجئين

أعلن الرئيس العراقي السابق، برهم صالح، الجمعة، انتخابه رسمياً مفوضاً سامياً جديداً للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، متعهداً بنهج يقوم على الالتزام بالقانون الدولي.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

باريس تستضيف قمة «تحالف الراغبين» لدعم كييف

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)

عجَّل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بعد اجتماع الأحد في مارالاغو (فلوريدا) الذي ضم الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومجموعة من القادة الأوروبيين إلى الإعلان عن اجتماع قريب لـ«تحالف الراغبين» الذي يضم 35 دولة أكثريتها الساحقة أوروبية.

وكتب ماكرون على منصة «إكس» ما حرفيّته: «نحرز تقدماً فيما يخص الضمانات الأمنية (التي تطلبها أوكرانيا) والتي سيكون لها دور مركزي في التوصل إلى سلام عادل ودائم (بين روسيا وأوكرانيا). وسوف نجتمع كمجموعة (تحالف الراغبين) في باريس بداية يناير (كانون الثاني) لوضع اللمسات الأخيرة على المساهمات الفعلية لكل طرف».

وقال زيلينسكي، الثلاثاء، إن قمة «تحالف الراغبين» ستعقد الثلاثاء القادم (6 يناير) في باريس وسيسبقها اجتماع لمستشاري الأمن القومي التحالف المذكور في كييف يوم 3 يناير.

زيلينسكي يتوسّط قادة أوروبيين ومفاوضين أميركيين خلال محادثات في برلين حول أوكرانيا 15 ديسمبر 2025 (د.ب.أ)

خلفيات الاستعجال الفرنسي

يأتي الاستعجال الفرنسي عقب ما اعتُبر تقدماً ملموساً تَحقَّق خلال اجتماع ترمب - زيلينسكي، وما جاء على لسان الرئيسين بخصوص الضمانات الأمنية. فالرئيس الأوكراني أعلن، في المؤتمر الصحافي المشترك مع ترمب، أنه تم إحراز تقدم كبير فيما يخص الضمانات الأمنية «القوية» التي يلتزم بها الجانب الأميركي.

وأضاف زيلينسكي، في حوار مع مجموعة صحافية على تطبيق «واتساب»، أن واشنطن عرضت ضمانات أمنية صالحة لـ15 عاماً، وأنه طلب من الرئيس الأميركي أن تمتد إلى 30 أو 40 أو حتى 50 عاماً لردع روسيا عن مهاجمة أوكرانيا مجدداً بعد التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين. وأضاف زيلينسكي أن ترمب وعده بالرد على طلبه. والأهم أن الرئيس الأوكراني جزم بأنه «من دون ضمانات أمنية، لن تنتهي هذه الحرب بصورة واقعية». بيد أنه امتنع عن الكشف عن تفاصيل الضمانات الأميركية، مكتفياً بالقول إنها تشمل آليات لتنفيذ؛ أي اتفاق سلام، وأنها تضم «شركاء»، في إشارة الى «تحالف الراغبين». وقال في المناسبة عينها إن وجود قوات داعمة لكييف على الأراضي الأوكرانية «جزء مهم» من هذه الضمانات. أما ترمب فقد أشار في المؤتمر الصحافي المذكور إلى أنه يتوقع من الدول الأوروبية أن «تضطلع بجزء كبير» من هذه الضمانات «بدعم أميركي».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالثياب العسكرية كما ظهر في صورة مأخوذة من مقطع فيديو السبت الماضي (أ.ب)

المعضلة أن ترمب نفسه لم يكشف النقاب عمّا ستلتزم به بلاده، الأمر الذي يثير، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، صعوبتين متلازمتين: الأولى، أن الدول الجاهزة للمشاركة في «قوة الطمأنة» التي ستنبثق عن «تحالف الراغبين» تربط مساهمتها بوجود «تعهد أميركي» بالتدخل، في حال عاودت روسيا استهداف أوكرانيا مجدداً. وبكلام آخر، لا يريد الأوروبيون أن يكونوا وحدهم في مواجهة القوات الروسية، انطلاقاً من مبدأ أن القوات الأميركية وحدها قادرة على «ردع» الجانب الروسي. لذا، فإنهم يطالبون بـ«شبكة أمان» (Backstop) تتضمن تعهداً أميركياً بحماية «قوة الطمأنة» عند الحاجة. والصعوبة الثانية أن روسيا ترفض نشر أي قوات على الأراضي الأوكرانية تكون تابعة لدول أعضاء في الحلف الأطلسي.

وسبق لموسكو أن جعلت من هذا الأمر «خطاً أحمر». ومن الواضح أن الأوروبيين يراهنون على دور أميركي في «تليين» الموقف الروسي. وإذا واظبت موسكو على رفضها، فإن أي نشر لـ«قوة الطمأنة» سيكون مستبعداً، على الرغم من أن الخطط الأوروبية لا تتحدث إطلاقاً عن نشرها على خط المواجهة بل في المواقع الخلفية ما بين كييف وحدود أوكرانيا الغربية. وأكثر من مرة، أكد قادة أوروبيون وعلى رأسهم ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أن «قوة الطمأنة» لن تكون قوة قتالية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحِّباً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريد الأحد الماضي (أ.ف.ب)

من الوعود إلى الالتزامات

حتى اليوم، كانت دول «تحالف الراغبين» تقدم وعوداً بالمشاركة في توفير الضمانات الأمنية، التي تراها باريس في ثلاثة مستويات: الأول، توفير الدعم الضروري للجيش الأوكراني مالياً وتسليحياً بحيث يشكل «الضمانة الأولى»؛ والثاني، المشاركة الفعلية بوحدات عسكرية لرفد «قوة الطمأنة». وحتى اليوم، ثمة عدة دول أعلنت بوضوح استعدادها للمشاركة، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وإستونيا والنروج وليتوانيا وتركيا، فيما دول أخرى «مستعدة» ولكنها لم تكشف عن طبيعة مساهماتها، ومنها بلجيكا وهولندا والسويد والدنمارك وفنلندا ولاتفيا... في المقابل، ثمة دول رفضت أي مشاركة بوحدات عسكرية، وعلى رأسها بولندا وإيطاليا... أما المستوى الثالث فهو بالطبع يخص الجانب الأميركي. وأفادت مصادر رئاسية بأن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، أكد مشاركة بلاده في الضمانات الأمنية ولكنه بقي غامضاً إزاء طبيعتها، علماً أن أوكرانيا تطالب بما يشبه «البند الخامس» من معاهدة «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) التي تجعل من أي اعتداء خارجي لبلد عضو في الحلف اعتداءً على كل أعضائه.

في هذا السياق فإن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيوفِّر لها ضمانة أوروبية شبيهة بالفقرة الخامسة، وهو ما أكدته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بقولها إن انضمام أوكرانيا يشكّل ضمانة أمنية أساسية «في حد ذاته» شبيهة بالمادة 5 من الحلف الأطلسي. بيد أن المشكلة تكمن في أن الاتحاد الأوروبي ليس منظمة دفاعية - عسكرية كالحلف الأطلسي. ورغم أن الأوربيين يدفعون باتجاه تسريع انضمام كييف إلى ناديهم، فإن موعده ليس واضحاً بسبب القواعد المفترض توفرها في الدولة المرشحة. وبعد الفضائح الأخيرة التي عرفتها كييف، فمن غير المرجح أن يتم انضمامها إلى الاتحاد سريعاً.

أمن القارة الأوروبية

قياساً إلى ما سبق، تبرز أهمية الاجتماع رفيع المستوى الذي يدعو إليه ماكرون الأسبوع المقبل، والذي ترجح باريس أن يكون بمشاركة زيلينسكي وعديد من القادة الأوروبيين. والسبب في ذلك أهميته الاستثنائية في ظل تسارع الاتصالات والمشاورات الدبلوماسية والانخراط الأميركي القوي، التي من شأنها جعل التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار أقرب من أي وقت مضى.

لذا، ثمة حاجة ملحة لـ«تحالف الراغبين» إلى تسريع العمل وتحديد ما يلتزم كل طرف بتقديمه جدياً على المستويات المالية والتسليحية واللوجيستية والعسكرية، علماً أن هيئة أركان جماعية يديرها ضابط فرنسي تجتمع في ضاحية قريبة من باريس وتعمل على رسم خطط الانتشار ودراسة السيناريوهات المحتملة لـ«قوة الطمأنة» التي لا يُعرف بعد تكوينها وعديدها وتسليحها.

وينظر الأوروبيون إلى مساهماتهم من زاويتين: الأولى، تأكيد وحدة الموقف الأوروبي بالوقف الحازم إلى جانب أوكرانيا (مع بعض الاستثناءات: المجر وسلوفاكيا)، والأخرى، اعتبار مشاركتهم المدخل المتاح حتى لا يتفرد «الحليف الأميركي» بالملف الأوكراني، وليكون لهم دور في شأن يرتبط به أمن القارة الأوروبية، فضلاً عن المشاركة في الدفع باتجاه اتفاق سلام يُنهي حرباً على قارتهم انطلقت قبل أربع سنوات.


وزير الدفاع الألماني ينتقد الفضائح «الصادمة» في فوج المظليين بالجيش

جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
TT

وزير الدفاع الألماني ينتقد الفضائح «الصادمة» في فوج المظليين بالجيش

جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)
جنود ألمان يشاركون في مناورات عسكرية بليتوانيا (رويترز)

وصف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الفضائح التي طالت مظليين في القوات المسلحة الألمانية بأنها «صادمة»، مؤكداً أنها تمثل انتهاكاً صارخاً لقيم الجيش الألماني.

وتشمل القضايا المبلغ عنها حالات تطرف يميني، وسلوكاً جنسياً غير لائق، وتعاطي مخدرات، حسبما أوضح الوزير في تصريحات لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأعلنت وزارة الدفاع أن التحقيقات في فوج المظليين رقم 26 في منطقة تسفايبروكن بولاية راينلاند - بفالتس أسفرت عن فصل عدد من الجنود، بينما تواصل النيابة العامة التحقيق مع 19 جندياً.

وأبدى بيستوريوس استياءه من تعامل القيادة المحلية في البداية مع هذه البلاغات، رغم بدء التحقيقات لاحقاً، وفرض عقوبات أولية، مؤكداً أن تجاهل المخالفات أو عدم التعامل معها بالحزم المطلوب أمر غير مقبول.

وأوضح الوزير أن المفتش العام للقوات البرية، الجنرال ليفتنانت كريستيان فرويدينغ، أطلق إجراءات عاجلة للحيلولة دون تكرار هذه السلوكيات، موضحاً أن هذه الإجراءات ستجمع في «خطة عمل للقوات المحمولة جواً» لضمان تنفيذها.

وحدد بيستوريوس 3 أهداف أساسية، وهي كشف جميع الوقائع بشكل كامل، ومعاقبة أي مخالفات إضافية بأقصى صرامة، واستعادة الثقة بالقيادة العسكرية المحلية.

وشدد الوزير على أنه لا مكان للتطرف، والسلوك الجنسي غير اللائق، وتعاطي المخدرات في الجيش الألماني، مؤكداً ضرورة توفير بيئة آمنة للإبلاغ عن الانتهاكات دون خوف أو تضامن خاطئ مع المخالفين.

وذكرت صحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» اليومية الوطنية في وقت سابق أن التحقيقات كانت جارية منذ أشهر في فوج المظليين 26 في زويبروكن، مع التركيز على التطرف اليميني، وسوء السلوك الجنسي، والطقوس العنيفة والمخدرات.

وتم اتهام عشرات الأفراد في الفوج بالاعتداء الجنسي والتحرش بالنساء، مع اتهام 30 على الأقل بالتطرف السياسي ومعاداة السامية فيما يتعلق بأكثر من 200 حادثة.

وذكرت الصحيفة تأدية تحيات هتلرية ووجود حزب نازي بناءً على معلومات داخلية. وأفادت بأن النساء تعرضن لأعمال استعراضية، وأجبرن على الاستماع إلى نكات إباحية وخيالات اغتصاب.

وقال بيستوريوس إنه يجب أن يكون واضحاً أن التطرف وسوء السلوك الجنسي وتعاطي المخدرات لا مكان لها في القوات المسلحة.

وأضاف: «من المهم بنفس القدر ألا يكون هناك خوف من الإبلاغ عن الحوادث - أو حتى الشعور المضلل بالتضامن مع أولئك الذين يتجاوزون كل الخطوط».

وأكد الوزير ضرورة ضمان مساحة آمنة في جميع الأوقات، ليشعر المتضررون بالأمان عند الإبلاغ عن حوادث من هذا النوع.


زيلينسكي يعلن عن اجتماع لدول «تحالف الراغبين» في 3 يناير بأوكرانيا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
TT

زيلينسكي يعلن عن اجتماع لدول «تحالف الراغبين» في 3 يناير بأوكرانيا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، إن بلاده تخطط لعقد اجتماع لمستشاري الأمن القومي لدول «تحالف الراغبين» في الثالث من يناير (كانون الثاني) المقبل في أوكرانيا.

وأشار زيلينسكي في حسابه على منصة «إكس» إلى أن مناقشات ستُعقد بعد ذلك على مستوى القادة، وقال إن من المخطط له عقد هذا الاجتماع في السادس من يناير (كانون الثاني) في فرنسا.

كان رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف قال في وقت سابق، الثلاثاء، إن «تحالف الراغبين» سيجتمع مجدداً الأسبوع المقبل لمناقشة الأزمة الروسية - الأوكرانية.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أيضاً إنها خاضت «نقاشاً مثمراً» مع القادة الأوروبيين، الثلاثاء، حول دعم أوكرانيا وأمنها وإعادة إعمارها، عادَّة أن انضمام كييف للاتحاد الأوروبي بمثابة ضمانة أمنية أساسية في حد ذاته.